عواد ناصر
الشاعر والكاتب عواد ناصر من مواليد محافظة ميسان – العراق. أقام وعمل في بيروت ودمشق ولندن بعد أن غادر العراق عام 1979.
صدرت له مجموعتان شعريتان، وهما: (من أجل الفرح أعلن كآبتي)، و (هنا الوردة فلنرقص هنا)، وكما صدر له كتاب نثر بعنوان (حدث ذات وطن). وسيصدر له قريباً كتابان الأول يضم مختارات شعرية من قصائده منذ السبعينات حتى الآن بعنوان (أحاديث المارة) والثاني كتاب يضم مقالات نقدية في الفكر والثقافة والفن بعنوان (رصيف الكلام) وكلاهما عن دار (المدى).
له العديد من المقالات الاسبوعية في مختلف الصحف والمجلات العراقية والعربية
عواد ناصر في أمسية شعرية
مؤسسة الحوار الإنساني – لندن
قرأ الشاعر العراقي، المقيم في لندن، عدداً، من قصائده الجديدة والقديمة، منها ما هو منشور في الصحافة والمواقع الإلكترونية العراقية والعربية، ومنها ما لم ينشر.
لا يخفي الشاعر أن إقامته في عاصمة الضباب هي أفضل فترات حياته كإنسان مكفول الحقوق الكاملة، بضيافة الشعب البريطاني الكريم، متمتعاُ بحقوقه القانونية والمعنوية وحريته كشاعر وكاتب لأول مرة في حياته، بعد سنوات مديدة من الكبت السياسي ومصادرة حقوق الإنسان، في بلده العراق، والدول العربية التي مر بها قبل أن يقيم في لندن.
انطوت قصائد ناصر على ثيمة أساسية، يشتغل عليها منذ أولى قصائده في عقد السبعينات من القرن الماضي، وهي: الحرية، الحرية مفهوماً مركباً، يقوم على عناصر محورية مثل الحرية والوطن والمنفى والحب.
كما تتجاور في نصوص ناصر قيم الحداثة، شعراً ونثراً، في القصائد والمقالات الثقافية والسياسية والاجتماعية والأعمدة الصحفية الثابتة في عدد من الصحف والمجلات العراقية.
ولد الشاعر ناصر في محافظة ميسان (العمارة) عام 1950 لكنه نشأ وتعلم في بغداد وحصل على درجة دبلوم في التربية وعلم النفس.
نشر أولى قصائده منذ عام 1972 في صحافة بغداد ومجلاتها الثقافية، حتى اضطر إلى مغادرة الوطن لأسباب سياسية، منذ عام 1979، إلى بيروت وكردستان ودمشق، قبل أن يقيم في لندن عام 1992 لاجئا سياسا، مواصلاً نشاطه الأدبي والمهني، في ميدان مناهضة دكتاتورية صدام حسين، حيث أسهم في تأسيس عدد من الهيئات والمنظمات الثقافية.
نشرت له ثلاث كتب شعرية، وينتظر صدور كتابين جديدين، الأول: مختارات شعرية بعنوان (أحاديث المارة) ويضم قصائده للفترة من عام 1972 حتى 2010، والثاني بعنوان (رصيف الكلام) وهو مجموعة مقالات ثقافية ونقدية نشرت في الصحافة العراقية والعربية، ويعمل حالياُ على رواية بعنوان (مؤقت) هو “أسرار رجل بلا أسرار” تسترجع تاريخ العراق السياسي الحديث منذ وصول حزب البعث عام 1968 إلى السلطة في العراق، وصعود صدام حسين، حتى الوقت الراهن، على خلفية نسيج اجتماعي عاطفي يكشف تشوه العلاقة بين الرجل والمرأة تحت ضغوط السياسة والقمع والتعذيب.
طبعت للشاعر
عمر وزينب
عواد ناصر في أمسية شعرية
مؤسسة الحوار الإنساني – لندن
قرأ الشاعر العراقي، المقيم في لندن، عدداً، من قصائده الجديدة والقديمة، منها ما هو منشور في الصحافة والمواقع الإلكترونية العراقية والعربية، ومنها ما لم ينشر.
لا يخفي الشاعر أن إقامته في عاصمة الضباب هي أفضل فترات حياته كإنسان مكفول الحقوق الكاملة، بضيافة الشعب البريطاني الكريم، متمتعاُ بحقوقه القانونية والمعنوية وحريته كشاعر وكاتب لأول مرة في حياته، بعد سنوات مديدة من الكبت السياسي ومصادرة حقوق الإنسان، في بلده العراق، والدول العربية التي مر بها قبل أن يقيم في لندن.
انطوت قصائد ناصر على ثيمة أساسية، يشتغل عليها منذ أولى قصائده في عقد السبعينات من القرن الماضي، وهي: الحرية، الحرية مفهوماً مركباً، يقوم على عناصر محورية مثل الحرية والوطن والمنفى والحب.
كما تتجاور في نصوص ناصر قيم الحداثة، شعراً ونثراً، في القصائد والمقالات الثقافية والسياسية والاجتماعية والأعمدة الصحفية الثابتة في عدد من الصحف والمجلات العراقية.
ولد الشاعر ناصر في محافظة ميسان (العمارة) عام 1950 لكنه نشأ وتعلم في بغداد وحصل على درجة دبلوم في التربية وعلم النفس.
نشر أولى قصائده منذ عام 1972 في صحافة بغداد ومجلاتها الثقافية، حتى اضطر إلى مغادرة الوطن لأسباب سياسية، منذ عام 1979، إلى بيروت وكردستان ودمشق، قبل أن يقيم في لندن عام 1992 لاجئا سياسا، مواصلاً نشاطه الأدبي والمهني، في ميدان مناهضة دكتاتورية صدام حسين، حيث أسهم في تأسيس عدد من الهيئات والمنظمات الثقافية.
نشرت له ثلاث كتب شعرية، وينتظر صدور كتابين جديدين، الأول: مختارات شعرية بعنوان (أحاديث المارة) ويضم قصائده للفترة من عام 1972 حتى 2010، والثاني بعنوان (رصيف الكلام) وهو مجموعة مقالات ثقافية ونقدية نشرت في الصحافة العراقية والعربية، ويعمل حالياُ على رواية بعنوان (مؤقت) هو “أسرار رجل بلا أسرار” تسترجع تاريخ العراق السياسي الحديث منذ وصول حزب البعث عام 1968 إلى السلطة في العراق، وصعود صدام حسين، حتى الوقت الراهن، على خلفية نسيج اجتماعي عاطفي يكشف تشوه العلاقة بين الرجل والمرأة تحت ضغوط السياسة والقمع والتعذيب.
طبعت للشاعر
عمر وزينب
)أو روميو وجوليت معرّقة) (*)
من فوقْ،
من شرفةٍ رمتْ لهُ قبلةْ
فلتحذري، زينبْ
فتحتَ هذي الشرفةِ التي تختنقُ الأجراسْ
في ليلها الغيهبْ
آباؤنا حرّاسْ….
من فوقْ..
رمت له منديلْ
ولم ترَ النعاس تحت شرفةٍ
قتيلْ.
لندن – 1 تشرين الثاني 2010
——————————
(*) تاريخ القصيدة 8 حزيران (يونيو) 1990 لكنها غير منشورة.
بحر ميري غبرييل
من زماااااااااااااااااااااانْ!
ما ركبتُ البحرَ رَمْلاً أو رَمَلْ
لم أكنْ أخشى البللْ،
إنما في طرقِ الناسِ مجالٌ للزللْ..
