صادق الطائي –
3/9/2014
أستضافت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن الاستاذ الكاتب والصحفي والناشر حازم السامرائي في أمسية ثقافية تحدث فيها عن ( الكتاب المطبوع والكتاب الالكتروني) ، وقد تناول فيها عدة نقاط شارحا ومبينا مميزات وسلبيات كل من الكتاب الورقي والكتاب الالكتروني ، كما تناول في حديثه مجموعة من المحاور مثل شيوع استعمال التقنيات
الحديثة وتأثيرها على انتشار الكتاب الورقي ومشكلة حقوق الملكية وقوانينيها في العالم العربي و مشكلة قرصنة الكتب ومحاولة ايجاد الحلول لها عبر توفير منافذ بيع الكتاب الالكتروني .
وقد ابتدأ الاستاذ حازم السامرائي محاضرته قائلا أننا امة كل تراثها يؤكد على اهمية القراءة حتى ان اول كلمة نزلت من القرآن على الرسول الكريم هي ( اقرأ ) الا ان تدهور الحال جعل منا امة لا تقرأ ، مبينا ان عدد ما يطبع من الكتب في العالم العربي الذي يعيش فيه اكثر من ثلاث مئة مليون انسان لايقترب من عدد الكتب المطبوعة بلغات بلدان تعداد نفوسها لا يتجاوز بضعة ملايين كما هو الحال في بعض الدول الاسكندنافية كالدنمارك ، وذكر ان افضل كتاب العربية اليوم عندما يقدمون على نشر احد كتبهم ، فان عدد النسخ المطبوعة يكون بحدود الالف نسخة والتي تبقى مركونة على رفوف منافذ البيع في المكتبات او معارض الكتاب لسنوات ، وهذا مثال عملي لمشاكل الكتاب والقراءة في عالمنا العربي .
مقارنة الكتاب الورقي بالالكتروني
ثم عرج الاستاذ السامرائي الى اجراء نوع من المقارنة بين الكتاب الالكتروني والكتاب الورقي ، فمن ناحية الكلفة نستطيع القول ان تكاليف النشر الالكتروني تكاد تكون معدومة بينما كلف النشر الورقي مرتفعة وترتفع بأرتفاع اسعار المواد الاولية كالورق والاحبار وترتبط باجور اليد العاملة الفنية التي تعمل في مجال الطباعة ، لذلك نجد كلف الطباعة متباينة من بلد لاخر بحسب اسعار مواد الطباعة وأجور العمالة .
كما اثار المحاضر مشكلة التخزين سواء بالنسبة للناشر او القاريء العادي ، اذ بحتاج الكتاب الورقي الى مخازن ورفوف وطريقة حفظ مناسبة تحافظ على الكتاب من التلف ، كما ان القاريء يحتاج الى رفوف مكتبة يرص عليها مقتنياته من الكتب وقد تمثل هذه الحالة مشكلة بالنسبة لمساحات البيوت الصغبرة التي تضيق اعداد الكتب الكبيرة لبعض المقتنين مما يضطرهم الى التخلص من بعض كتبهم بين الحين والاخر .بينما لا يحتاج الكتاب الالكتروني لكل ذلك .
مشكلة توزيع الكتاب
وتناول الاستاذ السامرائي في حديثه موضوعا ذو شجون بالنسبة للناشرين الا وهو التوزيع ، وبين حالة القصور المريعة التي تعاني منها البلدان العربية في هذا المجال ، فما نزال نعاني من غياب شركات توزيع المطبوعات المهنية التي تقوم بايصال الكتاب الى المتلقي حتى في حدود البلد الواحد وضرب مثالا على ذلك ان بعض مطبوعات دار الحكمة التي يرأسها تصل الى القاهرة ولكن العديد من الاصدقاء في الاسكندرية او اسوان يسألونه عن عناويين معينة فيؤكد لهم ان الموزع في القاهرة قد استلمها لكنه يكتشف بأن الموزع لم يوصلها الى المحافظات الاخرى ، وهذا الحال يكاد يكون سائدا في كل الدول العربية ، اما الشركات المتخصصة مثل امازون او النيل والفرات فأن مجال نشاطها في الطلب عبر الانترنت والتوزيع البريدي تقريبا معدوم في العالم العربي. وفي هذا الجانب مثل الكتاب الالكتروني كسرا لعدم اهلية شركات التوزيع ، اذ اصبح الكتاب الصادر في اي مكن في العالم ممكن ان يصلك عبر بريدك الالكتروني في غضون دقائق مما سبب انتشارا واسعا للكتاب الالكتروني على حساب الورقي.
مشكلة الاستمرارية والمخطوطات وتحديث النصوص
وقد سلط الاستاذ السامرائي الضوء على مشاكل اخرى في مجال المقارنة بين الكتاب الالكتروني والورقي ، فمشكلة الاستمرارية وعنى بها مشكلة الكتب التي نفدت ولم يتم اعادة طباعتها رغم حاجة المتلقي لها قد تم تجاوزها في الكتاب الالكتروني المخزن على ذاكرة الحواسيب وامكانية الحصول عليه في اي وقت متاحة اليوم بشكل كبير . كما ان النشر الالكتروني ساعد في حصول بعض الباحثين المعنيين بتحقيق المخطوطات على نسخ الكترونية مما يحتاجونه من المخطوطات عبر نسخها ضوئيا بكلف قليلة كما انها سهلة التداول مع الحفاظ على الاصول في دور ومكتبات المخطوطات .كما ان صعوبة تحديث المعلومات او تصحيح الاخطاء الحاصلة في النشر الورقي جعلت من النشر الالكتروني ملجأ للمؤلقين والناشرين على حد سواء، اذ لا تتطلب عملية التحديث و الاضافة او التصحيح الا القليل من الجهد عبر الدخول الى الحاسب وتعديل النص .
