باسل الجبوري
باسل الجبوري إعلامي حاصل على الماجستير من جامعة سالفورد، عمل لأكثر من خمسة وعشرين عاماً كمراسل ومخرج ورئيس تحرير نشرات الاخبار في العديد من المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية مثل الـ بي بي سي وقناة الجزيرة الفضائية وشبكة الأخبار العربية ووكالة الأسوشييتد بريس للأنباء.
سيحاول الجبوري التعريف بهذه المحطات وظروف نشأتها واتجاهاتها وما هي إيجابياتها وسلبياتها. وسيستعرض المتحدث الغاية في التأثير على رأي المشاهد العربي في ضوء التغيرات السياسية والاقتصادية المتنوعة
الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية – ما لها وما عليها
شهدت السنوات العشر الأخيرة تنافساً شديداً بين مختلف دول العالم للاستحواذ على اهتمام المواطن العربي من خلال تأسيس فضائيات ناطقة باللغة العربية امتدت من الصين شرقاً ! 08;حتى الولايات المتحدة غرباً، حتى أن بلداً صغيراً مثل الدنمارك فكر في تأسيس فضائية ناطقة باللغة العربية. وينبع هذا الإهتمام من أسباب سياسية واقتصادية ، فيما نرى تباي! 606;اً كبيراً في مستويات أدائها المهني وحظوظها من النجاح في تحقيق الغايات التي أنشئت من أجلها.
المحاضر هو الإعلامي العراقي باسل الجبوري. حاصل على الماجستير في الدراسات الدولية من جامعة سالفورد ولأكثر من خمسة وعشرين عاماً عمل كمراسل ومخرج ورئيس تحرير نشرات ال! اخبار في العديد من المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية مثل البي بي سي وقناة الجزيرة الفضائية وشبكة الأخبار العربية ووكالة الأسوشييتد بريس للأنباء.
وفي هذه المحاضرة ، سيحاول التعريف بهذه المحطات وظروف نشأتها واتجاهاتها وماهي إيجابياتها وسلبياتها.
الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية: ما لها وما عليها
باسل الجبوري
كما تعلمون أن موضوع المحطات التلفزيونية الفضائية الأجنبية الناطقة بالعربية له تشعبات سياسية، ولكنني سأحاول الهرب من هذا الجانب قدر الإمكان ولا أتوقع أنني سأفلح في ذلك كثيراً، ولكنني رغم ذلك سأحاول، وسأركز على الجانب المهني لعمل هذه المحطات.
لقد سعت الكثير من دول العالم الى أن تكون لها فضائيات ناطقة بالعربية، نظراً للأهمية السياسية والاقتصادية للمنطقة العربية، حتى أن بلداً صغيراً مثل الدنمارك فكر بجدية بإقامة محطة كهذه. فما الذي تجنيه هذه الدول بتأسيس فضائيات بالعربية؟
لأبدأ أولاً بتقديم نبذة تعريفية بأبرز هذه القنوات.
قناة البي بي سي العربية: كانت البي بي سي أول فضائية أجنبية تنطلق باللغة العربية عام 1994 لتكون إحدى قنوات شبكة أوربت. ثم أغلقت عام 1996 بسبب خلاف حول سياستها التحريرية.
وفي مارس/آذار عام 2008 انطلقت القناة مرة أخرى بشكل مستقل وممول من قبل وزارة الخارجية البريطانية. وتمكنت من ترسيخ حضورها في الفضاء العربي بفضل سياستها التحريرية المستندة الى الأسس العامة في عمل البي بي سي، كالرصانة والموضوعية والحيادية والإستقلالية. وتعتمد في قدر كبير من تنافسيتها، على قدرتها على التطرق الى مواضيع مثيرة للجدل تجد المحطات العربية صعوبة في التطرق إليها كحقوق الإنسان والفساد ومشاكل الاقليات الدينية والمثلية الجنسية وغيرها من المواضيع، في دول لا تتجرأ كثير من المحطات العربية من الاقتراب منها. كما تتميز بعرضها للبرامج المدبلجة من القسم الإنكليزي والتي تتسم بمستواها الراقي من الحرفية والتفرد، خاصة مع توفر أرشيف ممتاز يحتوي على الكثير من الصور التي تنفرد بها البي بي سي عن العالم العربي. كما يتمتع القسم العربي بقدر كبير من الاستقلالية عن القسم الإنكليزي وهو ما لا يتوفر في معظم الفضائيات الأجنبية الأخرى كما سنرى لاحقاً.
بدأت القناة العربية بمبلغ 50 مليون دور، وارتفعت إلى 70 مليون دولار عندما تم تمديد البث ل 24 . وهذا المبلغ الذي تعتمده القناة ليس بعيدا عن رأسمال المحطات الأخرى كالعربية والجزيرة. إدعت القناة أن عدد مشاهديها وصل بلغ عند بداية البث نحو مليون مشاهد أسبوعيا وأعربت عن أملها في أن يصل عدد مشاهديها إلى نحو عشرين مليون مشاهد في نهاية عام 2010. تعاني حالياً من تقليص كبير في الإنفاق مع تسريح أعداد من العاملين فيها.
