ضيفت مؤسسة الحوار الانساني في لندن يوم الاربعاء المصادف 9/ 9/2015 الدكتور ماجد عبد الله جابر في أمسية ثقافية سليط فيها الضوء على طبيعة الحياة في المجتمع السويدي والمسيرة التي مرت بها العلاقة بين الرجل والمرأة منذ فترة بعيدة من الزمن وحتى يومنا الحاضر.
الدكتور ماجد عبد الله جابر باحث وأستاذ جامعي عمل في مجال التدريس الجامعي منذ حوالي عشرين عاماً وكانت البداية عام 1994 في جامعة الفاتح في ليبيا (جامعة طرابلس حاليا ) – في كلية الآداب قسم التاريخ وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية قسم العلوم السياسية ، يعمل حاليا أستاذاً متخصصاً بشؤون الدول الإسكندنافية (السويد بشكل خاص) حيث أكتسب خبرة كبيرة تمتد لأكثر من عقد من الزمان في دراسة أوضاع السويد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك من خلال إقامته وعمله في السويد له عدد من الدراسات منها (صفحات من تاريخ وحضارة السويد في العصر الحديث) وعدد من الدراسات قيد النشر .
الدول الاسكندنافية
يعني مصطلح الدول الأسكندنافية مجموعة من الدول التي تقع في شمال أوربا وبالتحديد يقصد بها دول السويد والدنمارك والنرويج وفي بعض الاحيان يضاف لها فنلندا. ويرتبط تاريخ تلك الدول ارتباطا وثيقا مع بعضها البعض من جميع النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
أما فيما يتعلق بمملكة السويد موضوع البحث ،فقد انتقلت من كونها بلد فقير يستحق المساعدة، إلى مجتمع غاية في الرفاهية، تلك هي رحلة السويد التي لم تستغرق الكثير من الوقت، والتي تمكنت من خلالها تلك الأمة وبواسطة مجموعة خيرة من رجالها المخلصين، أن تضع نهاية لظاهرة العائلات المعوزة، ومظاهر التسول في الشوارع، ومزادات بيع الأطفال العلنية، التي يبيع من خلالها الناس أطفالهم بسبب الفقر. ومن ثم تمكنت من نقل المجتمع إلى أمة تضرب بها الأمثال اليوم في الرخاء والرفاهية واحترام الإنسان. إنها مجرد عقود قصيرة تفصل بين النقيضين. ربما نجد ولحد فترة قصيرة أشخاصاً يعيشون في المجتمع السويدي، كانوا قد عاصروا تجربتي الفقر المدقع، والرفاه المبهر. فترة يجمع المختصون أنها كانت تتراوح بين سبعة إلى عشرة عقود، تلك هي رحلة السويد نحو العالم الصناعي المرفه والمتحضر.
السويد في زمن الفقر
شغب حشود الناس الجياع. إضرابات كبيرة للمطالبة برواتب تغطي على الأقل أدنى مستوى للمعيشة. مساكن كانت ضيقة ورطبة وباردة وغير صحية. أعداد كبيرة من الأطفال يفتقدون لعائلات ذات دخل ثابت، تساعدهم على العيش مع أمهات بعيدات عن المغامرات الصحية. أعمال شاقة ومرهقة بدون أية ضمانات، مقابل أخطار عمل كثيرة. أمراض سارية منتشرة في المجتمع، مثل مرض السل، الذي كان ينتشر بشكل كبير بين الناس. هذا بالإضافة إلى مزيد من التصدعات الطبقية، التي كانت تلم بالمجتمع السويدي، التي يشكل من بين أهمها الامتيازات الكبيرة التي تحضى بها الطبقات العليا من المجتمع، في مقابل عدم الاهتمام بالطبقات الفقيرة الأدنى، وكذلك النظام التعليمي غير الديمقراطي، والنساء اللواتي لا يتمتعن بحقوق المواطنة.
كل تلك القائمة الطويلة من النواقص الضرورية في المجتمع السويدي، كانت تنتظر من يقوم بإنجازها عند بداية القرن العشرين. وبنفس الطريقة تكون القائمة أطول، عندما ندخل من ضمنها قرارات الريكسداك(البرلمان السويدي) في الأربعين سنة الأخيرة.
