– منْ سيّس الدين فقد أهانه. ومنْ سيّس المذهب فقد أساء إليه
عدنان حسين أحمد
نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني في 1 تموز 2013, ندوة حوارية خاصة مع سماحة السيد الفقيه حسين إسماعيل الصدر الذي تحدث فيها وجهاً لوجه مع روّاد مؤسسة الحوار الإنساني وأجاب على أسئلتهم التي تدور في أذهانهم. وقد قدّم خلال هذه الأمسية الحوارية رؤية ملأى بالأمل في خلق عراق ديمقراطي تسود فيه الدولة المدنية، وتنفتح فيه على الآخر القومي والديني والمذهبي، وتعامل فيه الناس سواسية كأسنان المشط. وفي الآتي نص كلمة سماحة الشيد وإجاباته على الأسئلة التي كانت تعِّن في أذهاب الحاضرين.
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الرب العظيم، باسم الحي القيّوم. والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، حبيب قلوبنا، وطبيب نفوسنا، وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين وأصحابه الأبرار المنتدبين ثم الصلاة والسلام على جميع أنبيائه ورسله لا نفرِّق بين أحد منهم. شكراً أولاً لحضوركم وأرحب بكم في داركم وفي بيتكم بيت السلام وضمن مؤسسة الحوار الإنساني. أرحب بكم في بيتكم الذي طالما تحدثتم فيه وقدّمتم الكثير والكثير من بحوثكم وتجاربكم وخلاصة ما لديكم من علم وخبرة من أجل تنمية الإنسان ومن أجل تطوير الإنسان ومن أجل تأكيد مفهوم هذا البيت، بيت السلام وما يحمل السلام من قيم ومن مفاهيم مقدسة وإنسانية وبناءة للإنسان وللمجتمع وللوطن أو للأوطان. ما أحوجنا دائماً أن نكون في بيت السلام في بيت المحبة، في بيت الأخوة، في بيت المودة. ما أحوجنا دائماً أن نكون في بيت الوحدة الإنسانية، ما أحوجنا أن نكون دائماً في بيت الوحدة الإيمانية التي تجمع الرسالات السماوية. ما أحوجنا إلى السلام وثقافة السلام. ما أحوجنا دائماً أن تكون قلوبنا بيتاً للسلام أن تكون دواخلنا بيتاً للسلام، السلام المقدس، السلام الذي هو اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، اسم من أسماء الرب العظيم والذي لابد أن نعيشه دائماً وأبداً، ولابد أن نعيشه قولاً وفكراً وعملاً. لابد أن نعيش السلام في علاقتنا مع الله سبحانه وتعالى وإن انفتحنا على هذا الاسم العظيم، وانفتحنا بذلك على رب العالمين فإننا سننفتح على الكون كله. عندما ننفتح بالمحبة لله سبحانه وتعالى ونجعل قلوبنا بيتاً لله كما هو أراد حيث قال في الحديث القدسي: “لم تسعني السموات والأرض ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن”. لابد أن يكون السلام هو الأساس في قلوبنا، لابد أن يكون السلام هو المليئ لقلوبنا، وعندما يكون السلام هو المليئ لقلوبنا والعلاقة مع الله سبحانه وتعالى هي المالئة لقلوبنا فبمقدار هذه العلاقة لابد أن ننفتح على الكون، وعندما نحب الله لابد أن نحب الكون الذي خلق الله، الذي هو صنع الله الذي هو من حكمة الله سبحانه وتعالى ومن إرادته عز وجل وأعظم ما في الكون هو الإنسان، وأعز وأثمن ما في الكون هو الإنسان، ولهذا نرى أن الله سبحانه وتعالى جعله خليفته في الأرض وأوكل إليه إعمار هذا الوجود، وجعله أكبر قيمة إلهية في هذا الوجود ولهذا كرّمه من أجل إنسانيته وليس من أجل أي شيئ آخر عندما قال: وكرمنا بني آدم فلم يذكر هذا التكريم من أجل تلبسه بدين معين ولا بطائفة معينة ولا بقومية معينة، وإنما هو إنسان ومادام هو إنسان فلابد أن يكون مكرماً عزيزاً كبيراً. فعندما ننفتح على اسم السلام ننفتح بالحب لله سبحانه وتعالى لابد أن ننفتح على الكون بكل ما فيه وأهم ما في الكون هو الإنسان الذي هو خليفة الله والذي أوكل الله إليه سبحانه وتعالى إعمار هذا الكون وإعمار هذا الوجود وعندما نريد أن ننفتح على الإنسان من أجل تجسيد خلافتنا لرب العالمين ومن أجل أن نؤكد أننا وكلاء لله سبحانه وتعالى لإعمار هذا الكون لابد أن تكون هناك لغة مشتركة ما بين الإنسان والإنسان الآخر، تلك اللغة المشتركة هي ثقافة الحوار، هي أدب الحوار فدائماً لا يمكن التنسيق مع الآخر إلا بثقافة الحوار وبمبدأ الحوار. الحوار الذي هو أساس إيماني، الحوار الذي هو أساس إسلامي، وعندما أقول إيماني يعني يجمع كل الرسالات السماوية، وعندما أقول إسلامي هو ضمن رسالة الإسلام فرسالة الإسلام بنيت على الحوار بقرآنها الكريم وبسنتها المباركة وبأقوال الأئمة من أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام وبما روي عن الصحابة الأجلاء رضي الله تعالى عنهم من أقوال وأحاديث لا تُعد. الحوار هو أساس التعرف على الآخر. إذاً، عندما نعيش السلام في دواخلنا وننفتح على الله سبحانه وتعالى لابد أن ننفتح على الكون ولابد أن ننفتح على الإنسان، وعندما ننفتح على الإنسان نحتاج إلى ثقافة الحوار. هنا ثقافة الحوار ثقافة نظرية وما أكثر الثقافات النظرية اليوم. هناك من يتكلم بالحوار، بل أكثر من ذلك هناك من يخطب بالحوار عن الحوار، ويدعو للحوار، ولكنه في عمله في سلوكه في منهجه في تعامله مع الآخر أبعد ما يكون عن الحوار وثقافة الحوار لأن الحوار وثقافة الحوار يعني قبول الآخر، ثقافة الحوار تعني ثقافة التعددية واحترام الرأي الآخر ونحن بإسلامنا العظيم وبرسالتنا السماوية الكريمة التي تؤكد جميعاً على احترام الآخر واحترام ثقافته واحترام متبنياته الفكرية أياً كانت هذه المتبنيات الفكرية، ليس بالضرورة أن أتفق مع متبنياته الفكرية ولكن بالضرورة أن أحترمها وأن أقدرها.
