لعنة الموارد
ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 15/3/2017 الدكتور حسين احمد الجلبي في أمسية ثقافية قدم فيها رؤيته حول موضوع نقمة الموارد الطبيعة مناقشا فيها نظرية (مايكل روس )صاحب كتاب “نقمة النفط، كيف تؤثر الثروة النفطية على نمو الأمم “.
الدكتور حسين أحمد الجلبي ولد في العراق. اتم دراسته الثانوية في بغداد، ليحصل على منحة دراسية من وزارة النفط عام 1962 لدراسة الهندسة الكيمياوية في المملكة المتحدة، وتخرج من كلية امبريال عام 1967 ،أكمل دراسته بنفس الجامعة وحصل على درجة الدكتوراه عام 1970،حيث هاجر إلى كندا في نفس العام للعمل في شركة شل في صناعة تكرير النفط ، وفي شركة شل اكتسب خبرته العملية في مجال التخطيط والاستراتيجيات والمشاريع والإدارة. غادر شركة شل في عام 1976 للعمل في الكويت مستشارا لوزارة النفط وأحد كبار الباحثين في معهد الكويت للأبحاث العلمية، ليعمل من عام 1978 حتى 1990 في شركة ( UOP ) الامريكية ، وهي شركة عرفت على مستوى العالم بتقنياتها وتصميماتها لمرافق معالجة النفط والغاز والبتروكيماويات، وأثناء خدمته مع (UOP) حصل الدكتور حسين الجلبي على زمالة معهد الطاقة في المملكة المتحدة في عام 1987 لخدمات صناعة الطاقة. عمل في المملكة المتحدة منذ عام 1990 كاستشاري في صناعات الطاقة والبترول والبتروكيمياويات . وقد حضر الدكتور حسين الجلبي حفل توقيع مايكل روس لكتابه في لندن عام 2012 ،وتناقش معه في مجموعة من النقاط والمحاور التي اغفلها المؤلف ،مما دفع بروس الى الطلب من الجلبي كتابة ملاحظاته وارسالها له ليأخذ بها في الطبعات اللاحقة وليصحح بعض المعطيات التي اشار بها عليه الدكتور الجلبي.
النقاط الرئيسية
ابتدأ الدكتور حسين الجلبي محاضرته بتحديد النقاط الرئيسية التي تناولها مايكل روس في كتابه ،والتي سيتناولها بالنقاش وتسليط الضوء وهي كما يلي :
- أن تكون دولة ما غنية بالنفط ، فإن هذا لا يعنى أنها باتت دولة بدون مشاكل . الدول الغنية بالنفط تكون عادة مصابة بما يعرف بــــ” لعنة الموارد” ، فالنفط يساعد الحكومات فى أن تكون أكثر إستبداداً ، كما يساعد السياسين فى شراء الداعمين.
- تعمل الحكومات على إخفاء بيانات مكاسبها من النفط ، ليكون من السهل الحصول على جزء من الإيرادات فى تمويل مشاريع سياسية خاصة ، أو التصدى لعقوبات دولية يكون الهدف منها القضاء على النظام الحاكم ، كما حدث فى العراق وليبيا.
- الدول التى تعتمد على إيرادات النفط ، ولا تقوم بجمع الضرائب من مواطنيها ، وعادة مايكون مواطنيها أقل فاعلية فى نسب المشاركة السياسية ، وغالباً ما تكون الدول النفطية غير ديمقراطية.
- هناك علاقة بين إنخراط النساء فى سوق العمل والنفط ، فكلما كانت الدولة أكثر ثراءاُ نفطياً فإن فرص النساء فى المشاركة السياسة والتصنيعية تكون أقل ، نظراً لعدم الحاجه لسد الحاجات المادية.
- النفط أحد العوامل الرئيسية فى نشوب الحروب الإهليه والحركات الإنفصالية سواء فى حالة رغبة حركة مسلحة الإستيلاء على مناطق الإنتاج ، أو رغبة سكان الإقليم النفطى الإنفصال عن الدولة الأم بهدف تحقيق أقصى إستفادة من ثروات هذا الإقليم .
- هناك عدة طرق للحد من ” لعنة الموارد ” مثل : إستخدام عقود المقايضة ، تقليص حجم الإنتاج النفطى ، توزيع العوائد على المواطنين مباشرة ، تحويل جزء من الأموال إلى الحكومات الإقليمية أو المحلية.