الحرة
وفي العام 2004 تأسست قناة “الحرة” الأمريكية، بهدف كسب عقول وقلوب المشاهدين العرب، و هي مكرسة بصفة رئيسية لتقديم الأخبار والمعلومات وتغطية الأحداث في الشرق الأوسط والعالم. تقدم الحرة برامج منوعة تشمل الحوارات والمواضيع الحياتية والصحة واللياقة البدنية والمنوعات والرياضة والموضة والعلوم والتكنولوجيا. وتسعى الى تقديم الأخبار الدقيقة المتوازنة والشاملة وتهدف إلى توسيع آفاق مشاهديها ليتمكنوا من تكوين آراء واتخاذ قرارات مبنية على معلومات صحيحة حسبما صدر عن القائمين عليها.
تدير قناة الحرة مؤسسة شبكة الشرق الأوسط للإرسال ( Middle East Broadcasting Networks, Inc.) وهي مؤسسة غير ربحية، يمولها الشعب الأمريكي من خلال الكونغرس وتتلقى هذا التمويل بواسطة مجلس أمناء الإذاعات الدولية
(The Broadcasting Board of Governors, BBG) وهي وكالة فدرالية مستقلة تتمتع بإدارة ذاتية وتُعنى بحماية الاستقلال المهني ونزاهة الإعلام والإعلاميين العاملين في المؤسسات التابعة لها. ولكنها ومنذ تأسيسها وهي تتعرض لحملات التشكيك في مصداقيتها، حيث أطلقت عليها الصحافة الغربية لقب “محطة البنتاغون”، هامش حرية تحرير الأخبار وإعداد النشرات اقل بكثير مما هو متوفر في محطات اخرى مشابهة كالبي بي سي. فعندما حاول مدير سابق للأخبار هو (لاري ريجستر) ان يعطي المحطة مصداقية اكثر تعرض لهجوم شديد بسبب تغطية مؤتمر في طهران ونقل احد خطابات زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله. تعاني من عقبة كبيرة، وهي عدم رضا معظم المواطنين العرب عن السياسة الامريكية في الشرق الأوسط، مما يجعل من الصعب على المحطة كسب شريحة كبيرة من المشاهدين العرب.
قامت عدة هيئات ومؤسسات بالتحقيق في اداء قناة الحرة الاعلامي ووجدوا انها تعاني من مشاكل موظفين وادارة. في ديسمبر/كانون الأول من عام 2008 أصدر مركز الديبلوماسية العامة في جامعة جنوب كاليفورنيا دراسة استنتجت ان قناة الحرة لم تستطع ان تؤدي دورها انسجاماً مع ادنى مستويات الصحافة وانها تعاني من تخطيط هزيل للبرامج وسوء ادارة مالية. في عام 2009 انتقد تقرير المفتش العام المستوى الضعيف للاتصالات والتواصل بين الادارة والموظفين في قسم الاخبار. كما انتقد ادارةً تُغير رأيها باستمرار وتعطي اجوبة غامضة لأسئلة يطرحها المحققون او للاستفسارات العامة. وانها بحاجة لشفافية وكبح للأنفاق المفرط.
المدافعون عن الحرة يدعون انها تستطيع الوصول الى سبعة وعشرين مليون مشاهد عربي بينما تشير بعض الدراسات انها لم تنل سوى نسبة 9% من المشاهدين. وهناك من يعتقد ان هذه نسبة مبالغ بها وأن النسبة الحقيقية لا تتجاوز 2% . ووجدت دراسة ميدانية أعدتها انتر ميديا نيابة عن مؤسسة ايه سي نيلسون عام 2009 وجدت ما يلي: في مصر التي هي اكبر دولة عربية من حيث عدد السكان جاءت الحرة بالمرتبة 18 وفي الاردن 14 وعُمان 11 والامارات 19 حيث ان شخصين فقط من العينة التي أُخذت في الامارت شاهدا الحرة في الليلة قبل الاستفتاء مقارنة ب61 شاهدوا الجزيرة. ولكن نسبة المتابعة في العراق ولبنان افضل من بقية الدول العربية.
ووصف تقرير اصدرته في حزيران / يونيو من عام 2010 لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي “الحرة” بأنها قناة فاقدة المصداقية ، وورد في التقرير الذي جاء في 95 صفحة بعنوان “البث الأميركي الدولي: هل هناك من يستمع؟ الإبقاء على اتصال الولايات المتحدة” إن “الحرة” أصبحت مُكلفة ماليا (تبلغ ميزانيتها 90 مليون دولار سنوياً) بسبب ضآلة مردودها وباستثناء “الحرة – عراق” فإن المحطة تتميز بقلة عدد مشاهديها العرب.
ويعزو التقرير عدم شعبية “الحرة” في أوساط المشاهدين العرب إلى فقدانها المصداقية والتي يعزوها إلى فقدان الأخبار والبرامج التي تميزها عن سواها من القنوات الفضائية الممولة من دول، وضعف المهارات لدى صحافييها خاصة الفنية وقلة التوازن في عرضها وصياغة تقاريرها الإخبارية إلى جانب الانطباع السلبي السائد لدى المشاهد العربي تجاه كل ما يصدر عن الغرب حيث ينظر إلى الحرة كأداة دعائية (بروبا غندا) للولايات المتحدة بدل أن تكون مصدرا للأخبار والمعلومات. ويشير التقرير إلى أن العديد من منتقدي “الحرة” يقولون إن استمرار تمويل الحرة هو تبديد للأموال مقارنين بمردود الجزيرة الإعلامي ونفوذها في أوساط المشاهدين العرب علما ـ كما يقول التقرير- إن ميزانية مؤسسة “الجزيرة” حاليا يبلغ 140 مليون دولار بما فيها “الجزيرة” الناطقة بالإنكليزية.