والحياةَ استأنفتْ مِسفنةَ السفّانِ، والسفّانَ، كي يقترحَ، اليومَ، طريقاً آخراً، نحو السماءْ
فاعلاتٌ كُنَّ في مقصورةِ السوّاحِ يسترْوحْن في قيظِ الرذاذْ
كُنّ يستروحنَ فاستغرقنَ في النومِ
عدا واحدةً جاءت إلى طاولتي هذا المساء اللندنيّ،
طلبتْ كأساً من الجنّ بليمونِ الحداثةْ.
لم أكنْ، يوماً، ملاذْ.
شربتْ حتى بكتْ من شدّةِ النشوةِ
(هل كان اسمُها ميري؟)
نعم، كان اسمها ميْريْ غِبَرْييلْ..
– وفي قاموسِنا “مريمُ جبرائيلُ” قلتُ.
استغربتْ “ترجمتي”…
(صار رصيدي اللغويُّ واثقاً من نفسِهِ)،
ثم حكتْ لي عن سُلالاتٍ من الأندلس الضائعةِ ..
– .. كلٌّ له أندلسٌ ضائعةُ في البحرِ أو في التِيهِ، يا سيّدتي، كأساً من الجنّ؟
– أراني نعسة.
– أو ثملةْ؟
– ربما…
استندتْ مريمُ (أو ميري) على كاهلي النعسانِ، أيضاً،
لم يكن غيرُ سريرٍ مفردٍ..
يكفي لشخصينِ..
– سريري الأرض، كالعادةِ، قلتُ.
كان فجرُ البحرِ يصطادُ الرذاذْ
فرأيتُ، مثلما يحدثُ في لحظةِ برقٍ خاطفة:
اللّيالي واقفةْ،
ورأيتُ طائرَ النثرِ وقد حطّ أخيراً
عند بحر هائج الموج،
كبحر الفاعلاتِ الشبقاتِ
لستُ أدري ما الذي يُعجبُهم (ببريتني سبيرْس)؟
هنا، والآن، عندي مريمُ المكتنزةْ
القوامُ الفظُّ والحِلْمَة ماءُ يُغرق البطَّ إلى أعناقهِ،
عندي خبالُ الجنّ والإنسِ إذا ما اجتمعوا..
يصبح العالم بعضاً من تخاريف الكسالى العربِ..
يا أبي:
أنا بيتٌ طالما اختل بنائياً:
عروض خاملٌ والليل في البيداء
هذا وتدٌ راخٍ، بفعل الكاس، لكنْ سببي..
يجعل ميري تحسن الظن بجدوى خببي
وذراعا مريمَ الأندلسيّةْ
تسقطانِ، الآنَ، من حافةِ كأس الجنّ،
والدنيا بلاغٌ كاذبٌ عن فاعلاتٍ فاعلاتٍ فاعلاتْ
مثل نصٍّ يدّعي قولَ الحقيقةْ…
مثل نَصّي.
لندن – فجر الأربعاء 9 حزيران (يونيو) 2010
وجهُكِ لا يشبهُكِ
بعد خروجِكِ من رَحِمِ الأرضِ لتسقي الأرضَ حياةً أخرى،
امرأةُ الوركاءِ تنامُ، الليلةَ، بين ذراعيْ رجلٍ منفيٍّ، مثلك، لتكوني وطنا
لم يبرح جُرفيكِ الوركاوين
شفتيكِ،
وزاويةَ الخطين المنكسرين بماءٍ ينكسرُ
لفرط توتر قوسينِ صغيرينِ
انكسرَ السهمُ وعادَ البطلُ
جنيناً في راحة كفّكِ،
والشعرُ هو الرجلُ
يؤسطرُ ما ظل من الوركاءْ
تلك وظيفتُه الأولى.. بخلافِ الشعراءْ
ينحدرُ الآنَ إلى جيدِ غزالٍ أبيضَ
ثم إلى ثديٍ ذي تاريخٍ من أبناءٍ كثرٍ وحبيب واحدْ
ينحدرُ الرجلُ الآن إلى عالمِك السفليّ
إلى بطنكِ كي ينجبَهُ ثانيةً
ثم إلى أعمقِ ما في واديكِ من العشبِ الربّانيّ
يبللّه بعضُ ندىً يختارُ من الشجرِ العالي أشرفَهُ
ويحارُ كثيراً:
هل وجهُكِ هذا؟
وجهُكِ لا يشبَهُ وجهَكِ.
لندن 11 أيلول (سبتمبر) 2009
خيطُ حِسب الشيخ جعفر
يصفنُ الشاعرُ بينَ برديّتينِ تقولانِ في لحظةٍ واحدةْ:
– إنما الشعرُ يبدأُ من حيرةِ الشاعرِ..
إنه الطائرُ الخشبيُّ الذي دارَ دهراً ودوّرَ أسفارَهُ معهُ
ليرى امرأة أجلسوها وراءَ الزجاجِ الخريفيِّ في مخزنٍ من مخازنِ “باتا”(1) ؟
القصيبةُ تنحلُّ، شيئاً فشيئاً، وراءَ الزجاجِ،
وعينا فتىً ترمقانِ القصيبةَ تنحلُّ خلفَ الزجاجْ
الفتى حافياً يركضُ، الآن، فوق الزجاجْ
والأبوذيةُ انطلقتْ فوقَ مشحوفِها السومريِّ:
علينا دارتِ الدنيا وشُفنا
شفوفَ الثوبِ إذ يبلى وشَفْنَا
زمانُكَ شفَّ، يا صاحِ، وشَفْنا
أقصرُ من غرامِ الكاولية
……
قالت له: تعال يا حبيبي
يا فَحلَ الجاموسْ
وعندما مسّ يدَ البنتِ
أراقَ قنفذٌ
وأشتعلَ الفانوسْ..
……..
كان جلدُ الحصانِ ينزّ ذكورتَه فوق جرف القصبْ
بينما فرسٌ تشرئبُّ،
لها عنقٌ من خيالٍ وصبوة أنثى ترنّ
ترنُّ حجولُ الذهبْ
ولكنّ جيشَ الخنازيرِ داسْ (2)
وسائدَ ريشٍ تخبّئُ ما تتركُ البنتُ تحتَ قصيبتِها من نُعاسْ
……
……
هناكَ تحتَ الطينِ والصفصافْ
نهرٌ من الرعافْ
هو ابنُ جودةَ الذي أورَثَنا بعضَ وصاياه وراحَ صاعداً (3)
على براقِ الحلمِ المزمنِ حتى الموتْ
وعندما أفاقَ من نومتِهِ
لمّا يجدْ سوى ذئابٍ تحرسُ المتراسْ
…….
…….
خيطُهُ لم يزلْ ينصلُ، الآن، بينَ أصابِعِه،
طَرَفُ الخيطِ ضاعْ..
أينِ رأسُ الشليلةْ؟
سندورُ كثيراً ونضربُ في الأرضِ
والأرضُ جدّ قليلةْ……
لندن 5 أيلول (سبتمبر) 2009
______________________
(1) الصورة وردت في قصيدة حسب (قارة ثانية)، ديوانه (الطائر الخشبي).
(2) تناص مع ورد في قصيدته (مرثية كتبت في مقهى)، الديوان المذكور.
(3) “ابن جودة” شهيد شيوعي عراقي خصه حسب بقصيدة.