الحوار العملي
مسألة التعدد في الرأي في تقديري هي مسألة تكوينية الله سبحانه وتعالى خلق البشرية وخلق أفكاراً متعددة وآراء وديانات وعقائد متعددة، إذاً مسألة تكوينية والإنسان لا يمكن أن يقف أمام هذه المسألة التكوينية إلا أن يقف باحترام وتقدير لكل الآراء ولكل المعتقدات ويعمل من أجل الحوار وليس الحوار النظري، وإنما الحوار العملي بعد أن أكدنا تعريف الحوار وأنه ليس من أجل تغيير الآخر وإنما من أجل معرفة الآخر أقول إن هذه النظرية هذا التعريف لابد يكون عملياً في سلوكنا وفي تعاملنا مع الآخر وأيا كان الآخر. هناك من يعيش حالة الاثنينية في مفهوم الحوار، حالة الازدواجية في مفهوم الحوار يتكلم بالحوار ويدعو إلى الحوار ويكتب عن الحوار ولكنه بسلوكه بتعامله مع الآخر مع الرأي الآخر مع الدين الآخر مع الطائفة الأخرى مع المذهب الآخر أبعد ما يكون عن الحوار الموضوعي ولهذا لا بد وأنتم الكبار وأنتم الأساتذة وأنتم الذين تحملون الفكر الإنساني والفكر العلمي لابد أن نعمل جميعاً من أجل ترسيخ مبدأ ثقافة الحوار العملية وليست ثقافة الحوار النظرية، دائماً النظريات سهلة، ودائماً الحديث بالنظريات من الأمور الممكنة للكثير من الأشخاص، ولكن عندما تنتقل النظرية إلى عمل هنا يكون الامتحان صعباً. المطلوب دائماً منا أن نحمل ثقافة وبشكلها العملي ونعمل من أجل تأكيد هذه الثقافة، ثقافة الحوار، وبشكلها العملي من أجل أن نبني أنفسنا بناء سليماً، أن نبني أسرنا بناء سليماً، أن نبني مجتمعنا بناءً سليماً، أن نقدم لمسيرتنا الإنسانية أينما تكون بالشكل الصحيح. وعندما نقول الحوار العملي هو الذي تقصده الآية التي تؤكد وجود التعديدة وضروة الحوار العملي : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلا” لماذا؟ لتعارفوا وهنا لتعارفوا بمعنى لتتحاوروا وهذا التحاور ليس من أجل أن يغيّر هذا ذاك أو يبدل رأيه وإنما من أجل أن يتعرف كل منهم على رأي الآخر وعلى فكر الآخر وعلى ديانة الآخر وعلى مذهب الآخر.
المساحة المشتركة
بالتأكيد هناك الكثير من المشتركات نعمل من أجل المشتركات، وتأكيد هذه المشتركات وتثبيت هذه المشتركات مسألة الإيمان بالله مسألة تجمع الجميع، مسألة الإنسان وكرامة الإنسان وحقوق الإنسان مسألة تجمع الجميع، مسألة الوطن وأهمية الوطن وهوية الوطن مسألة تجمع الجميع، إذاً نعمل دائماً في حوارنا من أجل أن نلتفت إلى المشتركات ونؤكد هذه المشتركات ونتحاور في هذه المشتركات ولكن لابد أن يكون حوارنا حواراً عملياً وليس حواراً نظرياً، ليس بتبنى فكر الحوار وإنما يكون الحوار عملاً لنا وسلوكاً نعمل به ونطبقه في كل جزئياتنا. الإنسان يحتاج إلى السلام مع نفسه وعندما يعيش السلام مع نفسه يتمكن أن يحاورها، والإنسان يحتاج إلى السلام مع أسرته، وعندما يعيش السلام مع أسرته سيتمكن من أن يتحاور مع أسرته، يحتاج إلى السلام مع شعبه، وعندما يعيش فعلاً السلام عملياً مع شعبه سيتمكن من أن ينفتح على شعبه. الإنسان يحتاج إلى ثقافة السلام العملية والحوار العملي مع الناس جميعاً من أجل أن ينفتح عليهم وينفتح عليه. إذا ابتعد الإنسان عن الحوار فإنه سيكرس في داخله الأنا والذات، وإذا ابتعد مع أسرته عن الحوار سيكرس مفهوم التسلط والدكتاتورية في الأسرة، بالعكس إذا انفتح على أسرته بالحوار فإنه سيؤكد الجسم الواحد في الأسرة كذلك بالنسبة إلى مجتمعه وشعبه ولهذا أقول علينا جميعاً أن نعمل من أجل تطوير الحوار النظري إلى حوار عملي ونعمل بكل ما لدينا من قابليات وطاقات وقدرات من أن أجل تفعيل الحوار العملي وأن يكون جزءاً من حياتنا ومن سلوكنا وثقافتنا ومن تصرفاتنا سواء كان على مستويات المدارس بكل طبقاتها أم مستويات المجتمع بكل فئاته وبكل درجاته. الأستاذ المُقدِّم عبّر عني بمرجعية الاعتدال وأن هذه المرجعية لابد أن تكون هي النموذج للعمل في الوطن أو ما شابه أقول بالتأكيد أن المقصود هو ليس النموذج الشخصي وإنما المقصود هو النموذج النوعي فعندما تتحقق هذه النوعية بأي شخص كان فلابد أن يكون نموذجاً لشعبة ولأهله ولناسه كيفما كانوا. أكرر سعادتي وشكري لكم بحضوركم وسعادتي بلقائكم وشكراً لكم ورحمة الله وبركاته.
