04-06-2014 –
عدنان حسين أحمد –
ضيّفت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن الدكتور عبد الحسن السعدي في أمسية ثقافية تحدث فيها عن موضوع “شرعية السلطة ومبدأ المشروعية”. وقد ساهم في تقديمه وإدارة الندوة الناقد عدنان حسين أحمد. أشار السعدي في مستهل حديثه إلى وجود دول عديدة تتميز أنظمتها السياسية بالاستبداد والحكم المطلق الأمر الذي يفضي إلى إهدار حقوق المواطنين وحرياتهم الشخصية والعامة إلى درجة لا يمكن السكوت عليها على المستويين المحلي والعالمي.
نوّه السعدي إلى أن التغييرات التي حدثت بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي لم تكن بمستوى طموح وتطلعات المواطن العربي، وأن الادعاءات كانت كثيرة بمكان فبدلاً من أن يتمّ الإصلاح وتتلافى السلطات أخطاءها وتمشي على الديمقراطي المستقيم بدأت بالانحراف وسلكت طريق الفساد الأمر الذي دفع المواطنين لأن يترحّموا على الأنظمة السابقة. وقد استشهد ببيتين للشاعر حافظ إبراهيم الذي قال: “لَقَد كانَتِ الأَمثالُ تُضرَبُ بَينَنا / بِجَورِ سَدومٍ وَهوَ مِن أَظلَمِ البَشَر / فَلَمّا بَدَت في الكَونِ آياتُ ظُلمِهِم / إِذا بِسَدومٍ في حُكومَتِهِ عُمَر” واعتبر السعدي أن الترحّم على الأنظمة الدكتاتورية التي سقطت أمراً كارثياً ينبغي الانتباه إليه وأخذه على محمل الجد.
وبما أن الديمقراطية هي الوسيلة الوحيدة لحماية حقوق الإنسان لذلك ارتأى السعدي أن يلقي الضوء على التجربة الديمقراطية في عدد من الدول وخاصة الدول العربية التي حصل فيها التغيير في مطلع القرن الحادي والعشرين. كما نوّه إلى أن محاضرته تتوخى الجانبين العلمي والموضوعي المتمثل في ممارسة السلطة، وكيفية إسنادها، وشروط هذا الإسناد، ومعايير السلطة الشرعية، والتمييز بينها وبين المشروعية
ذكر السعدي بأن الكلام عن شرعية السلطة ومقارنتها بمبدأ المشروعية بتضمن موضوعين أساسيين، الأول خاص بالكلام عن الانتخابات باعتبارها الوسيلة الديمقراطية في تحقيق شرعية السلطة. والثاني خاص بمبدأ المشروعية، أو ما أصطلح عليه بالدولة القانونية التي تخضع شأنها شأن المؤسسات والأشخاص لحكم القانون. أكد السعدي على أن ما يميّز شرعية السلطة ومبدأ المشروعية بأن شرعية السلطة هو مبدأ قانوني، أما مبدأ المشروعية فهي مبدأ قانوني.
وبما أن الانتخاب موضوع حساس فإن السلطة القائمة على الانتخابات يجب أن تتحلى بأعلى درجات المسؤولية والحيادية ذلك لأنها مُتهمة مسبقاً وعليها أن تثبت العكس.
وسائل تشويه الانتخابات
توقف السعدي مطولاً عند وسائل تشويه الانتخابات كما هو سائد في فقه القانون الدستوري. وأوجز هذه الوسائل بثلاث نقاط محددة لا غير:
1- التصويت العلني: اعتبر السعدي أن التصويت العملي مخلٌ بالعملية الانتخابية ذلك لأن العلاقات الاجتماعية تؤثر في حرية الناخب الذي قد يُدلي بصوته خلافاً لرغبته الحقيقية، والسبب في ذلك أن الكثير من الأفراد لا يتمتعون بالشجاعة الأدبية. وإذا انتهى صوت الناخب على خلاف رغبته الحقيقية يفسد العملية الانتخابية، كما يفسد شرعية السلطة المستندة إلى هذه الطريقة في الانتخابات.
2- تمزيق الدوائر الانتخابية: أشار السعدي إلى أن السلطة الحاكمة تستطيع أن تمزق الدوائر الانتخابية بواسطة توزيع خصومها على دوائر يشكِّلون فيها أقلية لا تؤهلهم للفوز، بينما تجمع أنصارها في دوائر مهمة تستطيع أن تضمن لها الفوز سلفا، وهذا الأمر يتعزز في حال غياب الرقابة القضائية والشعبية في المجتمعات غير المتطورة.
3- وسائل الضغط والإكراه: ذكر السعدي بأن الأنظمة التي لا تحترم إرادة الشعب، ولا تقيم وزناً للأصول والمبادئ الديمقراطية والأخلاقية قد تهدد خصومها علنياً أو سرياً، وبالمقابل فإنها تتعهد لأنصارها بالإغراءات المادية أو الوظيفية. كما تستطيع السلطة أن تلعب دوراً بارزاً في تزوير الانتخابات، وتزييف إرادة الناخب بما لديها من إمكانات بشرية وفنية ومالية، آخذين بنظر الاعتبار أن تزييف إرادة الناخب جريمة يعاقب عليها القانون.