ومن المفارقات أن الرئيس الامريكي باراك اوباما لم يختر “الحرة” لإجراء أول لقاء تلفزيوني معه ينقل عبره رسالته التي تحمل توجه ادارته الجديدة نحو العالمين العربي والإسلامي، بل اختار محطة “العربية”، مما يشير الى اعتراف بعجز “الحرة” عن منافسة محطات عربية تقل عنها كلفة، حيث تعاني المحطة من ترهل بيروقراطي ومصاعب ادارية.
فرانس 24
وما لبثت فرنسا أن حذت حذو الولايات المتحدة، وهي التي تعتبِـر نفسها الأقدر على فهم العالم العربي، فأطلقت القناة الإخبارية “فرانس 24″، التي تبُـث برامجها أيضا على مدار ساعات اليوم، مثلما يدلّ عليه اسمها وبلغات ثلاث، هي الفرنسية والإنكليزية والعربية. بدأت البث في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2006 بأربع ثم عشر ساعات. وبعد أربع سنوات، وبعد أخذ ورد مع قصر الإليزيه، تم تمديد البث الى 24 ساعة. وتقول القناة إن عدد مشاهديها وصل الى 20 مليوناً أسبوعياً، وهي تمول من الحكومة الفرنسية بشكل مباشر. ورغم نفيها أنها ناطقة باسم الحكومة الفرنسية إلا أن كثيراً من المراقبين يشككون في ذلك، بدليل التغطية المبالغ فيها لنشاطات قصر الإليزيه، مما لا يثير اهتمام المشاهد العربي.
و كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد عبر في لقاء مع سفراء بلاده، عن رغبته بأن تبث القناة الاخبارية «فرنسا 24» باللغة الفرنسية فحسب، و أن يتم تغيير اسمها إلى “فرنسا العالم” مع رفضه أن تبث القناة باللغتين الانكليزية والعربية. غير أن وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير الذي تُشرف زوجته على إدارة القناة، أقنع الرئيس الفرنسي بالتراجع عن موقفه لحاجة فرنسا إلى صوت عربي في منطقة تتهافت دول العالم الكبيرة و القوية على استمالة شعوبها و استدراجهم عبر إطلاق قناة باللغة العربية.
قالت مديرة القناة كريستين أوكرانت عند الإعلان عن تمديد البث: ” أنه وفقا لعدد من الاستطلاعات والدراسات التي أجريت اكتشف المسئولون بالقناة أنها تصل لـ17% من قادة الرأي في العالم وخاصة العالم العربي، مما دعاهم إلى العمل على بث الإرسال باللغة العربية طوال 24 ساعة يوميا، بالإضافة إلى أن اللغة العربية لغة تاريخية لها أبعاد ثقافية مرتبطة بفرنسا، كما أن القناة لديها شغف في الحصول على فرصة للاتصال بالمنطقة من أجل توعية الأجيال الشابة ليتفاعلوا مع الخبر معبرين عن رأيهم الخاص من خلال ما تطرحه في البرامج.”
وتتابع الصحافة الفرنسية هذه الأيام قضية فتح تحقيق قضائي للبحث في شبهة تورّط السيدة اوكرانت، في عملية تجسس على البريد الالكتروني للموظفين. وقد تم القاء القبض على مساعدتها بعدما اكتشفت الشرطة في حاسوبها اكثر من مليونين ونصف المليون من الوثائق الخاصة بالموظفين، وتدور الشبهة حول قيام السكرتيرة بهذا العمل بطلب من رئيستها، في واحدة من المشاكل الادارية التي تعاني منها القناة وسط صراع بين اجنحتها الادارية، مما يؤثر دونما شك على أدائها.
يتم إعداد وتقديم نشرات الاخبار من قبل 60 صحفيا من جنسيات عربية مختلفة يعملون فى صالة تحرير واحدة وليس 3 صالات مختلفة وفى النهاية يخرج الخبر بشكل موحد، بالفرنسية والانكليزية والعربية، مما لا يُكسب الأخبار العربية أي ميزة محلية، وهو عامل ضعف كبير ويعكس انعدام حرية اتخاذ القرارات التحريرية في القسم العربي. وتتعرض القناة لانتقادات كثيرة لضعف أدائها المهني، وأشارت الصحافة الفرنسية الى تقارير من السفارات الفرنسية في الدول العربية، ذكرت أن فرانس 24 العربية لا تحظى بأي اهتمام أو متابعة من طرف المشاهد العربي لعدة أسباب منها ضعف مستوى طاقمها الصحافي، وسطحية المواضيع الصحافية المعالجة، وكثرة الأخطاء التحريرية واللغوية.
ويكاد انتشار المحطة ينحصر في منطقة المغرب العربي وبدرجة أقل بكثير في لبنان، بالإضافة الى الجالية العربية في فرنسا.
