صادق الطائي / لندن
ضمن نشاطها الثقافي استضافت مؤسسة الحوار الانساني في لندن يوم الاربعاء المصادف 12/11/2014 الاستاذ لؤي الخطيب في أمسية ثقافية تحدث فيها عن التحديات المالية والسياسية والامنية التي تواجه العراق ، في قراءة مستقبلية وفي ظل الازمة الحالية المتمثلة في احتلال داعش لااراضي واسعة من العراق ، وتأثيرانخفاض اسعار البترول العالمية وانعكاس ذلك اقتصاديا على العراق ، بالاضافة الى المشاكل الاقتصادية والسياسية العالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان . والاستاذ لؤي الخطيب يعمل مديرا لمعهد الطاقة العراقي (IEI)، ومستشارا للبرلمان الاتحادي في العراق لشؤون الطاقة ، كما انه زميل زائرفي مركز بروكنجز / الدوحة ، في شؤون السياسة الخارجية .
وقد نوه الاستاذ لؤي الخطيب في بداية المحاضرة قائلا ؛ ان الحديث عن العراق حديث متشعب ، ومهما حاولنا ان نفصل السياسي عن الاقتصادي او الامني سنجد ان هذا الامر يكاد يكون مستحيلا وذلك لتداخل هذه الشؤون وارتباط بعضها ببعض . واضاف ان في البدء لابد من ان نستعرض بعض الحقائق لنتمكن من تششخيص الخطأ او العلة في الوضع العراقي وسنحاول في قرائتنا ان لانكون جد متشائمين، ثم سنحاول ان نستعرض بعض الحلول للاشكالات المطروحة .
ان الوضع السياسي العراقي وضع مأزوم كما تعرفون ويعرف كل متابع للشأن العراقي ، وهذه الازمة التي يعانيها العراق لم تكن وليدة هجمة داعش الاخيرة وسيطرتها على مساحات واسعة من البلد ، وانما نستطيع القول ان ماجرى كان نتيجة الازمة التي يعيشها العراق، اذن هي تراكمات لأزمات وصلت او اوصلت البلد الى هذا الحد من الانهيار ، ونستطيع ان نؤشر ان بداية الازمة كانت قد تزامنت مع بداية التغيير الذي حصل في 9/4/ 2003 منذ الاطاحة بنظام صدام حسين ومارافقه من الاجتياح الامريكي والقوى التي تحالفت معه.
وكما نعلم ان موقع العراق الجغرافي كان عاملا مهما في الكثير من التدخلات الاقليمية التي لعبت دورا سلبيا في واقع العراق الجديد وجعلته ارضا مفتوحة للصراعات الاقليمية وما رافقها من تصفية حسابات اقليمية ودولية على حساب المواطن العراقي الذي وجد نفسه وقد تحول الى وقود لحروب طائفية ومناطقية واقليمية دون ان يستطيع ايجاد حل او مخرج لهذه الأزمة .
ونستطيع اليوم وبعد مرور اكثر من عقد على التغيير ان نقول ان التحول الصادم الذي حدث في الشأن العراقي قد مثل مطبا او تخلخلا في التعامل العراقي مع كل تفصيلة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، اذ ان التحول السريع نحو الديمقراطية لم يتم استيعابه لحد الان ، كما ان الحاجة للمرور بمرحلة انتقالية لاستيعاب التغيير في العراق لم يتم ، واذا نظرنا الى التحول الاقتصادي الذي حصل ، والذي كان من المفترض ان يغيير طبيعة الاقتصاد العراقي من اقتصاد تحتكره الدولة وتسيطر عليه بمركزية مفرطة الى اقتصاد السوق المفتوح والمرتبط بعجلة الاقتصاد العالمي ، الا ان ذلك حصل بطريقة عشوائية سمتها التخبط وعدم الفهم وعدم الوضوح في التعامل مع مفردات هذا التغيير .
