09-04-2014 –
عدنان حسين احمد
نظمت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن أمسية ثقافية للدكتور عبدالله الموسوي تحدث فيها عن موضوع ” العنف الأسري، ماهيته، أسبابه والحلول المقترحة” وقد ساهم في تقديمه وإدارة الندوة كاتب هذه السطور. استهل الموسوي محاضرته بتعريف العنف الأسري وقال عنه: “هو كل استخدام للقوة بطريقة غير شرعية من قبل شخص بالغ في العائلة ضد أفراد آخرين من العائلة نفسها. ويُعد العنف الأسري من اشدّ أنواع العنف البشري انتشاراً في المجتمع العربي والعالم الثالث، وليس هناك دراسة دقيقة تبيّن لنا نسبة هذا العنف وأنواعه، إذ تعزف هذه الدول عن التصريح به كمّاً ونوعاً. والعنف عنفان، جسدي ولفظي ينسلخ عنهما العنف النفسي وهو أشدّ وقعاً على الشخص المعنّف.”
ثم أضاف: “أما العنف الجسدي وما يترتب عليه فيحدد تبعاته الممارِس والممارَس عليه، أهو الأب، أم الأم، أم هو الأخ الكبير. قد يكون العم والخال، وربما زوج الأم. ثم هل هو عنف الزوج تجاه زوجته، أم هم بعض من أهل الزوج، وربما تكون الزوجة هي التي تمارس هذا العنف؟”. ثم توقف المحاضر عند نوع العنف متسائلاً: “أهو تأديبي غايته الإصلاح وإقران العقاب بالخطأ الذي وقع فيه المعاقب؟ (إقتران شرطي) بافلوف. وهل أن العنف دافعه شدة بالمزاج فانعكس على على حدة العقاب مما يترك آثاراً جسدية ونفسية لا تُمحى تبعات بعضها مدى العمر؟”
توقف المحاضر عند السن التي يتلّقى فيها المُعاقَب العقاب، فإذا كانت مرحلة الطفولة الأولى فهي تنقسم إلى ثلاث فئات عمرية وهي: (1-3 حيث يُكرّس فيها النمو الجسمي)و ( 3-6 تظهر فيها العواطف وتحدد الأمزجة) و (6-12 يأخذ العقل نموه في مداه المميز). أما إذا كانت مرحلة المراهقة للبنات فهي تنحصر بين 11-13) وإذا كانت للذكور فهي بين 12-14).
مظاهر العنف الأسري
إن مظاهر العنف الأسري في بعض حالاته، كما يذهب المُحاضر، متوارثة فضلاً عن أنها جاءت نتيجة للحياة العصرية، فالضغط النفسي والإحباط المتولد من طبيعة الحياة العصرية اليومية تُعد من المنابع الأولية والأساسية لمشكلة العنف الأسري.
أشار المحاضر إلى أن العنف هو سلوك مُكتسَب يتعلمه الفرد خلال أطوار حياته، والأفراد الذين يكونون ضحية له في صغرهم ربما يمارسونه على أفراد أسرهم في الكبر (إسقاط) على اعتبار إن من شكّل شخصيته هو أسلوب التربية التي نشأ عليها.
ذكر المحاضر بأن الدراسات الميدانية في مجال العنف الأسري تؤكد على أن الزوجة هي الضحية الأولى، وأن الزوج هو المُعتدي الأول ثم يليها الأبناء، ويشكِّل ذلك نسبة %99 في مجتمعنا العراقي. أشار الباحث إلى ثلاث حالات استمدها من متابعاته الميدانية وهي: (البنت التي تأتي متأخرة للبيت نتيجة سوء العلاقة بين أبويها)، (الزوجان المطلّقان المقترنِان بغيرهما)و (الدلال المتفرد للولد الوحيد الذي صاحَبه منذ ولادته وتواصل حتى بعد مراهقته، فلا يُرفَض له طلب وهو يعتقد أنه على صواب لكن الأبوين وقعا في الفخ لأن ابنهما لا يستجيب لمتطلبات الحياة الاجتماعية).