روسيا اليوم
وبعد “فرانس 24” بعام، انطلقت فضائية “روسيا اليوم” في مايو/أيار من العام 2007 بميزانية قدرها 30 مليون دولار. وهي قناة إخبارية تبث لأربع وعشرين ساعة في اليوم، ويتضمن برنامج بثها: الأخبار السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية إضافة إلى الأفلام الوثائقية والجولات الصحافية والتحقيقات المصورة ويتألف فريقها من صحفيين ومترجمين ومستشرقين من الروس ، بالإضافة الى العرب.
لاتزال تخضع تحريرياً للطاقم الروسي الذي يديرها كما لا تزال غير قادرة على الإفلات من مناخ الحقبة الشيوعية، حيث الإعلام الموجه من قبل الدولة وبشكل دعائي. كتغطية نشاطات الكرملين، سواء كانت تهم المشاهدين العرب أم لا. وتماشياً مع سياسة الدولة، يتم وصف المقاتلين الشيشان بالإرهابيين، مع إبراز “رعاية الحكومة الروسية لحرية الدين الاسلامي في الشيشان”، كما رصدنا الكثير من جوانب عدم المصداقية مما يخدم روسيا بشكل دعائي. مثلاً، المبالغة في قدرات السلاح الروسي ، كتفوق طائرة الميغ على الأف 15 الأمريكية ، وقيام الطيارين الروس بإسقاط عشرات الطائرات الاسرائيلية خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، وقصة احتجاز الامير يحيى في اليمن لعلماء اثار روس حتى بنوا له محطة كهرباء (كيف حصلوا على الخبرة ومن أين جاءوا بالمعدات؟!). وغيرها مما يكرس نظرتنا الى أنها لاتزال حبيسة الحقبة السوفيتية، دون الانتباه الى أن المشاهد بإمكانه أن يتحقق من صحة هذه المعلومات عبر الإنترنت في عالم باتت فيه الكثير من جوانب المعرفة متاحة للمواطن العادي.
ورغم ذلك ، فقد نجحت القناة في إنتاج برامج وثائقية متميزة، تكشف الكثير عن جوانب الحياة في روسيا والتي لاتزال مجهولة لدى العديد من المشاهدين، بالإضافة الى احتكارها لأرشيف غني مكّنها من إنتاج برامج وثائقية تُعرض فيها صور ومعلومات لأول مرة.
وتستثمر القناة الإرث الذي خلفه الدعم المتميز الذي قدمه الاتحاد السوفيتي السابق الى الدول العربية، والدور المتميز والداعم الذي تلعبه روسيا في القضايا العربية الراهنة مما يؤهلها لأن تكون مقبولة لدى شريحة لا بأس بها من المشاهدين، هذا بالإضافة، كما ذكرت قبل قليل، الى تميزها في البرامج الوثائقية.
وفي ظل انعدام استطلاع مستقل، يصعب تحديد نسب عدد مشاهدي هذه الفضائيات، نشرت وسائل اعلام محلية وعالمية في يونيو/حزيران الماضي نتائج استطلاع اجرته إحدى الشركات العالمية، لمعرفة نسبة متابعة قنوات تلفزيونية عالمية تبث باللغة العربية، اظهرت تفوق قناة “روسيا اليوم” على قنوات اوروبية اخرى، بنسبة تجاوزت مشاهدي الفضائية الألمانية “دويتشيه فيله” و”فرانس 24″ والقناة الصينية مجتمعة، حسبما نقلته وكالة “ريا نوفوستي” الروسية للأنباء.
(و شمل الاستطلاع 15,000 شخصا في سورية ولبنان والكويت ودولة الامارات العربية المتحدة، بالاضافة الى مصر والسعودية والاردن حيث اشارت المعطيات الى ان عدد مشاهدي “روسيا اليوم” فاق الـ5 ملايين مشاهد. وقال 37% ممن شملهم الاستطلاع انهم يتابعون نشرات “روسيا اليوم” الاخبارية لما تحتويه على معلومات بديلة، في حين عبّر 21% منهم انهم يشاهدون هذه النشرات لنوعية ومضمون المعلومات التي تقدمها، .)
دويتشة فيلة
أما ألمانيا فأطلقت قناة “دويتش فيله” (صوت ألمانيا) بالعربية لمدّة ثلاث ساعات يومياً، في العام 2002. وببطء شديد امتدت مساحة البث في العام 2007 الى ثماني ساعات ثم الى 12 ساعة حالياً.
وتنطلق أهمية التوجه الألماني الى الفضاء العربي بالدرجة الأولى من عامل الأهمية الاقتصادية للمنطقة العربية بالنسبة للاقتصاد الالماني، مع تجنب ألمانيا لأن تكون لاعباً سياسياً مؤثراً في الساحة العربية. هذا بالاضافة الى تعزيز التبادل الثقافي مع المنطقة والذي يعزز بدوره ، العلاقات بين الجانبين، وعلى رأسها العلاقات الاقتصادية.
تقوم المحطة بتقديم الأخبار والتحليلات والتعليقات في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة والعلوم، إضافة إلى التعريف بألمانيا وأوروبا على مختلف الأصعدة. ويتم تناول مختلف المواضيع من وجهتي النظر العربية والألمانية. وتعزيز التواصل والتعاون بين ألمانيا والعالم العربي وخاصة في أوساط الشباب العربي. كما تقوم بتغطية أهم أحداث الدوري الألماني لكرة القدم، ومعلومات عن فرص الدراسة والبحث العلمي في الجامعات ومراكز البحث الألمانية وتعليم اللغة الألمانية ومعلومات متنوعة عن الإقامة والعمل، إضافة إلى التعريف بأهم المناطق السياحية ومراكز العلاج الصحي في ألمانيا.