المفارقة فى ثروة الأمم
قبل عام 1980 لم يكن ثمة دلائل على وجود ” لعنة الموارد ” فى بلدان العالم النامى ، حيث كانت الدول النفطية والغير نفطية متساوية فى إحتمالات خضوعها لحكومات إستبدادية وإحتمالات معاناتها حروباً أهليه . اليوم الدول النفطية أكثر عرضة للإستبداد من الدول غير النفطية بنسبة 50% . وهى إلى ذلك مجتمعات أكثر تقلباً من الناحية المالية وأقل عدالة فى الفرص السياسية والإقتصادية المتاحه أمام النساء . لقد ادت الجيولوجيا الجيدة إلى سياسات رديئة وفاسدة فى هذة الدول على الأقل منذ عام 1980 ،ولم يكن من المفترض أن تحدث ” لعنة الموارد ” أصلاً ، حيث توقع الخبراء أن ثروة الموارد ستساعد الدول بدل إلحاق الضرر بها ، حيث ستستغل هذة الدول الثروات النفطية للإستثمار فى التعليم وبناء المدارس وغيرها من البنى التحتية لتسريع عملية التطوير . بقيت تلك الحكمة التقليدية صحيحة على وجة العموم فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى ، لكن فى السبعينيات تحديداً حدث خطأ ما فى الدول النفطية .
ما الذى يسبب لعنة النفط ؟
يلقى بعض المراقبين باللأئمة على القوى الأجنبية التى تتدخل فى البلدان الغنية بالنفط وبالتلاعب بحكوماتها ، فى حين يلقى أخرون اللوم على شركات النفط العالمية التى تستغل هذة الموارد سعيا وراء السيطرة وتحقيق أرباح غير عادية . على الرغم من أن حجج الفريقين تنطوى على بعض الحقائق إلا أنها لا تستطيع الصمود إذا خضعت لفحص دقيق .
ففى العقود الأخيرة إستطاعت دول كثيرة منتجة للنفط مثل إيران وفنزويلا وروسيا والسودان وبورما أن تصمد بصورة إستثنائية ضد ضغوطات الدول الغربية . كما أنه وعلى مدى حقبة كبيرة من القرن العشرين ، كان لشركات النفط العالمية تأثير ملحوظ فى البلدان المنتجه للنفط فى العالم النامى ، إلا أن دور هذة الشركات قد تضاءل بصورة حادة منذ مطلع القرن العشرين عندما أممت غالبية البلدان النامية صناعاتها النفطيه .
أسباب لعنة النفط:
يمكن ان نحدد بصورة عامة مسببات لعنة الموارد في اسباب رئيسية هي :
- يسهل حجم الإيرادات الهائل على الحكومات الإستبدادية إسكات المعارضة ، وهو ماحدث بعد حركات التأميم، عندما إنتقلت الثروة من يد الشركات الدولية إلى يد الحكومات ، ويمكن أن يؤدى أيضاً إلى قيام حركات تمرد وعصيان يسعى من خلالها مواطنو المناطق الغنية بالنفط للحصول على حصة من العائدات.
- العديد من الحكومات تعتمد على إيرادات النفط فى تمويل المشاريع ، لذا فإن الحصول على إيرادات يأتى عبر بيع الأصول التى تمتلكها الدولة ، وهذا يساعد فى تفسير كون عدد كبير جدا من البلدان المنتجه للنفط غير ديمقراطية.
- تتسبب سرية عائدات النفط فى ان تتواطأ الحكومات مع شركات النفط لإخفاء صفقاتها ، وهو الأمر الذى يساهم فى تسهيل بقاء الأنظمة الإستبدادية فى الحكم نظراً لوجود مورد دائم يسهل لهم القيام بما يحلو لهم.
التوجه نحو إستخراج النفط من الدول النامية:
تغطى البلدان النامية 60% من مساحة اليابسة فى العالم تقريباً ، بإستثناء القارة القطبية الجنوبية التى لا تمتلك أكثر من 20% من حجم الإستثمار العالمى فى مجال التعدين . بالمقابل تغطى الدول الديمقراطية الغنية فى أوروبا وأمريكا الشمالية ونيوزلندا وأستراليا 25% من مساحة اليابسة ، لكنها تستحوذ على 75% تقريباً من حجم الإستثمار الأجنبى فى مجال التعدين عالمياً . وعلى الرغم من ذلك فإنة يظهر فى الأفق توجهاً بالتنقيب والإستخراج من الدول النامية الغير مستقرة والتى تعانى من إضطرابات.