دوافع العنف الأسري
حدد الدكتور عبدالله الموسوي ثلاثة دوافع أساسية للعنف الأسري وقد أوردها كالآتي: (دوافع ذاتية: وهي التي تنبع من ذات الإنسان (فطرية ومكتسبة)،(دوافع اقتصادية: نتيجة تفريغ شحنة الخيبة في الحصول على مصدر كريم للعيش، خصوصاً إذا ما تمت المقارنة أو المنافسة أو كلاهما معاً مع شخص آخر (لكل امرئ من دهره ما تعوّدا) و (دوافع اجتماعية: وينطلق من الخلفية الاجتماعية والثقافية للفرد (الأب أو الأم أو كليهما) الذي يجبر الأبناء على تبنيها من خلال العنف والقوة). ثم أضاف الباحث نقطة رابعة مفادها: (أن لكل جيل مقوماته وقد سبق الإمام علي المفكِّرين الغربيين بالقول: “ربّوا أبناءكم غير تربيتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم”. وهكذا هي المناهج التربوية في العالم المتمدن حيث تتعرض للتطوير كل خمس سنوات كأقصى مدة. وكلما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي كلما تضاءل دور الدوافع الثلاثة حتى يكاد ينعدم في المجتمعات الراقية.
توصل الدكتور عبدالله الموسوي إلى أن أكثر مسببات العنف الأسري هو تعاطي الكحول والمخدرات والأمراض النفسية والاجتماعية لدى أحد الزوجين أو لكليهما الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب العلاقة بين الزوجين.
أسباب العنف الأسري
أورد الباحث سبعة أسباب للعنف الأسري ونوّه بأن هذه القائمة قد تطول تبعاً للاختلافات الثقافية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية في المجتمع الذي نعيش فيه وهذه الأسباب هي: ( ضعف في الوازع الديني، كما يراه البعض، وسوء الفهم)، (سوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة)، (غياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة)، (سوء الاختيار وعدم التناسب بين الزوجين في مختلف الجوانب خصوصاً الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية)، (ظروف المعيشة الصعبة تجاه متطلبات أعلى من قدرة المعني برعاية الأسرة)، (الحرية غير المحددة أو الدلال المتطرف أو الثقة الزائدة عن حدّها)و (عدم متابعة مسيرة الأبناء الدراسية ونوعية الأصحاب المرافقين له).
ولأن الأسرة هي المأوى الدافئ والملجأ الآمن والمدرسة الأولى، فالعنف واللاعنف متوقف على تشكيلتها. وقد قيل في الأم: (الأم مدرسة إن أعددتها / أعددت شعباً طيب الأعراق).
نتائج العنف الأسري
خلص الباحث إلى أربع نتائج نوردها كما يلي: (نشوء العُقد النفسية التي تتعمّق لدى المُعرَّض لها ما لم يٌسعَف بعرضه على مختص نفسي ليسهّل فكّ عقدها قبل أن تستفحل)، (احتمال ممارسة العنف من قبل منْ مورس معه العنف الأسري أو عايشه في المستقبل كون العنف الممارس احتل فسحة من سنين عمره)، (تفكك الروابط الأسرية وانعدام الثقة، وعدم الانصياع لطلبات الأبوين، والاستقلال المبكر، خصوصاً مع مجتمع نعتبر في نحن الكبار طارئين عليه، يعطي حرية مطلقة للأجيال (6-17) حيث تدفع به إلى التسيّب ما لم يُعلّم بالأسلوب المناسب)و (تفكك الأسرة يؤدي بالضرورة إلى تفكك المجتمع).