إنضاج الشعائر الدينية
غانم السلطان: أنا أشكر سماحة السيد على تأسيس هذه المؤسسة وأتمنى لها النجاح. أنا شخصياً تؤلمني المبالغة في الشعائر الدينية، وأتمنى أن نقود حملة لعقلنة الأمور، وقد قيل لي أن هناك قلة في العراق تريد قيادة هذه الحملة ومن هذه القلة سماحة السيد حسين إسماعيل الصدر. يجب اختراق هذا الحماس صحيح أن هناك فائدة في هذه الطقوس مثل المشي والمشاركة في الطعام والشراب لكنها تجاوزت الحدود وأقصد الجانب الدموي في التطبير؟
سماحة السيد: المتحدث الأول شكرني على المؤسسة وجوابي أنه لا شكر على واجب. في تقديري أن هذه المؤسسة وما تقوم به هي ضمن واجبنا الديني والثقافي والإنساني، كما هي عراقية للعراقيين أولاً ولكن هي لكل العرب ولكل المسلمين ولكل أبناء الديانات الأخرى أيا كانوا ومن واجبنا أن نشجع الثقافة بكل أنواعها من أجل أن يكون مجتمعنا أكثر ثقافة حتى يتمكن من أن يحمل رسالته أياً كان عندما يكون مثقفاً يتمكن أن يحمل رسالته، ويتمكن أن يوصل رسالته بسلام إلى الآخرين، وأن يكون أكثر قدرة على تطبيق رسالته وإيصالها. هناك مسألة تجمع الطروحات الثلاثة وهي مسألة الثقافة. دائماً الشعائر الدينية هي تأكيد على علاقة الإنسان مع الله سبحانه وتعالى ومحاولة جادة من الإنسان لأن يجسّد وأن يعطي مصداق أو مصاديق لهذه العلاقة ما بينه وبين الله سبحانه وتعالى تلك هي مفهوم الشعائر الدينية من أجل أن يؤكد هذه العلاقة المقدسة ما بينه وبين الله، يؤكد محبته ويؤكد ولاءه لله وإنتماءه وعبودية وصدقه لله، ولذلك هناك عبادات وشعائر التي أسميتموها شعائر دينية. بالتأكيد أن هذه الشعائر لها دخل في مستوى ثقافة من يؤدي الشعائر كلما تكون مستوى ثقافته أفضل وبدرجة من الثقافة أحسن سيكون أداءه لهذه الشعائر بشكل أكثر نضوجاً وأكثر خدمة وأكثر عطاءً نحن أكدنا مراراً وفي الكثير من مؤتمراتنا ولقاءاتنا مع العلماء والخطباء ورجال الدين فلدينا لقاء شهري مع مجموعة كبيرة من رجال الدين مرتبطين بمكتبنا ومن كل المذاهب الإسلامية ومن كل المدارس الإسلامية. أنا دائماً أحب أن أسمي المذاهب مدارس إسلامية ونؤكد على ضرورة تنضيج الشعائر الدينية بتنضيج المجتمع فكلما يكون المجتمع أكثر نضجاً تكون الشعائر الدينية هي أكثر ثقافة وأكثر نضجاً. مراراً قلنا وسنبقى نقول من أن العمل هو عبادة، كل عمل يسبب الرزق الحلال وعن طريق الحلال فهو من أعلى درجات العبادة، واليد العاملة هي يد مقدسة عند الله سبحانه وتعالى ولهذا عمل الإنسان من أجل كسب الحلال ومن أجل أن تكتفي عائلته هو هذا من أهم أنواع العبادة. بالنسبة للموظفين أكدنا على أن الموظف عمله في دائرته وبإخلاص وخدمته إلى المراجعين وللمواطنين هو من أنواع العبادة وأن كان هذا كسب وهو يأخذ راتباً على ذلك ولكن إن أخلص في عمله سيكون عمله نوعاً من أنواع العبادة. كثيراً ما نُسأل عن الموظف والعامل الذي ينتهي دوامه بعد وقت دخول الصلاة بساعتين فهل يجوز له أن يصلي في بداية الوقت أم عليه أن يؤخر الصلاة لحين انتهاء دوامه ووقت الصلاة مستمر فيكون الجواب لهم لا يجوز له أن يصلي في دائرته إذا كان ذلك مما يؤخر ويعطل عمل المراجعين أو المواطنين الذين يحتاجون إليه وإلى تمشية معاملاتهم وإنما يؤخر الصلاة إلى أن يخرج من الدائرة ولو فات عن وقت الفضيلة ساعة أو أكثر من ساعة ولكن عمله واجبه مادام هو في دائرته. إذاً الصلاة التي يفترض أنها من أهم الشعائر الدينية والتي هي عمود الدين نقول لابد من تأخيرها إلى ما بعد انتهاء الدوام مع بقاء وقت الصلاة من أجل أن لا يؤخر عمله وخدمته إلى المواطنين، أعود وأقول من أن أداء الشعائر هو بمستوى ثقافة من يؤديها إذاً نحن جميعاً لابد أن نشعر بالمسؤولية من أجل تنمية ثقافة مجتمعاتنا وكلما نمت ثقافة مجتمعاتنا ستكون الشعائر الدينية بشكل أفضل هذا أولاً، وثانياً لابد أن نجعل البديل السليم وأن تكون شعائر سليمة كما عملنا من بعد 2003 شعيرة التبرع بالدم إلى المرضى ولدينا مراكز صحية وهي في الكاظمية قريبة من باب المراد ومجموعة في كل سنة بمناسبة استشهاد الإمام الحسين يصل عدد هذه المجموعة إلى المئات ويتبرعون بالدم أكثر من مرتين أو ثلاث مرات كنت أنا أول من تبرع وبعد ذلك تبرع الكثير والكثير من المواطنين ونحتفظ بهذا الدم في بنك الدم من أجل إعطاءه إلى من يحتاجه ممن لا يتمكن من شراء الدم من العراقيين أياً كان هذا العراقي وهكذا ممكن هناك أطروحات كثيرة لشعائر دينية ولكنها تربي الإنسان وتفيد المجتمع وتقربه إلى الله سبحانه وتعالى. لابد لنا جميعاً من أجل تأكيد هكذا شعائر وأن نؤكد هكذا ثقافة. إذاً لابد لنا جميعاً كلنا أن نعمل أن نتحدث من أجل تثقيف هذه الشعائر. بالحقيقة ليس من الصحيح أن نعترض على ما هو موجود ولكن نحاول أن نقدم ما هو أفضل من أجل أن تكون فعلاً شعائر تقربنا إلى الله وتقربنا إلى مدرسة الإمام الحسين إلى رسالة ومنهج الإمام الحسين، منهج الإمام الحسين منهج إصلاحي وليس هو منهج بكائي، البكاء العاطفة مطلوبة، الإنسان من دون عاطفة يخرج عن إنسانيته، العاطفة مطلوبة ولكن مع العاطفة لابد أن تكون هناك رسالة لابد أن يكون هناك منهج لابد أن تكون هناك مدرسة، الإمام الحسين صاحب مدرسة تماماً هو مدرسته مدرسة الإسلام ولكن هو كان ضمن ما قدّم تفاعلت الأمة مع مدرستة ومع نهضته أكثر من غيره من الأئمة الأبرار عليهم أفضل الصلاة والسلام. إذاً نحن لابد أن ننضج فكرة كيف نكون مع الإمام الحسين وكيف نعمل بالشعائر الدينية. أنا صدرَ لي كتاب نهضة الإمام الحسين وقريباً سوف يصدر لي كتاب كيف نكون مع الإمام الحسين.
