بناء و تطوير الدولة ومتطلبات تعزيز مشاريع الاقتصاد المجتمعي
ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن الاستاذ عمر العبادي يوم الاربعاء 16آب 2017 في امسية ثقافية تحدث فيها عن مناقشة الية بناء الدولة و تجذير الحالة الوطنية و بناء الهوية الوطنية و دور الاعلام و الاعلام المضاد و بناء الاقتصاد المجتمعي.
الاستاذ عمر العبادي متخصص في الادب الانكليزي و الفرنسي و الترجمة ، عمل في العراق مع برنامج الامم المتحدة الانمائي كما عمل مديرا لمكتب صحيفة اساهي اليابانية في العراق و مراسلا لوكالة رويترز كما عمل مديرا للتخطيط الاستراتيجي في مؤسسة CTV – لندن ومدربا للبرامج الاعلامية. ويرأس حاليا شركة ماسترز للرؤى التطويرية التي تعنى بالتدريب و اقامة الورش التخصصية في لندن.
مداخل : بناء الهوية الوطنية
بين الاستاذ عمر العبادي ان بناء الهوية الوطنية ينقسم الى قسمين ، حيث اصبح هذا التخصص في السنوات الماضية القليلةعلم مستقل، ان بناء الهوية يبدأ بالبناء وينتهي بالتسويق ،وان دول العالم اليوم باتتتنظر لها كالماركات التجارية. وهنا يجب ان نسأل (ماهي الهوية في البدء؟) ؛ هي مجموعة مفاهيم تترسخ في فكر المتلقي عن الصورة التي تنقلها الفعاليات وماهيات الشخوص او الدول.
ثم بين الاستاذ العبادي ان الصورة تنقسم الى ثلاث اقسام وهي :
1-الشخصية
2-المؤسسات
3-الدولية
نتائج بناء الهوية الوطنية
ثم تسائل الاستاذ عمر العبادي؛لماذا نعتقد ان تطوير الهوية الوطنية وتسويقها له اهمية كبيرة؟ واجاب ،ان تقديم صورة هوية وطنية ناجحة ،سيقدم صورة مجتمعية متقدمة ونظام اداري – سياسي وتعليمي متقدم ،وكل ذلك سيؤدي الى النتائج التالية:
-
تطوير مشاريع الاستثمار،وهذا يقوم بشكل رئيس على تسويق صورة هوية وطنية مطمئنة وناجحة للاخر لجذبه للاستثمار في البلد.مثال ذلك،في العراق توجد هيئة للاستثمار ،والصورة الذهنية لدى المستثمر تختلف عن الواقع ،هنالك مشاريع ،هنالك قوانين ،لكن الصورة الذهنية لدى المستثمر لاتتطابق مع الواقع ،لان ما تقدمه هيئة الاستثمار للمستثمرين هو صورة زائفة سرعان ما ستصدمهم الصورة الحقيقية عندما يأتون للعمل في العراق فيصطدمون بالروتين والفساد وفقدان الامن مما يؤدي الى هروب الاستثمار.
-
جذب الخبرات الدولية ،مثال ذلك دولة الامارات اصبحت معتمدة بشكل اساس على الخبرات الاجنبية وحققت نجاحات بل طفرات في مجال التنمية ،لان الصورة المشرقة للامارات باتت تقدمها على انها مكان جاذب للخبرات واحتضانها والاستفادة من اعمالها في تطوير البلد.
-
تطوير التعليم العالي ،وهذه المسألة تقوم بشكل اساس على استقبال الطلبة للدراسة في البلد مقابل ارسال البعثات الدراسية للخارج فيما بات يعرف عالميا بالتبادل الثقافي في مجال التعليم، مثال ذلك بريطانيا وبالرغم من انها من الدول المتقدمة الا انها تسعى باستمرار الى تبادل اخر ماتوصلت لها جامعاتها مع الجامعات ومراكز الابحاث العالمية لتطوير كوادرها وتقديم الافضل لمجتمعها.
-
استقبال الايدي العاملة المتخصصة، وهذه من مهمات الدولة واولوياتها ، عبر تسويق صورة عن الهوية الوطنية تكون جاذبة للعمالة عبر استقرار وموازنة سوق العمل وتحديد الخبرات التي نحتاجها للوصول للافضل ،وهذه المسألة مرتبطة بشكل وثيق بالاستقرار الامني والسياسي والاقتصادي في البلد.