أما عن مبدأ المشروعية فقد ذكر السعدي بأنه مبدأ قانوني، والدولة القانونية بهذا المعنى، تقابل الدولة الدكتاتورية بشقيها الاستبدادي والبوليسي. وقد تطور مبدأ الدولة القانونية أو ما يعرف بمبدأ المشروعية عبر التاريخ. وقد أثار المحاضر عدداً من التساؤلات في أثناء شرحه لهذا المبدأ من بينها: لماذا تخضع الدولة للقانون؟ وما هو أساس خضوعها؟ وقد وردت نظريات عدة في هذا الصدد منها نظرية الحقوق الفردية، ونظرية التضامن الاجتماعي وما إلى ذلك
ضمانات الدولة القانونية
توقف السعدي عند ضمانات وعناصر الدولة القانونية وأوجزها في ست نقاط أساسية وهي:
1- الدستور: ينبغي وجود دستور تقرره إرادة الشعب ليكون مرجعيته وملاذه لأن الدستور هو الذي يقيم مؤسسات الدولة وشكل الحكم، والعلاقة بين السلطات، واختصاص كل سلطة على انفراد. كما يُبين الحقوق والحريات السياسية والمدنية وضماناتها. ولهذا يعتبر الدستور الركن الأساسي في دولة القانون، وإذا لم تُحترم نصوصه ينهار نظام الدولة القانونية.
2- مبدأ الفصل بين السلطات: قسّم السعدي السلطات إلى ثلاثة أقسام وهي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وأوكل بكل سلطة مجموعة من المهمات حيث تتولى السلطة التشريعية سنّ القوانين التي تعبّر عن إرادة الشعب، فيما تقوم السلطة التنفيذية بالسهر على حاجات أبناء الشعب بواسطة التطبيق اليومي للقوانين واللوائح. أما السلطة القضائية فواجبها الفصل في الخصومات بين الأفراد من جهة، وبين الأفراد والدولة من جهة أخرى. ويتوجب على هذه السلطات أن تتعاون فيما بينها على الوجه الأكمل الذي يحقق الاستقرار ويلبّي حاجات المواطنين.
3- تقرير رقابة قضائية: نوّه السعدي بأن القضاء هو حصن الحقوق والحريات وفي حال تقرير الرقابة القضائية تتهيب سلطات الدولة في تجاوزاتها سواء على الأفراد أم على بعضها بعضا. وميّز السعدي بين الرقابة البرلمانية والرقابة الإدارية لأن الرقابة البرلمانية تخضع لاتجاهات الأغلبية البرلمانية، وأن الرقابة الإدارية تجعل من الإدارة حكماً وخصماً في آنٍ معا. لذلك خلص إلى القول بأن الرقابة القضائية هي الملاذ الحقيقي للأفراد في مواجهة الإدارة.
4- مبدأ خضوع الإدارة للقانون (مبدأ سيادة القانون): يرى السعدي أن هذا المبدأ هو من أهم عناصر الدولة القانونية، وهو مبدأ سياسي يعني خضوع الإدارة للقانون، أي أن السلطة التشريعية تُعتبر أعلى منزلة من الإدارة لأنها تجسِّد إردة الشعب. ووفقاً لهذا المبدأ لا يجوز للإدارة أن تقرر أمراً لا يستند إلى قانون، وإذا فعلت ذلك فإنها تتعرض للمساءلة القانونية.
5- تدرّج القواعد القانونية: وصف السعدي النظام القانوني بالشكل الهرمي حيث تتسيّد فيه القواعد الدستورية، وتليها القواعد القانونية العادية، ثم تأتي اللوائح بأنواعها المختلفة ثم يأتي بعدها القرار الفردي . . . المنشورات والأوامر الداخلية وما إلى ذلك. وأوضح السعدي بأن القاعدة الدنيا تستمد قوتها من القاعدة الأعلى وتخضع لها. فلا يجوز للقاعدة القانونية العادية مخالفة قواعد الدستور كما لا يصح للائحة مخالفة القاعدة القانونية.
6- الاعتراف بالحقوق الفردية: اعتبر السعدي أن الاعتراف بالحقوق الفردية هو عنصر من عناصر الدولة القانونية، فلا يمكن لدولة معينة أن تدّعي أنها دولة قانونية من دون أن تعترف بالحقوق والحريات العامة، وتوفر الضمانات لممارسة هذه الحقوق والحريات وأبرز هذه الحقوق هو حق الانتخاب، والترشيح لوظائف الدولة على كافة مستوياتها.
خلص السعدي إلى القول بأن الديمقراطية تؤسس لدولة القانون، وليست هناك ديمقراطية من دون تقرير المساواة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم، واعتبر السعدي المساواة هي روح الديمقراطية وجوهرها.
وفي ختام الأمسية أثارَ عدد من الحاضرين أسئلة مهمة وسنكتفي بذكر أسمائهم بحسب التسلسل الذي ورد في الأمسية وهم: صادق الطائي، منير كمال، غسان محمد، د.محمد علي زيني، كريم السبع، د. عباس الفياض، د.فاروق رضاعة، د. سعد الشريفي وعبد جعفر. وقد أجاب السعدي إجابات شافية غطت كل الجوانب الغامضة التي كانت تضبّب أذهان السائلين.