أصبح هناك أفضليه للتنقيب عن النفط وإستخراجه فى البلدان الناميه عن ذى قبل ، ففى يناير 1999 كان برميل النفط يباع بعشرة دولاارت فقط ، وفى يونيو 2008 سجل سعر البرميل إرتفاعا بلغ 145 دولاراً ، ونتيجة إرتفاع أسعار النفط ، رأت بعض الشركات أن مخاطر العمل فى البلدان الناميه الغير مستقرة تتراجع بصورة متزايدة مقارنة بالفوائد التى ستجنيها من إكتشاف إحتياطيات جديده بعد هذا الإرتفاع الغير مسبوق فى الأسعار ، لذا إنتقلت الأنظار نحو البلدان الناميه والتى تقع معظمها فى أفريقيا ، وهى أيضا البلدان التى يشجع قادتها الإستبداديون الشركات العالمية للعمل فى إستخراج النفط ليتمكنوا من الحصول على ثروات سريعة تُعزز نفوذهم وسياستهم.
دور إيرادات النفط فى تشكيل هيكل الدولة المالى:
عند عقد مقارنة بين حكومات البلدان المنتجة للنفط وبين الدول المجاورة والتى لها ذات الدخل ولكن ليس لديها نفط ، فإنه يزيد حجم الحكومات المتمولة من النفط عن مثيلاتها غير النفطية . بالإضافة إلى أن الإيرادات الهائلة للنفط تساهم فى تمويل الحكومات بدرجة تجعلها أقل إتكالاً على أموال الضرائب .كما أن الحكومات تجد أن تحصيل إيراداتها من القطاعات النفطية أسهل بيروقراطياً وأكثر شعبية سياسيا من تحصيل الضرائب المفروضة على عامة الشعب.
ريع النفط مابين سيطرة الشركات الخاصة والحكومات
يتشكل كثير من سياسات النفط نتيجة الصراع بين الحكومات وشركات النفط ، من أجل السيطرة على الريع، فقبل التغييرات فى ستينيات وسبعينيات القرن العشرين تواطأت شركات النفط مع بعضها مما جعل من شبة المستحيل على الحكومات تحصيل ريع النفط ، مع أن ملكيتة قانونياً تعود للدولة المضيفة . كما تمتعت هذة الشركات بميزة السرية التى تجعل من الصعب معرفة إيراداتها ، لذا فإن ما تجنية الحكومات يكون غالباً أقل بقليل عن الإيرادات الأصليه ، خصوصاً أن هذة الشركات تعمل على تصدير النفط من خلال شركات متفرعة فى كل أرجاء العالم ، أى نقل إيراداتها من إحدى أذرع الشركة المتحدة الخاضعة قضائياً لسلطة الحكومة المضيفة إلى أذرع أخرى غير خاضعة لتلك السلطة ، الأمر الذى يجعل من الصعب ملاحقة الشركة أو ايراداتها.
إلا أن قيام حركات التأميم فى معظم البلدان المنتجة للنفط قد ساهم فى تغيير ميزان القوى بين شركات النفط والحكومات لصالح الحكومات ، وحسب ستيفن كوبرين ” كانت النتيجة الصافية تحولاً ثورياً فى صناعة النفط ” حيث إستطاعت الحكومات إنتزاع أكبر حصة من ريع النفط.
النفط والقطاع الخاص:
كيف لا يؤدى إنتاج النفط إلى نمو سريع فى القطاع الخاص يوازى نمو الدولة ؟ ثمة ثلاث أسباب تكمن وراء نمط النمو الغريب ، فإمتلاك الدولة للأصول القابعة فى باطن الأرض وكذلك للإحتياطيات ، فحقوق سيادة الدولة تحد من تأثير إنتاج النفط على القطاع الخاص ، مما يجعل على هذا القطاع اللحاق بركب الدولة. أن أعمال التنقيب التى تقوم بها الشركات الخاصه تظل محصورة فى إطار جغرافى ضيق لا يسمح لها بتوزيع الإستثمارات على قطاعات أخرى ، بعكس الدولة التى تسيطر على عمليات الإستخراج والمعالجة والنقل.
