صادق الطائي –
في امسية مميزة من اماسي مؤسسة الحوار الانساني بلندن في يوم الاربعاء 6 ايار 2015 ، ضيفت المؤسسة الكاتب والناقد والصحفي العراقي الاستاذ د. صفاء صنكور في امسية ثقافية تحدث فيها عن البنية والخطاب مبينا الأصول المعرفية لتحليل الخطاب.و الدكتور صفاء صنكور ، إعلامي وناقد وباحث أكاديمي مهتم بالدراسات الثقافية وتحليل الخطاب . ولد في بغداد ، وحصل على شهادة
الدكتوراه في فلسفة الاعلام من جامعة بغداد. عمل في العديد من الصحف والمجلات ومحطات الاذاعة والتلفزة ، وكان اخرها عمله في محطة بي بي سي في مقرها في لندن.
وقد ابتدأ الباحث امسيته بالاشارة الى تعقيد مصطلح الخطاب في اللغة العربية والخلط الناتج عن الالتباس بين الثقافة الشعبية وبين الفضاء النظري ، ثم ذكر ان الموضوع واسع ومتشعب وسيحاول ان يسلط الضوء على السياقات المعرفية في الوقت المتاح للمحاضرة ، وذكر ان لكل علم لغته الاصطلاحية الخاصة به،ومفهوم الخطاب ابتدأ او ولد في حجر العلوم الانسانية فنجد له جذورا في علم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس الاجتماعي والسيمياء وعلوم السرديات. ومن اكثر تطبيقات المفهوم نجاحا كانت في حقل الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence ) ، وبذلك نحن نستطيع ان نلمح ان مفهوم الخطاب اصبح يشغل حيزا بين العلوم الصرفة وبين العلوم الانسانية ، ثم اشار الى انه في محاضرته سيحاول تجنب الخوض في تفاصيل اكاديمية بحتة حول نشوء وتعريف المصطلح ، واشار الى انه يحاول ان يقدم الموضوع للمتلقي غير المختص .
وكمقدمة لفهم الخطاب وتحليله ، اشار الدكتورصفاء صنكورالى اهمية فهم مصطلح الباراديم ( paradigm) ، فقد ذكر الفيلسوف توماس كون هذا المصطلح في كتابه المهم (بنية الثورات العلمية ) وهو كتاب له تأثيرات كبرى في اطار نظريات العلم المعاصرة منذ الستينيات ولحد الان ، ان مفهوم الباراديم هو مفهوم جوهري في التعامل مع التاريخ ليس كخط واحد متصاعد او تطوري ولكن كونه متكون من عدد من الطبقات ، ثم اشار المحاضر الى علم البارايايموتولجي وهو العلم الذي نشأ بين العلوم الصرفة والعلوم الانسانية ومهمته الاساسية هي فرز النماذج المعرفية ودراستها ، لكن الانقلاب الحقيقي كان مع البنيوية ،حيث ان البنيويين عملوا في الثقافة الفرنسية في فضاءات متعددة ومختلفة فمنهم من كتب في اطار الماركسية ومنهم من كتب في اطار السيمياء مثل بولند بارك ومنهم من كتب في الانثروبولوجيا البنيوية مثل كلود ليفي شتراوس ومنهم من كتب في اطار التاريخ مثل فوكو .
ثم يضيف الدكتور صنكور ولكن كيف نشأت هذه النظرة للعالم (البنيوية) ؟ ويجيب ،ان هناك انقلاب كبير حدث في العلوم الصرفة ،وان اوروبا عاشت ازمة منذ مطلع القرن العشرين في محاولات اختبار مفهوم (العلم)، والنظرية تقول عندما يصل غصن ما الى اقصاه في النمو المعرفي او في شجرة المعرفة فيمكن ان ينمو غصن اخر منه اي وبكلمات اخرى يمكن ان يبنى البراديم حول فكرة واحدة مثلا :فكرة الرب كمثال لفكرة مولدة يمكن ان ننشيء عليها عدة تفسيرات للكون –الوجود-الحياة،وعلى ضوء ذلك يمكن ان ينشأمجتمع تأويلي من الناس سواء كانو علماء دين او علماء علم وضعي.وان كل من هولاء المؤولين يحاول اخفاء عيوب النموذج المعرفي المتبنى لان كل منهم يحاول تقديم نموذجا معرفيا يحاول تفسير كل شيء.