مرثيتان
1- مرثية مبكرة
سيموتُ
مثل بقيّة الناسِ،
متأكداً من أنه سيدخلُ الجنّة
لأنّه كتب قصائدَ قلقةً على العالم
سيسجّى نعشُهُ عند عتبةِ بيتهِ من دون أن يهتمّ أحدٌ من الجيران
وسيُنشرُ الخبرُ في صحفِ وطنِه
تلك التي نشر شعرَهُ فيها
وإذا ما حُمل جثمانُهُ إلى مسقطِ رأسه
سترفُّ موجةٌ قربَ شاطئِ الشارعِ النهريِّ
حيثُ تلكَ الحانةُ، حانتُهُ الأثيرةُ، التي نسفتها سيّارةٌ مفخّخة
وسيشربُ أحدُهم، نخبَه، سرّاً (الخمرةُ ممنوعةٌ)
والنساءُ اللواتي أحبّ، وقد صرْنَ عجائزَ، ممنوعاتٌ من الذاكرة
وقد يحضرُ بضعُ عشراتِ الأشخاصِ مراسمَ التشييعِ
ويقرأ البعضُ خبرَ نعيهِ على الإنترنت
لكنْ من دون أن يقرأ شعرَه أحدُهم كما يجبُ
وأمّهُ ستكون بانتظارِهِ وقد خرجتْ من قبرِها وهي تكرّرُ تحذيرَها:
أما قلتُ لكَ، يا ولدي،
إن الشعراءَ قرينو المنفى ولن يعودوا إلى مسقطِ الرأسِ
إلا بعد أن كفّوا عن كتابةِ قصائدَ قلقةٍ على العالمِ..
لندن 4 حزيران (يونيو) 2009
2- البصرة
قصيدةُ نثرٍ، أنا، تتوكا على الوزنِ والقافيةْ
لها نصفُ قرنٍ ومنفى من العمرِ لكنّها لم تزلْ تتمتّع بالشغبِ المرّ
والعافيةْ
لها حارسٌ للفنارِ الذي اختارَ بئراً بعيداً عن الحشد
كي يصنعَ القطرةَ الصافيةْ
لها من أناشيدَ بدرَ رنينُ المطرْ
لها من جداريّة سعدي بن يوسف يحملها، في مداراتِ منفاه، مثل الصليبْ
لها من تعاليمِ أمّي تحذرني من مغبّة أحلامي الخطرةْ
لها مطرُ فوق كوخٍ من القصبِ السومريِّ، يعمّد محنتَنا الأبديةِ..
ومن ليلِ آشورَ أكثرُ من شرفةٍ لا تنام،
لها في المسلّة نقشُ المساميرِ تكتبنا منذ خمسةِ آلاف عامٍ سعاةَ بريدٍ
عنيدينَ من وإلى وطن لا يجيد سوى الرقص وفق أناشيدنا الظافرةْ
لها قبلةِ الطفل وهي تطيرُ كطيارة من ورقْ
وتهبطُ مقترحاً للغرامِ على وجنةِ البنتِ، لائبةً، في ليالي الأرقْ..
ومن ثورة الزنج تَشهر أحلامَها ضدّ قصرِ الخلافةْ
ومن كلكامشِ أسطورةُ العشبةِ المستحيلةْ
لها، من طباعِ العراقِ – الحصانُ يطيرُ عنيداً،
إلى سدرة المنتهى، منذ قبلِ الخليقةِ، بين سماءين،
في جنّة الأنبياءِ الميامينَ والشعراءِ المجانينَ حيثُ الضياءُ الإلهيُّ يُعشي البصرْ
ويصعد، ذاك العراقُ – الحصانُ، بعيداً، جناحاهُ ممتحنانِ بعاصفةٍ وبروقْ
جدائلُهُ حول عنقِ ترفُّ، وخوفٌ يلازمه، والدماءُ تؤرخه منذ ميلادِهِ الصعبِ..
– هل كان يقرأُ؟
– يقرأ أسفارَ أوروكَ ثم يعيدُ صناعةَ عشتارَ كيما يؤوّلُ صورتَها..
– هل يشكّ؟
– كثيراً! لأن اليقينَ عمىً والحياة اختلافْ
– يخافْ؟
– وهل بعد هذا الدمِ المتصاعدِ ثم قتيلٌ يخافْ
تجرّأ، واجترّ جرأتَهُ..غابَ، غُيِّبَ، ذابَ، تمرّدَ، ثارَ، أرادَ لهذا الشجرْ
غير حزنِ الشجرْ،
قصيدةُ نثرٍ، أنا، أتوكا على خوفي الأبدي من سلطة الشارع العامِ
أبحثُ عن لائي النافيةْ
وتحتَ رُكامِ الزمانِ المفخّخِ
أبحثُ عن جثّتي الحافيةْ….
لندن – 24 آذار (ماس) 2009
سعدي يوسف.. بورتريه غيرُ شخصيّ
أهديت الشاعر سعدي يوسف، بمناسبة السنة الجديدة، هذه القصيدة، بعد تاريخ طويل من الرفقة والعمل الشاق والمنافي المتنوعة، فكتب لي الآتي:
“عزيزي عواد
مساء الخير،
لم أعتَدْ هدايا رأس السنة، لكن قصيدتك جعلتني أفرحُ كالطفل !
الشكلُ عندك يا عوّاد، تغيّرَ أيضاً. أنا أعلمُ أنك حيويّ الإرادة. لكنك هنا الأكثر حريةً !
لم يَعُدْ للقصيدة الحديثة شكلٌ. إنها مجموعة أشكال.
أصافحك أيها العزيز،
واسلَمْ للشعر وأهله”.
سعدي يوسف
5 كانون الثاني (يناير) 2009
لم تبردْ قهوتُه يوماً.. سعدي لا يتعاطى الشايَ ولا القهوةَ.. لم أرهُ يوماً يتناولُ شيئاً من مشروباتِ العقلاءْ..
لكنّ نبيذَ العالمِ طوعُ يديهِ كلماتٍ حمراً يستقطّرها يومياً بدنانٍ خُضرٍ، يمزجُهُ بالحلمِ مشاعياً.. ثم يغادرُ، إذ يتحررُّ من ربقةِ دائرة الإعلامِ إلى بارٍ شعبيٍّ عند شواطئَ دجلةَ – لم يمكث أكثر من نصف الساعة، أو أطول بقليلٍ، إذ ضاق بثرثرة الثوريين المبتدئين فغادر رُبعاً غضباً، حيث استولى فيه الشعر على أدلجة الجبهة، وثلاثة أرباعٍ مأخوذاً بالنهر – توقعه سيجفُّ العامَ المقبلَ – قلتُ: أجيء معكْ..