التكلفة الهائلة لعمليات الإستخراج خصوصا الأبار البحرية ، وهى التكلفة التى لا تواجه فيها الدولة معضلة نظراً لانها تكون قادره على الإستقطاب المادى من مؤسسات أخرى تابعه لها ، أما الشركات الخاصه فهى تعتمد فقط على رأس المال الخاص بها فقط ، وهو الأمر الذى يساهم فى إستنزاف قدراتها بحيث ينتج عن ذلك تأخرها الدائم فى مساواة أو اللحاق بركب الدولة الإقتصادى ( تكلفة بناء منصة بحرية يبلغ 500 مليون دولار ، وتكلفة الإيجار تبلغ 200 مليون دولار).
غالباً مايكون الإقتصاد الزراعى والصناعى فى حوزة القطاع الخاص ، وبإزدهار قطاع النفط فإن رأس المال والقوى العامله تبتعد عن قطاعى الزراعة والصناعة فى إتجاه قطاع النفط ، وعندما تتدفق الأموال من قطاع النفط المزدهر إلى اقتصاد الدولة ، فإن سعر الصرف الحقيقى للعملة يرتفع ، وبدورة يجعل سعر الصرف الحقيقى الأعلى استيراد السلع الزراعية والمواد المصنعة أرخص تكلفة من تصنيعها محلها ،ونتيجة لذلك يخسر القطاعان الصناعى والزراعى التابعين للقطاع الخاص، مقابل تحقيق مكاسب للقطاع الحكومى ، وهى المعادلة التى باتت تُعرف إصطلاحاً بإسم ” المرض الهولندى “.
سرية إيرادات النفط:
تعمل العديد من الحكومات على إخفاء عائدات النفط . ثمة تحليل أجرى مؤخراً عن الكاميرون أكد أن 46% فقط من إيراداتها النفطية 1977 – 2006 حولت إلى الميزانية ، فى حين لم يستطع أحد معرفة أين ذهبت 54% الباقية . كما أن الإحتفاظ بأموال النفط دون الإفصاح عنها بات أمراً يساهم فى شراء الأتباع وتمويل التحركات المشبوهة ، وقد سهل لـ ” سوهارتو” الرئيس الأندونيسي توزيع الأموال على مؤيدية قبل الإطاحه به مثلا، وعندما فرضت عقوبات دولية على ليبيا ، إستطاع القذافى الصمود فى وجه العقوبات والحصار بسبب مليارات كانت مودعة فى حساباته السرية ، وكذلك كان الحال مع صدام حسين.
نفط أكثر ، ديمقراطية أقل
تستطيع البلدان الغنية بالنفط تقديم فوائد ومزايا هائله ، من أهمها عدم تكليف المواطنين بضرائب كالتى موجودة فى البلدان الغير نفطية ، وهذا يتيح لها الحفاظ على الدعم الشعبى ويجنبها حدوث الثورات المطالبة بالديمقراطية . يشار أحياناً إلى أن المواطنين فى ممالك النفط يشعرون بالإمتنان لحكامهم لمنحهم إياهم المال ، وأن هذا الإمتنان يترجم إلى دعم سياسي . لكن الإمتنان ينجم عن تلقى هدية ، فى حين يعتقد عرب الخليج أنهم هم أنفسهم بوصفهم مواطنين ، لا الأسر الحاكمة ، يملكون النفط ، لذلك لا يشعر الكثير منهم بإمتنان كبير لتلقيهم شيئاً يعتقدون أنه ملكهم أصلاً .
أثر النفط على سلوك الحكومات:
ومع إفتراض أن دول النفط فقدت السيطرة على الأمور ، وافتضح أمرها فى إخفاء ثروات نفطية ، فإن الإنتفاضات ستندلع للمطالبة بالديمقراطية ، حيث يعتمد أمر نجاح أو إخفاق هذة الإنتفاضات على مدى ولاء القوات المسلحه للسلطه الحاكمه ، وفى حالة وجود شك فى هذا الولاء ، فإن أموال النفط غالباً تكون موجوده لشراؤه لإخماد التمرد ، أو لإسكات المواطنين أنفسهم.
عندما إنهارت أسعار النفط فى ثمانينات القرن العشرين ، حاولت الحكومة السعودية رفع الضرائب وتخفيض كثير من أوجه الدعم ، لكن بعد تعرضها لإنتقادات شعبية ، تراجعت عن التدبيرين كليهما . وفى معرض تخوفها من إرتدادات الربيع العربى فإن حكومات الشرق الأوسط قد وفرت لمواطنيها إعانات جديدة ، والتى إزدادت معدلاتها فى الدول الغنية بالنفط.