فطرة الخير
صادق الصائغ: ما أحلى كلامك ثقافة الإسلام التي تتحدث عن التعايش مع الآخر لا مناص من التوصل إلى الفكرة التي طرحها حضرتكم وهي أن السلام ممكن أن يكون الحل ودواء لكل الجروح وفي ثقافة السلام هناك مؤلفات متنوعة من كل صوب وكل اتجاه ومن كل الأفكار وكل الذين يعيشون على هذا الكوكب لكن هل أن الإشكال في هذا التعايش أم أن الإشكال هو ثقافة الحرب التي تعيش في وجداننا في كل لحظة سواء كنا في هذا المكان أو ذاك في هذه الدولة أو تلك. نحن مملؤون قلقاً. هناك إشكاليتان في رأيي الأولى قديمة وهي الاستعمار والفتوحات وتبعية بلد إلى بلد أو تبعية الشعوب كاملة لشخص واحد هنا يمكن أن تتفجر قنبلة أو ينفجر حزام ناسف نحن هنا يطلق علينا دعاة حرب والإسلام كما يقول الآخرون ليس إسلاما واحداً هناك إسلام سلم حقيقي كما ذكرتم حضرتكم وهناك إسلام يدعو إلى الحرب ونسف موضوعة الحوار ولا يتعايش لأنه يضع نقطة واحدة شرط الحوار وهو القتل الذي نعتبره شيئاً ثابتاً في حياتنا. كيف يمكن تجاوز هذه العقلية أو ندعو إلى حوار في حين لا حوار إذا كان الشر قائم منذ البداية. نحن مشكلتنا في العراق حروب يقوم رجال دين، نحن أناس مسالمون عشنا ولانعرف من هو سني ومن هو شيعي؟ ولا نعرف من هو الملحد ومن هو المؤمن؟ الآن نحن متوترون مقسومون إلى ناس يلبسون لباس الدين ويعتقدون أن القرار هو قرارهم وحدهم فكيف تتعايش الفضيلة مع هكذا منطق؟ هذا ناتج عن التناقض ليس في الدين وإنما في من يستغل الدين. رجال الدين أنفسهم لماذا هم وحدهم فقط يحكمون العراق؟ لماذ كل العقول المتعلمة غير صالحة؟ لماذا كلنا مبعدون؟ ليس هناك رجال دين يوجهون نصائح لمن يحكم العراق الآن؟
سماحة السيد: بالنسبة للمتحدث الثاني صادق الصائغ الحقيقة أن الخير والشر موجودان من يوم وجود الإنسان والكل يعلم ما حصل بين قابيل وهابيل، إذاً ثقافة الخير موجودة مع وجود الإنسان، وثقافة الشر موجودة مع وجود الإنسان تماماً أن النفس الإنسانية هي مملوءة بالخير. الله سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان لأنه أحبه، وعندما أحبه وخلقه لابد أن يكون خلقه خلقاً متكاملاً ولهذا فقد خلقه في أحسن صورة، وعندما يكون في أحسن صورة ليس في أحسن صورة ظاهرية وإنما في أحسن صورة داخلية، في أحسن صورة في نفسه، إذاً النفس الإنسانية نفس خيرة ونفس مملوءة بالخير، وهذا معناه الفطرة التي يذكرها القرآن هي الفطرة التي فطر الناس عليها، الفطرة هي فطرة الإيمان، وفطرة الحب لله سبحانه وتعالى، وفطرة الخير لأن الحب لله هو مصدر الخير وهو مصدر كل مدارس الخير والحب لله. يعني حب للوجود وللإنسان والذي يحب الله سبحانه وتعالى لايمكن أن يكون في داخله كره لأحد من ملأ الله قلبه لا يمكن أن يكون كارهاً لأحد من خلق الله سبحانه وتعالى لأن الذي يحب الله يرى الله في كل شيئ وقبل كل شيئ وبعد كل شيئ. إذاً إن فطرة الإنسان هي فطرة الخير. تبقى البيئة هي التي يمكن أن تغير الإنسان أن تؤثر في الإنسان أن تغير سلوكه، الأخلاق، مقدار تعلمه وثقافته له دخل كبير، أما وجود الخير فأصل تكوينه هو الخير. في مرة تحدثت عن مسألة النفس وذكرت هذه الآية هناك آيات متعددة في موضوع النفس منها “إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي “عندما قلت إن النفس كلها خير فسألني سائل كيف الآية التي تقول “إن النفس لأمارة بالسوء إلا من رحم ربي” فكان الجواب هل هناك مكان ليس فيه رحمة الله؟ بالتأكيد لا لأن الله يملأ كل الوجود، لأن الله نور السموات والأرض. إذاً الله موجود في كل مكان ورحمته معه وتكون النتيجة أن النفس كلها هي برحمة الله ومادام هي برحمة الله فهي نفس نقية ونفس خيرة وطيبة ونظيفة إلا أن المجتمع أو البيئة هي التي تؤثر عليها. إذاً مسألة الخير ومسألة الشر هي موجودة دائماً منذ خلق الإنسان وسوف تبقى إلى قيام الساعة. القلق مشروع، القلق الموجود عند حضرتك، ويمكن موجود عند الجميع فقلقنا على وطننا وبلدنا وناسنا وأهلنا وشعبنا هذا القلق مشروع ولكن علينا أن نعمل جميعاً من أجل ترسيخ ثقافة الخير، ثقافة الإسلام الحيّ وأن الدين كل دين يفترض أن يكون فوق السياسة، الدين دائماً أكبر من السياسة، الدين كله حب ورحمة ومحبة وخير وعطاء والسياسة كلها مصالح ولو هناك أكثر من تعريف للسياسة ولكن الكثير من التعاريف تؤكد على أنها إدارة شؤون المجتمع أو الشعب، شؤون الناس. الآن بعض السياسيين يعرِّفون السياسة على أنها العمل بالممكن ولكن بالنتيجة هي مصالح، مصالح شخصية ومصالح فئوية وحزبية وطائفية وقومية وعرقية وما شابه وشاكل ذلك، الدين أكبر من كل هذه المصالح، الدين أب للجميع، الدين يحتضن الجميع، الدين يحب من هو قريب له وكذلك يحب من هو بعيد عنه. الدين كله خير ومحبة وعطاء. السياسة ليست كذلك ولهذا نقول أن الدين فوق السياسة وأوكد ما أكرره دائماً “منْ سيّس الدين فقد أهانه. ومنْ سيّس المذهب فقد أساء إليه” لأن الدين هو فوق كل شيئ ولذلك المذاهب هي مدارس وليس من أجل التنافس ومن أجل الأختلاف أو زرع الفتنة ما بين هذا وما بين ذاك. أعود وأقول هناك مدرسة للخير وهناك مدرسة إلى الشر، وهناك منْ يتبنى هذه المدرسة، وهناك من يتبنى تلك المدرسة وهذه المسألة تكوينية لا يمكن أن تذهب. علينا جميعاً وخصوصاً من يشعر بالمسؤولية ومن يؤثر في الآخرين بقوله وبكلمته وبتربيته أن يؤكد الخط الخير والثقافة الخيرة التي تبني الإنسان وبالنتيجة تبني المجتمع. الإسلام لم يبتعد في أي يوم من الأيام عن فكرة التعايش والترابط والاعتراف بالآخر كما يصوره البعض ممن يدعي حمل هذه الرسالة، بالعكس الإسلام كله اعتراف بالآخر إلى درجة أن يقول للآخر “لكم دينكم ولي ديني” عندما يقول لكم دينكم ماذا يعني؟ هذا يعني الاعتراف بك، يعني أنت حر بدينك وأنا حر بديني. أنت أدي شعائرك مثلما تريد وأنا أؤدي شعائري مثلما أريد. يعترف بعمل الآخر الله ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم. إذاً هو يعترف بالآخر ويحترم عمل الآخر. أكثر من هذا يعتبر أن الإيمان “إنما المؤمنون أخوة” الإيمان معناه عام، معنى الآية إنما المؤمنون أخوة تفسرها آية أخرى التي تقول “إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون” هذه هي الأسرة أو المجموعة المؤمنة هل هناك تعايش أفضل من هذا التعايش؟ أوضح من هذا التعايش من بين كل أبناء الرسالات السماوية؟ ثم أن الإسلام لم يجبر أحد على رأي معين وعلى وعلى فكرة معينة لأن العقيدة مسألة داخلية، ليست مسألة فرض ولهذا الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه الكريم “لست عليهم بمسيطر” دائماً يقول له أنت نذير أنت مبلغ أما أنت لا تسيطر عليهم. نحن مُطالب من عندنا جميعاً أن نؤكد ثقافة التعايش وثقافة الحوار ومع كل القلق والآلام الموجودة ولكن هناك أمل وتفاؤل ولكن هذا الأمل والتفاؤل لا نعيشه فقط نظرياً أو بالقول ولكن لابد أن نعمل مع الأمل والتفاؤل، من دون أمل وتفاؤل لا يتمكن الإنسان أن يعمل أو يقدم ولكن مع وجود الأمل والتفاؤل أنا مع كل جراحاتي أنا أقدم ومع كل قلقلي أنا أعمل وهذا ما هو مطلوب منا جميعاً.
