قراءات للشاعر العراقي عدنان الصائغ، في مؤسسة الحوار الانساني
أقيمت أمسية أدبية مساء الأربعاء 27 اكتوبر- تشرين أول 2010، في ” بيت السلام ” ضمن برنامجه الثقافي الأول. حيث قدم الشاعر العراقي عدنان الصائغAdnan al-Sayegh ، في أمسية بعنوان ” قراءات شعرية “، بمصاحبة الفنان احسان الإمام.
قدم للأمسية د. فؤاد جابر بقوله: ” أن تقدم لشخص تحبه، فهذه مشكلة. وتتحول المشكلة إلى معضلة عندما تعلمون حقيقة أخرى وهي أن كلانا: أنا وعدنان؛ قادمان من المدينة نفسها: الكوفة، تلك المدينة التي احترفت الشعر والنثر والفلسفة والكلام والثورة، حتى صارت اسماً على مدرسة عظيمة في التاريخ الاسلامي.
وحتى أخفف عن نفسي تهمة المحاباة فأنني سوف لن أقول شيئاً في حق صاحبي، بل أترك ذلك للناقد الكبير الدكتور عبد الرضا علي الذي يصفه بأنه شاعر خطير، مؤكداً بأنه يعني ما يقول. ولا بأس بتذكر مقولة المرحوم (الناقد الفيلسوف) مدني صالح حيث يصفه بأنه أشعر العرب الذين جاءوا إلى الشعر بعد السياب والبياتي ونزار قباني.
عدنان الصائغ، هو واحد من الشعراء القلائل الذين نذروا حياتهم للشعر فقط. فبدءاً من ” انتظريني تحت نصب الحرية ” و” أغنيات على جسر الكوفة “، مروراً بـ ” تحت سماء غريبة ” و” نشيد أوروك ” حتى ” تأبط منفى “، صاغ الصائغ مسيرة حياته شعراً وكتابة. رحلة موصولة ابتدأت تحت انهمار الرصاص لتنتهي هنا في الغربة تحت انهمار المطر.
شارك الصائغ في عشرات المهرجانات العربية والدولية وحصل على العديد من الجوائز لعل أبرزها جائزة هيلمان هاميت العالمية للابداع وحرية التعبير في نيويورك عام 1996 وجائزة مهرجان الشعر العالمي في روتردام عام 1997 وكذلك الجائزة السنوية لاتحاد كتاب جنوب السويد للعام 2005″.
من قصائد الأمسية:
العراق
العراقُ الذي يبتعدْ
كلما اتسعتْ في المنافي خطاهْ
والعراقُ الذي يتئدْ
كلما انفتحتْ نصفُ نافذةٍ..
قلتُ: آهْ
والعراقُ الذي يرتعدْ
كلما مرَّ ظلٌّ
تخيّلتُ فوّهةً تترصدني،
أو متاهْ
والعراقُ الذي نفتقدْ
نصفُ تاريخه أغانٍ وكحلٌ..
ونصفٌ طغاهْ
****
حزيران 1997 روتردام
تأويل
يـملونني سطوراً
ويبوبونني فصولاً
ثم يفهرسونني
ويطبعونني كاملاً
ويوزعونني على المكتباتِ
ويشتمونني في الجرائدِ
وأنا
لمْ
أفتحْ
فمي
بعد
7/3/1996 دمشق
*
* * *
العبور إلى المنفى
أنينُ القطارِ يثيرُ شجنَ الأنفاقْ
هادراً على سكةِ الذكرياتِ الطويلة
وأنا مسمّرٌ إلى النافذةِ
بنصفِ قلب
تاركاً نصفَهَ الآخرَ على الطاولة
يلعبُ البوكرَ مع فتاةٍ حسيرةِ الفخذين
تسألني بألمٍ وذهول
لماذا أصابعي متهرئة
كخشب التوابيت المستهلكة
وعجولة كأنها تخشى ألاّ تمسك شيئاً
فأحدّثها عن الوطن
واللافتات
والاستعمار
وأمجاد الأمة
والمضاجعاتِ الأولى في المراحيض
فتميلُ بشعرها النثيث على دموعي ولا تفهم
وفي الركنِ الآخرِ
ينثرُ موزارت توقيعاتِهِ على السهوبِ
المغطاة بالثلج…
وطني حزينٌ أكثر مما يجب
وأغنياتي جامحةٌ وشرسة وخجولة
سأتمددُ على أولِ رصيفٍ أراه في أوربا
رافعاً ساقيَّ أمام المارة
لأريهم فلقات المدارس والمعتقلات
التي أوصلتني إلى هنا
ليس ما أحمله في جيوبي جواز سفر
وإنما تأريخ قهر
حيث خمسون عاماً ونحن نجترُّ العلفَ
والخطابات….
.. وسجائر اللفِّ
حيث نقف أمام المشانق
نتطلعُ إلى جثثنا الملولحة
ونصفقُ للحكّام
.. خوفاً على ملفات أهلنا المحفوظةِ في أقبية الأمن
حيث الوطن
يبدأ من خطاب الرئيس
.. وينتهي بخطاب الرئيس
مروراً بشوارع الرئيس، وأغاني الرئيس، ومتاحف الرئيس، ومكارم الرئيس، وأشجار الرئيس، ومعامل الرئيس، وصحف الرئيس، وإسطبل الرئيس، وغيوم الرئيس، ومعسكرات الرئيس، وتماثيل الرئيس، وأفران الرئيس، وأنواط الرئيس، ومحظيات الرئيس، ومدارس الرئيس، ومزارع الرئيس، وطقس الرئيس، وتوجيهات الرئيس….
ستحدّق طويلاً
في عينيّ المبتلتين بالمطر والبصاق
وتسألني من أي بلادٍ أنا…
*