تحاول الحكومات أن تكون اكثر حرصا على الإعلان الرسمى عن حجم إنفاقها ، لأن الإنفاق يتمتع بشعبية واسعة بين عامة المواطنين ، إلا أنها أشد ممانعة للإعلان عن حجم الإيرادات التى تجمعها .وفى هذا السياق فإن دول النفط تحديداً أكثر كرهاً للكشف عن إيراداتها . فمن خلال مراجعة بيانات البنك الدولى لعام 2006 ، نجد أن عدد الدول الغير منتجة للنفط والتى أعلنت عن إيراداتها بلغت 64 ، بينما بلغت 90 دولة غير منتجه للنفط فى إعلانها عن نفقاتها ، أما الدول المنتجة للنفط والتى أعلنت عن نفقاتها 50 دولة ، بينما بلغت 89 دولة منتجة للنفط فى إعلانها عن نفقاتها.
كيف يؤثر النفط فى النساء:
فى الدول الفقيرة تسعى النساء إلى العمل ، ويسعى أرباب العمل إلى توظيف النساء دوناً عن الرجال نظراً لأن النساء تتقاضى أجوراً أقل ، بالإضافة إلى أن حدوث تحولات سياسية وإجتماعية وإقتصادية في دولة ما يجعل النساء ينتقلن من حقبة الركون الإجتماعى إلى النشاط على كل الأصعده ، ولنا فى كوريا الجنوبية مثالاً ، ففى عام 1930 لم يكن مسموح للنساء بالتجول فى شوارع سيؤول ، إلا أنه ومع بداية حركة التصنيع 1960 شرعت النساء الكوريات بالعمل فى المصانع ، ومع بداية حقبة التسعينات إنخرطن فى العملية السياسية.
قد يكون للنفط تأثير معاكس لتأثير التصنيع ، ففى نفس الوقت الذى أحرزت فيه النساء تقدماً إقتصادياً وسياسياً فى معظم بلدان العالم ، إلا أن تقدمهن كان أبطأ فى بعض المناطق ذات الإنتاج النفطى ، وتتركز تأثيرات النفط على نحو صارخ فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، حيث تعادل نسبة النساء اللاتى يشغلن مقاعد فى برلمانات الدول غير النفطية ثلاثة أضعاف نسبة النساء البرلمانيات فى الدول المنتجة للنفط. لكن كيف يمكننا ان نتأكد من أن النساء فى الشرق الأوسط إعترض سبيلهن النفط ، لا الإسلام أو الثقافة؟ إحدى طرق التحقق من هذة القضية تتمثل فى تفحص أحوال النساء داخل منطقة الشرق الأوسط عن كثب ، لبلدان المنطقة دين مشترك ولهم – على وجه العموم – ثقافة مشتركة ، لو كان الدين والثقافة مصدر المشكلة ، لكان يٌفترض أن تعيش النساء فى كل بلدان الشرق الأوسط نفس الأحوال المتردية ثقافياً وسياسياً.
لكن ليست هذة هى الحال ، فثمة تفاوت صارخ فى أحوال المرأه عبر المنطقة ، فى بعض البلدان تشكل النساء أكثر من ربع القوى العاملة ، فيما لا يبلغن 50% فى بلدان أخرى ، وفى بعض تلك البلدان ، أكتسبت النساء حق الإقتراع فى أربعينيات القرن العشرين ، فيما لم يكتسبنة فى بلدان أخرى حتى عام 2010 ، وفى بعض الحكومات ، تشغل النساء أكثر من 20% من مجموع المقاعد البرلمانية ، فيما لم تشغل فى بلدان أخرى أى مقعد.
الأثر الغير مباشر للنفط على وضع النساء فى البلدان الغير نفطية
تساعد الثروة النفطية فى تفسير بعض مظاهر الشذوذ الإحصائى لدول المنطقة . على الرغم من أن اليمن ومصر والأردن لديها قليل من النفط أو ليس لديها نفط على الإطلاق ، فإن لديها أعداداً أقل من القوى النسائية العاملة ، ومن عضوات البرلمان مما يمكن أن نتوقع.هذا الخروج عن القياس قد يكون جزئياً نتاج التحويلات الماليه للعمالة الخارجية منذ السبعينات وحتى التسعينات من القرن العشرين ، كانت هذة البلدان أكبر مصدرى العمالة إلى البلدان الغنية بالنفط فى منطقة الخليج العربى ، وتلقت منها بالمقابل تحويلات مالية ضخمة . وشانها شأن النفط ، يمكن للتحويلات المالية أن تؤدى إلى إبتعاد النساء عن سوق العمل.