ثقافات مختلفة
عبد المنعم الأعسم: أرحب بالسيد حسين الصدر هنا وفي كل مكان وكلما نلتقي نسمع منه ما يعتبر دواء لعللنا. لدينا شعور وهو واقع أن الدين الإسلامي في التطبيق أصبح دينين، دين هذا الذي تحدث عنه سماحة السيد ودين آخر متوحش ترتكب باسمه الكثير من الجرائم على مدار الساعة وللأسف الشديد أن هذا الدين يزداد في الرقعة وفي العمل وفي التبشير وفي الأقنية التي يعبر منها عن نفسه. كيف العمل من أجل أن ندرأ هذا التصادم؟
سماحة السيد: أقول إن الكل يعرض الدين حسب ثقافته كذلك. كان لي لقاء قبل شهرم محرم تحدثت فيه وأكدت على بعض النقاط الرئيسية. تحدثت مع الناس وأن الفضائيات كانت موجودة. قلت في حديثي لا تعتقدوا أن ما تسمعوه من الخطباء هو يمثل فعلاً الدين وإنما يمثل ثقافة من يعرض الدين وبالتأكيد أن هؤلاء هم ثقافاتهم مختلفة ومتعددة وبعضهم ضعيفو الثقافة ولكن هكذا فهم الدين إذاً من يتحدث عن الدين يتحدث بما لديه من معرفة وثقافة. يبقى المطلوب دائماً من الأمة أن لا تعتقد دائماً أن من يتكلم بالدين هذا هو عين الدين وإنما هذا يمثل وجهة نظره وفهمه ولا يمثل الدين نفسه.
مداراة الناس
حسن الجراح: لماذا تم تأسيس بيت السلام؟
سماحة السيد: كان سؤال الأخ الجراح لماذا تم تأسيس بيت السلام أو مؤسسة الحوار الإنساني؟ ذكرت في بداية حديثي عن بيت السلام وأهمية السلام لنا كأفراد ولنا كمجتمع ولهذا عملنا من أجل تأكيد ثقافة السلام لكي نزرع السلام في دواخلنا وبالتدريج ونؤكد هذا السلام في علاقتنا مع الله وفي علاقتنا مع خلق الله أياً كان هذا الإنسان ومؤسسة الحوار الإنساني هي تأكيد لثقافة الحوار لأننا نعتقد أن كل صاحب علم أو اختصاص لا يمكن أن يفيد بعلمه واختصاصه إذا لم يكن قادراً على الحوار والتحاور مع الآخر وقبول الآخر ومحبة الآخر. الإسلام أكثر ما أمرنا به هو الحب للآخر واحترام الآخر واحترام رأيه وشخصه ولهذا في الحديث إن كنت تحب أحداً فقل له إني أحبك. لماذا؟ تأكيد للمحبة بينك وبينه. الانفتاح على الآخر والاهتمام بالآخر النبي الكريم يقول أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني ربي بأداء الفرائض. مداراة الناس ماذا تعني؟ تعني الانفتاح على الناس يعني احترام وتقدير الآخر يعني احترام رأيه ووجوده وكرامته وفكره. نحن بحاجة إلى ثقافة الآخر إلى تعميق ثقافة الحوار بعيداً عن كل المسميات نعتز بكل المسميات ونحترمها وكل ما يختص بالإنسان من ديانة ومذهب وطائفة ومن عرقية وقومية وإذا كان حزبه حزب وطني إنساني هذه الخصوصيات كلها محترمة ولكن الحوار وثقافة الحوار هي التي تقرب أحدنا من الآخر ولهذا نقول بضرورة الثقافة وقد عملنا منذ اليوم الأول بعد 2003 على تأسيس مؤسسة الحوار الإنساني في العراق وكان لها أثرها الكبير ولله الحمد في داخل العراق وفي لندن هي مؤسستكم في لندن.
الديانات مصدرها واحد
فاروق رضاعة: كلما يلتقي السيد مع رواد بيت السلام يعطينا المزيد من الثقة والأمل والتطلع إلى أن تجري الأمور بشكل أفضل في بلدنا. إن تاريخ الكنيسة قد تغير عبر القرون محاكم التفتيش وذبح الناس وحرقهم وما إلى ذلك واليوم في المسيحية لا تجد هذه الأمور والسؤال هل تغير الدين: الجواب لا، الدين لم يتغير ولكن المؤسسة القائمة على تسيير الدين والكلام باسم الدين هي التي تغيرت. واليوم ما يجري في العالم الإسلامي من قتل مبرر ووحشي في الباكستان يفجرون باصاً مليئاً بالناس لأنهم من طائفة مختلفة ونسمع من يتكلم بالدين بأعلى صوته اذبحوهم وأقتلوهم ما عشناه قبل خمسين عاماً يختلف عما نعيشه اليوم وأعتقد أن هذا يعود إلى الكلام نيابة عن الدين. الإمام علي يقول “القرآن لا ينطق بلسان ولكن يحتاج إلى ترجمان” والمشكلة من هو هذا الترجمان؟ وما هي ثقافته، وكيف يفسر الدين؟ وأنا بنظري يجب أن يكون هناك تصدي لمن يحاول أن يظهر الدين بغير ما هو عليه.
