صادق الطائي –
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 10 حزيران 2015 الاعلامي والكاتب العراقي ابو فراس الحمداني في امسية ثقافية تحدث فيها عن حرية الاعلام بين التفريط والتقييد واهم التحديات التي تواجه الاعلام المستقل مابعد 2003.والاستاذ ابو فراس الحمداني ناشط اعلامي معارض ابان الحكم الدكتاتوري في العراق، عضو هيئة تحرير صحيفة الرسالة الصادرة عن المركز
الثقافي اوترخت / هولندا، كما عمل مديرا للبرامج في قناة الفيحاء الفضائية 2004 – 2010 ،وقد شارك في مؤتمر اليونسكو في كانون الاول 2007 في باريس حول دور الدعم الدولي لتطوير واقع الاعلام في العراق.
وقد ابتدأ الضيف المحاضرة بالقول انه اعلامي تعلم العمل الاعلامي بالخبرة العملية اي انه لم يدرس الاعلام او الصحافة في اكاديميات متخصصة بالرغم من انه قد دخل العديد من الدورات التطويرية والكورسات الدراسية لتطوير عمله الصحفي بعد ذلك ، وقد اشار في تواضع معروف عنه ان خبرته الاعلامية بسيطة الا انه كان في قلب الحدث الاعلامي في الموضوع الذي يود الحديث عنه وهو الاعلام العراقي بعد 2003، وابتدأ بطرح سؤاله المركزي : ماذا حصل في العراق في يوم 9 نيسان 2003؟ اذا وجهنا هذا السؤال الى رجل عسكري سيقول ان هنالك 30 مليون قطعة سلاح تركت مرمية في الشوارع ولم تهتم قوات التحالف بجمعها والتحفظ عليها ،اما الفنان فسيقول ان التدمير الذي طال المتاحف والمسارح والمكتبات هو الحدث الاهم الذي لم تتم معالجته حتى الان ،والاقتصادي سيقول : ان الانهيار الاقتصادي مستمر والوضع اخذ بالتدهور ولم يتم وضع حلول لهذا الامر منذ 12 عام وحتى الان ،اما الاعلامي فانه سيحاول ان يلم بكل ذلك وان يصف الوضع الاعلامي في العراق بعد 2003 فلا يجد امامه غير كلمة واحدة الوضع كارثي .
ثم بين الاستاذ ابو فراس في مسح سريع الواقع الاعلامي قائلا؛ ان الحرب الاعلامية قد ابتدأت قبل موعد انطلاق العمليات العسكرية، وذلك لمعرفة الغرب اهمية الاعلام ودوره في تهية الرأي العام العالمي لما سيحصل ، وقد صرفت المليارات في تهية الجو الاعلامي للتغير وقد انطلق المشروع الامريكي عبر اطلاق او تهيئة عدد من القنوات العربية مثل الحرة والحرة عراق وراديو سوا ، كما ان فاعلية بعض القنوات العربية المؤازرة للحدث قد انطلقت عبر قنوات مثل ابوظبي ،العربية،دبي .. وغيرها ، وحتى من الاطراف الاخرى الرافضة للمشروع الامريكي رأينا انطلاق قنوات تغطي المشهد العراقي مثل قناة العالم الايرانية وغيرها .
ثم يتحول الاستاذ الحمداني الى توضيح اهمية ودور الاعلام في تجربة العراق الجديد قائلا ؛ان المشروع الاعلامي كان لابد ان يسبق قيام بناء الدولة العراقية وكان من الواجب وضع الخطط المدروسة لذلك لبناء اعلام وطني ، الا ان ماحصل سواء عبر انشاء شبكة الاعلام العراقي او الهيئة العامة المشرفة على الاعلام كلها لم تكن بالمستوى المهني والاحترافي ، بل بقيت عبارة عن منافذ اعلامية فقيرة لا ترقى الى اهمية الحدث ومسؤولية بناء الدولة .