دور النفط فى إشعال حرب أهلية:
مع إفتراض أن هناك منطقة تتميز بثراء نفطى فى إحدى الدول ، ومع إفتراض أن جميع المواطنين فى هذا البلد الأم متساويين فى الحقوق وماتوفرة لهم الدولة ، الأمر الذى يجعل المواطنين فى المناطق البعيده عن إنتاج النفط يدعمون الحكومة ، إلا أنه لا يكون غالباً نفس التوجه النفسي لسكان المناطق الغنية بالنفط ، والذين يطالبون بزيادة حصتهم فى الأرباح ، ولا يكون أمام الحكومات فى هذة الظروف سوى الإنصياع لطلبات السكان ، الأمر الذى يثير حساسية لدى السكان البعيدين عن المناطق الغنية بالنفط ، وبالتالى يساهم هذا الأمر فى إشعال توتر بين الطرفين ، إن لم تعمل الحكومة على الدفع للسكان الذين يقطنون أماكن بعيده عن مناطق الإنتاج النفطى ، فإن بوادر حرب أهليه تظهر فى الأفق ، سواء كان السبب فيها رغبة السكان البعيدين عن مناطق الإنتاج فى المساواة ، أو رغبة سكان المناطق الغنية بالنفط الإنفصال.
دور الثروة النفطية فى إضعاف الدولة:
تفيد إحدى المقولات الشائعة بأن الحروب الأهليه فى الدول المنتجة للنفط إنما تندلع بفعل تأثير جاذبية النفط : كلما راكمت الحكومات مزيداً من إيرادات النفط أضحت أهدافاً مربحة أكثر بالنسبة للمتمردين . ووفقاً لمقولة ” الدولة الضعيفة ” فإن المتمردين سوف يهاجمون الحكومة لأن تكاليف هزيمتها أقل.
يؤدى النفط أيضاً إلى نشوب صراع مسلح عبر تشجيع التدخلات العسكرية الخارجية ، مثل الحروب الأهليه التى أنزلت الكوارث بالعراق بعد حربى الخليج . لطالما تدخلت القوى العظمى فى بلدان منتجة للنفط ، وفى وقت لاحق ، نصبت عليها حكومات مناصرة لها ووفرت لها الحماية.
النفط.. والنمو الاقتصادي.. المؤسسات السياسية
كانت دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط قد نعمت حتى منتصف السبعينات بنمو مذهل ، إلا انها امضت معظم الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين وهى تسجل تراجعات . فى عام 2005 ، كانت نصف الدول فى ” أوبك ” أفقر حالاً مما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً. تزعم دراسات متخصصة أن الثروة النفطية هى لعنة إقتصادية ، حيث أنه كلما إزداد النفط تباطأ الإقتصاد ، أو تقلبت أحواله . للأسباب التالية:
- إرتباط الإقتصاد إرتباطاً وثيقاً بتقلبات أسعار النفط ، خصوصاً وأن معظم الدول المنتجة للنفط تعتمد فقط على إقتصاد أحادى ” البترو دولار”.
- عندما تتضاعف معدلات النمو والإيرادات النفطية ، فإن الدول الرئيسية المنتجة للنفط تقريباً تعانى مشاكل فى إدارة المكاسب المفاجئة ، وهو ماحدث أثناء الصدمه النفطية عام 1974 ، عندما وصلت الإيرادات النفطية إلى أعلى مستوياتها.
