صادق الطائي –
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 3 حزيران 2015 الكاتبة العراقية بدور الدده في امسية ثقافية تحدثت فيها عن مفهوم السبي والسبايا في التاريخ والفقه الاسلامي وقد سلطت الضوء على الهجمة الاجرامية لداعش على محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين، وما رافقها من بشاعات وكبائر ارتكبت بحق النساء باسم الدين الاسلامي.والاستاذة بدور الدده كاتبة عراقية تخرجت في كلية القانون والسياسة ببغداد ومارست مهنة المحاماة وكتبت في العديد من الصحف العراقية والعربية .
وفي البدء تساءلت الاستاذة بدور الدده : هل ما يحدث في العراق وسوريا اليوم من انتهاكات وجرائم تقوم بها داعش ،هل هذا من الاسلام في شيء؟وهل له مصداقية او جذور فقهية يمكن الاعتماد عليها ؟ام هي حصيلة فتاوى افتى بها بعض الفقهاء تزلفا للسلاطين والحكام ؟ ثم اشارت المحاضرة الى ان بعض الفقهاء اليوم الذين يظهرون على الفضائيات ويروجون لفقه الجريمة والقتل والسبي وبشكل خاص من فقهاء السعودية ،فهم احد اسباب مانعيشه من ازمة اليوم، ففقيه مثل صالح الفوزان وهوعضو المجمع العلمي في مكة ،يشير بل ويؤكد في محاضراته وحواراته التلفزيونية على ان الاسلام لم يحرم السبي ،ومن ينكر ذلك فهو جاهل او ملحد عند الفوزان . وكذلك حال الشيخ محمد الشنقيطي وهو من شيوخ السعودية ايضا ،الذي صرح قائلا ان من ينكر السبي فهو كافر يستوجب اقامة الحد عليه.
ان مثل هذه النماذج من الطروحات الفقهية المعاصرة هي التي مثلت الحاضنة والمدرسة التي خرجت الارهابيين الذين يرتكبون الجرائم اليوم في المنطقة باسم الاسلام.واذا اردنا تتبع الامر تاريخيا نجد وبحسب منشور لداعش نشر العام الماضي يشير الى ان فقهاء السلف اجمعوا على جواز سبي الكافرات والكتابيات،وان اغتصابهن حلال لانهن اصبحن ملك يمين من سباهن، وفقط في حال كون المرأة المسبية متزوجة،فان ذلك يوجب التأكد من عدم حملها اولا ثم يطبق عليها قانون السبي .
وفي تتبعها التاريخي اشارت الاستاذة الدده الى ان الاستعباد الناجم عن الحروب كان موجودا عبر التاريخ الانساني وفي كل الحضارت السابقة ، بل كانت قوانينه اشد وطأة ولا انسانية ، كما هو الحال في الحضارة الرومانية ، وعندما جاء الاسلام لم يلغي الرق بشكل نهائي لانه من قوانين تسير المجتمع ولكنه قننه واعطى للرقيق حقوقا وحبب للناس عتق العبيد ووضع شروطا صارمة لاسترقاق الناس ، فالقرآن الكريم يشير في بعض احكامه مثل ،حكم (القتل الخطأ) فان كفارته عتق رقبة ،كما ان الاية 33 من سورة النور في القرآن الكريم تحث مالكي العبيد على تحرير عبيدهم لوجه الله او ان يكاتبوهم على مبلغ من المال اذا سدده العبد لسيده فان بامكانه شراء حريته وهذه السورة تحبب لمالكي العبيد التنازل او تقليل هذه المبالغ لتسهل تحرير الرقيق.كذلك في الاية 60 من سورة التوبة وضع القرآن امر الله ان يخصص جزءا من اموال الزكاة تصرف في الرقاب اي في تحرير العبيد .