سماحة السيد: الدين لم يتغير كما قال أستاذنا العزيز رضاعة. الدين جاء وسيبقى كما جاء بمنهجه وأخلاقه ولكن ما حصل ضمن كل الديانات من مشاكل هو تدخل السياسة في الدين ولهذا أتذكر حينما أقمنا حفلاً تكريمياً للكاردينال عمانوئيل دلّي عندما تسلّم الكاردينالية من البابا في العراق فتحدثت والحقيقة أن الكاردينال دلي هو من الشخصيات الإيمانية الوطنية الرائعة جداً وذكرت ما تسمى بالحروب الصليبية وقلت إن الحروب الصليبية ليست لها علاقة بالمسيحية وليست لها علاقة بالدين المسيحي وإنما الحروب هذه كانت حروباً سياسية ولكن ألبسوها لباساً دينياً وهكذا كل ما يبعد الإنسان عن قيمه وعلاقته مع الله سبحان وتعالى. هذا ليس من الإسلام وليس من الدين وليس من الديانات بكاملها لأن الديانات كلها مصدرها واحد هو الله، هو الرب. هدفها واحد هو الإنسان، ومن أجل خدمة الإنسان، والإنسان جاء من أجل أن يعطي وليس من أجل أن يأخذ. نعود ونقول إن الدين واحد ولم يتغير ولكن هناك ممن تلبس بالدين وعمل بالسياسة وحاول أن يجعل الدين لمصلحة شخصه أو لحزبه أو لطائفته ومذهبه وقوميته وعرقيته وما شابه وشاكل ذلك ولكن يبقى الدين هو فوق كل هذه الأسماء والمسميات. كلكم تعلمون أن القرآن الكريم يقول “من أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً”، هذا هو الدين وهذا هو الإسلام، يعني الذي يحيي نفساً واحدة وليس الذي يحيي أسره وليس يحيي عشيرة وليس يحيي بلدة أو مجتمع وإنما يحيي بشرية كاملة كذلك “من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً” فمن قتل شخصاً واحداً فكأنما قتل بشرية بكاملها. وفي الحديث الشريف “إراقة قطرة دم واحدة أعظم من هدم الكعبة سبعين مرة” هذا هو الإسلام بكل وضوح. ليس هناك من المسلمين من لم يقرأ هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة. وتكريم الإنسان واضح كما بيناه في القرآن الكريم وفي الكثير من الأحاديث. إذاً تلك هي بعض أجندات سياسية يحاولوا أن يلبسوها لباس الدين بشكل أو بآخر من أجل هم يستفيدوا من تلبسهم بالدين وما شابه، أما الدين فهو الدين وهو كله حب وعطاء وخير ورحمة حتى أن الدين يأمرنا عندما نختلف مع الآخر لا نعاديه. نحن نختلف مع الفكر وليس مع الشخص. ما في مشكلة ما بيني وبين الآخر حتى لو كان يحمل فكراً يختلف عني تماماً. أنا أناقشه في فكره مع أنني أحترم فكره. من حقي أن أناقشه في فكره ولكن ليس من حقي أن أعادي شخصه. هكذا علمنا إسلامنا، وهكذا علمتنا الرسالات السماوية ونعني بالإسلام هنا بكل مدارسه ومذاهبه الإسلامية وهكذا علمتنا الرسالات السماوية.
الدولة المدنية
سليم محمد علي: لماذا لا تكون نشرات دورية داخل الدوائر؟ ما دور المرجعيات في ترسيخ ثقافة الدين الصحيحة يجب أن يكون المرجع مثقفاً؟ نترك الدين ونضع قوانين نظرية وضعية؟
سماحة السيد: الأخ قال بضرورة نشرات دورية من أجل تنبيه الآخرين أو ما شابه. الذي تتفضل به شيئ سليم ونحن دائماً نشجع المقترحات ومن الممكن أن تكون بعض المقترحات عملية وغيرها غير عملية. ممكن أن تعطي النشرات ولكن هذه الدائرة أو الدائرة الأخرى لهذا الحزب أو للحزب الآخر لا تضع هذه النشرة أو لا تسمح بقراءتها ولكن كمقترح فهو مقترح جميل وسليم. يؤسفنا أنه ليس هناك ضوابط لمن يتكلم باسم الدين وهذا واقع والمسألة هذه ليست جديدة ونتمنى فعلاً أن تكون هناك ضوابط لمن يتكلم باسم الدين ولكن يأتي من السلطات والجهات الرسمية هذا يدفع بهذا الشخص من أجل أن يتبنى رأيه فكره وتوجهه أو ما شابه. ولهذا أنا أؤكد عندما نرجع إلى تاريخنا وتاريخ شعوبنا وليس إلى تاريخ حكامنا لأن الحكام يحاولوا أن يدفعوا لمصالحهم بشكل أو بآخر. نحن مراراً أكدنا في مؤتمرات وخطابات ورسائل ضرورة وأهمية الدولة المدنية وأنها العمل السليم لبناء أي بلد، بل وأكثر من ذلك عندما أعلن عزيزنا الدكتور الشيخ أحمد الطيب الإمام الأكبر شيخ الأزهر أطروحته إلى الدولة المدنية كان حديث بيني وبينه تليفونياً وباركت له أطروحته في الدولة المدنية وأهمية هذه الأطروحة تكمن في طرحه لهذا المشروع. إذاً هو مشروعنا ومن الضروري أن يتلفت له وأن يأخذ مجاله إلى العمل.
الإسلام العملي
عبد الصاحب الشاكري: ما هي أنواع الحوار التي نتمنى أن نحاور بها الآخرين؟ الحوارات حادة لدي كتابان الأول العبادات في الإسلام والثاني عن الجهاد الإنساني وكل الدلائل عليه هو التطوع الجهاد الإنساني له علاقة بالنفس أي أنا أجهد نفسي وحالتي وتفكيري أنا أعتقد يجب أن ننشر ثقافة البر والإحسان مثل الجمعيات الخيرية والمؤسسات والمدارس. نحن نقول أن الصدقة بالسر هي أثوب. لا مش أثوب وإنما يجب إشهار هذا الموضوع. طلبي أن هذه الثقافة يجب أن تنشر.