- بين العامين 1980-1986 إنخفض سعر النفط وصولاً إلى أقل مستوياته ، الأمر الذى ساهم بدورة فى هبوط متوسط دخل الفرد فى كل من ” الامارات والسعودية والكويت وقطر إلى نحو 50%.”. إلا أن هناك دول قد نجت من ظروف مشابهة عندما إتبعت سياسة أكثر رشدا تعتمد على نظرة مستقبلية ، مثل سلطنة عمان وأندونيسيا وماليزيا ، ففى نفس الوقت الذى تهاوت فيه الأسعار وإنخفضت بالتالى متوسطات المداخيل الخاصة بالأفراد ، فإن دخل الفرد إزداد فى عمان بنسبة 89% وفى ماليزيا بنسبة 78% عام 1989 ، كما حققت أندونيسيا نسبة نمو بلغت 54%. ويعود السبب فى ذلك إلى أن هذة الدول الثلاث قد إتبعت سياسة إتسمت ” بالتروى زمن البحبوحة ” بالإضافة إلى الإستثمار فى القطاع الزراعى ، وسياستها الصارمة التى رمت إلى الحفاظ على توازن الميزانية وعلى عملة قابلة للتحويل ، كما أن عمان وماليزيا قدعملتا على زيادة إنتاجهما النفطى لموازنة هبوط الأسعار ، نظراً لأنهما ليستا عضوتان فى ” أوبك ” حيث إزداد إنتاجهما من النفط بنسبة 130% لعمان ، 110 % لماليزيا.
دول الريع
تتميز الحكومات التى تعتمد على” ريع النفط ” بأنها قصيرة النظر ، فالنفط يجعل القادة السياسين أقل ميلاً لتعزيز الرفاة الإجتماعى . وبتحررهم من تدقيق الناخبين ، يصبح الساسة أيضاً قصيرى وقليلى التبصر ، فحسب دراسة بالغة الأهمية أجراها حسين مهدوى بعنوان ” دول الريع ” يكرس الساسة القسم الأكبر من مواردهم لحراسة الوضع الراهن بحرص وحذر شديدين ، بدل أن يستثمروا فى التنمية الاقتصادية.
دول النفط المسلمة:
تبدو منطقة الشرق الأوسط وكأنها تتحدى نمطين عالميين إثنين : لقد أصبحت منطقة أكثر ثراءاً دون أن تصبح ديمقراطية، ودون أن تحرز تقدماً كبيراً فى حقوق المساواة بين الجنسين ، وينحى مراقبون عديدون باللائمة فى كلا النمطين على تقاليد المنطقة الإسلامية. لكن هل يمكن أن يفسر الإسلام حقاً شذوذ الشرق الأوسط وخروجة عن القياس ؟
ليس من السهل فك التشابك بين تأثيرات الإسلام وتأثيرات النفط نتيجة للمصادفة الجغرافية الغربية : يوجد معظم بترول العالم فى بلدان ذات أغلبيات مسلمة ، لا فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فقط ، بل فى جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى ( نيجيريا والسودان وتشاد ) ، وفى جنوب شرق أسيا ( إندونيسيا وماليزيا وبروناوى ) ، وفى حوض بحر قزوين ( أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان).
يوجد في بلدان أخرى ذات أغلبيات مسلمة ، ولا تملك من النفط إلا قليلاً ، أو ليس لديها نفط على الإطلاق ( الصومال ، تركيا، أفغانستان ) وبلدان يشكل فىها المسلمون أقليات ولديها كثير من النفط ( أنغولا وفنزيولا والنرويج ) . إلى ذلك ، فى عام 2008 قامت البلدان ذات الأغلبيات المسلمة – وتشكل 23% تقريباً من الدول السيادية فى العالم – بتصدير 51% من نفط العالم ، وتربعت على 62% من إحتياطياته ، وبما أن حصتها من الإحتياطيات تفوق حصتنها من الصادرات الراهنة ، فإن دور البلدان ذات الأغلبية المسلمة فى أسواق البترول العالمية سيتعاظم بالتأكيد فى العقود القادمة.
البترو دولار والسلطة فى الشرق الأوسط
حاول البعض تحقيق نقلة ديمقراطية فى منطقة الشرق الأوسط ، عن طريق إزاحة الإستبداد والحكم الملكى والإنتقال إلى الحكم الديمقراطى ، حاول البعض تحقيق هذة النقلة الديمقراطية ، ففى ستينيات القرن العشرين ، أطيح بملكين فى العراق وليبيا عبر إنقلابين عسكريين ، وفى عام 1979 أفضت الثورة الإيرانية إلى إسقاط الشاه . لم يؤد أى من هذة الثورات إلى تحقيق ديمقراطية مستدامة . البترودولار أدى إلى تقوية الحكام المستبدين ، أفضى أيضاً إلى أضعاف منظمات المجتمع المدنى والقطاع الخاص.
