صادق الطائي –
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاريعاء المصادف 18 ايار 2015 الدكتورة جين مون الباحثة والاثارية البريطانية في امسية ثقافية هي الثانية التي تضيف فيها المؤسسة الدكتورة مون، اذ سبق ان قدمت قبل عام امسية تحدثت فيها عن مشروع التنقيب عن اثار اور في منطقة تل خيبر في محافظة ذي قار ، وتأتي المحاضرة الثانية للتعريف بسير اعمال التنقيب وماوصلت اليه
والصعوبات التي يواجهها فريق العمل في العراق.
مقدمة
ابتدأت د. مون المحاضرة التي كانت مشفوعة بصور فوتوغرافية وافلام قصيرة توضيحية ، ابتدأت الحديث بتعريف سريع بالحضارة الرافدينية في جنوب العراق للضيوف الذين لم يحضروا الامسية الاولى فذكرت ؛ان الحضارة بدأت في جنوبي العراق. إنها أرض المدن العظيمة مثل أور وبابل، حيث طوّر البشر الكتابة وحياة المدن. ولازال الكثبر من المعلومات القيّمة عن ماضي البشرية مخفيّة تحت التلال الأثرية التي هي بقايا المدن والقرى والمزارع القديمة. منذ سنة ٢٠١٣، بدأنا التنقيب عن هذه المشاهد، وأنجزنا إكتشافات جديدة مثيرة حول الحياة في العراق القديم قبل ثلاث آلاف سنة.
للعراق تقليدٌ عريقٌ مثير للفخر من البحث والتقييم لتراثه الفريد، لكن الصورة الحالية تركّز للأسف على السرقة والتدمير. لقد عاني الخبراء والموظفون من أجل حماية وتطوير ممتلكاتهم التاريخية، مع فرص قليلة للتفاعل مع المجتمع الدولي. نحن نهدف للوصول الى وضع أفضل للخبراء العراقيين والاجانب والبدء بعصر جديد من الإكتشاف و نستخدم تقنيّات حديثة للكشف عن تراثنا المشترك وتفسيره، ووسائل إعلام جديد تجعل مكتشفاتنا متاحة للجميع.
نحن نسعى إلى:
– تعزيز مكانة التراث العراقي الفريد، على مستوى الداخل والخارج.
– تشجيع ودعم جيل جديد من الآثاريين العراقيين.
– إحياء الشعور بالفخر من قبل جميع العراقيين بتأريخهم العظيم.
– إظهار أن جنوب العراق مكانٌ جيدٌ لعمل المزيد من البعثات الاستكشافية للتنقيب عن الاثار.
فريق العمل وبرنامجه
تم تشكيل مشروع منطقة اور للآثار للبحث عن مستوطنة قديمة في جنوب العراق، مهد الحضارة. وقد جمعت عملية البحث بين تاريخ الممارسة البريطانية والمعرفة المحلية الممتازة للخبراء العراقيين. وقد عمل المدراء في العراق حتى السنوات الأخيرة من حكم صدام، الى أن أصبحت ظروف العمل مستحيلة. وانه من دواعي سرورنا العودة.
يأتي دعمنا المؤسسي من مجلس الدولة العراقية للآثار والتراث، المعهد البريطاني لدراسة العراق، وجامعة مانشستر. ويتم توفير معظم التمويل لدينا من قبل الشركات التي تشاركنا الاهتمام برؤية العراق يزدهر مرة أخرى.
أعضاء فريق العمل لدينا لديهم خبرة واسعة في علم الآثار بحسب المدرسة البريطانية، وقد عمل الأغلبية أيضا في دول الشرق الأوسط، ولذلك فاننا نألف الظروف والمواد التي نتعامل معها.وقد تم اختيار خبراء الدراسات البيئية من جامعات يورك وليفربول وكذلك مانشستر، الأمر الذي زودنا بثروة من الخبرات في الجمع والتحليل والتفسير.وسيتم العمل في الموقع المختار.