لكن مع كل الايات التي تحاول ان تخفف من الرق نجد بعض الفقهاء يشرعون للرق بشكل مشدد وكانه صلاة او صوم ، وكل ذلك لان هولاء الفقهاء كانوا من بطانة السلاطين والامراء الذين يشرعون ما يملء قصور اسيادهم بالجواري والعبيد ، ومع ان بعض الجواري اصبحن ما يعرف بام ولد واصبح لهن مكانة اعلى من المكانة العادية للاماء ومن ثم اصبحن امهات لخلفاء الا ان كل ذلك لم يحسن من وضع الرقيق في قصور امراء تلك العصور.
وقد حذر القرآن الكريم في الاية 33 من سورة النور (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لان كان هنالك الكثير ممن يتاجر ببناته ونسائه ليس فقط كعبيد وانما باجبارهم على ممارسة البغاء وهذا ما رفضه الاسلام ونهى عنه ضمن معالجات الاسلام للمجتمع .
ثم بينت الاستاذة الدده قائلة ؛وبالرغم من بشاعة ولا انسانية الرق ، نجد اليوم الكثير من المشايخ بل وبعض مدعي الثقافة يدافعون عن حالة السبي باعتبارها من ثوابت الدين ، وحتى الشيوخ الذين يوصفون بانهم وسطيون ومعتدلون مثل الشيخ محمد متولي شعراوي له رأي غريب في هذا الامر اذ يقول (الاستمتاع بالرقيقة هو باب جديد من ابواب تصفية الرق ، اذ انها ستنجب من سيدها ولدا سيصبح حرا ثم بعد ان يموت سيدها ستصبح هي ايضا حرة، والاسرى ايضا من مصلحتهم انهم سقطوا في الاسر لانهم سيتقربون من المسلمين وبالتالي سيصبحوا مسلمين وفي ذلك خير كثير لهم ) وهو رأي غريب فعلا، اما محمد قطب وهو شقيق سيد قطب القيادي في جماعة الاخوان المسلمين في مصر فيقول (اما الاستمتاع بالمسبية فليس فيه اغتصاب ولا عدوان على المرأة ولا انتهاك لحقوقها بل هو تكريم لها ورفع لقدرها لانها ان دخلت في ملك الرجل فغالبا ستنظم الى اهله وعائلته وهذه المرأة لها حاجاتها الجنسية التي يمكن اشباعها من خلال العلاقة مع سيدها وهذا ما اقتضته حكمة اللطيف الخبير) فيالهم من فقهاء وياله من اسلام عجيب.
كما ان هنالك من يدافعون عن السبي قائلين ان السبي كان قائما على المعاملة بالمثل، اي ان الكفار يغزون ديار الاسلام ويسبونهم ويعاملون المسبيات معاملة سيئة جدا وبالمقابل المسلمون يغزون الكفار ويسبون نسائهم ولكنهم يعاملوهن معاملة جيدة اذ تصبح مملوكة لسيد واحد، وبينت الاستاذة بدور قائلة ؛ان على كثرة الروايات لم نقرأ سبيا وقع على مسلمات بل كان التوسع والسبي يتم من قبل المسلمين فقط. ان العديد من كتب التراث حدثتنا عن بيع وشراء العبيد والجواري بشكل طبيعي ، ويتحدثون وينسبون للنبي الكريم انه غزا وسبى وقتل وينسبون للنبي امورا كثيرة بعيدة عن قيم واخلاق النبوة، ولا يوجد اختلاف بين المذاهب الاسلامية في هذا الامر ، ففقهاء الشيعة يتعاملون بنفس الطريقة مع الامر ، ولكنهم يحددون الامر بانه كان في زمن الائمة المعصومين ، وبعد الغيبة الكبرى للامام المهدي قد توقف الجهاد وبذلك توقف السبي .
ثم تشير الباحثة بدور الدده الى ان الحديث عن السبي يأخذنا في ثلاث اتجاهات في معالجة الموضوع اليوم وهذه الاتجاهات هي :
1- ان موضوع السبي والسبايا امر مفروغ منه وهو من صحيح الدين ولا يجوز المساس به ، وهذا رأي بعض الشيوخ والدعاة اليوم.