التحول المجتمعي نحو الرفاه
مع ذلك فقد حدث تحول مثير في العقود الأخيرة، حيث خفض الإطار الضريبي التصدعات الاقتصادية. وتم إنهاء الفقر بشكل موسع، وتقديم المساعدات الاقتصادية، وتحسين الرعاية الصحية، وإصلاح التعليم، وتطوير أوضاع السكن، وإصدار قوانين تتعلق بضمانات العمل، وتوسيع قاعدة التعبير. لقد نما كل ذلك بشكل سريع ودقيق، وفق ما كان يخطط له.
أما بالنسبة لأولئك الذين استطاعوا أن يواكبوا هذا التطور، وارتفاع الاقتصاد من الثلاثينيات وحتى سبعينيات القرن فإنهم يؤكدون بأنه كان تطوراً أقرب ما يكون إلى التطور الدراماتيكي المثير. كذلك انعكس هذا التطور المثير من خلال الصور التي التقطها مصوروا وسائل الإعلام، وكذلك الهواة خلال مجرى الأحداث. في البداية كانت أكثر الصور تركز على الأسرة الملكية، وبدرجة أقل على رعاياهم. ولكن خلال مجرى السنوات الأخيرة، بدأ الناس أنفسهم يلعبون الدور الرئيس فيما يتعلق بتشكيل وتطوير المجتمع الذي بني جيلاً بعد جيل.
العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع السويدي
أما فيما يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة فقد مرت تلك العلاقة بمراحل وتقلبات عديدة حتى وصلنا إلى الوقت الراهن الذي يمكن القول وبلا تحفظ أنه العصر الذهبي للمرأة في السويد، حيث أصبح المجتمع السويدي الراهن مجتمع نسوى، تفرض فيه المرأة سيطرتها على مساحات واسعة، حيث لا تجد أي مركز في السويد يخلو من بصمتها، فهي حاضرة في كل مكان وبلا تحفظ، ابتداء من أبعد نقطة في مراكز الحدود، والمطارات إلى أعلى منصب في الدولة. وبالطبع فإن هذه الحقوق والمكانة المتميزة التي حصلت عليها المرأة السويدية، لم تأتي في ليلة وضحاها كما يقال، إنما مرت بمراحل طويلة ومعاناة شاقة، حتى وصلت مرحلتها الأخيرة. فبعد أن كانت المرأة في السويد ممنوعة حتى من حق التصويت، أصبحت الآن تقود الأحزاب السياسية الكبيرة، وحتى في وراثة العرش، نجد أن قانون وراثة العرش السويدي، الذي كان محصوراً بالرجال فقط، حسب ما كان ينص عليه قانون عام 1810، تم تعديله عام 1980 لتصبح المرأة مساوية للرجل تماماً في وراثة العرش، بعبارة أخرى الابن الأكبر يكون الوريث، بغض النظر عن جنسه لذا أصبحت اليوم الأميرة (فكتوريا) ولية للعهد، والكلام طويل جداً إذا ما دخلنا في معترك المرأة السويدية، ولكن للإختصار نشير إلى بعض النقاط الرئيسة التي تتعلق بالمرأة والتي تأتي في مسيرة المساوات مع الرجل:
مراحل تطور وضع المرأة السويدية في المجتمع
• عام 1845 أصبح للمرأة حق الوراثة كما هو للرجل.
• عام 1846 سمح للمرأة بالعمل في التجارة والأعمال اليدوية.
• عام 1859 أصبحت المرأة معلمة.
• عام 1886 تأسست في مدينة لوند أول جمعية نسويه في البلاد. وفي نفس العام أسست أول منظمة عمل خاصة بالنساء.
• عام 1917 حصلت النساء على حق الدراسة في المدارس الثانوية الحكومية.
• عام 1919 حصلت المرأة على حق التصويت.
• عام 1921 اعتبرت المرأة راشدة، أي أنها مستقلة التصرف بأموالها وقدراتها.
• عام 1923 أصبح للمرأة حق التوظيف في الدولة.
• عام 1935 حصلت المرأة على حق التقاعد بالتساوي مع الرجل.
• عام 1936 أصبح من حق المرأة التي تعمل في الدوائر الحكومية، الحصول على إجازة من العمل بمرتب قبل وعند الولادة.
• عام 1939 لم يعد من حق رب العمل أن يعفي أو يطرد النساء من العمل، عندما يتزوجن أو عندما يكون لديهن أطفال.
• عام 1946 حصول النساء على حق العمل في جميع الدوائر الحكومية، ماعدا العمل كقس أو في الجيش.
• عام 1947 أصبحت (كارين كوك) أول امرأة في الحكومة.