ثم ينتقل الاستاذ الحمداني الى اهمية دور الاعلام في عالم اليوم مبينا ان استثمارا دوليا بمليارات الدولارات قد تم في العراق والمنطقة ، وقد لعبت العديد من الاجندات الخارجية دورها في ذلك ، ففي مؤتمر اليونسكو الذي عقد في باريس 2007 وقد تشرفت بحضوره كاعلامي عراقي ، تم الاعلان عن ان مليار دولار تم ضخها في سوق الاستثمار الاعلامي العراقي لدعم العملية الاعلامية ، ولكننا حين نحاول ان نعرف اين ذهبت هذه الاموال لن نجد جوابا الا ان الفساد قد اكل اغلب اذا لم نقل كل الاموال المخصصة لتطوير الاعلام العراقي،واليوم نحن نشهد وتحت مسميات الحرية الاعلامية في العراق فوضى عارمة تغطي المشهد الاعلامي العراقي اجمع ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد شخصا يأتي ليفتح قناة فضائية كلفة انشائها 12 مليون دولار دون اي ضابط اعلامي او قانوني او مراجعة مالية ، دون ان تعرف الحكومة العراقية مصدر هذه الاموال ، هل هي عملية غسيل اموال ؟ هل هي اموال اجنبية تصرف للتدخل في الشأن الداخلي ؟ هل هو تمويل مخابراتي دولي؟ لانعرف، وكل الاحتمالات قائمة ، هذا مايحصل في كل ارجاء العراق بينما المفارقة نجد ان اقليم كردستان والذي هو من المفروض جزءا من الدولة العراقية قد وضعت ادارته ضوابط صارمة على انشاء اي واجهة او منبر اعلامي مقروء او مسموع او مرئي ، بينما غابت هذه الضوابط عن الحكومة المركزية في العراق، حتى بات العراق اسهل مكان في العالم لاطلاق اذاعة او اصدار صحيفة ، فتجد ان بعض الصحف لا تطبع الا عشرات النسخ توزع في المنطقة الخضراء وبعض السفارات كواجهة للحصول على دعم مالي يتبخر في قضايا فساد او حتى تمويل عمليات ارهابية ، ويمكننا ان نرى بعض المدن الصغيرة في العراق بمستوى قضاء نجد فيها عدد كبير من محطات الاذاعة التي تبث دون رقيب او محاسبة على مستوى مهنيتها او احترافيتها مما خلق ويخلق فوضى تركز فضاء الكراهية وتزيد من الانشقاق الحاصل بين مكونات المجتمع العراقي.
ويستمر الاستاذ ابو فراس الحمداني في تناول الاداء الاعلامي العراقي مقارنا اياه بالطروحات الاعلامية المحيطة بنا ظاربا مثالا بينا عما حصل من تغطية اعلامية لحالة الانفلات الامني التي حصلت ابان سقوط النظام وكيف تم التعامل معها من قبل الاعلام العربي والاجنبي الذي ركز على صورة النهب مبينا او مرسخا في ذهن المشاهد ان الشعب العراقي عبارة عن مجموعة من السراق والنهابين المنفلتين ،بينما وبحسبة بسيطة يمكن ان نقول ان كل مجتمع يحوي العناصر الفاسدة فلو كان 1% من العراقيين سارقين وفاسدين فهذا يعني حوالي 35 الف مجرم منفلت في الشرع بينما 99% من العراقيين رافضين لهذا الانفلات وقد تم تغييب هذه الحقيقة عن المتلقي العربي والغربي سواء بقصد او بدون قصد ، ونحن قد شهدنا حتى اعتى الديمقراطيات في العالم وفي الدول المتحضرة عند حصول حالات انفلات بعد الحروب او الكوارث فانها يحصل فيها عمليات نهب كما حصل في العراق وربما اسوء ، هنا نجد ان الاعلام العراقي لم يركز على استمرارية وديمومة الحياة الطبيعة لمدة اشهر في العراق دون وجود اي ضوابط حكومية او اجهزة شرطة او قضاء حتى ما بعد منتصف عام 2003 عند عودة شكل حكومي بسيط بادارة مدنية امريكية ، القصد ان مجتمعا قد تماسك بهذا الشكل ادعى لان نفتخر به ونسلط اضواء الاعلام على الايجابي الذي فيه ، لكن الاعلام العراقي كان متواريا وكسولا في ذلك.ان اشهرا من التسامح والعيش المشترك قد مرت على العراق دون ان يمر بها احد او ان يشتغل على الاشادة بها لتكون مثالا مجتمعيا يحتذى به.
وفي عودة الى فوضى الاعلام وتطور التقنيات الحديثة ودورها في الاعلام العراقي يشير الاستاذ الحمداني ،لقد انطلقت فضائيات تشتغل على الشأن العراقي في حالات غير مسبوقة في العالم كله ، فكيف يسمح بقناة تبث برامجا على التلفزيون تشرح فيها كيفية تصنيع المتفجرات وزراعة العبوات وعمليات القتل تحت مسميات واهية من مقاومة المحتل وغيرها؟ وهنا يمكن ان نجيب لقد كان من المفروض ان يكون هنالك اعلام عراقي قوي يوحد العراقيين للوقوف بوجه هذا السرطان الذي ينهش جسم الوطن والمواطن ، ولكن ومع الاسف كان مشروع شبكة الاعلام العراقي مشروعا فاشلا بامتياز وقد تحولت منافذه الى اداة لتصفية المختلفين مع التوجه الحكومي بل وحتى باضفاء صبغة طائفية على ماتنتجه شبكة الاعلام من مواد اعلامية المفروض انها تقدم لتمثل الرأي العام العراقي اجمع وباستقلالية عن الحكومة كما هو الحال في البي بي سي مثلا في بريطانيا التي لعبت دورا مهما وهي والعديد من القنوات الامريكية والاوربية في كشف فساد الحكومات امام المجتمع .