وهنا يتطرق الدكتور صفاء صنكور الى امثلة لتوضيح النظرية السابقة قائلا :على سبيل المثال قوانين نيوتن في الفيزياءالتي انتجت النظرة الميكانيكية للعالم ونتيجتها النظرة السببية التي تحاول تفسير الظواهر وايضا الماركسية يمكن ان تعتبر نتاجا لها كرد فعل للثورة الصناعية ومنتجاتها (الكهرباء ،السيارات ،المكننة … الخ) ، ثم يأتي اينشتاين ويكشف خلل في نظام التفسير فيقدم نموذجا جديدا مبني على فكرة النظرية النسبية التي افرزت انجازات علمية جديدة مثل صعود الانسان الى الفضاء والتفجيرات النووية والاستخدام الطبي والحيوي للطاقة الذرية وتوليد الطاقة العملاقة التي غيرت وجه الحياة وقد كان لهذه الطفرة العلمية انعكاساتها حتى في النظرية الادبية.ثم العلم الحديث يثبت قصور النظرية النسبية كمنظومة تفسير ، من كل ذلك هل يعني خطأ او قصور نظرية نيوتن ان السيارة غير موجودة ؟ او ان قصور النظرية النسبية ان القنبلة الذرية غير موجودة ؟ نقول ان تاريخ العلم هو تاريخ كاذب او تاريخ الاشياء القابلة للتكذيب وهذا اعظم مابه ان كل شيء يمكن تحديه بنظام اخر ، وهنا تبرز ظاهرة او مقولة ان الشيء او المنظومة الغير قابلة للتكذيب هي الدين او الايديولوجيا.
وهنا يشير د.صفاء الى ان هذه النظرة هي نظرة (هوسرل) عندما كتب كتابه عن ازمة العلوم الاوربية واقترح مفهوم جديد هو علم الظاهراتية (الفينومينولوجي)القائل ان الفكرة هي اساس كل شيء وان كل شيء يدرك بالعقل يكون شيئا محددا او ثابتا، ان اوربا قد نهضت بناءا على افكار ديكارت ومركزها فكرة الشك ، ولابد من الاشارة هنا الى ان د.طه حسين عندما عاد من رحلة دراسته في باريس متأثرا بالعلوم الاوربية قد طرح فكرة الشك في كتابه (الشعر الجاهلي ) الذي اثار ضجة كبيرة في حينه ادت الى محاكمة طه حسين، وبالعودة الى صلب الموضوع يقول الباحث ،ان ديكارت مضافا له نيوتن مثل البراديم المعرفي الكامل المتكون من الفلسفة والعلم وهذا البارديم تمحور حول الذات المفكرة (انا افكر اذا انا موجود) ،اذا الانا كانت جزءا اساسيا او محوريا من البراديم النيوتني – الديكارتي (والتي يتم التشكيك بها الان مع معطيات العلم الحديث ) وان هذه الانا ساعدت في بناء واثبات الخطاب في هذا البراديم.
ويتحول الباحث الى حقل الفيزياء فيقول عندما يدرس العلم ظاهرة وندخل عليه نظام قياسي فان ذلك يغير الظاهرة نفسها او طريقة ادراكنا لها، وهنا تتحول الفيزياء الى فن والفيزيائي يبدأ بالتنافس مع الشعراء والفنانين،حيث بدأت الفيزياء تعتمد على القدرة على التأويل والقدرة على الخيال.ويستطرد هنا قائلا ان التأويلات الصوفية القديمة لبعض علماء المشرق من المسلمين او غيرهم كانت ترفض القياس الارسطي وتحاول ايجاد قياس معرفي اخر(وصولا لابن تيمية).
وفي اطار مبحث الوجود ،مبحث الاخلاق… والسؤال المركزي سيكون؛ ماهو العنصر المكون للوجود؟ عندما ينتفي القياس ،تصبح الوحدة المكونة للوجود عبارة عن علاقة بين متغيرين او اكثر وليس شيئا ثابتا ،اذن العنصر سيقودنا الى وحدة تكوين الوجود ، وكذلك العلاقة بين العناصر ستقودنا الى وحدة تكوين الوجود.من ذلك نصل الى اعتباطية العلاقة بين الدال والمدلول فكلمة شجرة لها مدلول للكلمة ،مدلول كلمة شجرة وليس الشجرة الواقعية الذي يعلق في الذهن تماما.