تصف “دويتشه فيله” نفسها بأنها “صوت ألمانيا المرئي والمسموع والمقروء إلى العالم الخارجي”. ورغم أن إنشاء هذه المؤسسة وتزويدها بالدعم المالي الضروري جاءا بناءً على قوانين ولوائح حكومية رسمية، فإنها تلتزم بالاستقلالية التامة وتسعى إلى أن تكون “بطاقة تعريف” بألمانيا”.
ورغم أن دويتشة فيلة هي أقدم فضائية اجنبية باللغة العربية بعد اقفال فضائية البي بي سي في العام 1996، إلا أنها أخفقت في احتلال الصدارة بين هذه الفضائيات، وذلك لعدة عوامل، منها: كما ذكرنا انحسار الدور السياسي الألماني في المنطقة مقارنة بدول اخرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وكذلك، بسبب هامشية الأدوار المتاحة أمام الكوادر العربية، إذ يهيمن المحررون الألمان على القسم العربي. كما أن الكوادر العربية العاملة فيها ليست من الطراز الأول. نلاحظ على موقع المحطة الإلكتروني أنها أغفلت متى تأسست المحطة، بينما ذكرت أن من اهدافها “استغلال السمعة الطيبة للمؤسسة ، يعني دويتشة فيلة ، لتحسين صورة ألمانيا في العالم.” وكأن سمعة ألمانيا سيئة ليتم تحسينها!.
ورغم ذلك لا يُنكر تميز المحطة ببعض الوثائقيات المدبلجة، كبرنامج وثائقي لقي شهرة كبيرة عن محاولات التنصير في العراق. وهي برامج يعود الفضل فيها الى القسم الالماني ، تتم دبلجتها الى العربية.
الصينية
ولم تترك الصين، التي لم يعد يخلو أي بيت في العالم من منتجاتها، عن ساحة المنافسة، فأطلقت في يوليو/ تموز من العام 2009 قضائيتها باللغة العربية لتنضم الى ثلاث قنوات أخرى لها ناطقة بالإنكليزية والفرنسية والإسبانية، وذلك بعد سنة كاملة من التحضير والاستعدادات. واللافت للنظر أن هذه المحطة تختلف عن سواها في عدة جوانب. أولها أنها انطلقت منذ البداية، بأربع وعشرين ساعة بث يومياً، مما يعكس حسن التنظيم والإعداد لعمل لا يخلو من الكثير من المصاعب. والجانب الثاني أن كافة أفراد طاقمها، بمن فيهم المحررون والمذيعون، هم من الصينيين الذين يتكلمون اللغة العربية، ويبلغ عددهم 80 موظفاً. تقول المحطة إن أحد أهدافها هو “تصحيح الانطباعات المشوهة، التي تروجها بعض وسائل الإعلام الأجنبية عن الصين، وأن تكون جسراً حيوياً لتعزيز التواصل والتفاهم بين الصين والعالم العربي”.
سياستها التحريرية هي نموذج صادق للإعلام الشيوعي، فنجد نشرات الأخبار تُستهل بنشاطات القيادة الصينية والحزب الحاكم، وكأنها تبث لمشاهدين محليين. وهي تحاول تجنب ما يُحرج نظام الدولة كقضايا حقوق الإنسان، فتتفادى الإشارة الى المواجهات مع أقلية الإيغور المسلمة. ورغم الإعجاب الذي لا يُنكر باعتماد الصينيين على أنفسهم في كامل عمليات المحطة، إلا أن طاقمها غير متمكن حتى الآن من إجادة اللغة العربية إجادة تامة، حيث الأخطاء النحوية وأخرى في التذكير والتأنيث، مع صعوبة نطق الكثير من الكلمات.
ورغم ذلك فالقناة تقدم الكثير من المواد الشيقة، والخاصة بالفنون والصناعات والتقاليد في هذا البلد الذي لا يزال أمامنا الكثير مما نكتشفه عنه. وقد رصدت الحكومة الصينية مبلغاً ضخماً يتجاوز الخمسة مليارات يورو لتطوير إعلامها الخارجي. ورغم عدم الإفصاح عن حصة القناة العربية من هذا المبلغ، إلا أننا نتوقع أن تنال نصيباً وافراً من التطوير في السنوات المقبلة، خاصة مع تنامي الدور الاقتصادي والسياسي للصين في المنطقة العربية.
العالم
ولم تقتصر ساحة المنافسة على الدول من خارج منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت إيران من أولى الدول التي أنشأت فضائية بالعربية، هي قناة “العالم” في فبراير/شباط من العام 2003، نظراً لحاجتها الماسة الى منبر إعلامي في المنطقة التي ترتبط مع دولها بعلاقات سياسية واقتصادية، بالإضافة الى الجانب العقائدي الذي تحاول المحطة الترويج له ، خاصة من خلال تبني القضايا التي تهم المسلمين بشكل عام، وفي مقدمتها دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
لكنها تعاني من محدودية انتشار مراسليها بسبب تقلبات العلاقات السياسية مع الدول العربية، فنجد أنها تحتفظ بثلاثة مكاتب فقط ، في بغداد ودمشق وبيروت، فيما أوقفت السلطات المصرية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بث القناة على قمري عربسات ونايلسات.