وأدندنُ مع نفسي في أبياتِ الطائيّ – وكان يحبُّ أبا تمّامَ:
“زالتْ بعينيكَ الحمولُ كأنها/ نخلٌ مواقرُ من نخيلِ جواثا
يوم الثُلاثا لن أزال لبينهمْ/ كدرَ الفؤادِ لكلّ يومِ ثُلاثا
إن الهمومَ الطارقاتك موهناً/ منعتْ جفونكَ أن تذوقَ حَثاثا
فيُكمّلُ سعدي:
لم آتِها من أيّ وجهٍ جئتُها/ إلا حسبتُ بيوتَها أجداثا
تصدى بها الأفهامُ بعد صقالِها/ وتُردّ ذكرانَ العقولِ إناثا
بلدُ الفلاحةِ لو أتاها جرولٌ/ أعني الحطيئةَ لاغتدى حرّاثا
أرضٌ خلعتُ اللهوَ خلعي خاتمي/ فيها وطلّقتُ السرورَ ثلاثا (*)
جندياً كنتُ وكان عليّ تجنّب رفقةِ سعدي أو من يشبهه في الشبهة أو في سيماءِ الشعراءِ الخطرينَ.. فثمّةَ من يكتبُ تقريراً يوميّاً حتى من (شُلّتِنا).. لكنّي كنتُ أخافَ الشعرَ كثيراً ـ أكثرَ من خوفي من مفرزةٍ تسهرُ عند الطاولةِ اليمنى، عند المدخلِ بالضبطِ – أكانتْ تحتاطُ لمن يهربُ بعد قليلٍ؟.. قلتُ لشبّانٍ ينتظرونَ دخولَ المطعمِ: من هذا؟ وأشرتُ إلى سعدي.. قالوا: نعرفُ كلّ مغنينا ورواقيصَ ملاهي بغدادَ وقيناتِ القصرِ الجمهوريّ ولكنّا لا نعرف هذا الوجهَ.
……..
……..
تمشينا حتى (السعدون) وعند (طريق الشعب) افترقَ الدربُ إلى ناحيتين: الكلماتِ الحمرِ وجنديٍّ خائفْ..
ما كان السيابُ ابن الطبقاتِ المسحوقةِ لكن السياب اختار الضفة الأخرى – كان ابن اقطاعيين لديهم أقنانٌ – أخبرني رشدي العامل – لم ينبس سعدي بكلامٍ ما، كان يسجّل شيئاً ما.. هل يرثي بدراً؟
(جيكور مطفأةٌ، كأن الليلَ عانق ساكنيها
لا التوتُ في الأنهارِ يهبط، لا السماءُ تشفّ فيها
والنجمُ والأسماكُ ما عادتْ حدائقَ للمساءْ
باباً إلى وديانِ نجدِ
“غيلانُ” يصعدُ فيه نحوي من ترابِ أبي وجدّي
الليلُ في الكلماتِ أسودُ
والطريقُ إلى دمشقَ يغيمُ في عيني يسوعَ
وكنت ُوحديْ..
صخرتي في السفحِ والكتفانِ مثقلتانِ
كان النهُر – أعني دجلةً – يجري ويجري إثر سعدي.
****
الليلة يجتمع الشعراءُ على قدحٍ أحمرَ من كلماتٍ حمرٍ، كان، على الأغلب، يجلوها سعدي لنحارَ بمرموزاتٍ وأماكن نجهلها..أحياناً يتتّبع خيط دمٍ يركض في سجنٍ ما، كان شيوعيّاً حوكمَ.. (بقميصٍ أسودَ ذي ربطةِ عنُقٍ صفراءَ) ولا يملكُ غيرَ حماماتٍ بيضٍ طيّرها عند جداريّة فنّانٍ مشهورٍ، وعلى عاداتِ الشعراءِ الخطرينَ أشارَ إلى أنَّ بنادقَ تتبعُها، لكنّ مقاولةً فاسدةً – إذّاك – تحدتْنا، وعلى عينِك يا شاعرُ، كان الشاعرُ يسرقُ من دائرة الريِّ الورقَ الأبيضَ كي يكتبَ شعراً أسودَ – لم يسرقْ مالاً – مثل الوزراءِ اليومَ وقبلَ اليومِ – بل كانَ يدوّنُ يومياتِ “الأخضرُ بن يوسفَ ومشاغلَهُ” حتى توجِعُهُ عيناهُ، وبين مداراتِ نبيذٍ أحمرَ سالَ، من العنْقِ المذبوحِ إلى الصوتِ المبحوحِ، ينوسُ الشاعرُ، مكتئباً ويخطّط كي يهربَ من فرقة فاشيّينَ احتلوا بيتَ الشاعرِ وسريرَ الشاعرِ وقميصَ الشاعرِ حتى صاح بهم من فرط اليأس:
“قميصي لكلّ المشترينَ أبيعُهُ”
في الليلِ الأبيضِ يبدو القمرُ الأسودُ ديناراً في السوق السوداءْ
والشعراءْ
هُرعوا مأخوذينَ بذاكَ الدينارِ – العارْ
لكن الفقراءْ
أذكى من إغراء الجوعِ الماثلْ..
عملاً بالمثل القائلْ:
لا تقلب سترتك الأولى حتى (لوبُليتْ..)
سعدي لم يقلبْ سترتَهُ
لم يختمْ سكرتَهُ
لم يستأنفْ فكرتَهُ – هذا ما لا يُعجبُني فيهْ –
*****
كان شخصٌ تطلّع عَبرَ الظلامِ، ظلامِ المنامِ، إلينا،
فمشينا كأنّا وضعنا جناحينِ من ورقٍ لنطيرَ قليلاً، ولكن ذاك الذي كان يرقبنا لم يزل يقتفينا، وبعضٌ من العشبِ – من أين جاء؟ – نما، مثل عاقولةٍ تستديرُ على قدمينا، ولفرط الكوابيس لم تستقمْ رحلةُ الخوفِ إذ لم نعدْ نرفعُ اللافتاتِ الصريحةِ.. كان بديناً، يتحزّم بالجلدِ والريشِ.. يُشهرُ غدارةً بثلاثين فوّهةً – ربما أربعينَ، فمن يُحسنُ العدّ في ليلةِ الخوفِ هذي؟- احتضنتكِ لكنني لم أجدكِ، لأنك كنت تسيلينَ حتى اختفيتِ، فما كان منه سوى أن يصوّب نحوي – كنت وحيداً – ولا حائطاٌ في البراري، فعدتِ إليّ، طلعتِ من الحُلْمِ، عيناكِ مرهقتانِ، غبارٌ على حاجبيكِ السعيدينِ، ندخل في الرمل، إذ يُصبحُ الرملُ مثوى وبعضُ الرياح غطاءً لنا، لكلينا..
…..
…..
فجأة، في اضطرابِ الوسائدِ – لا شيءَ يحمي من القصفِ غيرُ الوسائدِ – يدخل سعدي بن يوسفَ، ما غيره، قال: أين؟ فقلت إليك.. فأفردَ شيئاً شبيهاً بسجّادة للصلاةِ وقال اجلسا، فجلسنا، ولكنّه ظلّ منفردا فوق تلٍّ قريبٍ/ بعيدٍ يحدّق فينا ويقرأ بعضَ المقاطعِ من شعرِ لوركا.. هنا أصبح الشخصُ عشرينَ شخصاً، ثلاثين، ألفاً، ملايين.. حتى استوى الخوفُ شمساً على خصلةٍ فوقَ ثوبٍ من الموْسلينِ المقلّمِ.. كنّا، ثلاثتُنا، جالسينَ، نقرفصُ تحت عظامِ الشتاء الحديديِّ، بينا يحيطُ بنا الحشدُ مدّرعاً..
بأحزمة الجلدِ والريشِ حتى تقدمّهمْ ذلك الشخصُ نحوي وخاطبني باسم أمي: تعالَ.. تعالَ، انتَ، أنتَ ابن سُكنةَ، يا من أضعتَ الطريقَ إلى البيتِ، بيتُك ما عادَ حيثُ تركتَ، أنا سوف آخذك، الآن، حيث تنام قريراً، فأوشكتُ أن أستجيبَ ولكنني لم أُجبْ، صاحَ سعدي الذي هبطَ التلّ: لا!