حقوق الملكية معضلة العالم العربي
لقد عرج الاستاذ حازم السامرائي الى موضوع ذو شجون ، وهو حقوق الملكية الفكرية وقوانينها عبرمقارنة الحالة العربية بالغرب ، فذكر قائلا ، نحن مانزال نعاني من سرقات الحقوق في الكتاب المطبوع وشيوع الاف النسخ من الكتب المزورة المسروقة دون حقوق ملكية تقوم بنشرها دور نشر قائمة على القرصنة في عدد من الدول مثل ايران ومصر ولبنان ، بينما يكاد العالم اليوم يكون خلوا من هذه الظاهرة بسبب وجود القوانين الصارمة التي تجرم هذا العمل ، اما في مجال النشر الالكتروني وضوابطه فان العالم ما يزال يحاول ايجاد صيغ قانونية تحمي الملكية الفكرية للمؤلف والناشر ورغم وجود بعض الخروقات الا ان المحاولات مستمرة لضبط مسألة حقوق النشر ، وفي موضوع ذي صلة تحدث الاستاذ السامرائي عن غياب الشفافية في التعامل بين الناشر والمؤلف ، فكثيرا ما تسعى دور النشر الى طبع كميات اكبر من المتفق عليها مع المؤلف او اعادة الطبع اذا كان هناك طلبا على الكتاب دون اشعار الكاتب ، وهذا امر خطير يمثل تجاوزا حقيقيا على حقوق المؤلف ، وايضا يعود السبب في ذلك الى قصور منظومة القوانين الحامية للملكية الفكرية .
مقارنات اخرى بين المطبوع والالكتروني
كما اشار المحاضر الى مجموعة اخرى من النقاط في سياق المقارنة بين المطبوع والالكتروني مثل ما يوفره الكتاب الالكتروني للقاريء وخصوصا ذوي الاحتياجات الخاصة من امكانات مثل التحكم بحجم الخط لضعاف البصر او تحويل النص الى كتاب مسموع او عدم قدرة كبار السن على الذهاب الى المكتبات حيث يصلهم الكتاب الالكتروني الى اجهزتهم وهم في البيت ، كما ان الكناب الالكتروني يعتبر صديقا للبيئة اذ ان الكتاب الورقي يستهلك الكثير من المواد العضوية في عملية صناعته ، الا ان البحوث الطبية الحديثة بينت ان الكتاب الورقي صحي ومريح للعين اكثر من الكتاب الالكتروني خصوصا لمن يكثر القراءة على الحاسب اواجهزة القراءة الالكترونية الاخرى .
التعود والحنين والالفة
اشار الاستاذ حازم السامرائي الا ان العديد من الاشخاص وبشكل خاص من الجيل القديم من القراء ما زالوا غير قادرين على الاستمتاع بالقراءة الالكترونية وهناك نوع من الحنين او حتى الارتباط العاطفي بالنسخة الورقية من الكتاب وما تمثله طقوس القراءة من لمس وشم الكتاب ووضع الهوامش اثناء القراءة على صفحات المطبوع ، الا ان الحقيقة يجب ان تقال وهي ان سوق الكتاب المطبوع يشهد انحسارا واضحا امام مد النشر الالكتروني ، وبين ان حجم مبيعات دار الحكمة على سبيل المثال قد هبط الى النصف تقريبا مقارنة بعقد التسعينات قبل شيوع الكتاب الالكتروني ، ولكن نحن كدول عربية ما تزال تعاني من الامية الالفبائية وهو عائق كبير اما انتشار الكتاب ، لكن من جانب اخر نحن نعاني من الامية التكنولوجية بشكل اكبر مما يمثل استمرارا للكتاب المطبوع .
وفي ختام الامسية طرح عدد من الضيوف أسئلة ومداخلات أغنت موضوع المحاضرة ، وربما كان من أهم الاسئلة المطروحة سؤال الدكتور جعفر هادي حسن ، عن غياب دور المحرر الادبي في دور النشر العربية وما يسببه ذلك من وجود الكثير من الاخطاء اللغوية والعلمية في المطبوع العربي مقارنة بالمطبوع الاجنبي وخلوه من الاخطاء ، كما اشار الاستاذ خالد القشطيني الى أطروحة الطب النفسي القائلة أن الذاكرة الصورية ابقى واكثر رسوخا في ذاكرة المتلقي مما يعني ان الكتاب الورقي يتفوق على الالكتروني في هذا المجال كون العين تتعامل مع الجمل المطبوعة كصور تترسخ في الذاكرة ، وشارك العديد من الحضور بمداخلات عن هموم النشر وأزمة الكتاب في العالم العربي واجاب الاستاذ حازم السامرائي على الاسئلة مغنيا النقاش حول موضوع مهم جدا ليس في حياة المثقف وحسب وانما في حياة كل انسان الا وهو موضوع الكتاب.