كما ان طبيعة الحكم المركزية والتي كان مخططا لها ان تتحول الى النظام الفدرالي المدروس الذي يلبي حاجات بلد متعدد المكونات والاطياف كالعراق ، تم التعامل معه برؤى مختلفة ، تمثلت رؤية كل جهة بحسب مصالحها ، فالكرد سحبوا فكرة الفدرالية ومطوها لتأتي على مقاس طموحاتهم التي تقترب من الاستقلال وفي احسن الاحوال من الكونفدرالية ، بينما مازال العرب ينظرون الى الفدرالية من خلال انعكاس موشور الدولة المركزية ، اما الطوائف الصغيرة فهي تتخبط في خوفها وتململها من ان تهمش في هذا التطاحن بين المكونيين الاكبر، نضيف الى ذلك الشرخ الطائفي الطولي بين السنة والشيعة الذي يضاف الى الشرخ العرضي بين الكرد والعرب ، ليعمق الهوة ويغرق البلد في تجاذبات طائفية لا يبين منها اي ضوء في نهاية نفق الأزمة العراقية .
ان تركة النظام السابق بالتأكيد كانت كبيرة وثقيلة على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، لكن هذه التركة لم تكن متساوية التأثير على كل مكونات البلد ، فالكرد مثلا قد تخلصوا من سطوة النظام مبكرا منذ 1991 تقريبا ومروا بما يمر به العراق اليوم من تخبط وفوضى واحتراب داخلي حتى وصلوا الى اتفاقات وحلول يشهد لها الوضع المستقر لكردستان اليوم .
ان ازمة العراق الحقيقية هي ازمة بناء المؤسسات التي تمثل التغيير تمثيلا حقيقيا ، فبينما نشهد اليوم مؤسسات معوقة ومعيقة للعمل هي عبارة عن ارث فترة حكم الحاكم المدني بول بريمر ، هذه المؤسسات كان المفترض ان تعمل لتغطي الفترة الانتقالية للوصول الى المؤسسات الحقيقية وهذا ما لم يتم حتى الان ، واكبر الخلل يمكن ان نلاحظه في السلطة القضائية ومؤسساتها ، فما تزال المحكمة الدستورية العليا غير مشكلة لتبت في الخلافات الكبرى والاشكالات الدستورية ، لذلك نجد العملية السياسية كلها تسقط في مطب التخبط والكيفية والمزاجية في تفسير نصوص الدستور كل حسب هواه وتبعا لمزاجه السياسي وتحالفاته الاقليمية ، بينما نجد مؤسسات غير دستورية وهيئات ذات سطوة على ارض الواقع هي من بقايا فترة بريمر وكان من المفترض ان تنهي عملها مبكرا ليتم الانتقال من الفترة الانتقالية الى الفترة الدائمية او المستقرة .
واضاف الاستاذ لؤي الخطيب في معرض استعراضه للمشكلة العراقية موضوع عدم وضوح او غياب الاليات الديمقراطية المتعارف عليها في كل العالم مثل الاغلبية والاقلية والائتلافات الانتخابية ، بينما الحال في العراق مايزال متخبطا وتعتريه الكثبر من الازمات في هذا المضمار ، وكما هو الحال في موضوع المؤسسات القضائية نرى ان الامر في المؤسسات الاقتصادية ربما كان اسوءا ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد ان المجلس الاتحادي للنفط والغاز لم يشكل وهو الجهة المنوط بها ترتيب امور الانتاج وتوزيع الثروات الاتحادية ، لذا مازال قانون النفط والغاز يعاني من اللتعثر في البرلمان الاتحادي وتتناوشه امور الشد والجذب بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان ,
اذن المؤسسات معطلة اذا كانت موجودة او غائبة نهائيا ، وان من المفارقة ان نجد ان العراقيين والعرب والاجانب عندما يتناولون المشاكل العراقية نجدهم يشيرون الى ان هذا الامر او ذاك و( حسب الدستور العراقي) ، حتى الغرباء باتوا يفهمون ويشرحون لنا دستورنا ، اليس هذا الامر من المفارقات المضحكة ، وبينما نجد كردستان سائرة على قدم وساق في ترسيخ دولتها وسن القوانين وفرضها كأمر واقع ضاربة بموافقة بغداد عرض الحائط ، من كل ذلك يجب ان نبين هنا ان الاحتكام يجب ان يكون الى قوانين تسن وتفصل وتعالج المشاكل لان الدستور في واقع الحال هو الاطار العام القانوني ولايحتوي على تفاصيل وبذلك يجب ان تفعل المؤسسات القضائية المختصة في هذا الشأن لتكون المرجع الذي يحتكم له الجميع في حال حصول اختلاف حول امر ما.