عندها، فوّقَ النابلون سهامهمو نحو لوركا الذي ظل يركض يركض يركض حتى أفاق الملوك من النومِ كي يشهدوا أن مهراً قتيلاً
سببٌ كي نضلَّ السبيلا..
*****
قد يلعبُ سعدي، أو “يلعبُنا” حيناً، ويقول: “أنا أمزح” ويراوغنا أو يبتزّ حنيناً قروياً فينا بل يشتمنا:
(زمراً ثقالاً، أو فرادى، مثل ما يمضي العراقيون، لم يتصدّقوا حتى بومضةِ دمعةٍ أو شمعةٍ… لم يُصدقوا نبضاتهم قولاً، كأنهمو جواميسُ القيامةِ)..
قلت: بل ثيرانُ بابلَ، يا صديقي، ثم أن البيتَ بيتُك والمنافي للجميعْ…
……
……
كان النقاشُ سليلَ تاريخٍ من الأخطاءِ والكذبِ الرخيصِ يدورُ حولَ الحربِ والطبقاتِ والثورةْ
هل تقبلُ البصرةْ..
أن تخسرَ الإنسانُ كي تنتصرَ الفكرةْ؟
لندن – 5 كانون الثاني (يناير) 2009
________________________________
كل ما بين قوسين من شعر سعدي يوسف مع بعض تحوير لضرورات تقنية
أو اسماء أماكن معروفة في بغداد.
(*) الأبيات لأبي تمّام.
حزن البنات
إلى سلوى.. عزاء وصبراً، بمناسبة رحيل والدتها
على وشكِ الصمتِ كانتْ عيونُ البناتْ
وفي لحظةِ الموتِ تُصبحُ كلّ البنات شُجيراتِ لوزٍ بلا قمرٍ،
أنتِ جد حزينة، منذ ظهيرة ذاك الأحدْ
لأنّ هنالكَ أمّ تودّعُ مقعدَها/ بيتَها حيث كلُّ المكانِ فراغٌ
وحيثُ الجسدْ
مساءٌ شديدُ البرودةْ..
وكلُّ الأواني ستهتزُّ بعد قليلٍ بفاترينةِ الأمّ وهي تسلّي الألمْ
بما تتوقّعُ من ممكناتِ العدمْ،
ولكنّ صمتَ البناتِ، الذي كان أعلى من الموتِ، يهدرُ في الريحِ،
في البهوِ
في غُرفِ البيتِ
في مطبخِ الذكرياتِ
وفي ظنّ كل الذين مشوا، ذات يومٍ، بحقلِ يديْها:
حفيدتُها وحفيدُ ابنها وابنُها وفتىً كان يعشقها قبل أن تبلغَ الحبَّ
وابنتها تتوحدُ تحتَ غيومٍ رماديّةٍ في البلادِ البعيدةْ
لقد رحلتْ أمُّهنّ، إذن، بعدَ عمرٍ تكبّدَ فيه شجرُ البيلسانِ فصولَ الخريفِ جميعاً
بلا أي فاصلةٍ من ربيعٍ وشيكٍ ولا صيفَ يكفي تحيتَها للسنابلْ
رحلتِ، إذن، يتُها الأمّ، يا نخلةَ العائلةْ
ولما يزلْ في حقائبهنّ (البناتِ) كثيرٌ من الأسئلةْ
وهنَّ يعشنَ على طعمِ تمرِكِ في ذاكراتِ السلالِ معلقةً في شغافِ الكلامْ.
…….
…….
ارقدي بسلامْ..
سريرُك فكّكهُ الإبنُ في لحظةٍ قاتلةْ
لتبكي البناتُ معاً
بينما تبردُ القهوةُ المرّةُ، الآن، في ركوةِ الأمّ
قبلَ قدومِ المعزّينَ،
بعد اكتمالِ الرحيلِ الأخيرْ.
على وشكِ الصمتِ كانتْ عيونُ البناتْ
على وشكِ الصوتِ كانتْ عيونُ البناتْ
يحاولنَ تدبيرَ مستقبلٍ لمصيرِ السريرِ الذي فكّك الإبنُ
علّ احتمالاً جديراً بأن تستمر الحياةْ.
لندن – 11 آب (أغسطس) 200
مدينة الثورة
إلى عبد الله صخي.. مشهدٌ من ما خلفَ السدّة
شُقّتْ في الأرضِ السَبْخاءِ دروبٌ غيرُ مبلّطة فركضنا فيها، نحن حفاةَ الهجرةِ والهجرانِ، طويلا..
كان نهارُ الفقراءِ ظهيرةَ ليل ومساءً وصباحاً حتى أن القار يسيل كثيفاً من فوق السقف إلى الباب إلى شاي العصر ولم يكُ ثمة مقهى، بعدُ، لأنّ الناسَ أشاحوا عن ترفٍ لا وقتَ له، الناسَ المشغولين بتدبيرِ عوارضَ شبّاكٍ أو مجرىً لنفاياتِ الجوع، وما كنّا، نحنُ الشبّان، كشبّانِ العالمِ، نتواعدُ مع فتياتِ كي نمضي للمرقصِ أو للمسرحِ، إذ لا مرقصَ أو مسرحَ ثمة، كان البناؤون نجوماً مغمورينَ، سماءٌ باهظةُ الزرقةِ، وبناتُ (الثورةِ) أرشقُ من دوريس داي يتوسطنَ الباحةَ، والطفلُ المختونُ يحار بنزفِ الإحليلِ الملفوفِ بشاشٍ متّسخٍ.. رأسُ البصلِ المثقوبُ بخيطٍ يتدلى فوق الصدرِ كفيلٌ بشفاء المختونينَ، البنتُ (مكحّلةُ العينينِ وضاحكة النهدين)، فضولٌ يركضُ تحت عباءتِها، ثم استترتْ خلف السورِ المهدومِ.. الطفلُ مُغدٌّ، مختلطٌ من وجعٍ و تباريحَ مؤجلةٍ، حتى بانت خاصرةُ الخشفِ حريراً مبلولا.
وصلتْ أمّي زنبيلاً من تعبِ السوقِ، يداً حافلةً بالفقرِ وفوطتها بيضاءَ ومِكحلةٌ فارغةً وأنا محترسُ الفخذينِ وأرفعُ، بالسبابة والإبهام، الدشداشةَ عند الإحليلِ المتورمِ، بالضبط، وأرمي بالنظرِ المتآمرِ، عبر سياج الجيران، وما كان الطيرُ يخافُ صليلَ جناحيه ولا كانَ خجولا.
صاحتْ بي أمّي: يا ولدُ، انتبهِ “الـز….كَ”، لم تبلغْ بعدُ، فأنفكَ غضروفٌ غضّ.. طرتَ شكيراً ونزلتَ، إلى نفسكَ، عصفاً مأكولا.
لي دفترُ رسمٍ مهترئٌ فيه نهيرُ يجري بين الجبلين وزورقُ ورقٍ يحملني حتى الضفة الأخرى، وعنادل تشدو في شرفة حلم شرقيّ ما أن يبدو ذاك الخشفُ، حييّاً، من خلف السور المهدومِ، ولي تدبيرُ الذكرِ المتورمِ حتى يوجعني شبقي، شبقُ الأطفالُ المختونينَ يصيرُ، على مرأى بنت الجيرانِ، طويلا.