مقومات العلاقة الطبيعية المفترضة بين أبناء الأسرة
ذكر المحاضر أربعة مقومات لهذه العلاقة الطبيعية وهي: (الحُب: ومصدره المرأة بحكم التركيبة العاطفية كونها المصدر الأكثر قدرة على شحن الجو العائلي بالحب والمودة)، (التعاون: إشراك الجميع بمتطلبات البيت. كل حسب طاقته دونما إعفاء لأحد من أفراد الأسرة)، (الاحترام المتبادل: كل حسب موقعه وجنسه وعمره)و (تجنّب الموروث السلبي: الذي قد يكون صالحاً عندما شرّعه المجتمع في وقته، لكنه لم يعد كذلك في جيل الأبناء المصاحب لتطور المجتمع).
كما أشار إلى أن كثيراً من الرجال من يتعامل مع زوجته بالطريقة التي تعامل بها والده مع والدته في زمن كان راكداً، ولم يأخذ من بلد الهجرة سوى القشور.
مسؤولية الزوج تجاه زوجته
توقف المحاضر أمام مسؤولية الزوج تجاه زوجته وأوجزها بسبع نقاط وهي: (حسن التعامل والنديّة)، (الإسهام في قرارات البيت، الأولاد ومتطلبات المعيشة) و (ألا يبخل عليها مادياً ومعنوياً)، و(أن يظهر معالم الاحترام للزوجة أمام أولاده)، و(أن يكافئ بين الأولاد في التعامل)، (وأن يُسهم مع الزوجة في تحديد عدد الأولاد وتسميتهم) و (ألا يبخل عليهم بمواصلة التعليم).
مسؤولية الزوجة تجاه الزوج والأبناء
أما مسؤولية الزوجة تجاه الزوج والأولاد فقد أسهب فيها المحاضر بعض الشيئ بحيث وصلت إلى تسع نقاط وهي: (الثواب تجاه ردود الأفعال الإيجابية (السلوك الحسن)، (العقاب المناسب للفعل السلبي وإظهار السلوك وتقبيحه)، (الاعتدال في إظهار العواطف تجاه الأبناء، وعدم الإسراف في التدليل)، (عدم التمييز (لأي سبب) في التعامل مع الأبناء)، (الاقتداء بالمكانة التي يحتلها الأب وبما يوجب احترامه والتطلع لمكانته)، (عدم الاصطدام بالزوج، في الأقل أمام الأولاد، إذ أن بعضهم سيميل للأم والبعض الآخر للأب، وسوف تُخلق فجوة في العائلة)، (إطلاع الأب على السلوك غير المرضي للأبناء قصد معالجته قبل أن يستفحل)، (متابعة علاقات الأبناء وتجنيبهم مصاحبة أقران السوء) و (الاتزان الانفعالي للوالدين وعدم التهور (في الأقل أمام الأولاد).
محطات تربوية تستلزم الوقوف
في ختام محاضرته توصل الباحث إلى ثلاث محطات تربوية يرى ضرورة مُلحة في الوقوف عندها وهي: (إن %30 من المرضى يشكون من علل جسمية ويعانون في الواقع من أمراض نفسجسمية تُحدث اضطرابات في القلب، والدورة الدموية، والجهاز الهضمي، والتنفسي، بل حتى العقم وأمراض الجلد والسرطان)، (تطابق فكر الطبيب النفسي علي كمال مع الطبيب العربي الرازي الذي أدرك قبل أكثر من ألف عام “أن على الطبيب أن يوهم المريض دائماً بالصحة ويتمناها له حتى وإن كان غير واثق من ذلك، فمزاج الجسم تابع لمزاج النفس) و (المحطة الثالثة تُذكّر بالمثل القائل داعبوهم سبعاً، وأدبّوهم سبعاً، وصاحبوهم سبعا). فأين نحن من هذا المبدأ الجميل. وبعد الانتهاء من المحاضرة التي عززها الباحث عبدالله الموسوي بسبع عشرة حالة انتقاها من بين أكثر من خمسين حالة درسها دراسة ميدانية متأنية. ثم أجاب على أسئلة الحضور.