سماحة السيد: ذكر الأستاذ الشاكري بأن الناس يتحاورون وكثيراً ما ينتهي الحوار بالنزاع الحقيقة لأنهم لم يضعوا خطة الحوار بشكل جيد هم الكثيرون ممن يتحاوروا يعملون في حوارهم من أجل تغيير الآخر وليس من أجل معرفة الآخر ومن يتحاور مع الآخر من أجل تغييره من الممكن أن تصل الحالة بينهما إلى النزاع والاختلاف بل وأكثر من ذلك في بعض الأوقات إلى النزاع وهذا ليس بصحيح. يفترض أن يكون الحوار من أجل أن تعرف الآخر ولو اتخذوا هذا أساساً في تحاورهم لما وصلوا إلى النزاع وإنما يتعرف على رأي الآخر والآخر يتعرف عليه أيضاً ويلتفتوا إلى المشتركات التي تجمعهم وليعملوا من أجل هذه المشتركات ولو كان هذا طريقهم في الحوار لما وصل بهم الحوار إلى باب مسدودة وإلى النزاع إذاً فكرة الحوار لديهم ليس بالشكل السليم إذاً سيتحاور مع الآخر من أجل أن يغيره وعندما نقول يغيره فهذه دكتاتورية فكرية يعني يريد أن يجبر الآخر على أن يعتنق فكره هو من حقه أن يبين رأيه إلى الآخر، وكذلك من حقه أن يبين رأيه لمن يتحاور معه ولكن ليس بالضرورة أن يصلا إلى اتفاق بالآراء، ولكن هناك مشتركات لابد أن يبحثوا عنها من أجل أن يؤكدوها ويعملوا على أساسها. بعض الحوارات تحصل في فضائيات وتلفزيونات بعضها تعمّق النزاع ولا تحلّه لأنها تنطلق نفس المنطلق عندما تعرض ما تريد أن تعرضه على أساس اقناع الآخر بما لديها من رأي ومن فكر وهذا ليس سليماً ولا صحيحاً ولو كان هذا الحوار من أجل معرفة الآخر كما أكدنا منذ فتحنا أو تأسيسنا لمؤسسة الحوار أن شعار المؤسسة هو معرفة الآخر وليس من أجل تغييره. إن عرف رأيك وهو تغير فلا مانع. إن عرف رأيك ورأى أن رأيك هو الأصوب لا مانع. إن رأى أن هناك اتفاق بين قولك وعملك واعتقد بقولك وأراد أن يقتدي بعملك فلا مانع. كذلك أنت بالنسبة إليك اقتنعت برأيك وأردت أن تتخذه قدوة لك كذلك لا مانع. أما أن تريد أن تفرض رأيك عليه أو هو يريد أن يفرض رأيه عليك بالتأكيد لا يمكن أن تصلوا إلى نتيجة وبالنتيجة سيكون هناك نزاع وخلاف وهذا الحوار يعمّق الهوة ما بين الأطراف أيا كانت هذه الأطراف إذاً الحل هو أن نرجع إلى تعريف سليم للحوار وهذا ما طرحناه في بداية تأسيسنا لمؤسسة الحوار كما ذكرت من أجل معرفة الآخر وليس من أجل تغييره. وأن عرفت رأيه فلابد أن تحترمه وتفتش عن المشتركات وتعمل معه ضمن المشتركات التي بينك وبينه وهناك مشتركات لا يختلف عليها أحد مثل مسألة الإيمان كل على أسسه مسألة كرامة ووجود ومكانة الإنسان لا يختلف عليها أحد مسألة الوطن وحب الوطن والعمل من أجل الوطن أياً كان هذا الوطن مسألة لا يختلف عليها الإنسان لأنه بالنتيجة الوطن هو بيته وخيمته وهويته وتاريخة وحضارته هو تاريخة وهو مستقبله. لطيف تعريفكم هو الجهاد الأكبر حيث أرجعته إلى جهد النفس، جهد النفس يحتاج إلى تربية النفس ممكن أن النفس تجهد من دون أن تكون قد ربيت التربية المطلوبة لذلك ممكن أن يكون هذا الجهد ايجابي أو سلبي أو ممكن يكون هذا الجهد لا يعطي ثماره المطلوبة. إذاً من الممكن أن نصل إلى الجهاد الأكبر الذي أنا بقول النبي عندما عاد من إحدى الغزوات قال انتهينا من الجهاد الأكبر وبقي علينا الجهاد الأصغر فسأله أحد الصحابة ما هو الجهاد الأصغر يارسول الله فقال مجاهدة النفس يعني تربية النفس. بعد أن نربي أنفسنا نحن نتمكن أن نعطي الخير للآخرين عند ذلك يكون جهد النفس جهد مع سعادة وراحة واطمئنان واستقرار وقوة وثبات لأنه أولاً ربى نفسه وجاهدها تربية النفس على العلاقة مع الله وعلى القيم الإنسانية لأن الله عنده أهم قيمة هو الإنسان فعندما أريد أن أؤكد علاقتي مع الله سبحانه وتعالى أن يكون همي الأول والآخر هو الإنسان وأهيمة الإنسان وكيف أخدم الإنسان ولهذا في بعض ما كتبنا من التفاسير أكدنا أن كل آية فيها في سبيل الله هي تعني في سبيل الإنسان. الله سبحانة وتعالى ليس بمحتاج حتى أعمل من أجله ولكن عندما أعمل في سبيل الله لابد أن أعمل من أجل خدمة الإنسان الآخر وعمل من أجل الآخر هو سيكون أحد مصاديق العمل في سبيل الله. تفضلتم عن المؤسسات الخيرية وما شابه وشاكل ذلك هناك عنوان يجمع سواء المؤسسات الخيرية أم الفكرية أم الثقافية بكل أنواعها وهذا أكدنا عليه وطرحناه منذ سنين وهو الإسلام العملي، هناك إسلامي نظري وهناك إسلام شعارات، وهناك إسلام خطب، وهناك إسلام لافتات، وهناك إسلام ادعاءات وما أكثر ذلك. المطلوب ليس ذلك، المطلوب إسلام عملي، والإسلام كما قلت بأنه جاء من أجل أن يعطي وليس من أجل أن يأخذ. هو جاء من أجل أن يخدم الناس وليس من أجل أن يأخذ من الناس. إذاً عندما نتبنى فكرة وثقافة ومبدأ الإسلام العملي عند ذلك سنصحح الكثير من وضعنا الخارجي من وضعنا الكثر من ثقافتنا وعملنا الكثير من سلوكنا ومتبنياتنا عندما نتبنى الإسلام العملي عند ذلك يكون قضاء حاجة أخيك أفضل من حجة وحجة وحجة وحجة وفي بعض الأحاديث أفضل من سبعين حجة بالتأكيد مستحبة وما شابه وشاكل ذلك من أحاديث تصل إلى أن ابتسامتك في وجه أخيك عبادة هذا هو الإسلام العملي، الكلمة الطيبة صدقة وفي حديث آخر عبادة وكلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. إذاً دائماً المطلوب إسلام عملي، كما مطلوب إيمان عملي حتى نشترك مع بقية الديانات المؤمنة بالله، مطلوب وطنية عملية كذلك أقول مطلوب حوار إنساني عملي. هناك مدارس وثقافات للحوار فهناك حوار ما يسمى بحوار الديانات وهناك ما يسمى بحوار الحضارات وهناك ما يسمى بالحوار الإنساني. أغلب ما رأيته من متبنيات حوار الديانات هو محاولة اقناع الآخر بالرأي وحوار الحضارات وكل شعب له حضارة وتاريخ وهذا الشعب يحاول أن يؤكد تاريخه وحضارته ومن حق أبناء الديانات أن يعتقدوا بصحة دياناتهم وكذلك أبناء الشعوب والقوميات من حقهم أن يتمسكوا بتاريخهم وحضارتهم ولكن ليس من حقهم أن يفرضوا آرائهم على الآخر، فالآخر له حضارة معينة وتاريخ معين وديانة معينة هو يعتز بها ولهذا حوار الديانات مع اعتزازنا واحترامنا بمن يقوم بحوار الديانات لأقول من حقه أن يقوم بما يراه مناسباً وأنا لا أتنازع معه في ذلك فهو من حقه أن يعتقد بسلامة رأيه العقيدي أو التاريخي أو الحضاري ولكن ليس من حقه أن يفرض ذلك على الآخر. ومادام أن الديانات في مفهومنا مصدرها واحد هو الله هو الرب وهدفها واحد هو الإنسان إذاً المفروض أن يكون حوارنا إنساني على أساس مكانة الإنسان وأهميته وقيمته. كل الحضارات قامت على أساس الإنسان إذا المطلوب إلى الإنسان وكرامة الإنسان والمفروض أن يكون حوارنا حواراً إنسانيا.