ويستمر الاستاذ الحمداني قائلا ، ان الدور الامريكي وتأثيره على الاعلام العراقي يجب ان لا يغيب عن بالنا ، فهذا ليس زمان الملائكة التي تقدم العطايا دون مقابل ، لقد ركز الاعلام الامريكي في المشهد العراقي على مايخدم مصالح الولايات المتحدة الامريكية ، وهذا هو الطبيعي بالمناسبة ، لكننا في بعض الاحيان قد نغالط انفسنا ونعتقد انهم قد يقدمون مصالحنا على مصالحهم ، الاعلام الامريكي ركز على مشهد ساحة الفردوس واعتبره ايقونة النصر الامريكي على نظام صدام ، بعض الصبية البائسون يحاولون اسقاط تمثال الديكتاتورولكنهم لا يستطيعون فعل ذلك دون مساعدة السوبرمان الامريكي ، وفي تغييب كامل لالاف العراقيين من ضحايا النظام المضطهدين الذين غيبهم الاعلام الامريكي.
كما ان الاعلام الامريكي قد تناول التنوع المجتمعي في العراق بشكل يوحي بان العراق قائم على محاصصة طائفية وعرقية وان الحل الامثل هو ماطرحته الادارة الامريكية كحلول سياسية على هذا الاساس في تغييب للتعايش المجتمعي العراقي الممتد لمئات السنيين ، هل حصل ذلك نتيجة غباء وتخبط الامريكان ؟ ام ان هنالك خطة شيطانية كانت تحرك كل خيوط اللعبة؟ اقول انه امر يحتاج الى الكثير من الدراسة والتمعن والفحص لمئات او الاف الادلة المطروحة امامنا على امتداد مايزيد على العقد.
وفي السياق اعلاه ضرب الاستاذ الحمداني عددا من الامثلة مثل الازمة المفتعلة مع جريدة ( الحوزة الناطقة ) لسان التيار الصدري الذي كان يمثل مقاومة سلمية لا تلجأ الى العنف لكن الامريكان اججوا الموقف وخلقوا عدوا اسمه جيش المهدي لتنطلق معارك النجف الاولى ، كما ان تسريب صور التعذيب التي قامت بها قنوات اعلامية امريكية هل كانت محض صدفة وسبق صصحفي؟ ام كان وراءها ماوراءها من مخطط لتهيج الرأي العام؟ وهنا يشير الاستاذ ابوفراس ان الامريكان قد احسوا بعد معارك الفلوجة الاولى عام 2004 بخطأ ابعاد البعثيين عن المشهد السياسي الجديد وعدم احتوائهم في العملية السياسية ،فكانت فضيحة صور ابو غريب التي قدمت البعثيين على شكل ضحايا تنتهك انسانيتهم في خطوة قد تتلوها خطوات لاشراكهم في العملية السياسية وهذا ماتم العمل عليه ابان حكومة اياد علاوي الانتقالية لكن دون نجاح. وللمقارنة ايضا يقول الاستاذ ابو فراس ان ما ظهر من مشاهد القاء القبض على الدكتاتور كان مدروسا من ناحية التأثير الاعلامي ، فالمعروف ان المتهم يجب ان يحلق وان يغير ملابسه قبل اجراء اي تحقيق معه ، بينما اضهار الدكتاتور بشكله الرث وهويفحص كما تفحص الحيوانات بفتح فمها كان دليلا على سطوة الامريكان على المشهد بالمقابل نجد تسريبات الاعلام العراقي لمشهد اعدام الدكتاتور وهويتبختر ببدلته الغالية الثمن وهو يواجه حبل المشنقة قد خلق منه بطلا بدل ان يظهره مجرما امام الرأي العام.
وفي الجزء الاخير من الندوة حاول الاستاذ ابو فراس الحمداني ان يقدم خلاصات لقراءته للمشهد الاعلامي العراقي مبينا : ان الاستثمار السياسي الخارجي في الاعلام العراقي واضح وتأثيره على توجهات الرأي العام ملموسة بشكل لا يخفى على احد . وان دور الدولة في حماية وصيانة المجتمع من التوجهات الاعلامية المدفوعة الثمن والمرتبطة باجندات مخابراتية ما تزال هشة وغير قادرة على مواجهة التحديات.
