التقرير الأسبوعي لفعّالية مؤسسة الحوار الإنساني “بيت السلام” بلندن
المنتدى الاجتماعي للجالية العراقية بلندن
مساحة حرّة للاسترخاء وتبادل الخبرات والمعلومات العامة
لندن / عدنان حسين أحمد –
عقدت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن ندوة خاصة لمناقشة فكرة تأسيس ملتقىً اجتماعي لأبناء الجالية العراقية والعربية في لندن، وقد حضر هذه الندوة نخبة من الأساتذة والكُتاب العراقيين إضافة إلى بعض الوجوه الاجتماعية العراقية التي تنتمي إلى مستويات ثقافية متنوعة. وقد ساهم في تفعيل الحلقة النقاشية وإدارتها الأستاذ غانم جواد والدكتور صباح جمال الدين الذي يرأس منذ عشر سنوات أحد الملتقيات الاجتماعية لكبار السن في لندن.
أشار الأستاذ غانم جواد في مستهل حديثه بأن فكرة الملتقى الاجتماعي انبثقت من خلال النقاشات المتواصلة مع الدكتور صباح جمال الدين. فالجالية العراقية هي جزء من الجاليات العربية والأجنبية المتواجدة في المملكة المتحدة وتتكون من اتجاهات وفئات ومنابت مختلفة فلا غرابة أن تحمل إرثاً متنوعاً، وثقافة غنية عميقة تمثل فسيفساء الشعب العراقي.
حدّد القائمون على الندوة عدة محاور لمناقشتها نذكر منها “التواصل الاجتماعي، والتعارف، وتبادل الخبرات والنصائح والإرشادات، والإفادة من المعلومات الطبية على وجه التحديد، والمعلومات العامة التي يتوفر عليها روّاد الملتقى”. ذهب الأستاذ غانم أبعد من هذه المحاور وتطرق إلى معاناة الجيل الأول الذي يتوزع بين ثقافته العربية والإسلامية من جهة، وبين الثقافة البريطانية التي يعيشها ويتلمّسها في المملكة المتحدة. كما تناول مشكلة الجيل الثاني التي تتعلق بالهوية والانتماء، وقد وصفها بأنها مشكلة حقيقية كبيرة تؤرق أبناء العوائل المقيمة في المهجر البريطاني وهؤلاء الأبناء يطرحون على أنفسهم أسئلة جديّة مفادها:هل هم عراقيون يحملون الجنسية البريطانية، أم هم بريطانيون من أصل عراقي؟ ولهذه الإشكالية تأثيراتها الخاصة ومداليلها المتنوعة لدى كل شاب من الجيل الثاني وجد نفسه ينتمي إلى ثقافتين وحضارتين متنوعتين. توقف غانم عند موضوع آخر لا يقل حساسية عن الموضوعات السابقة وهو الفارق الثقافي الذي بدأ ينشأ ما بين الآباء الذين يتوفرون على ثقافة بسيطة ومتواضعة من جهة، وبين الأبناء الذين يدرسون ويتعلمون ويتثقفون ويواكبون روح العصر ومستجداته الحديثة من جهة أخرى. وعلى الرغم من أنّ القسم الأكبر من الجالية العراقية في لندن هم من الفئة المتعلمة والمثقفة وحملة الشهادات الجامعية والعليا، إلاّ أن ذلك لا يعني عدم وجود أناس عراقيين من ذوي المستويات الثقافية المتواضعة أو الذين لا يتوفرون على تحصيل دراسي يعينهم على التوافق والانسجام مع منظومة القيم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية للمجتمع البريطاني. طرح غانم أيضاً محور الأحداث السياسية التي تجري وقائعها على الساحة العراقية وتأثيرها على أبناء الجالية العراقية في لندن، فالعراقيون في المنافي العالمية لم يعودوا بعيدين عن الحراك السياسي في العراق، وهم يتابعون، ربما أكثر من عراقيي الداخل في بعض الأحيان، الأحداث والتطورات السياسية التي تحدث داخل العراق. كما لفت عناية المشاركين في الحلقة النقاشية إلى تأثير الأحزاب والتيارات السياسية العراقية التي تدير دفة الأمور في العراق على أبناء الجالية العراقية في المملكة المتحدة أو غيرها من بلدان العالم. توغل غانم في موضوع الاندماج مع المجتمع البريطاني المُستقيِل للجالية العراقية، وطرح سؤالاً جدياً ربما يخطر ببال كل فرد من أفراد الجالية العراقية وهو: هل ننصهر كلياً في المجتمع البريطاني الجديد، أم نحافظ على قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا التي ورثناها من ثقافتنا العربية والإسلامية؟ ذكر غانم بأن هذه المشكلات الجدية تعاني منها غالبية العوائل العراقية الموجودة في المملكة المتحدة، ولكن بعضهم قد يأتي عليها باستحياء وتظل في إطار المشكلات المحجوبة أو المسكوت عنها بسبب الموانع والمصدات التي تقف ضد آلية البوح والمصارحة التي قد تفضي إلى إيجاد بعض الحلول الناجحة. توقف غانم عند الصورة النمطية المأخوذة، ليس عن الجالية العراقية حسب، وإنما على كل الجاليات العربية والإسلامية، وهي صورة سلبية بالمناسبة، وليس فيها أي جانب وردي أو متفائل كثيراً. فمعظم المشكلات الاجتماعية والدينية قد تعلّق على مشجب المهاجرين أو اللاجئين الأجانب الذين وجدوا أنفسهم في المنافي الأوروبية بسبب قمع الأنظمة العربية والأوضاع الاقتصادية السيئة هناك إضافة إلى عشرات المشاكل الأخرى التي لسنا بصددها الآن. وفي ختام كلمته حثّ غانم الحاضرين على طرح الآراء والأفكار البنّاءة التي تدور في أذهانهم بغية تحقيق المتلقى الاجتماعي وتفعيل أنشطته الثقافية والاجتماعية المتنوعة.
أما الدكتور صباح جمال الدين الذي يتوفر على خبرة واسعة في مجال الملتقيات الاجتماعية التي رأسَ بعضها لأنه متقاعد ويتوفر على فسحة من الوقت تتيح له التواجد الفاعل في مثل هذه الأمكنة والمنابر الاجتماعية فقد كان واقعياً جداً، ولم تشتط مخيلته بعيداً عن هذا الواقع الذي نعرفه جميعاً، إذ وصف آراء الأستاذ غانم وتطلعاته بالكبيرة جداً على الرغم من اعترافه بأنها صحيحة ومشروعة لكنها تقع في إطار الحلم. وقد اعترض جمال الدين في مستهل حديثة على الندوة التي أخذت شكل المحاضرة وطابعها، بينما كان يطمح في قرارة نفسه أن تكون الجلسة حميمة بعيداً عن المنصة والمايكروفونات والحضور المستقرين على كراسيهم. أما المحاور الجدية التي طرحها غانم فهي كبيرة على نادٍ اجتماعي مازال في طور الفكرة. وتواضَعَ أكثر حينما قال بأن كبار السن يحتاجون إلى لقاءات اجتماعية تخفف عنهم وطأة الغربة، وثقل المشاكل اليومية والصحية وما إلى ذلك. ونوّه إلى أن الجانب الصحي هو الهاجس الأساسي الذي رافق الإنسان منذ كلكامش وحتى يومنا هذا. وأكد على أنّ هذه اللقاءات يجب أن تكون خفيفة ومؤنسة وتشجِّع على الاسترخاء، لا أن تأخذ طابع المحاضرات الأكاديمية في صرامتها وجديتها. كما طالبهم بالنأي عن اقتراح الموضوعات والمحاور التي تناقش أسئلة شائكة من قبيل “الاندماج والانصهار والهوية القديمة أو الجديدة” وذكر بأنه يعاني من ثقل هذه المشاكل في البيت، ثم يأتي إلى هذا الملتقى الاجتماعي ليصدّع رأسه بنفس المشاكل المنزلية التي يتهرّب منها لكي يلتقط أنفاسه ويجد بعض الراحة خارج إطار القضايا الإشكالية المؤرقة. لذلك تمنى على الحاضرين أن يدلوا بآرائهم واقتراحاتهم التي تصب في مصلحة الرجل المسِّن الذي يتطلع للاسترخاء وإراحة الذهن من ضنك الحياة وضغوطها اليومية. وختم حديثه بالقول إنّ ما يهمنا في هذا الملتقى الاجتماعي هو تبادل الخبرات الكثيرة التي يتوفر عليها المسنّون الذين يبحثون الآن عن سقف يأويهم كي يتجاذبوا أطراف الحديث، ويتخلصوا من عزلتهم البيتية الموحِشة.