المشاكل والتحديات التي تواجه بناء الهوية الوطنية
ثم انتقل الاستاذ عمر العبادي الى المشاكل والتحديات التي تواجهها عملية بناء الهوية الوطنية قائلا؛ ان عملية بناء الهوية الوطنية اجراء معقد جدا ،ويحوي الكثير من المشاكل والعقبات التي تواجهه،وربما يمكننا ايجاز اهم المشاكل التي تواجه بناء الهوية الوطنية كما يلي:
-
في الدول التي فيها اكثر من قطاع او حيز ،وكل قطاع يسعى الى الاستقلال عبر تقديم هويته الخاصة ،هذا الامر قد يؤدي الى التصادم بين الهويات الجزئية ويعرقل بناء الهوية الوطنية الجامعة ،وهذا ما يمكن ان نلاحظه من خلال مراقبة اداء مجالس المحافظات في العراق وعملية تقديم هوياتها المحلية والمناطقية او الدينية او المذهبية او العرقية ، وكذلك تقديم الهوية الصغرى على الهوية الكبرى الوطنية الجامعة وما سببه ويسببه ذلك من صراعات في المستقبل.
-
بناء هوية وطنية مستقلة قد يعرض البلد الى صراعات اقليمية نتيجة صراع المصالح في الاقليم وانعكاس ذلك على بناء الهوية الوطنية.
-
المغالاة او الشطط في بناء نموذج وطني قائم على اتحاد فيدرالي او كونفدرالي دون تحديد واضح للسياسات والاطر الادارية قد يصيب الهوية الوطنية بالتشظي او قد يدمرها كليا لصالح الكيانات المكونة للاتحاد،وذلك متأت من تمسك الاقليم المفرط بهويته المحلية وتقديمها على الهوية الوطنية.
-
بناء الهوية الوطنية المستقلة يدفع باتجاه تقديم صورة واضحة وحقيقية عن طبيعة الاستقلالية التي نعنيها ونود من الاخرين التعامل معنا على اساسها، وهذا الامر يحتاج الى خبرات وطنية تفهم السياسات الدولية بشكل جيد ،والا فسوف يقودنا قصور الفهم الى تصور الاستقلالية بمعنى العزلة والتقوقع ومقاطعة الاخر ،وبذلك نكون قد قدمنا صورة هوية وطنية قوية لكنها معزولة ومكروهة ومنبوذة من الاخر وبالتالي ستكون هوية وطنية فاشلة مثال ذلك كوريا الشمالية بالمقارنة بكوريا الجنوبية والفرق واضح بين تسويق صورة الهويتين الوطنيتين.
-
بناء الهوية الوطنية عمل يحتاج الى ادارة مالية ناجحة ، فمن يقدم الاموال المطلوبة لهذه العملية؟ هل هي الدولة المركزية ام الحكومات المحلية؟ عادة ماتتخلى الحكومات المحلية او تنسحب من هذه المسألة لعدم عائديتها او جدواها المباشرة بالنسبة لها ،لذلك يجب على الحكومة المركزية ان تدير الامر وتخصص له مايحتاجه ماليا لانها مهمتها الاساسية.
آليات بناء الهوية الوطنية
ثم انتقل الاستاذ عمر العبادي الى ما يعرف بآليات بناء الهوية معرفا بالقول؛ان بناء الهوية الوطنية الذي هو بالتأكيد عمل مؤسساتي لكنه في نفس الوقت يحتاج الى او يقوم على نشاط الافراد بشكل كبير ،حيث يجب ان تتوفر صورة ذهنية ،انسانية،ثقافية،حضارية،تاريخية واقتصادية لهذه الهوية .وان الهوية الوطنية لاتأتي من العدم ولا تنوجد من الصفر وانما يجب ان تكون لها امتدادات حضارية وثقافية يقوم عليها بناء وتطوير الهوية الوطنية.
كما ان الهوية تعتمد على القيم المجتمعية الجامعة في الوطن ،ويجب العمل على منهجة هذه القيم بالاتجاه الصحيح لخلق الجو المناسب لبناء الهوية الوطنية،حيث ان ارتباط القيم الاجتماعية بالقيم الاقتصادية يجب ان يقوم على قوانين وممارسات اجتماعية واضحة المعالم ، خاضعة للمعايير الدولية والمبادلات التجارية الدولية خصوصا مع المؤسسات الدولية ، وكما اشرنا سابقا ان الدولة يجب ان تكون جاذبة للاستثمارات والخبرات وهذه الامر لايمكن ان يتم بدون تاريخ واضح من الممارسات الاقتصادية المعلنة كجزء من الهوية الوطنية.
كما يجب ان نشير الى الجانب القانوني من اليات بناء الهوية الوطنية ،وهو جزء يقوم على وضوح واستقرار وعدالة المنظومة القانونية في البلد الذي يسعى لبناء هوية وطنية ناجحة،والجزء الاخر المهم من بناء الهوية يقوم على الاهتمام والتطوير في قطاع التعليم وبشكل خاص التعليم العالي ، حيث ان هذا القطاع يشارك في عدة زوايا مهمة في بناء الهوية الوطنية كتطوير الاقتصاد ورفع الناتج المحلي والتطوير الثقافي والتبادل الثقافي مع دول العالم وما يقدمه كل ذلك كسفير للهوية الوطنية، وكل تلك الامور من الاسس التي يقوم عليها بناء هوية وطنية ناجحة.