لي ألعابٌ من مخترعات الفقرِ (كراتُ جواربَ، علبٌ فارغةٌ ستصير العرباتِ وأسلاكُ صناديقِ الشايِ السيلانيِّ روافعَ وروابطَ وكتابُ “الميّاسةُ والمقدادُ”).. أقولُ لتلك البنتِ/ الخشفِ، تعالي نلعبَ مثل عريسٍ وعروسٍ فتردُّ على شبقي المتورّمِ بالضَحِكِ المترقرقِ من شبقي المتورّمِ وتشيرُ إليه: “كم يشبهُ شيخَ الجامعِ بعمامتهِ البيضاءِ!” وتضحك ثالثةً من شبقي حتى بانتْ، من تحتِ الثوبِ، نواذجَ “شيءٍ” لم أعهدْه، فأوشكَ أن يسقطَ مهرُ مختونٌ، عبر السورِ، قتيلا.
جاءوا بالشخصِ المعصوبِ العينينِ (مصفحةٌ ومصفحتانِ، ثلاثٌ، سبعٌ).. يترجّلُ، يبدو أحدب، قلت، لفرط الأغلال، وقد يبدو شابٌ، معصوبُ العينينِ ومغلولٌ، شيخاً، أنحفَ من سوطِ الجلدِ المدهونِ، عليهِ قميصٌ مقطوعُ الأزرارِ وسروالٌ، لا لونَ لهُ، يكشفٌ عن نصفِ مؤخّرةٍ ساخرةٍ، فمُهُ تغلقه الكلماتُ وحافي القدمينْ.
– من أينْ؟ صحتُ؟
لم يسمعني أحدٌ.
– وإلى أين؟
– لم يسمعْني أحدٌ.
كان الأفق تراباً وكلاباً ومصفحةٌ تمضي بالشخصِ المعصوبِ العينينِ، ولا شيءَ ليكترثَ الحقلُ بزهرٍ ينمو في طقسِ قبائلَ من ضجرِ التبغ وعادات القهوةِ، لا شيءَ سيحدثُ في مستقبلِ شِجْرةِ توتٍ غير التابوتِ.. ومن خلفِ السورِ، تحدّقُ، تلك البنت بما يحدثُ، بينا تنشرُ ما تغسله الأيّامُ، نظيفاً، وتواري خوفَ جدائلِها خلفَ البابِ، وقربِ الدكّانِ تسمّرَ ذاك المخمورُ (كريمُ الأعورُ) مذهولا…
لندن – فجر الثلاثاء 18 أيار (مايس) 2010
مدينة الثورة: الحي الشعبي المعروف، اليوم، بـ “مدينة الصدر” وهي المدينة الوحيدة في تاريخ العالم التي تغير اسمها ثلاث مرات: “مدينة الرافدين” في عهد عبدالرحمن عارف و “مدينة صدام” في عهد صدام حسين و “مدينة الصدر” بعد عام 2003.
قِصارُ التنورات
تنّورتُكِ القصيرةُ تُطيل مساحةَ الفرحِ
وعلى خاطري تسْتَريحينَ فتنحسرُ التنّورةُ أكثرَ ليتسعَ وَلًهي
بيدٍ مرتعشةٍ تسْحبينَ تنّورتَك لتغطي ركبتيكِ الّلامعتينِ،
القصيدةُ ترتعشُ، الآن، وهي تستلقي إلى جواركِ في سريرِ الُّلغةِ الخائفةِ
وعلى بشرَتِكِ الليّنةِ تراتيلُ زرقاءُ تنزلقُ مبلّلة حدّ المطرِ
أهمسُ بأُذنِ تنورَتِكِ سرّ الاحتفالِ بالنّورِ
فتزدادُ زهورُها قُبلاً
وتتقّوسُ مربعاتُها الرماديّةُ في قوسِ قُزحٍ
حيثُ قِصارُ التنّوراتِ تُطيلُ عمرَ العالمِ.
لندن 17 أيلول (سبتمبر) 2009
غزلٌ كلاسيكيّ
هذا المساءُ،
العشبُ في الممشى صغيرٌ
والسياجُ مكلّلٌ بالتوتِ برّيٌّ
وفي يدِكِ السماءُ..
موجٌ خليطٌ من وصايا الله والمنفى
ورايتكِ السحيقةِ،
كلّ ما يبقى من الآتي وراءُ..
“الآن” مِحضُ محطّةٍ في سكّةِ الزمنِ الطويلةِ،
أنت، في عطرٍ حميمٍ – عطرِكِ المرئيَّ والمسموعِ والملموسِ – (من شانيلَ) – تختصرينَ حقلاً
من جِنانِ اللهِ، أزرقَ،
فاتركي بصماتِ عطرِكِ واضحاتٍ فوق جلدِ الماءِ،
حيث الماءُ يكسرُهُ الضياءُ،
لا، لمْ تكوني أجملَ امرأةٍ، ولكنْ أنتِ، وحدكِ، أجملُ الملكاتِ
والباقي… نساءُ!
لندن – الساعة العاشرة ودقائق عشرُ – 15 آب (أغسطس) 2009
غرامٌ الكترونيّ
في الرسائلِ الإلكترونيّةِ ثمّةَ كلماتٌ تسقطُ سهواً على الدوام.
تكتبينَ “أحبّكَ” فأرى تدويرةَ شفتيكِ في الألفِ، وحرقتَهما في الحاءِ وانطباقَهما في الباءِ والتصاقَ لسانكِ بلهاتِكِ عند الكافِ.
لكنّ القبلةَ لا تصلُ كما يجبُ إلا كنظريةِ.
أسمعُ وقعَ أصابعِكِ على الكيبوردْ وقد تركتْ على الملمسِ البلاستيكيّ خضرةَ الحقولِ كلّها.
ومثلَ فرسِ صغيرةٍ، محنّاةِ، لها عرفٌ من ذهبٍ أحمرَ، يَخبُّ شوقُكِ المبهورُ بالحبِّ الأخيرِ في حياتِك، كأنّه الحبُّ الأوّلُ في حياتِكِ!
تقتنصينَ اللّحظةَ الهاتفيةَ لتسمعي صوتي أو لتسمعيني صوتَك رُغمَ سيوفِ العالمِ وغضبِ التّتار.
هل تصدّقينَ؟
عندما يرنُّ هاتفي النقّالُ أعرفُ أنّك، أنت، مَنْ يُنادِيني!
لندن – 2009
صاحبيها.. فقط
صاحبي نفسَك الخائفةْ
واخرجي معها في العراءْ
صاحبيها..
وبوحي لها بالّذي يتيسّرُ ممّا يؤرّق كلَّ النساءْ:
الزواجُ وما يلزم الإبنَ عند الزواجِ
وأحفادُك ينظرون إليك كأختٍ،
وقد يتشّهاك شخصّ يمر مرورَ الكرام ِعلى شفتيك،
فلا تغضبي..
صاحبيها،
وكونا جناحينِ كيما تطيرانِ نحو سماءٍ ملبّدةٍ بالأساطيرِ والتورياتِ
ولا تخجلي من غرامٍ وشيكٍ يراودُ شرشَفكِ الناشفَ، بعد دهرينِ من زوجِك الأبديّ
ولا تختفي..
خلفَ هذا القناعِ يغطّي أنوثتَك،
ولأنّك أنثى،
سيكفيكِ أنّك أنثى تؤرّخُ أحلامَ كلِّ الرّجالِ بجرأَتِها
إنما الحبّ تجريدُ كلّ الزمانِ
وكلَّ المكانْ..