2- الرأي الثاني هو رأي يحاول طي صفحة السبي وعدم فتح صفحات اشكالية من التراث لانها من الامور المقدسة فلا يجب مناقشتها والمساس بها بل من الافضل تركها وعدم المساس بها، وبما اننا كدول وقعنا على ميثاق الامم المتحدة الذي يمنع الرق ، ونحن قوم علمنا القرآن ان نوفي بالعهد ، فنحن سنلتزم بالعهد ونطوي صفحة السبي من تراثنا. وهذا الرأي يعبر عن عدم الجرأة في فتح الملفات ومناقشتها ، والنتيجة اننا نرى التنظيمات الاجرامية اليوم كداعش والقاعدة تقتل وتسبي وتغتصب مستندة الى اراء فقهاء ، فكيف يمكننا ان نسد عيوننا واذاننا عن التاريخ الفقهي ولا نجرأ على مناقشته؟
3- الاتجاه الثالث يقول بتنزيه الاسلام عن كل هذه الامور وتنزيه النبي (ص) عن هذه الافعال المشينة،وان هذا الاتجاه يعتمد على القرآن فقط ويشكك في اغلب روايات السيرة والحديث لما يشوبها من شبهات. وكمثال قرأني في سورة محمد الاية الرابعة (إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) وهذه الاية تبين حكم من يقع في الاسر بعد المعركة ، فاما يمنون عليهم بالحرية او ان يقبلوا الفدية المالية مقابل تحريرهم ، اي ليس هنالك استرقاق، والباحث قصي الموسوي تناول بالبحث هذه المسألة وانتقد تعامل الفقهاء معها او اهمالها ، فمثلا الزمخشري ت (538 هـ ) الذي يقول :اليوم ليس منا ولا فداء فاما ضرب العنق واما الاسلام اي انه يعطل الاية القرآنية بناء على حديث رواه مجاهد بحسب الزمخشري.
وتستطرد الاستاذة بدور الدده في الموضوع مبينة : ان من الامثلة الفقهية الصارخة في التعطش للقتل والتدمير ماورد في كتاب (الاختيار لتعليل المختار ) لعبدالله بن مودود الموصلي وهو فقيه حنفي، الذي اثار الكثير من الجدل والحوار حوله وهو من الكتب المنهجية التي تدرس في الثانوية الازهرية ، يقول هذا الفقيه في باب فتج البلدان ؛ اذا فتح الامام بلدة عنوة ، ان شاء قسمها بين الغانمين وان شاء اقر اهلها عليها ووضع عليهم الجزية و على اراضيهم الخراج ،وان شاء قتل الاسرى اواسترقهم او تركهم في ذمة المسلمين ولا يفادون باسرى المسلمين ولا بالمال الا عند الحاجة الملحة ، اي انه يضيق جدا على تطبيق الاية القرأنية .ويضيف الفقيه ، واذا اراد الامام نقل المواشي والغنائم ولم يستطع فانه يحرقها وكذلك تحرق الاسلحة اما الاسرى فيمشون الى دار الاسلام فاذا عجزوا قتل الرجال اما النساء والاطفال فيتركوا في ارض مضيعة حتى يهلكوا جوعا وعطشا لاننا لا نقتلهم لاننا نهينا عن القتل ، لانهم لو تركوا في العمران فانهم سيعاودن الحرب على المسلمين !!! ويضيف الفقيه في تبرير معارضة النص القراني ، ولا يجوز المن على الاسرى لان فيه ابطال لحق الغانمين.
ثم اشارت الاستاذة بدور الدده الى الى اختلاف الفقهاء في سبي المرتدة ، والمرتدون هم الذين حاربهم الخليفة الاول ابو بكر الصديق وهنالك اراء من فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة تقول ان المرتدة لا تسبى انما تقتل او تعود الى الاسلام ، اما الامام مالك فله رأي اخر اورده القاضي عياض يقول فيه المرتدة تحبس حتى تعود الى الاسلام.وفي مناضرة رويت بين الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز وبين جماعة من من الخوارج ، يذكر الخليفة فيها ان المرتدات سبين في خلافة ابو بكر (رض) وفي زمن الخليفة عمر بن الخطاب (رض) ردهن الى قبائلهن، لذلك نلاحظ اختلاف الفقهاء في امر سبي المرتدة.