تربية النفس
إيمان: ما موجود على الواقع هو اختلاف وليس سلام. من أجل أن نطرح ثقافتين بناء الإنسان يأتي عن طريق مراكز التربية وعن طريق المدارس. ما نجده في الدول الغربية يبنون الإنسان من صغره وعندهم هنا مشروع بناء إنساني يعني يوصلون هذا الطفل الصغير إلى أن يكبر وتصبح عنده ثقافة هم يحاولون أن يعلموا الطفل على العطاء وهو صغير لماذا لا نطبق هذا التعليم في دولنا الإسلامية؟ لماذا لا نعلّم أطفالنا على العطاء وحب الآخر؟ ولا نعلمه على نبذ الآخر وعدم قبوله؟ هنا نحن متعايشون تقريباً مئة عقيدة وأناس لا يحملون عقيدة لكن حتى المخالف يجعلونه يقف عند حده هو القانون وتنفيذ القانون وتطبيقه؟
سماحة السيد: نحن بحاجة إلى الحوار والاعتراف بالآخر ومحبة الآخر أن تكون مسألة تربوية وأن يتربى عليها أبنائنا من نعومة أظفارهم وهي ليست فقط مسؤولية المدارس وإن كانت المدارس لها دخل كبير وأهمية كبيرة سواء بمنهجها ومعلميها ومدرسيها وعلى كل المستويات التعليمية الموجودة ولكن قبل ذلك هو البيت والأب والأم وكيف يتعامل مع أبنائه سواء أكانوا ذكوراً أم إناثاً وكيف يعطيهم ثقافة الحب للآخر وأن لا يزرع في داخلهم ثقافات تبعِّد الإنسان عن الإنسان الآخر أيا كان إذاً نحن نحتاج إلى الأسرة بموضوع التربية وأن تكون الأسرة تحمل شيئاً من ثقافة حب الآخر واحترام الآخر من ثقافة التعددية وتزرق هذه الثقافة إلى أطفالها من أجل أن يتربوا ويكبروا على أساس احترام الآخر. الصائغ تفضل بأنه كبر ونشأ وهو لا يعرف أن أصدقاءه من هذا المذهب أو ذاك، من أبناء هذه الديانة أو الديانة الأخرى. إذاً أن البيت أولاً مربي وثانياً أن تكون مدارسنا مدارس ناضجة هادفة من أجل تربية سليمة لأبنائنا. بالتأكيد هذا مشوار طويل ونحن لدينا نقص من المدارس والمنهج ولكن لابد أن تلاحظ أشياء في الأسرة وأخرى في المدرسة. أما مسألة القانون فهي مسألة أساسية ورئيسة في حياة الشعوب ولا يمكن أن يكون هناك شعب من دون قانون. أذكر بإيجاز لدي كتاب قبل أكثر من 25 سنة كتبته “الدين وتهذيب السلوك” أتكلم فيه عن ثلاث نقاط مسألة الدين والقانون والفلسفة الأخلاقية وأقول إن الدين يربي الداخل، يربي النفس، ويربي الضمير، الإنسان عنده ضمير حي لأنه يشعر بمراقبة الله عليه وعندما يشعر الإنسان إن الله يراقبه وهو معه بالتأكيد سيكون عمله سليماً ولكن هذه المسألة لا يفهمها كل الناس فليس كل الناس ربوا انفسهم على علاقة متينة مع الله سبحانه وتعالى ولهذا لا يمكن أن يكون كل الناس بمستوى واحد والضمير اليقظ والحي والإنساني أقول في الكتاب تحتاج الشعوب إلى قانون يوحد ما بينهم. مادام هناك قانون والقانون قوي والقانون يعمل مع الجميع وبشكل متساوٍ وعادل إذاً هو يحفظ حقوق الجميع. إذاً مسألة القانون هي مسألة أساسية ورئيسة في حياة الشعوب وفي بناء المجتمعات.
آذان لا يسمعون بها
عبد الله الموسوي: نوّرت في وجهك وأحاديثك. يتشرف المسؤولون بلقائك يأتون إليك وأنت مسبقاً تعرف معاناة الناس كل الناس ليس في الكاظمية لأنه يأتيك أبو الأنبار كما يأتيك أبو الموصل والناصرية والبصرة وميسان وينقلون معاناتهم فتنقلها سماحتك إلى المسؤولين ويؤكدون على أنهم سينفذون وتتحاور معهم ويخرجون منشرحين ولكن في قلبك غصة. هل صدق هؤلاء معك في أن لبّوا هذه الطلبات وريحوا ضميرك؟
سماحة السيد: دكتورنا الفاضل وكلامه وأخلاقه وحديثه ولطفه. بالتأكيد أن البعض يسمعون ويستمعون ويحاولا أن يطبقوا ولكن البعض منهم لا يسمعون والبعض الآخر لا يستمعون والبعض الثالث لا يطبقون. في أحد المؤتمرات قلت إن بعض المسؤولين لديهم آذان لا يسمعون بها. لسنا وحدنا فهذه الحالة موجودة في الكثير من البلدان والمجتمعات. تبقى علينا النصيحة وأن نبين لهم ما نراه صحيحاً ونسأل الله لهم الخير والتوفيق لأن يتوجهوا التوجه الصحيح.