صاحبيها،
وكوني اختصارَ الإناثِ اللّواتي انكسرنَ قُبيلَ الغرامِ وبعدَ الغرامِ
وأقصدُ كوني تلاؤمَ ما تشعرينَ وما تحلُمينَ وما تُدركينْ
صاحبيها،
وكوني صديقتَها واختَها عندما يسرُدُ الشهريارونَ نصَّ الذكورِ المملَّ،
فلا تملكُ الشهرزاداتُ غيرَ روايتِهنَّ لكيما يؤجّلنَ موتَ النساءِ الوشيكْ.
صاحبيها،
فليسَ سواها جديرٌ بكِ، الآن،
إن النساءَ الوحيداتِ يشعُرْنَ أكثرَ منْ غيرِهنَّ
بهذا الفراغِ الذي يعتري الكونَ،
فلتخْرُجي من زمانِ الحريمِ إلى لغةٍ واضحةْ،
لغةُ الجسدِ الحرِّ والموتِ في شهوةٍ جارفةْ،
إنّما زمنُ الحبِّ يبدأُ من قُبلةِ خاطفةْ.
ليسَ أقرب من نفسكِ، للحوارِ الثنائيِّ، من نفسِكِ، فاستريحي لها، واطمئنّي بها،
صاحبيها، رجاءً،
لكيما تكونُ الحياةُ، حياتُك، أبسطَ ممّا يؤرّقها،
صاحبي امرأةً تشبهُ قلبَكِ،
أحلامَك البيضَ،
تشبهُ حتّى الأغاني التي تشبهُكْ.
صاحبيها،
إذا موجة لم تصاحبْ شقيقتها سوف يضطرب البحرُ
فلتنزلي الماءَ،
إن مياهَ الشواطئٍ تَقبلُ كلَّ الّذين يخافونَ عمقَ البحارِ..
ولكنْ، هنالكَ، في وسَطِ البحرِ يكمنُ روحُ التّحدي المثيرْ،
فاغرقي،
واغرقي معها،
ثمة من يمدّ لك وسطَ دوّامة الموجِ يدّاً
إنه أنتِ في لحظةِ الغرَقِ الحلوِ،
لا شيءَ أجمل من غرَقٍ عندما تطمئنينَ للبحرِ،
سوف تحبّينَه،
إنها أختُك تتقاسمُ معْكِ البحارَ
وقد تتقاسمُ معْكِ السريرَ وفازةَ وردِ لكِ وَلَها،
صاحبيها..
وغطّي السريرَ الذي يحتوي البنتَ عندَ بلوغِ المساءِ الفجائيّ،
غنّي لها بعضَ تنويمةٍ قبلَ نومِ الفراشاتِ فوقَ جبينِ النعاسِ،
ولا تزدَريْها،
ولا تَعْبأي بالتجاعيدِ ترسمُ منتصفَ العمرِ ما بينَ ما يعتريها من الظلِّ تحتَ غُضونِ يديْها،
ولا تكْسرِي الحلمَ في لحظةِ الحُلمِ،
لا تُخبريْها بما حلَّ فيكِ وفيْها،
فقطْ صاحبيْها.
لندن – الساعة الثانية وعشرين دقيقة – فجر الإثنين، 17 آب، 2009
تحية العلم
دخلوا علينا بتدبيرٍ مسبقٍ فعرفنا أنّ الكتابةَ تحتَ القصفِ
سلحفاةٌ مذعورةٌ تقتفي أثرَ نفسِها تحتَ ظلِّ الدبّابةِ الغريبةِ
من الآن فنازلاً يقفُ حمورابي عارياً، بمواجهةِ الكلبِ المدرَّبِ في “أبو غريب”..
على أن البنتَ تخشى حلمتَها المفاجئةَ
والولدُ، على مقربةٍ منها، يجرّبُ اصطيادَ الفراشاتِ بسيّارةٍ مفخّخةٍ.
كُلّنا إرهابيونَ عندما يكونونَ كُلّهمْ أعداءً
الوقتُ مُفصّلٌ على فساتينِ الغُبارِ المُزنّرةِ بأحزمةٍ ناسفةٍ
لم يكن التاريخُ صورتَنا التلقائيةَ كأطفالِ فجرِ الدولةِ
جاءتِ المسْ بيلْ لتصنعَ ملكاً
ولما عجزتْ استوردتْ ملكاً
غادرَ البريطانيونَ فأسلمّونا إلى ضبّاطِ الانقلاباتِ
الذين تناسلوا فأنجبوا شعوباً خرساءَ
وأنا أقفُ عند ساريةِ العلمِ لأردّدَ النشيدَ الوطنيَّ
فتلقيتُ عشرَ عصيٍّ على أصابعِ شُباط اللبّاطِ
لأنني أخطأتُ في تهجئةِ لفظةِ “موطني”.
لندن 10 حزيران (يونيو) 2009
طريقةٌ في الحبّ
أحبّكِ جدّاً، بلا منطقٍ أو ذرائعَ ما..
مثل دالي وساعاتِهِ السائلةْ،
كما كوكبٌ في مدارِ استحالتِهِ الماثلةْ
أو الطفلُ يعشقُ امرأةً/ أمّهُ…
وهو لمّا يزلْ في يدِ القابلةْ،
وحيثُ الحياةْ..
ستبدو اكتمالَ الذي ينقصُ، الآن، من يومِنا المتعذّرِ في أنْ يكونَ وقد لا يكونَ.
أحبُّك كي تستمرَّ الحياةُ بلا أيّ خوفٍ
من الثعلبِ المتواري،
فأنتِ مداري..
وأنتِ اختصارُ النساءِ الجميلاتِ في الشارعِ العامِ..
في كلماتِ الأغاني البليغةِ.
(فيروز) تدخلُ.. في صوتِ قلبي
وفي صمتِ تلكَ الزوايا البعيدةِ عن أعينِ الشجراتِ الغليظةِ،
أنت احتفاءُ البشرْ
بما يتولّد من قبلةٍ تسرقُ العاشقينْ،
من الشكّ، بلْ من هشاشةِ كلّ يقينْ
أحبّكِ كيما أحبّكِ،
أنتِ صديقةُ أحلاميَ السافلةْ
أحبّ الذي يتجسّدُ نبتاً وفيراً تعشّق رجليكِ في طرقِ السابلةْ.
أحبّكِ، حقّاً وفعلاً وجدّاً، كما يحدثُ الآنَ، أو بعد يومينِ،
كي تستمرَ الحياةْ.
أحبّكِ كيما أحبّكِ، حسبُ، بلا أيّ أقنعةٍ،
إنّنا قد وُلدْنا عُراةْ.
الساعة الرابعة، بالضبط، فجر الخميس – 7 أغسطس (آب) 2009
أحوالُ الشّاعرِ
(1) الشّاعرُ في حالةِ حبٍّ
للعشق آياتٌ تبيْنُ على الوجوهِ فتفضح الباب المواربَ بين شبّاكينِ (بابٌ حائرٌ ما بين شباكينِ يبقى حائراً، مستوحشاً) لا شيءَ غيرُ العشبِ ينشفُ في الممرِّ، وأنتِ تختلفينَ، لستِ كما النساءُ تغادرُ البهوَ المؤثّثَ بالعطورِ وبالفساتين الحريرِ وتتركُ البابَ المواربَ ناشفاً كالعشبِ، أنتِ، ولا سواكِ، ستُدركينَ جسامةَ الحدثِ المخيفِ إذا أحبَّ الشّاعرُ.