ويشير الباحث الى ان احد الاتهامات او الانتقادات التي وجهت للبنيويين مثل فوكو تحديدا اتهمو بتعليق الواقع تماما وهذا الامر ليس صحيحا تماما لانهم كانوا يعيدون زراعة الواقع داخل النص ،كما ان الكثير من الانتقادات التي وجهت للبنيويين كان بسبب الغائهم لفكرة الحقيقة ، اما فكرة موت المؤلف التي شاعت عنهم فهي الغاء الذات المفكرة والذي ولد المفهوم النظري (موت المؤلف) والذي سيطر على الفضاء النقدي لفترة طويلة.كما ظهرت افكار اكثر تعقيدا لاحقا ، ومنها انكار دريدا لانزياح الدال وانزياح المدلول، ولايمكن الخوض في هذا الامر لانه سيخرجنا عن موضوع المحاضرة.
ان اعتباطية العلامة/ العلاقة بين الدال والمدلول جعل النص /الخطاب نظام من المعلومات قائم بحد ذاته ككيان او وجود مادي،ويمكن ان نلخص ذلك وكما يلي :
1. الوجود يتكون من علاقات ولا يتكون من عناصر.
2. اللغة والكلام /الثنائية التي انتقدت بعد ذلك كثيرا.
3. الاعتباطية بين الدال والمدلول.
وكما هو معروف ان البنيوية تعتمد اعتمادا كليا بل وتشتغل على مفهوم النسق اكثر من اشتغالها على مفهوم العناصر المكونة . وهنا يذكر د.صفاء ،انه من الواجب المرور بدور ماعرف بـ (الشكلانيون الروس) وهي مدرسة نقدية كان لها دورا مميزا فيما نتحدث عنه ، ظهرت في العشرينيات من القرن الماضي في روسيا وبشكل منفرد او مفارق للجهود الغربية ، وكان لهم تاثير مميز في نقل وتطورمفهوم البراديم المعرفي من هناك ، وقد لعب باحثان دورا مهما في التعريف بهذه المدرسة هما الباحثة جوليا كرستيفيا وتزفيتيان تودوروف اذ كانا مهاجرين بلغاريين الى فرنسا ولعبا دورا مهما في تعريف الثقافة الفرنسية بمفهوم البارديم كما اشتغلا على التلاقح بين الكانتية الجديدة والماركسية، كذلك لعب المفكر باختين دورا مميزا في دراسة العلاقة بين الماركسية وفلسفة اللغة وله في ذلك كتاب مهم جدا هو (الماركسة وفلسفة اللغة)اسس لما يعرف اليوم بمابعد الحداثة /مابعد البنيوية. ان الشكلانيين الروس المختلفين عن باختين الذين خرجوا في نهاية العشرينات الى براغ وشكلوا هنالك حلقة براغ التي كان لها دورا مميزا في النظرية الادبية واللسانيات تكونت من عدد من علماء اللغويات والنقاد. طور اعضاء الحلقة طرق التحليل اللغوي التركيبيه بين عامي 1928 الي 1939 ولكن بعد الحرب العالمية الثانية ورغم تشتت المجموعة ظل تأثير مدرسه براغ واضحا علي علم اللغويات.تزعم العالم التشيكي البارز فيلم ماثيسيوس الحلقة حتي وفاتة في 1945. ضمت الحلقة علماء روس مثل رومان جاكبسون ونيكولاى تروبيتسكوى وسيرجي كراكفيسكى وأيضا عالمي اللغة التشيكيين البارزين رينيه ويليك ويان مكاروفسكي ويعد الابرز بينهم جاكوبسن ،وقد كان لهم الدور المهم في التمييز بين الوصف الموضوعي والوصف القصصي في الادب الفرنسي الذي اسس لما عرف ( historical discourse) ، وهم كانوا يبحثون بسياق علمي عن علمية الادب ، او عما يجعل الادب ادبا ، وقد كتب باختين في العشرينيات كتابا عن فكرة الخطاب وهي نفس الافكار التي اكتشفت لاحقا وعندما ترجم تودوروف كتبهم في الستينات ، قال المفكر البريطاني شولتز الذي كتب في البنيوية وتاريخ البنيوية عن هذا الامر واصفا هذا الانتقال المعرفي بـ (نقلة الفرس) تشبيها بحركة الفرس في الشطرنج في اشارة للتلاقح بين الكانتية الجديدة والماركسية .