كما تجدر الاشارة الى ضرورة اهمية تأكيد الدولة على مبادراتها ضمن سياق نشاط الدولة مثل المبادرات الانسانية ضمن الشراكة الدولية وعبر المؤسسات الدولية مثل منظمة غوث اللاجئين واليونسيف واليونسكو وغيرها ،حيث ان هذه الامور تسوق هوية وطنية ناجحة بامتياز،وان العمل على الهوية الوطنية وكما اشرنا في بداية الحديث يقوم على العمل الداخلي بالتوازي مع تسويق هذه الهوية على المستوى الخارجي ،ويجب ان يكون هنالك توازي بين التحركين ولايتم تغليب جانب على اخر في العمل.
ومن الامثلة الواضحة على تطوير وتسويق الهويات الوطنية الناجحة ما نشهده في الدول الآسيوية ،حيث عملت هذه المجتمعات على تطوير نفسها وتسويق هوية وطنية مستقرة ومنفتحة وقابلة للتطور فحققت النجاح بالتعاون مع الاخر المتقدم عليها وبمعونته مع الاحتفاظ بسمات الهويات الوطنية ودون التفريط بها او مسخها.
نحو بناء اقتصاد مجتمعي
الاقتصاد فعالية اجتماعية تشاركية، وتحقيق الاقتصاد المجتمعي المستقل والعادل لا يقل أهمية عن الأمن والسياسة والدبلوماسية. بناء اقتصاد حر وعادل وتحقيق الاكتفاء الذاتي يبدأ من أصغر خلية في المجتمع وهي الكومينات وبمشاركة فعالة للمرأة كممثلة للاقتصاد المجتمعي، كما أن جميع المؤسسات السياسية والإدارية وكذلك الأمنية مطالبة بالتكاتف والتشارك لتحقيق الاقتصاد المجتمعي وبالتالي الاكتفاء الذاتي.
وقد حمل العام 2014 تجربة أميركية ريادية في مجال الاقتصاد المجتمعي التبادلي. وعلى سبيل المثال نذكر تجربة انتقلت سريعا من الولايات المتحدة إلى عدد من البلدان ، بالرغم من الاعتراضات والعثرات التي واجهتها، وخصوصا من أصحاب المصالح في مجالات مختلفة، وخصوصا خدمة التوصيل “التاكسي”؛ إذ احتج هؤلاء وبشدة على انتشار تبادل الخدمات بين المواطنين بعيدا عن احتكار شركات تسيير سيارات الأجرة (التاكسي) والتي تعتبر في بعض البلدان باهظة التكلفة.
خدمة أوَبر” (Uber) هي واحدة من تلك التي اختارها مواطنون لتبادل الخدمات في مجال التوصيل، بتكاليف رمزية وتبادلية أحيانا.عالمياً، باتت ظاهرة “أَوبر” تجد قبولا من خلال الإقدام على عرض الأفراد خدماتهم أو تأجير سياراتهم وما لديهم بدون وسطاء وسماسرة، بحيث يعتبر هؤلاء المواطنون أنفسهم هم اللاعبين التجاريين، وليس الوسطاء والشركات.
الاقتصاد المجتمعي عام 2025
يتوقع الخبراء بأن تصبح ظاهرة الاقتصاد المجتمعي التبادلي ظاهرة عالمية بحلول عام 2025، تستغني عن ما هو متعارف عليه بين الناس في المجتمعات. وتتوقع شركة “بي دبليو سي” للحسابات أن يصل حجم التبادل المجتمعي إلى 340 مليار دولار، بعد 9 سنوات من الآن.تلك التقديرات دفعت خبراء في مجال التبادل الاقتصادي الغربي إلى أخذ الظاهرة على محمل الجد، وذلك بعد أن كان يتعامل البعض معها كنوع من الصرعة العابرة.في عدد من الدول الاسكندنافية، على سبيل المثال، باتت عولمة الخدمة التبادلية تشق طريقها وبقوة. وبحسب أكبر بنوك دول الشمال الأوروبي “نورديا”، فإنه وخلال فترة بسيطة، 6 أشهر منذ انطلاقها، أصبح ما بين 3% و4% من مواطني الدول الاسكندنافية يتعاملون فيما بينهم بدون وسطاء على صعد مختلفة، منها استئجار وتأجير ومشاركة السيارات والسكن والثياب وغيرها من الأمور.