ما الذى ينبغى أن نفعله للحد من لعنة الموارد ؟
لإصلاح حال الإيرادات النفطية ، تحتاج مختلف البلدان أنواعاً مختلفة من السياسات والتدابير، ومنها:
1- تقليص حجم الإيرادات النفطية
هذا الخيار يعنى الإبقاء على النفط فى باطن الأرض ، وإستخراجه بقدر الحاجه ، بحيث لا تتجاوز الإيرادات قدرة الحكومة على الإنفاق المجدى ، نظراً لأن الثروة المعدنية هى أصل غير قابل للتجدد ، فإن غستخراجها ينتج تدفقاً نقدياً ضخماص ومفتاجئاً مرة وإلى الأبد ، لكنه متى نفد لا يمكن تجديده ، وإذا إستثمر بحكمة فيمكنة رفع مستوى الأجيال القادمة ، لذا فإن تركة فى باطن الأرض شبية بإدخارة فى مصرف ، وسوف يكسب ” فائدة ” حيث ترتفع قيمتة مع مرور الزمن ، فيما تكون إمدادات البرول العالمية فى طريقها إلى النضوب.
2- استخدام عقود المقايضة
بدلاً من أن تبيع البلاد نفطها مقابل مبالغ نقدية ، بوسعها مقايضتة مباشرة بسلع عامة تود فى نهاية المطاف الحصول عليها ، بيد أن بلاد عديدة – بما فيها أنغولا ونيجيريا وزيمبابوى وزامبيا – باعت بالفعل بترولا وغيره من الحقوق المعدنية لشركات وإتحادات يملكها الصينيون بإستخدام صفقات المقايضة ، فبدلاً من تلقى الضرائب ، تلقت هذة الحكومات وعوداً بإنشاء بنى تحتية وتقديم خدمات فى المستقبل.
3- توزيع عائدات النفط على المواطنين مباشرة
استخدمت ولاية ألاسكا الأمريكية ومقاطعة ألبرتا الكندية كلتاهما أسلوب التوزيع المباشر . حيث يتلقى صندوق ألاسكا الدائم الذى تأسس عام 1977 خمس عائدات نفط الولاية تقريباً ، ويوزع سنوياً حصة من الفائدة المستحقة لجميع مواطنى ألاسكا . فى عام 2009 كانت قيمة الحصة الواحدة 1300 دولار تقريباً ، وقد نمت شعبية التوزيع المباشر لدرجة أن السياسين يتهافتون لإستعراض جهودهم فى الدفاع عن هذا البرنامج أمام الجمهور.
هذا النظام يبقى جزء من عائدات الحكومة من البترول بعيداً عن متناول السياسين الذين لو كان الأمر خلاف ذلك لكانوا سرقوه أو إستخدموة فى كسب ميزات سياسية ، كما يساعد الصندوق فى التحوط من تقلبات الأسعار ، كما يعطى المواطنين حافزاً على مراقبة إستخدام الحكومة لإيرادات الموارد.
صحيح أن هذا بداية سيخفض التمويل المتاح لبرامج حكومية قد تكون مهمة وقوية ، لكن بوسع الحكومات أن تسترد جزءا من الأموال الموزعة بواسطة فرض الضرائب ، الأمر الذى يؤدى بدوره إلى حث المواطنين على المطالبة بمزيد من المساءلة والمحاسبة . إلا أن تطبيق هذا النظام يظل من المستحيل تطبيقه فى البلدان ذات الدخل المنخفض والبيروقراطية.
4- تحويل جزء من الأموال إلى الحكومات الإقليمية أو المحلية ” لا مركزية الإيرادات “
ينبغى أن يكون للحكومات الإقليمية الحق فى أموال تعوضها عن التكاليف الإجتماعية ، والبيئية ، وتكاليف البنية التحتية التى تتحملها جراء إستضافتها مشاريع النفط والغاز ، مع أن لا مركزية الموارد تذهب إلى ماهو أبعد من تخفيف التكاليف . إنها تنطوى على تقاسم الفوائد المالية الناجمة عن إستخراج الموارد مع الحكومات الإقليمية.
ثمة طريقتان للقيام بذلك : يمكن أن تسمح الحكومات الإقليمية بفرض ضرائب مباشرة على الصناعة البترولية ، أو يمكن أن توزع جزءاً من غيرادات الحكومة المركزية على الحكومات الإقليمية وفقاً لصيغة ما ، إما قبل تذليل المصاعب الناجمة عن تقلب الإيرادات سنوياً أو بعد ذلك.