ويتألف فريق العمل من :
الدكتورة جين مون، مدير مُشترك للمشروع
الأستاذ ستيوارت كامبل، مدير مُشترك للمشروع
الدكتور روبرت كيليك، مدير مُشترك للمشروع
علي كاظم غانم، دائرة آثار ذي قار، الهيئة العامّة للآثار والتراث
جوليا باريلا، إختصاص صيانة
دانيال كلديربنك، إختصاص فخار
براونون كامبل، عالم آثار
أدريان مورفي، مصوّر ومدير اللقى الاثارية
الدكتورة إلينور، إختصاص كتابات قديمة
الدكتورة ميري شيبرسون، عالمة اثار
فاي سليتر، عالمة آثار
حسين سلطان، دائرة آثار ذي قار، الهيئة العامّة للآثار والتراث
حيدر شنيور، دائرة آثار ذي قار، الهيئة العامّة للآثار والتراث
منطقة التنقيب في اور ومشروع تل خيبر
ذكرت الكتورة مون في العصور القديمة، كان رأس الخليج العربي ممتدا أبعد بكثير شمالا مما هو عليه الان حيث شكلت المنطقة المحيطة بأور حلقة وصل هامة بين معاقل سومر الغنية والدول التجارية في الخليج والهند. وسيطرت مدينة أور السومرية نفسها على المنطقة وقد تم العثور هناك أيضا على مدينة أريدو، التي اعتبرها السومريون أنفسهم أقدم مدينة في العالم. تم التنقيب عن أريدو من قبل فريق من علماء الآثار العراقيين في 1940. وقد وجدوا تسلسل مذهل من المعابد التي يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ. ان العديد من المدن والقرى الاخرى تشكل المناظر الطبيعية في منطقة أور، وكلها تقريبا لم يتم اكتشافها بعد ولا تزال تنتظر علماء الآثار للتنقيب عنها.
وقد احتلت المدينة العظيمة أور، المهد التقليدي للنبي إبراهيم عليه السلام، والمقدسة سابقا للاله السومري ‘سين’ والمعروف باله القمر، والالهة “انانا” البابلية الهة الخصب ، من حوالي 3000 سنة قبل الميلاد. وكان مركز احد ولايات المدينة السومرية، وقد كشفت الحفريات التي أجريت بين 1922 و 1934 عن مقابر ‘ملكية’ سومرية مذهلة. وكان هناك أيضا تسلسل معماري تذكاري للسلالات المتعاقبة. وقد تكرر نهب وبناء المدينة عدة مرات كما تضائلت وتراجعت ثرواتها، وقد هجرت المدينة أخيرا نحو 500 ما قبل الميلاد. ولا تزال زقورتها (هرم رافدي) الشاهقة تهيمن على الأفق اليوم.
وقد ساهمت أعمال التنقيب بقيادة السير ليونارد وولي باثارة اهتمام العالم بالثقافة السومرية، وكانت المصنوعات اليدوية من بين أول المكتشفات التي تم ايداعها وعرضها في المتحف الوطني العراقي، الذي تأسس في عام 1926. بين فريقه كان ماكس مالوان وزوجته أغاثا كريستي، التي كتبت بعض أشهر قصصها البوليسية الغامضة في أور عندما كانت تصاحب زوجها في عمله في العراق.
اما محور مشروع الآثار في ( منطقة أور – تل خيبر) فانه يبعد 20 كيلومترا من مدينة أور القديمة، في منطقة ذي قار. تخفي التلال المنخفضة في تل خيبر أسرارها جيدا، ولكن عندما ينظر إليها من فوق عبر القمر الصناعي، تظهر المباني العامة الكبيرة، والتي تبين أهمية المكان في العصور القديمة. من الفخار التي تم جمعها على السطح، يمكننا القول أن الناس عاشوا في تل خيبر لأكثر من ألفي سنة، من حوالي 4000 إلى 2000 ما قبل الميلاد. ويعود سبب هذه الفترة الطويلة من الرخاء ربما لموقع التل في الفرع الغربي السابق لنهر الفرات.