ثم تعود المحاضرة لتؤكد ؛ان في القرآن الكريم هنالك عدد من السور التي تنظم العلاقة بين المالك والمملوكة اي ملك اليمين او الجواري والاماء، ومن هذه الايات ماورد في سورة النساء اية 24 وقد حددت المحرمات من النساء واختتمت الاية بالمحصنات اي المتزوجات الا ماملكت ايمانكم،طبعا هذه اشارة الى السبايا،اي ان المرأة المتزوجة لايمكن للرجل اقامة علاقة معها الا في حالة ملك اليمين ، وهذه المرأة ممكن ان تكون مسبية كافرة وممكن ان يكون ملك اليمين عن طريق الشراء من سوق النخاسة .وفي حالة كون المرأة متزوجة قبل العبودية فيجب التأكد من عدم حملها وذلك بالانتظار لمدة شهر (حيضة واحدة) للتأكد من عدم حملها ثم يمكن للمالك ان يقيم معها علاقة .
ثم عادت الباحثة الى موضوع الايات القرأنية مرة اخرى مبينة ان القرآن لم يجبر الناس على تحرير العبيد وانما حض على ذلك وتركهم لضمائرهم ،لكن نلاحظ ان هنالك العديد من الروايات التي وردت في كتب الحديث والسيرة قد اساءت الى الرسول ففي صحيح البخاري ورد حديث مروي عن ابن محيرز يقول رأيت ابا سعيد الخدري قال: خرجنا مع رسول الله في غزوة بني المصطلق واسرنا منهم بعض العرب وقد اشتهينا منهم النساء وكان طول تغيبنا عن اهلنا قد اثر فينا واردنا ان نعزل فسألنا الرسول (ص) فقال :ليس هناك من حاجة لذلك ، فما من نفس اراد الله خلقها حتى يوم القيامة الا وخلقها . وهذ الرواية مسيئة للرسول بحسب الاحكام الفقهية التي تلت ذلك والتي توجب الاستبراء على من كن متزوجات من النساء قبل اقامة علاقة معهن، وتشير الاستاذة الدده الى ان اغلب الفقهاء قد اعتبروا العبودية تفسخ عقد الزواج اذا كانت المسبية متزوجة، اما سؤال الفقهاء عمن من النساء يمكن سبيهن،فهنالك اختلاف اخر بينهم في هذا الامر ، فالبعض قال في سبي النساء الموجودات في ارض المعركة مع الجيش يحرضن المقاتلين بالقاء القصائد او يطببن الجرحى وبالتالي فسبيهن وارد لانهن جزء من جيش الاعداء ، اما بعض الفقهاء فقد اجاز سبي النساء في دار الحرب اي حتى في المدن المفتوحة وهنالك روايات كثيرة وربما دخل عليها بعض المبالغات كما هو الحال مع ارسال القائد موسى بن نصير 300 الف جارية الى دمشق عندما فتح شمال افريقيا وحتى اذا كان هذا الرقم مبالغ فيه فان فيه اشارة الى سبي نساء المدن المفتوحة.
واختتمت الاستاذة بدور الدده المحاضرة في اشارتها الى ان الكثير من الاحاديث وكتب السيرة قد شوهت سيرة الرسول وبنى على اساس هذه الكتب الفقهاء اللاحقون احكاما تجافي روح الاسلام السمحة كما وردت في النصوص القرآنية وكل ذلك فتح الباب لظهور التيارات المتشددة والعصابات الاجرامية كداعش والقاعدة واعتمادها على هذه الاحكام الفقهية المتعسفة في ارتكاب الجرائم التي حدثت وتحدث اليوم في سوريا والعراق ونيجيريا وغيرها من الاماكن في مختلف بقاع الارض ، وقد اثارت الندوة العديد من المداخلات والاستفسارات التي اجابت عنها المحاضرة مغنية بذلك موضوع النقاش.