اما فيما يخص حرية الاعلام واهم التحديات التي تواجه الاعلام المستقل مابعد ٢٠٠٣ فقد ذكر المحاضر؛ حينما تكون السلطات الثلاث في العراق الجديد تعاني من الضعف وغياب الرؤية الوطنية الشاملة فالنتيجة تحول البلد الى ساحة مفتوحة لاعلام قادر على حسم المعارك قبل ان تبدأ ، وتعمل على تسميم الرأي العام بافكار وقيم ومواقف لها فعل القنابل الجرثومية ان لم يكن اكثر تاثيرا.وتسائل هل أستطاعت السلطة الرابعة ان تعوض هذا الضعف وتمارس دورها في التعبير عن الرأي العام ؟ ومامدى توفر المتطلبات الاساسية لاعلام حر مستقل من مجتمع مدني يتبنى قيم التعددية الثقافية والسياسية ؟ ويجيب الاستاذ الحمداني قائلا ؛ان هذه الاسئلة ستظل تطرح ويجب ان نبحث لها عن اجابات اذا اردنا ان ننهض بواقع الاعلام المستقل في العراق.
كما تسائل عن زاوية اخرى في المشهد الاعلامي وهي الزاوية السياسية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالاعلام فقال ؛هل مارست الاحزاب السياسية تأثيث الخراب الاعلامي من خلال انشاء اعلام حزبي فاقد لاي هوية وطنية ؟وهل تم استغلال اموال الفساد في افساد الاعلام ايضا من خلال تدمير الشخصية الاعلامية العراقية وشراء الذمم وامتهان الناس ؟وخلق فضاء اعلامي مسموم في البلد؟ وهنا اشار الى ان هذا الامر من السعة ما يحتاج الى محاضرة خاصة بهذا الشأن .
ثم انتقل الى نقطة تقنية مهمة باتت اليوم تمثل هاجسا اعلاميا وهي ما يعرف بالاعلام البديل او الاعلام الشعبي او استخدام شبكات التواصل الاجتماعي ودورها في المشهد الاعلامي العراقي ، فبين ان دور شبكات التواصل الاجتماعي في التعبير عن توجهات الرأي العام العراقي قد مثل كسرا لاحتكار الاعلام الحزبي والحكومي للمشهد وعبر عن راي الفئات المهمشة والتي لا تصل اصواتها للواجهة الاعلامية الرسمية ، وقد كانت شبكات التواصل في العديد من الحالات سباقة للكشف عن الخفايا وتحقيق السبق على القنوات الاعلامية الرسمية والحزبية.
كما اكد الاستاذ ابو فراس على خطورة ادارة الصراع السياسي عبر المنابر الاعلامية ودور ذلك في تضليل المشاهد واستنزافه عبراعلام الحرب والتعبئة الطائفية و القومية وبين دورها في تعطيل اي جهد للاصلاح السياسي مشيرا الى خطورة استهلاك القيم المهنية للاعلام وتحويلها الى شعارات فارغة فقدت تاثيرها ومدلولاتها المهمة .
وفي نهاية المحاضرة تساءل ؛ هل الاستقلالية والموضوعية والحيادية اصبحت مجرد وهم في المشهد الاعلامي العراقي ؟ ام مازلنا نمتلك زمام المبادره لانقاذ مايمكن انقاذه؟
واجاب بالتأكيد ان الفساد الذي يطال الوسط الصحفي ودوره في تدني المنتج الاعلامي العراقي وعدم قدرته على المنافسة وكسب ثقة الجمهور امر بات معروفا للقاصي والداني الا ان توفر الخبرات والطاقات البشرية العراقية وسقف الحرية الذي اصبح عاليا برغم تعدد الرقباء من ديني الى عشائري الى حزبي الى ارهابي ، برغم كل ذلك مازال هنالك امل في تفعيل دور الاعلام ، واعادة تأهيله ليلعب دور السلطة الرابعة وعين المجتمع على الاداء الحكومي والرسمي بصيغ مهنية محترمة وهذا لن يتأتى الا بتفعيل دور التشريعات التي تحمي الاعلام والاعلاميين وبتفعيل العمل النقابي الذي يحمي الصحفيين من تغول اصحاب القنوات وارباب العمل الصحفي وتفعيل قانون شبكة الاعلام العراقي الاخير في توفير بيئة اعلامية ناهضة ، وقد طرح عدد من الاعلاميين والمثقفين ممن حضروا الندوة مداخلاتهم واسئلتهم التي انضجت الحوار وطرحت رؤى متعددة لدور الاعلام العراقي اليوم.