وقد تم توثيق تل خيبر بداية من قبل البروفسور هنري ت. رايت من جامعة آن أربور، ميشيغان، في عام 1965، والذي جمع وأرخ اكتشافات من السطح الجنوبي للتل. تم تسجيل وتوثيق خارطة التلة الشمالية من قبل المؤسسة العامة العراقية للآثار والتراث في عام 1972. وخلال زيارة للموقع في يناير (كانون الثاني)2012 من قبل بعض أعضاء فريق مشروع منطقة اور للآثار تم التأكد أن البقايا الأثرية سليمة ولم تتعرض للسرقة من لصوص الآثار، وبما أن التل يقع أيضا في منطقة آمنة للعمل، بالقرب من الناصرية ومما يسهل التعاون الكامل مع طاقم وزارة الآثار المحلية ، فقد تم اختيار هذا المكان كأفضل مكان لبدء تعاون جديد في مجال البحوث الأثرية الدولية.
كل عام سيقوم فريق من علماء الآثار الدوليين والعراقيين، الذين يبلغ عددهم ما بين عشرة وستة عشر، بالتنقيب لمدة ثلاثة أشهر في تل خيبر، بدعم من العمال المحليين. سيشمل الفريق الدولي متخصصين في مجالات متعددة مثل العظام الحيوانية وبقايا النباتات، وكذلك الترميم و وخبراء اللغة في حال وجدنا مواد مكتوبة قديمة. وسيتم العمل على تحليل ونشر المعلومات على مدار السنة في قاعدة المشروع الأكاديمية في جامعة مانشستر.
اين وصل العمل ؟
وذكرت د. جين مون لقد جري تكريس الشهورالثلاثة الأولى من عام ٢٠١٥ للتنقيب في البناية غيرالمألوفة في تل خيبر. وبين ان وظيفة البناية لازالت لُغزاً، وشكلها الغريب مع العديد من الغرف العاديّة التي تُحيط بالقاعة الرئيسية جعلها فريدة من نوعها في الوقت الحاضر. وقد جاء مفتاحٌ حل اللغز من خلال وثائق مكتوبة عُثرعليها داخل البناية: سجلات تُظهر توزيع كميات كبيرة من الحبوب. تُشيرهذه الوثائق الى أن البناية كانت جزءً من المنظومة الإدارية للدولة البابلية وتحمل واحدة من الوثائق تأريخ يشير الى حكم حمورابي، ملك بابل (١٧٩٢-١٧٥٠ ق.م). يبدو أن البناية بقيت مُستخدمة حتى بعد إنحلال دولة حمورابي بعد جيل من الزمان.
إستغرق العثور على جدران البناية وقتاً وتطلّب الكثير من الصبر، ذلك أنها مُشيّدة من اللِبنْ. لكن بمساعدة صور الأقمار الصناعية وعملية إزالة الأتربة السطحيّة أصبح مخطّط البناية واضح الشكل. وفي الوقت نفسه، جرى التنقيب بعناية في غرف مُختارة من أجل إستخراج محتوياتها. كما جرى جمع وتسجيل مختلف القطع الأثرية التي تركها شاغلوا البناية، وكانت عبارة عن جرار فخاريّة، أدوات حجريّة ومعدنيّة، وفي بعض الأحيان ألواح نذريّة ورُقم مسماريّة، في حين تم فحص التراكمات الى المستوي الميكروي( الجزيئي). أُخذت عيّنات صغيرة من الأتربة للفحص الجزيئي لمعرفة محتوياتها، تمّت غربلة هذه العيّنات من أجل العثور على بقايا العظام والنباتات، وجرى فحص بعض المواد بجهاز الفحص الشعاعي المحمول. إن المهارات المجتمعة للعديد من المختصين وعلماء الآثار ذوي الخبرة قد مكّنتنا تدريجيّاً من وضع صورة عن الحياة في مدينة عراقيّة جنوبيّة منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة ونصف.
وفي نهاية المحاضرة تفاعل الحضور وطرحوا العديد من الاسئلة التي اجابتها د.مون مسلطة الضوء على بعض النقاط التي كانت خافية في المحاضرة.