وهنا يشير الباحث الى الدور المهم الذي لعبه عالم اللسانيات السويسري فرديناند دو سوسير،الذي اقترح دراسة العلامات في علم اسمه السيمياء (semiology) ووضعه كجزء من علم النفس الاجتماعي وفيه يكون كل شيء في الوجود يأتي عبر النظم الموجودة كممارسة دلالية بصرية ،كشيء منفصل بحد ذاته وليس كتعبير عن شيء اخر، كما يشير سوسير الى ان اللغة تطرح كنظام شفاف تماما ، ونجد في نظرية الخطاب ان اللغة ليست شفافة انما هي نظام له قوانينه يفرض علينا احيانا طريقة التعبير التي بنيت عبر علاقات قوة وعبر تاريخ محدد في فترة معينة. لاحقا جاء رولان بارت الى حقل (semiology) ولكن ليجعله جزءا من علم اللغة العام.
كما تجدر الاشارة الى تجربة احد الماركسيين الفرنسيين الشهيرين وهو ميشيل بيشوب،الذي كان يعطي طلابه نصا ويطلب منهم تحليل النص ويخبرهم مسبقا بأن هذا النص يمثل افكار او صحف اليسار ، ويطلب من مجموعة اخرى من الطلبة تحليل نفس النص ولكنه يخبرهم ان هذا النص لصحيفة يمينية ،فوجد بيشوب تأثيرات الاملاء المعرفي المسبق على الطلبة اذ تحلل كل مجموعة النص بناءا على النظام المعرفي يساريا او يمينيا ،ويتضح ان النص كان محايدا وليس له علاقة باليمين او اليسار ، الا ان تجربة بيشوب تثبت تأثير النظام المعرفي القبلي الذي سوف يحدد او يسوق فهم المتلقي للنص .
ويذكر الباحث هنا انه يجب التوقف عند احد ابرز اللسانيين وهو دوغوا الذي يلخص مفهوم الخطاب في ثلاث نقاط او مفاهيم اساسية :
1. الكلام
2. مرادف مفهوم اللفظ
3. الوحدة(الاكبر من الجملة) في التحليل النصي.
وقد حاول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو نقل هذا المفهوم من الانسانيات الى التاريخ اذ يذكر ان البحث ليس في المفهوم بحد ذاته ولكن فيما يجعل الخطاب خطابا، والخطاب كممارسة دلالية متكونة من كلام او كتابة ينظر له من منظور ما يحمله من قيم ومعتقدات منقولة ، وان هذه المعتقدات تشكل النظرة الى العالم او تنظم التجربة الواقعية.مع ما اشرنا له من الاعتباطية بين الدال والمدلول لم يعد ثمة علاقة مع المرجع الواقعي والخطاب اصبح شيء مستقل بذاته. وهنا يحدد فوكو مفهوم الخطاب بانه :
1. الجملة من اللغة
2. القضايا من المنطق
3. الملفوظ كموجود وصيرورة من الواقع.
اذا الخطاب جاء كرد على ازمة النموذج البنيوي الذاتي ،اذ ان القانون البنيوي الذي كان يحاول ايجاد قانون (بالنظرة العلمية القديمة )قانون /بنية/نسق يحكم الاشياء ويفسرها ،ويحاول اعادة الخطاب الى قلب الواقع الاجتماعي ذاته.
ويعرج د. صفاء صنكور قائلا اذا كان الماركسيون قد انتقدوا البنيوية في يوم من الايام باعتبارها تفتقد للبعد الزماني والتاريخي ،فان مفهوم الخطاب هو محاولة لزرع الزمن مرة اخرى ومحاولة انتقال من البنية الى الصيرورة كعملية مستمرة عبر متصل زماني مكاني.ويهتم فوكو بما يجعل الخطاب خطابا اي الاستراتيجيات التي يقوم عبرها الخطاب بانتاج نفسه وانتاج المعرفة،كما يمكن النظر للغة من وجهة نظر الخطاب بوصفها ممارسة اجتماعية فالخطاب ليس قاعدة او نموذج لغوي او لساني انما هو حدث بحد ذاته يفترض وجود قصدية دلالية تنبع من بحث عن علاقات القوة في الخطاب نفسه.