ان العراقيل والمشاكل التي مرت بها الحالة العراقية خلقت جوا مشحونا متوترا بين كافة اطياف الشعب العراقي مما عطل مسار التنمية في البلد للعقد المنصرم ، ومن سوء حظ العراقيين ان حدثت الطفرة العالمية في اسعار النفط ، التي خلقت او وفرت المليارات السهلة التي تغطي بها الحكومة فشلها وتجعلها تستلم امولا سهلة تصرفها على الرواتب والدخول دون الاهتمام بتحسين الوضع او البدء بمشاريع تنمية حقيقية او حتى تحسين الخدمات فنحن نلاحظ مثلا ان الموازنة العراقية كانت كما يلي :
2004 _________ 19 مليار دولار
2014 _________114 مليار دولار
الثوابت :
التشغيل 70% من الموازنة
العجز 10% من الموازنة
البطالة بين 15% – 23%
ومن الأرقام اعلاه يمكننا ان نلاحظ ان ثلاث ارباع الموازنة تذهب للرواتب ويبقى مستوى العجز كما هو رغم تدفق المليارات على الخزينة ، كما تبقى مستويات البطالة على حالها نتيجة لغياب التنمية الحقيقية ، وكل ذلك لأن العراق مازال سائرا وفق النهج الاقتصادي القديم القائم على مفهوم الدولة المركزية الممسكة بكل التفاصيل والتي هي بدورها قائمة على الريع النفطي المتدفق بدون تعب او سعي لتطوير البلد .
وبين الاستاذ الخطيب مفهومه حول التغيير الاقتصادي المطلوب قائلا ؛ ان الدولة ليست مقاولا تدخل في تنافس مع الشركات واذا ما دخلت فانها ستكون المقاول الاكثر فشلا نتيجة سيطرة البيروقراطية على مفاصل الدولة ،اذ ان ليس مهمة الوزارات تنفيذ الاعمال وانما مهمتها الرئيسة هي رسم السياسيات وجلب ذوي لاختصاص والكفاءة لتنفيذ ذلك على اكمل وجه وفي سياق خطة زمنية مدروسة ، وكل ذلك مرتبط طبعا بمحاربة الفساد الذي كان موجودا من زمن النظام السابق ولكنه وصل الان الى مديات غير مسبوقة في تاريخ العراق وغير مسبوق على مستوى الفساد الموجود في دول العالم التي تعاني من مشاكل فساد في اجهزتها.
لقد تدفق على العراق منذ التغيير وحتى الان مايقارب من الـ 700 مليار دولار من العائدات النفطية التي تبخرت في جو الفساد الذي يعيشه العراق دون تحسن في البنى التحتية او بناء اقتصاد او خدمات ملموسة ، ان هذه الاموال كان من المفترض ان تنهض بواقع العراق خصوصا بعد عام 2008 وما حصل من الاستقرار الامني النسبي والانفتاح العالمي وتدفق الاستثمارات على العراق ، حيث ان الجنوب استقر بعد صولة الفرسان واستتب الامر في البصرة المنبع الاهم للبترول العراقي ، كما ان غرب البلاد استقرت بعد دحر تنظيم القاعدة على يد صحوات العشائر السنية ، وكان من المفترض على الحكومة ان تستغل هذا الانفراج وتقضي على البيروقراطية المعطلة للتنمية وتعمل بجد مع المستثمرين لتحقيق انفراج اقتصادي ينهض بواقع العراق.
لقد كان المعروض في سوق الاستثمار العراقي حوالي ترليون وخمس مئة مليون دولار ، كان من الممكن استغلالها بعمليات شراكة وتحمل مسؤولية مع الجانب الوطني في العديد من القطاعات فنحن على سبيل المثال نحتاج في قطاع الاسكان الى 3-5 مليون وحدة سكنية لمعالجة أزمة السكن التي نعاني منها ، لكن المشرع كان في واد والدنيا في واد اخر ، فمثلا قانون المصافي الذي شرعه البرلمان كان نموذجا للتخبط وعدم الدراية والفهم .