ونظراً لكثرة الآراء والمقترحات التي تضمنتها مداخلات الحضور جميعاً فسأضطر إلى اختصارها كي أغطّي أهم الآراء التي قيلت في هذه الحلقة النقاشية.
يتحفنا الكاتب خالد القشطيني عادة بملاحظات ذكية، وآراء سديدة يستمدها من متابعاته الصحفية اليومية، إذ اقترح على منظمي الندوة أن يتخذوا من تجربة اليهود الذين هاجروا إلى المملكة المتحدة عام 1903 مثالاً يحتذون به. فحينما وصلوا إلى المملكة المتحدة باشروا بالاندماج الكلّي في المجتمع البريطاني، إذ قلعوا ملابسهم، وارتدوا الملابس الإنكليزية، كما غيّروا أسماءهم اليهودية إلى أسماء بريطانية، وأجبروا أولادهم على الدراسة في المدارس البريطانية، فلاغرابة أن يصلوا إلى البرلمان ويحتلوا أعلى نسبة فيه، بل أنّ المرشّح لرئاسة الوزارة القادمة هو شخص من أصول يهودية يدعى “إد ميلباند”، رئيس حزب العمال الحالي، المولود في لندن، لكنه ينحدر من أصول بولندية. لقد اندمج والداه في المجتمع البريطاني، وأتاحوا لابنهم ميلباند أن يدرس في المدارس البريطانية، وأن يتخرج في أكسفورد، ليصل في نهاية المطاف إلى هذا المنصب الرفيع. كما توقف عند ناظم الزهاوي الذي وصل إلى البرلمان العراقي بعد أن اندمج بالمجتمع البريطاني، لكنه لا يذكر أصوله العراقية أبداً، وإذا اضطر فسوف يقول بأنه كردي الأصل فقط، وقد أقام احتفالاً لأعياد النيروز في البرلمان البريطاني من دون أن يشير إلى أصوله العراقية.
اقترح الدكتور عبد الحسن عوّاد تأسيس لجنة لهذا الملتقى تتابع تحصيل الدعم، وتوزيع الواجبات على بضعة أشخاص منتخبين يحضون بثقة أعضاء المنتدى بغية تسهيل أنشطته الإدارية والاجتماعية.
أبدى الأستاذ سمير طبلة استعداده لتخصيص عدة ساعات من وقته أسبوعياً لمساعدة أبناء الجالية العراقية في كل ما يتعلق بقضايا الهجرة ومعونات السكن والأطفال والمعاقين وملء الاستمارات المتعلقة بذلك مستفيداً من شبكة المحامين المتخصصين الذين يتعاملون مع مكتبه الاستشاري.
أما الدكتور عبد الحسن السعدي فقد طالب القائمين على الحلقة النقاشية بدراسة المشاكل التي يعاني منها العراق، وتحليلها، وإيجاد الحلول المناسبة لها مثل الطائفية وغيرها من الأمراض التي بدأت تفتك بالنسيج الاجتماعي العراقي الراهن. فيما نوّه الأستاذ حازم السامرائي إلى أهمية دراسة تاريخ الجالية العراقية التي وفدت إلى لندن في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، مروراً بعدد من موجات الهجرة خلال العقود الماضية، وانتهاءً بالموجة الأخيرة التي أعقبت الاحتلال الأميركي للعراق.
طالب الأستاذ حسين السكافي بضرورة ديمومة هذه الملتقيات أو الأندية الثقافية والاجتماعية، لأنه يرى في الديمومة أحد شروط النجاح الأساسية لأي عمل ثقافي أو اجتماعي. فيما ختم الدكتور عبد الأمير علوان الندوة بمقترح مفاده أن القائمين على هذا المشروع يجب أن يحددوا أهداف هذا المشروع وغاياته الأساسية التي يرومون تحقيقها لأعضاء المنتدى الاجتماعي.