(2) الشاعرُ في حالةِ حزنٍ
الحزنُ؟ لا تعريفَ للحزنِ.. كما مصطبةٌ في غابةٍ منسيّةٍ تحتَ الغروبِ – الثلجِ، لا عشاقَ أو أطفالَ قد مرّوا بها يوماً، ولكنْ كابدتْ وتطامنتْ، تحتَ الغروبِ – الثلجِ تنتظرُ الذي لا شيءَ يأتي أو يمرُّ.. الحزنُ أثقلُ من غروبٍ مُثْلجٍ.. الله، ما أوحشَها من لحظةِ لا شيءَ فيها غيرُ ذاكَ الثلجِ في روحِ المكانِ تكوّمتْ فيه الفراغاتُ السحيقةُ والبياضُ السافرُ.
(3) الشّاعرُ في حالةِ حُلمٍ
تأتينَ..
أوقدُ شمعةً زرقاءَ (لون البحرِ تحديداً) وأوقدُ موقداً فحْماً، وهذا الليلُ، في لندنَ، بردٌ كافرٌ.. نُصغي لما ينسابُ من سردٍ (وكانتْ شهرزادٌ تسردُ الحبّ المركبَّ) كورساكوفْ يدخلُ حاملاً كأسينِ من فودكا وموسيقى ويجلسُ لصقَكِ، فأغارُ منهُ، ومازتي شفتاكِ، هل تدرينَ أنّ الشاعرَ، المملوءَ بالأحلامِ، حلمٌ آخرُ؟
(4) الشاعر في حالة يأس
(ياريتْ).. لكنْ ما منِ امرأةٍ تخطّت نفسَها لتُقاربَ الشعرَ الذي في قاعِ بئرٍ تختفي في عمقِها، أو تحتفي بالماءِ أبعدَ من جنوبِ اللهِ، أنتِ تحاولينَ، كما أنا، لكنّنا الإثنين، نبغي مستحيلاً ما، من الزمنِ الحقيقيّ المبلّل بالغرامِ، وبالقصيدةِ تختفي طوراً وطوراً تظهرُ.
(5) الشاعر في حالة سكر
كأسي وكأسك عالمان من الخيال، وخمرة الشعراء تاريخٌ من الأفكار والهذيان، أرفع نخبنا، وأقول: “صحتكْ” أنتِ.. أنتِ الخمرة الأخرى، ولي معك البداهة تستحيل سؤالنا صعباً، فلا أجدُ الكلامَ وذلك الواوي يكيدُ .. أخافُ من شفتيكِ تفضحُ عطرَ أمسيتي وكحْلُكِ فوقَ ياقةِ سترتي.. ماذا أخبّئُ.. كيفَ؟.. منْ؟ هلْ.. ثم تترى كلّ أسئلتي..
اعذريني، إنني سكرانُ، قد أومي لكِ أو يفلتُ اسمكِ من شراييني.. أحبّك.. ذاكَ سرّيّ باتعٌ والسكرُ فضّاحٌ.. وأنت كبيرةٌ جدّاً وكاسي أصْغرُ..
لندن – 5 آب (أغسطس) 2009 الساعة الواحدة والربع فجراً.
أغنية جديدة
.. والحديقةُ مقصوصةُ الريشِ، كأنّني كتبتُ قصيدةً على العشبِ.. كيف يتأتّى للضوءِ أن ينسحبَ من مكمنه الّلغويّ لينطلقَ نحو فكرةِ الشجرةِ؟ أكتبُ قليلاً عن حبّ كثيرٍ
فتبدتْ كفاءةُ اللّغةِ مثلَ فنجانٍ يركضُ وراءَ الزوبعةِ.
المرأةُ لم تُسعفْ خيالي برومانس بسيطٍ، بينما كان بابُ البيتِ ينفتحُ على القافيةِ العتيقةِ، والكلمةُ لسانٌ مقطوعٌ ينزفُ عند طاولةِ الوزيرِ، وفي الخارج ثمة سمتيةٌ تلقى بالفاكهة المحرّمة في أفواهِ الأطفالِ الجائعينْ.
رسمتُ وجهَ قاتلٍ لأصفعَهُ، وحينَ اكتملتِ الصورةُ أشفقتُ عليه، بينما القبائلُ تشحذُ سيوفَها لتنتقمَ منّي ومن قاتلي معاً!
أيّ مضمارٍ نركضُ فيه لنبلغَ تحديّات المكانْ؟
أيّ جنونٍ يبديه شعبٌ لا يجيدُ من الحياةِ سوى المشي على أربعٍ؟
حيث أنهارُنا تستجدي الضفافَ من خيالِ شاعرٍ بلا خيالْ.
المكانُ هو تحولاتُ الزمانْ
والزمانُ انقلابات شاعرْ..
كم نضحكُ عند الحدود من أجل شرطيٍّ؟
سألني شخصٌ عن الوقت فلم أجبْه إذ كنتُ بلا رسغٍ.
أين ساعتُكْ؟
سقطتْ مع رسغي في حربٍ ما.
ولكن أين ساعتُك؟
داعبَ زوجتَه التي تستلقي عند ذراعهِ اليمنى.. حاول أن يلمسَها بأصابعِ يدهِ اليسرى، كما تجري العادةُ، فتذكّرَ أن أصابعَِهُ سقطتْ مع ذراعهِ في فراغ المعركةِ.. فمسّها بكوعِهِ.. بالعظمِ الذي شفي تواً من الحربِ.
…..
…..
الحربُ والمرأةْ
في الصورةِ الشعريّةِ الغائمةْ
تحتسيانِ القهوةِ المرّةْ
في مأتمِ الأمّةْ
الأمةِ المهزومةِ..
الأمّةْ
في وجهِها الباحثِ عن معناهْ
الضائعُ الأبديّ،
الباحثُ الأبديُّ عن سرّهْ
عن سرّهِ الذي
صادرَهُ الثوّارُ في معمعةِ الثورةْ
الحربُ والمرأةْ
كلاهما يحتسيانِ اللّحظةَ المُرّةْ.
…..
…..
أفضلِ ما لديّ من القولِ هو عندما أتلعثمُ،
لذا تراني طليقاً في البهو ومفوّهاً مع النساءِ، وأبويّاً مع العاصفةْ..
لكنّني الأخرسُ الوحيدُ في مهرجانات اللّغةِ.. هكذا أمضي بلا أيّ بلاغةٍ.. لأن البعيرَ الذي استعاره الوزيرُ سفينةً لم يجدْ أيّ بحرٍ شعريٍّ، وحنفية ُعبدالباري عطوان مفتوحةٌ على مدارِ الساعةِ، لتصيرَ القصيدةُ ناقلةَ جنودٍ تسيرُ بهم إلى حتفهم، بينما العائلة تُعدّ سُرادقَ الميتِ كلّ صباحٍ بانتظار عودتهِ من الحربْ.
البحرُ هو الفاصلُ الوحيدُ بينَ حادثتين: الموجةِ وأختِها.
النجومُ مطحونةٌ، منثورةٌ على مفرقِ شعركِ، وأنتِ ما بعد الأربعين الأكثر تهوراً في شيخوخة مبكرة تراكمت بفعل الاغترابات والإسمنت الذي ينهار إثر مفخّخاتِ المسلمينَ، والأطفالِ المنذورينَ للهلعْ.
……
……
تلكمْ هي الأغنيةُ الجديدةْ
أغنيتي الملقاةُ فوق هامشٍ في أسفلِ العالمْ
مويجةٌ ضلّتْ طريقَ البحرْ
فانكفأتْ نحوَ مساءٍ ضيّقٍ
مفتونةً بصمتِها المُدْهشْ.
لندن 30 نيسان (أبريل) 2009