وفي بحث قامت به مسؤولة اقتصاد المستهلكين في المصرف المذكور، آن ليهمان، أشارت فيه إلى أن نسبة المعارضين لهذا النوع من الاقتصاد المجتمعي لا تتعدى 22 بالمئة. وهذا يعني أن 3 من 4 أشخاص يوافقون على انتشار هذا الاقتصاد والمشاركة فيه، وعلى إمكانية الاستفادة المستقبلية منه.ومثل أي شيء جديد لا بد أن يعارضه كثيرون، راح معارضون ألمان يرفعون شكاوى على نظام “أَوبر”، باعتباره يضر بمصالحهم.أحد الخبراء الاقتصاديين، كلاوس سكوتا، عبر في برنامج تلفزيوني متعلق بانتشار هذا النوع من الاقتصاد عن أن “قفزة نشهدها في عملية المنفعة المتبادلة بين المواطنين”. واعتبر الخبير في الاقتصاد المجتمعي أن “المسألة مسألة وقت ليس إلا، فنحن أمام انتشار محموم للظاهرة يذكرنا ببدايات مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصا “فيسبوك”، عند اكتشاف الناس له، ففي بداية الألفية لم يكن كثيرون قد فتحوا حسابات، ولننظر الآن أين نحن؟ فما بالك لو كانت المنفعة محسوسة؟“.
ومثل أي شيء جديد لا بد أن يعارضه كثيرون، راح معارضون ألمان يرفعون شكاوى على نظام “أَبر”، باعتباره يضر بمصالحهم. تم إيقاف الخدمة في ألمانيا بداية، ثم ومن خلال حكم قضائي في فرانكفورت، في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أعطيت الخدمة حقا قانونيا للعمل، بعد أن خسرت نقابات سائقي الأجرة الدعوى القضائية، بحجة “القيادة الرعناء، والإضرار بالمصالح”. عادت خدمة أَبر لتنتشر من جديد في برلين أيضا وبقية المدن الألمانية.
لا تتوقف الخدمة التبادلية عند التوصيل فحسب، بل تمتد إلى كثير من الأمور التي تنتشر بسرعة. فيمكن لعائلة ما تريد زيارة بلد أو مدينة أن تعرض سكنها على عوائل أخرى لتتبادلا الشقة أو المنزل بدون وسطاء. وهذا أمر يوفر على هؤلاء الاستئجار والإقامة في الفنادق.وتنتشر الآن خدمة انستاكارت(Instacart) في بعض المدن الأوروبية، بعد أن كانت قد بدأت في الولايات المتحدة. وتعتمد على هذه الخدمة على قيام أشخاص في مناطق سكنية معينة بالتسوق لأشخاص آخرين لا يعرفونهم، وتوصيل ما تم حجزه مقابل مبالغ زهيدة يقوم بها الموصل، كعامل حر غير ملتزم بدوام معين. ظاهرة تقلق أيضا شركات محتكرة لهذه الخدمات، بينما يعتبرها بعض الشباب مشاركة اجتماعية تقوي الروابط والخبرة، خصوصا أن الشخص يتسوق كما لو أنه يفعل لنفسه حين يختار المطلوب.
خدمة “غو مور” (GoMore) تنضم أيضا إلى الخدمات الأخرى في سياق الاقتصاد المجتمعي التبادلي، فهي تعتمد على “إعارة مقاعد السيارات” أيضا بلا وسطاء، وقد لا يكون المقابل ماديا دائما، بل يمكن أن يكون خدمة مسجلة لتبديلها بخدمة توصيل مستقبلية. وتشمل أيضا السفر الداخلي بشكل جماعي. وفقط خلال أيام عيد الميلاد كان ألف شخص يستفيدون من هذه الخدمة يوميا في بلد كالدنمارك، التي انضم فيها 200 ألف مواطن إلى هذه الخدمة، هذا عدا عن البلدان الأخرى كالسويد وهولندا وفنلندا التي تنتشر فيها هذه الخدمات.
الخلاصة
أن حماية المستهلك ودعم المواطن ليس مفهوم مؤطر ينحصر في ضبط الأسعار، بل هو مفهوم واسع يتجاوز الأسعار إلى جودة السلع والخدمات المقدمة فضلاً عن توافر هذه السلع في السوق والقدرة على تلبية الحاجات المحلية، وهذا يتطلب أن تكون سياسات إدارة الأزمة متكاملة فيما بينها ومدروسة بعناية كي لا تتضارب نتائجها، ويكون لها مفعول عكسي على حل الأزمة، والواضح من النقاش وجود توافق على أن هناك حالة من عدم التنسيق فيما بين تلك السياسات، وعدم قدرة بعض السياسات على مواكبة التغيرات السريعة، مما ساهم في تعميق الأزمة وعدم القدرة على الاستجابة معها بالشكل المطلوب.