وبذلك تخضع سياستها التحريرية، الموجهة رسمياً، لهذه التقلبات. ويمكن اعتبارها نموذجاً للإعلام الرسمي الموجه.
التركية
أما أحدث القادمين، أو القادمات، الى الساحة فهي الفضائية التركية “تي آر تي 7” التي انطلقت في أبريل/نيسان من العام الماضي في احتفال حضره رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، مما يشير الى الأهمية الكبيرة لهذا المشروع الممول حكومياً والمستقل إدارياً، في خطوة أرادها حزب العدالة والتنمية الحاكم أن تكون جزءاً من سياسته الانفتاحية على العالم العربي. ونفى القائمون عليها وجود أي أجندة سياسية من ورائها، “لكن السياسة هي دائما في قلب الكثير من المشاريع ولا حاجة لنا لإعلان ذلك، خصوصا إذا ما كانت من هذا النوع، ولا مشكلة في ذلك ما دام أن السياسة المطلوبة هنا هي التقارب والتعاون واكتشاف الآخر دون وسطاء” حسبما نُقل عنهم.
وتستند القناة، على إرث ثقافي غزير بين الشعبين العربي والتركي، ومن هنا نلاحظ توجهها الى مخاطبة الجمهور بلغة قريبة جداً منه. وهي مرشحة للنجاح بسبب التقارب السياسي التركي مع العالم العربي في السنوات الاخيرة، ونمو التعاون التجاري بين الجانبين.
ويمكن القول أن القائمين عليها واعون بمتطلبات مخاطبة الجمهور العربي، فاعتمدوا على كوادر ووجوه عربية جديدة، واستحدثوا برامج فنية تُنتج في استوديو القناة في بيروت، وعرض برامج أخرى تمتد من برامج الأطفال المدبلجة الى الدراما التي أثبتت نجاحها عند عرضها في قنوات اخرى، وبرامج التعريف الثقافي والسياحي. تتميز سياستها التحريرية بنبرة هادئة ومتوازنة تتجنب ما يمكن أن يؤثر على علاقات تركيا بالعالم العربي، مع انحياز واضح تجاه القضية الفلسطينية.
ينطلق بث القناة من اسطنبول ويعمل فيها عدد محدود من الموظفين لا يتجاوز ستين موظفاً، لاعتمادها على الإنتاج الخارجي في الكثير من برامجها، كما أنها تستند الى موارد المؤسسة الأم «تي آر تي» التي تضم أكثر من 7 آلاف موظف. ويرفض القائمون عليها الكشف عن ميزانيتها. أغلبية العاملين فيها هم عرب أو أتراك من أصول عربية. وهي مرشحة لكثير من النجاح للأسباب المذكورة أعلاه، وإن كان من الصعب الحكم على نجاحها في غضون هذه الفترة القصيرة من انطلاقها.
محطات اخرى
هناك أيضاً محطات اخرى غير حكومية، وهي ذات طابع تجاري في الغالب، لم يحقق معظمها النجاح المطلوب، باستثناء قلة قليلة مثل محطة سي أن بي سي عربية، الاقتصادية، التي تخضع في معايير أدائها للمحطة الأم سي أن بي سي. وهناك نوايا لإطلاق محطات جديدة منافسة، تابعة لفوكس نيوز وسكاي نيوز بالتعاون مع شركاء محليين.
الإيجابيات:
ولدى تقييمنا لما يُحسب للفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية وما يُحسب عليها، لعل من أهم الإيجابيات التي يمكن رصدها هي ترسيخ مفهوم حرية التعبير واحترام الرأي الآخر وغيرها من قيم الديمقراطية التي يجد المشاهد العربي نفسه محروماً منها. صحيح إن هذه القيم باتت متوفرة في بعض الفضائيات العربية ولكنها لاتزال محدودة مقارنة بالفضائيات الأجنبية التي لا تخضع معظمها الى أي رقابة سوى الرقابة المهنية. قد يقول قائل إن الجزيرة هي كذلك. والجواب إن الجزيرة استمدت كل طاقاتها المهنية وسياستها التحريرية بل وحتى هيكلها التنظيمي من تلفزيون البي بي سي الأول والى الحد الذي يمكنني به الجزم من أنه لو لم تكن البي بي سي لما كانت الجزيرة بالشكل الذي نراها فيه الآن. لقد كانت مصادفة خدمت دولة قطر أن تم اغلاق البي بي سي وقت تأسيس الجزيرة فانتقل معظم الطاقم الى هناك وبنى محطة فاقت بالفعل البي بي سي العربية نظراً للفارق الهائل في الدعم المالي المتوفر للجزيرة مقارنة بـ البي بي سي.
الإيجابية الأخرى التي لابد من تسجيلها للفضائيات الأجنبية هي أنها طورت الكثير من الكوادر العربية ودربتها على أرقى درجات المهنية في التعامل مع الإعلام التلفزيوني وأحدث أساليب الإخراج واستغلال التقنية الحديثة، حتى أن الكثير من المخرجين العرب لم تكن لديهم خبرة في إخراج نشرات الأخبار الحية في البداية ولكنها اصبحت أمراً مألوفاً الآن.