ولأصلاح الخلل في العراق لابد من ان نوجه الاسئلة التالية ؛ كيف نجذب رؤوس الاموال للاستثمار في المشاريع الصناعية وفي تطوير الصناعة النفطية في العراق ؟ وكيف ننهض بالخطة الاستثمارية ؟ وماهي منظومة القوانين التي ترتب هذا الامر ؟ وكيف نحصل على مشاركة فاعلة مع المستثمرين لتحسين واقع الخدمات في العراق؟ وهنا نقول ؛ لابد من ان نجد مشاريع تكاملية عبر ربط الاستثمار بالخدمات كالكهرباء والطرق والجسور والاسكان والاتصالات وغيرها من مفردات البنية التحتية ، ان الاستثمار القابل للتنفيذ بهذه الصيغة ممكن ان يكون في مجالات التكرير والبتروكيماويات وخصوصا في الحقول العاملة والمنتجة بشكل فعلي وعددها ستة حقول ومنها حقل كركوك كما هو معروف . ان الحل يكمن في منح المستثمرين عقود شراكة يتحمل فيها المستثمر جزءا من الخطر وفي نفس الوقت سيبذل اقصى جهد لانجاح المشاريع المستثمرة ذات الامد الطويل وليس العقود قصيرة الامد التي يحقق المستثمر ربحه منها في اول سنة ويترك الاستثمار والبلد وهو في حالة قد تكون اسوء مما سبق .
ان الاصلاح الاقتصادي يجب ان يكون هو القاطرة التي تسحب عربات السياسية وليس العكس كما هو حاصل اليوم حيث السياسية العرجاء تقود الاقتصاد فتدمره وتدمر البلد وتقوده من واقع سيء الى مستقبل مظلم ، كما يجب ان تتم معالجة التضخم بوسائل ومعالجات علمية ، ويجب التحرك على تقليص البطالة عبر عمليات التنمية الحقيقية ، ان عمليات التنمية الوهمية دمرت الاقتصاد العراقي ، وقد تكشف لاحقا ان الاموال المنهوبة كانت تصب في تمويل عمليات الارهاب كما بات معروفا اليوم ، وربما يقترح البعض نقل خطط مجربة سابقا في عدد من دول العالم كما حصل في كردستان التي حاولت ان تستنتسخ تجربة دبي التنموية ، لكننا نقول ان عملية النسخ من التجارب السابقة ليست هي المعالجة الصائبة لان لكل حالة خصوصيتها ، لكن هذا لايمنع من الاستفادة من التجارب السابقة ولكن ليس بطريقة النسخ ، ويجب على الساسة العراقيون اليوم ان يتعاملوا بواقعية مع المشاكل وبنوع من البراغماتية اذا جاز التعبير ، وخصوصا مشكلة كردستان وعلاقتها مع المركز ، فاذا اراد الكرد الاستقلال وهذا بالطبع حق من حقوقهم في تقرير المصير ، يجب على الساسة ان يضعوا امام الكرد المشاكل والتحديات التي سيواجهونها وفي نفس الوقت تبيان الارباح التي سيجنونها ببقائهم ضمن الدولة الاتحادية ولكن بشروط واضحة ومقننة لاتسمح ببناء دولة الاخر على حساب المكونات الاخرى حتى يحين موعد الانفصال ، اذا اراد الكرد الانفصال فليفعلوها وليعلنوا ذلك الان والا فليسيروا وفق قوانين الدولة الاتحادية ووفق المشاركة الحقيقية لا السعي الى اقامة نوع من الكونفدرالية.
ثم أختتم الاستاذ لؤي الخطيب المحاضرة مبينا ان ما يحفظ وحدة العراق اليوم هو بترول البصرة لانها المورد الاساس للثروة ، فأذا انشيء اقليم البصرة بنفس شروط اقليم كردستان فهذا يعني تفتت العراق وقيام الدويلات المتناحرة لامحالة ، ولابد من ان نفتح عقولنا للمطالب الحقيقية التي يطالب بها البصريون اليوم ، فالبصرة التي تنتج 90% من نفط العراق لا تأخذ سوى 1% من اموال الموازنة بينما تمثل سكانيا 10% من سكان العراق فهل هذه الارقام ترضي احدا ينظر بعدالة للموضوع ؟ بالتأكيد لا ، لذا لا بد من تفعيل قوانين المحافظات واعطاء الحكومات المحلية مساحة اوسع من السلطات للنهوض بواقع المدن في العراق، ثم شارك الحضور بعدد من الاسئلة التي انصبت على استقراء مستقبل العراق السياسي والامني وارتباط ذلك بالتردي الاقتصادي الموجود واجاب الضيف على الاسئلة مسلطا الضوء على الكثير من الحقائق ومغنيا موضوع المحاضرة .