• عام 1949 أعتبر كلا الأبوين وصيين على الأولاد، الذين لم يصلوا السن القانوني.
• عام 1958 منحت المرأة حق العمل كقس.
• عام 1960 توحيد الرواتب بين المرأة والرجل لنفس المهنة، ولكن ذلك لم ينجح لحد الآن، فنجد أن مرتب المرأة أقل من مرتب الرجل لنفس المهنة.
• عام 1962 سمح للنساء بالعمل في أوقات الليل.
• عام 1964 سمح في استعمال حبوب منع الحمل.
• عام 1965 أعتبر العنف ضمن الزواج جريمة يحاسب عليها القانون .
• عام 1969 طبق في المدارس الابتدائية منهج دراسي جديد. المدرسة ينبغي أن تعمل على المساواة بين الرجل والمرأة.
• عام 1970 حصلت المدارس الثانوية على منهج جديد. المدرسة ينبغي أن تعمل على المساواة بين الرجل والمرأة.
• عام 1971 فصل الضريبة. الذي يعني أن كل شخص يدفع الضريبة التي تتعلق به.
• عام 1974 أصبح لكلا الأبوين الحق في تقاسم الإجازة التي يمنحانها عند ولادة طفل.
• عام 1975 عام النساء في الأمم المتحدة. قانون جديد للإجهاض يعتمد على حرية الإجهاض لحد 18 أسبوع.
• عام 1979 إعطاء الحق بست ساعات عمل فقط بالنسبة للآباء الذين لديهم أطفال صغار.
• عام 1980 قانون ضد التمييز الجنسي في حياة العمل.
• عام 1984 المساواة ضمن الدوائر الحكومية.
• عام 1987 قانون خاص يتعلق بالمتعايشين.
• عام 1988 البرلمان يقر خطة وطنية من خمس سنوات لمعالجة مسألة المساواة.
• عام 1989 خطة شمالية لمعالجة المساواة.
• عام 1992 صدور قانون جديد للمساواة.
• عام 1994 بدأ العمل بقانون المساواة الجديد
• عام 1998 قانون حول العنف ضد النساء.
• عام 1999 قانون حول منع شراء خدمة الجنس.
• عام 2001 تقوية قانون المساواة فيما يتعلق بالرواتب.
• عام 2003 تغيير في قانون منع الزيارات. ليصبح مشترك في البيت.
• عام 2005 إصدار قانون جديد يتعلق بجريمة الجنس.
• عام 2006 البرلمان يقر قانون يتعلق بالهدف الجديد لسياسة المساواة.
• عام 2007 البرلمان يضع خطة من أجل مكافحة عنف الرجل ضد المرأة.
• عام 2009 قانون عدم التمييز أو التحيز يأخذ مجراه في التطبيق. ويشتمل هذا القانون، من ضمن ما يشتمل عليه، عدم التمييز على أساس الجنس.
قراءة علاقة الرجل والمرأة في المجتمع السويدي
لقد أبرم عقد المساواة بين الرجل والمرأة في السويد منذ بداية ستينيات القرن الماضي، ولكن هل توقفت المرأة السويدية عند ذلك الحد؟ سؤال ملح يحتاج إلى إجابة. خلال الستينيات كان حوالي 40% من مجموع النساء في السويد، للأعمار مابين 15- 64، (منهن ما يقارب 28% متزوجات) يعملن لأجل الكسب المالي. ولم تكن هذه النسبة غريبة عن المجتمعات الأوربية الأخرى، إنما كانت السويد تماثل في ذلك عدة دول أوربية أخرى.
فعلى سبيل المثال كانت النسبة في فنلندا، والنمسا تتراوح ما بين 55 -56 % وفي الدنمارك 52% وفي بريطانيا 48%. مع ذلك فإن التمثيل النسوي في البرلمان السويدي كان يمثل النسبة الأوربية الأعلى وهي 10%. ولكن الاختلاف لم يكن في الكمية فحسب إنما كان أيضاً في النوعية، حيث كانت توجد تصدعات كبيرة بين النساء والرجال عن طريق مرتبات النساء التي تقل بنسب مرتفعة مقارنة بمرتبات الرجال.