وقدمت هذه المحطات خدمات لا تُضاهى ، بتدريب الكوادر الإعلامية في الدول العربية ذاتها، مثل الصندوق الإنمائي للبي بي سي، ومعهد التدريب التابع لدويتشة فيلة. كما قامت فرانس 24 بشراكات إعلامية كثيرة لتدريب الكوادر في مختلف الدول العربية. علماً أن هذه الخدمات باهظة الثمن وقد تحملت هذه المؤسسات كافة تبعاتها المالية، في حين أن التدريب الإعلامي المحلي في معظم الدول العربية لا يزال لا يواكب روح العصر ويفتقر الى الكثير من المقومات البشرية، رغم توفر الأجهزة المتطورة في كثير من الأحيان.
وقد انتقلت الكثير من هذه الكوادر فيما بعد لتخدم محطات عربية ولا يزال نزيف الكوادر مستمراً حتى الآن لسببين: الأول هو المغريات المادية الكبيرة التي توفرها الفضائيات العربية، والثاني هو عدم رضا بعض العاملين عن السياسة التحريرية لهذه الفضائيات والتي يرون انها لا تخدم القضايا العربية والمبادئ التي يؤمنون بها ولكن الكثيرين منهم اضطرتهم ظروف شتى للعمل فيها ثم ما لبثوا ان غادروها عند سنوح أول فرصة. إننا نلاحظ أن هذه الفضائيات لا تستقطب في الغالب إعلاميين عرباً متميزين بل نرى معظم الكوادر هي من تلفزيونات محلية، ترى في عرض العمل فرصة مادية جيدة، ولاكتساب مهارات أفضل وربما ايضا الحصول على جنسية ذلك البلد وجواز سفره وفرص تعليم أفضل للأبناء.
كما أن هذه الفضائيات تساهم في زيادة معرفتنا بتلك الدول. مثلاً نشاهد في “روسيا اليوم” جوانب كنا نجهلها تماماً عن هذا البلد، وخاصة في برامجها الوثائقية، بامتلاكها ، أرشيفاً غزيراً عن المنطقة العربية، وخاصة البي بي سي، مما يُثري معرفتنا بها ، هذا بالطبع الى قربها من صناع القرار في الدول الغربية والذين يؤثرون على مجريات الاحداث في منطقتنا. فنجد تصريحات حصرية من هؤلاء المسؤولين على هذه الفضائيات.
كما انتجت هذه الفضائيات العديد من التقارير والبرامج المتميزة عن المنطقة العربية والتي لم تستطع محطات عربية أن تنجزها، وتناولت قضايا محضورة في معظم المحطات العربية، كانتهاكات حقوق الإنسان وحرية التعبير وما الى ذلك.
السلبيات:
ولكن خلال رصدنا لرود أفعال المشاهدين عن الفضائيات الاجنبية، نجد أنها اتسمت في الغالب بالسلبية، حتى أن أستاذاً جامعياً عربياً وصفها بأنها إحدى وجوه الاستعمار الثقافي. ويمكن للمرء أن يتفق مع هذا الرأي مستنداً على ما تبثه هذه المحطات من أفكار يبدو الكثير منها غريباً عن تقاليد المجتمع العربي أو المناخ السياسي في المنطقة. ولكن الاستناد الى هذا الرأي يفتقر الى عنصر أساسي في التقييم: وهو أن هذه الفضائيات لم تُنشأ لكي تداعب أحلام أو طموحات الإنسان العربي وتطلعاته. لقد أُنشئت لدعم سياسة البلدان التي أطلقتها والترويج لها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
فمثلاً نجد روسيا اليوم تروج لرعاية الدولة الروسية للجالية المسلمة وتصف المقاتلين الشيشان بأنهم إرهابيون. بالطبع نحن لا نتوقع منها أن تصفهم بأنهم مناضلون من أجل الحرية كما يُنظر إليهم في عموم المنطقة العربية.
كما نجد أن البي بي سي، وإن لم تكن موجهة من قبل الحكومة ، فإنها تبث أخباراً وتقارير ومقابلات كثيرة عن بريطانيا. إن مجرد بث خبر عن إنجاز طبي مثلاً في بريطانيا هو دعاية لهذا البلد. كما نجدها تبث أخباراً عن السياسة البريطانية لا تنال أهمية في فضائيات أخرى، عربية أو أجنبية.
نستخلص من ذلك أن على المشاهد العربي أن لا يتوقع من هذه الفضائيات أن تكون لسان حاله، وأن تدافع عن قضاياه. بل هي موجهة بسياسة محددة من مؤسسيها.
لنأخذ مثلا: في أحد التقارير لمراسلة قناة الحرة من فلسطين، وخلال مواجهات عقب صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، ضمّنت المراسلة كلمة لإحدى المجندات الإسرائيليات وهي تقول “لماذا يرجمنا الفلسطينيون بالحجارة؟ إننا نقوم بحماية الأمن والنظام هنا ليتمكن المسلمون من أداء صلاتهم”. إن عبارة كهذه لابد وأنها أغاضت الغالبية العظمى من المشاهدين العرب. ولكن ما فعلته المراسلة هو عين الصواب لأن “الحرة” محطة أمريكية وليست عربية، وبالتالي فليس من واجبها إنصاف العرب، بل من واجبها إظهار وجهة النظر الإسرائيلية أيضاً، كأي محطة أمريكية.