ان السلطة تمارس فعلها عبر هذه الخطابات عن طريق الجامعة ،الكنيسة ، الاعلام ،…الخ ،فتنتج هذه المؤسسات الايديولوجيا بطرحها لمفهوم متعالي او خارج الحقيقة.
في علم الخطاب ،البحث في التمظهرات لما هو اجتماعي كانت قد ابعدت في النظام البنيوي ليعود للمارسة الاجتماعية وهو تلاقح بين الماركسية والبنيوية.وهنا يجب الاشارة الى ان الانتقاد لأزمة النموذج اللساني الذي عرف (سجن اللغة)وابعاد الواقع، حيث يطرح الباحث هنا ان فكرة ابعاد الواقعي فكرة ليست حقيقية وكمثال على ذلك :حدث زلزال :جملة خبرية تخبرنا بوقوع زلزال،حدث واقعي سابق للجملة، ثم بعد ذلك نجد من يفسر الزلزال بانه غضب رباني (كتفسير لاهوتي)،كما ان هناك من يفسره بانه حركة لقشرة الارض او طبقات الارض تنتج عنه التشقق في القشرة الارضية (منطق علمي)، وعدد اخر من الخطابات قد يكون بعضها صحيحا وبعضها خاطئا الا انها خطابات متوازية لحدث واحد وهنا تكمن ثنائية الطبيعة /العالم الواقعي وعالم الثقافة ، وهي علم بحد ذاته ، يشير رولان بارت في بحث صغير له (الاسطورة اليوم) في مقدمة كتبه الميثولوجيات ،الذي ترجم الى العربية (اسطوريات) ،حاول وضع بحث للسيميائيات،فيه تقسيم مبني على نظام سوسير:
1. التضمين /الايحاء
2. الدلالة
ان المستوى الايحائي عند بارت هو مستوى بناء الاسطورة مثال ذلك : عندما يقول القاضي لشخص ما (سأسجنك) فانه فعلا سيضع الشخص المعني في السجن وهي كلمة مبنية على فعل واقعي ،ولكن عندما يقولها انسان عادي في سياق مشكلة مع احد ويقول له (سأسجنك) فانها لاتتعدى كونها تهديدا يوصف او يبوب في خانة الايحاء، وهذا الاطار الايحائي الذي بيناه في المثال السابق هو ما يعرف بالاطار الايحائي لبناء الاسطورة او انتاج الوعي الزائف في المنظومة المعرفية الماركسية .
ثم يقول الدكتور صفاء صنكور استكمالا للموضوع ،ان مستوى الدلالة المحدد هو ما موجود في الرياضيات ( 1+1=2)وهي فكرة تقوم على نظام قيمي ثابت ولكنه يعود ويتحدى هذه الفكرة ذاكرا ان الرياضيات ذاتها تمثل الفريسة الكبرى للاسطورة بحسب بارت.
اما ادوارد سعيد فقد حاول وبذكاء اخذ هذه المنظومة وتطبيقها على الاستشراق كخطاب ووضح كيف تهيمن علاقات القوة على الخطاب مثال ذلك تصنيفات النباتات للعلماء الانكليز بالطريقة العلمية الاوربية هي نوع من الخطاب يتخطى او يتلافى الاسم الشعبي للنبات واستخدامه،وان هذه الطريقة بالتصنيف امتدت للتصنيف الاجتماعي او تصنيف البشر بطريقة مثل التصنيف النباتي او الحيواني .
ان الايديولوجية /الاسطورة لايمكن التخلص منها لانها اصبحت جزءا اساسيا من الثقافة ، وهنا يشير الباحث الى المفكر الماركسي غرامشي،ففي كتابه كراسات السجن درس فكرة الهيمنة،هيمنة الدولة او النظام السياسي بالاقناع وليس فقط بالقوة ، والانسان له علاقة بما هو ليس معرف له وهو الكون وما ينتجه الانسان ازاء فهمه لهذا الكون ما هي الا اساطير في النهاية ، واخيرا وفي ختام المحاضرة يشير الدكتور صفاء صنكور الى ان علاقة الانسان بما هو معرف له وهو ذاته ينتج عنه ايضا انتاجات من الوعي الزائف من الاساطير المبنية على معطيات محدودة.