وبعد ثلاثين سنة ستكون العلامة المميزة لسوق العمل السويدية هي أن الفرق بين مرتبات الرجال والنساء قد أنخفض بشكل مباشر وكبير جداً. أما سياسياً فقد أرتفع معدل التمثيل السياسي للنساء حتى وصل إلى نسبة 40% في الريكسداك السويدي، و 30% في البلديات ومجالس المحافظات، ووصل إلى أعلى توسع له في الحكومة. ومن خلال تلك الأرقام يلاحظ عملياً أن الديمقراطية بدأت أخيراً في طريق الانجاز. بعد ذلك تغيرت العلاقة بين الرجل والمرأة إلى علاقة جديدة تنم عن مزيد من تساوي القيمة بين الطرفين، حتى وصل الأمر بأن يذهب الأب وألام كلاهما للعمل، وتكون النتيجة تقاسم أعمال البيت بين الطرفين، بعد أن كانت تلك المهمة منوطة بالأم فقط. إنه تحول دراماتيكي حقيقي ذلك الذي جعل من المرأة وخلال فترة لا بأس بها نداً للرجل، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل توسع بشكل علني حتى امتلكت النساء جزء كبيراً من ذلك التغير. إنها الديمقراطية التي بدأت تسري بعد الحرب العالمية الثانية في نفوس البنات الصغار؛ لتغذي فيهن روح المساواة للرجال وفي كل الميادين.
وندخل في فترة السبعينيات المثالية، وعالم المساواة. قانون الجنس الجديد والعقد الجديد بين الجنسين الذي بدأ يتشكل. جانب النساء الذي لم يعد يقبل بالمرتبة الأقل نظرياً. أفكار المساواة بدأت تسري على الجميع وتخلق شيئاً من القلق، وصراع الرغبات على الأقل في جمعيات النساء القديمة.
وتبعاً لذلك التحول، ازدادت حالات الطلاق الرسمية (وصلت أعلى نسبة لها في عام 1974 حينما بلغت 800 26 حالة بالمقارنة مع عام 1955 حيث كانت 300 10 حاله) في نفس الوقت الذي بدأ ينظر فيه إلى العائلة في صيغة الزواج، على أنها طراز قديم وعادة اضطهادية.
(انخفض عدد حالات الزواج من 000 58 بين الأعوام 1946 – 1950 إلى 900 37 في الفترة مابين 1981 – 1985). لم تقتصر مطالبة المرأة بالحقوق السياسية والاقتصادية، إنما تعدت ذلك إلى المطالبة بصيغة الحقوق الجنسية. والتي أثمرت بسرعة كبيرة في قضية حبوب منع الحمل، والإسقاط الحر عام ،1974 وحتى مناقشة قضايا تتعلق بالجماع. لقد كانت فترة انقلاب دخلت فيها المرأة سوق العمل، والسياسة، ومنابر الخطابة، وصفحات الجرائد. أخيراً استطاع صراع الجنس أن يثمر، ومرة واحدة سوف يبدأ الرجل في مواجهة المشاكل. لذا بدأت تتمحور الأفكار الأكثر راديكالية، أفكار تقول بأن الرجل يجب أن يغير نفسه في حياة العمل والبيت (وربما حتى في السرير). لقد استطاعت هذه الأفكار الغريبة أن تحلق فترة من الزمن، حينما أرتفع وضع السوق، وبدأت أضواء المستقبل تتشكل. أصبحت شيئاً آخر عما كانت عليه، حينما كان المستقبل مظلماً.
أما في الوقت الراهن فلم يعد الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة. إنما بدأ الحديث يدور عن المساواة بشكلها العام، إنها كلمة بدأت في الاستخدام عام 1976، وبعد ذلك أصبحت الكلمة الجامعة في العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة. المساواة بمثابة عملة ذات وجهين فيها، عادات، وعقد، وبرنامج، سيبرز عندما يعيش الرجل والمرأة حياة تتميز بدرجة عالية من المساواة. إن جميع تلك الأعراف، والعادات، والعقد، والبرامج، خلقت في السويد صيغة حول كيفية صراع الجنس بدل من أن يتمترس كل في مكانه. وهذه المواقع تتعلق بالدرجة الأولى بانتصار الجنس الموجود في المجتمع: في السياسة، وعالم الإعلاميات، وفي البحث والتعليم، وليس أقل من حياة العمل، وبلا شك مرتب العمل للمرأة السويدية وأموالها الخاصة بشرط أن تقف حرة في علاقاتها تجاه الرجل. ولكنها تحتفظ بأرضها الخاصة، وسوق العمل الخاص بها، ذات الأجر المنخفض، من دون أن تكون هناك ميزات أو تحسينات في ظروف العمل.