إن من حق المشاهد العربي ان يعترض على بعض المفاهيم التي تطرحها هذه الفضائيات، ولكن أكرر مرة أخرى، أنها فضائيات أجنبية تنطلق من مفاهيم اجنبية وبيئة اجتماعية غير عربية. فمثلاً إن التعرض لحقوق المُثليين يُعد من المحرمات في مجتمعنا، ولكنه أمر طبيعي في المجتمع الغربي. ومن هنا تبرز نقطة جدلية يحق للمشاهد العربي أن يُحاجج بها: وهي إن لدينا مفاهيمنا وقيمنا وتقاليدنا المختلفة عنكم، فلماذا لا يكون ما هو مباح عندنا محرماً عندكم؟
إن الفضائيات الأجنبية تحاول تمرير أفكار ومفاهيم غربية وغرسها في المجتمع العربي وفق سياسة “التغيير من الداخل” ولكن ليس بالضرورة أن تكون كل هذه المفاهيم والأفكار منسجمة من المجتمع العربي. ولكنها رغم ذلك تتسرب إليه.
“فرانس24″ خصص قسمها العربي حلقتين في شهر رمضان المبارك لما أسماه بحق المسلمين في الجهر بالإفطار أثناء الشهر الفضيل. وقال المسؤولون فيها صراحة إن القناة تتحدث بالعربية لكنها لن تفكر بالعربية.
حتى مبدأ تعددية الرأي وقعت بعض المحطات العربية في فخه. مثلاً بدأت الجزيرة بتقليد البي بي سي في استضافة محللين وحتى مسؤولين حكوميين إسرائيليين أو ناطقين باسم الحكومة الإسرائيلية، عملاً بمبدأ حرية الرأي. وقلدتها فوراً قناة أبو ظبي الفضائية، ثم العربية وهكذا. لكن المشاهد يتساءل: لماذا ، وباسم الحيادية، يُسمح لمسؤول إسرائيلي بالظهور على قناة عربية ولا يُسمح لأحد قادة حماس مثلاً، بالتعبير عن رأيه في قناة إسرائيلية؟!
باعتقادي إن الحديث عن ” غزو إعلامي ” أو ” احتلال ثقافي” لا يتسم بالواقعية، لأن الغزو يفترض قيام معركة ينتصر فيها طرف على آخر ويُخضعُهُ لهيمنته. بينما واقع الحال في موضوعنا هذا مختلف تماماً. هناك طرف يحاول أن يوصل رسائل مختلفة المضامين: سواء كانت تبادل الرأي وتطوير الصداقة أو محاولة التأثير في المجتمع العربي من الداخل. وإذا افترضنا ان هناك غزواً، فإن الطرف الآخر لديه أقوى سلاح في يده، وهو جهاز التحكم عن بعد “الريموت كونترول” وفي لمح البصر يستطيع استبدال محطة بأخرى.
الخاتمة
ورغم رصد ميزانيات لا يُستهان بها، لاتزال معظم هذه المحطات دون مستوى منافسة محطات عربية اخرى مثل الجزيرة أو العربية، ويعود السبب في الإساس الى توفر الإمكانات المالية الكبيرة لهذه المحطات. كما اكتسبت كوادرها مهارات تقنية وإدارية كبيرة، بالإضافة الى هامش لا بأس به من الحرية التحريرية لعرض ما يهم أو يخدم المشاهد العربي، خاصة وأن معظم الفضائيات الأجنبية، كما ذكرنا، تضع اعتبارات مصالح دولها فوق اعتبارات تقديم ما يخدم المشاهد العربي.
المستقبل:
وتلوح في الأفق مبادرات إطلاق محطات أخرى. فمن جهة، ستبقى المنطقة العربية تحتفظ بالكثير من الأهمية العالمية والكثير من المشاكل. ومن جهة أخرى، التطور المتسارع في تقنيات تلفزيون الإنترنت، ليكون واسطة البث الرئيسية في المستقبل بعد تحول شاشة التلفزيون الى شاشة كومبيوتر مما سيقلص تكاليف إطلاق الفضائيات بشكل كبير جداً. بل توجد حالياً محطات تبث عن طريق الإنترنت بشكل كامل، ولن يقتصر ذلك على الدول بل الجماعات المختلفة، سواء كانت احزاباً او هيئات اجتماعية او دينية أو حتى فرق كرة القدم التي لديها بالفعل محطاتها الفضائية. هناك جماعة ضغط امريكية لمعارضي الحرب على العراق وافغانستان مثلا لديها تلفزيون يبث عن طريق الانترنت. الامم المتحدة لديها تلفزيون عالمي يبث في جزء منه باللغة العربية. وبالتالي لن نستغرب اذا وجدنا المئات أو الآلاف من الفضائيات الأجنبية الموجهة الى الجمهور العربي في غضون فترة قصيرة مقبلة، ولربما سنرى محاضرة كهذه تُبث على فضائية مؤسسة الحوار الإنساني ، وستُحسب فضائية أجنبية ناطقة بالعربية، على اعتبار أن مؤسسة الحوار الإنساني مسجلة في بريطانيا والله أعلم بما يخبئه المستقبل!.