الدكتور عبد الله الموسوي
نال الدكتوراه من جامعة ويلز)بريطانيا( 1990 رئيس قسم العلوم التربوية والنفسية /كلية ةالتربية جامعة بغداد، رئيس الجمعية العراقية للعلوم التربوية والنفسية، اشرف على العديد من رسائل الماجستير الدكتوراه، نشر اكثر من 50 ( بحثا، منح جائزة المعهد الدولي للبحوث ( . التربوية / واشنطن 2009 سيستعرض المتحدث ما حصل في الواقع التعليمي العراقي بعد ان كان العراق يتمايز عن جواره في التوجه التعليمي المتقدم ولكن تغير الانظمة الحاكمة تسبب في انهيار الواقع التربوي نتيجة تغيير المناهج وانحسار التعليم الالزامي ومحو الامية
ملامح التربية والتعليم في العراق
تدني الواقع وتذبذبه…حلول اجرائية مقترحة
أود الاشارة الى انه ليس بالإمكان الالمام بموضوع عمره اكثر من مائة عام وتغطيته في هذه العجالة, وتسهيلا للأمر سأقسم محاضرتي هذه الى اربعة محاور , اخصص المحور الاول الى نظرة العالم قديمة وحديثه الى التربية ودورها في رقي الشعوب ونهضة الامم, فيما يتولى المحور الثاني التعليم العام ويغطي المحور الثالث التعليم العالي لنختتم المحاضرة بالحلول الاجرائية المقترحة.
افرزت العولمة من ضمن ما افرزت ان جعلت العالم قرية صغيرة ,وبعد الثورة الحاسوبية اصبح هذا العالم شاشة صغيرة ولجت اغلب البيوت والمؤسسات, وكان وراء ذلك التربية بمفهومها الشامل مترجِمة محتواها من خلال المدرسة وانشطتها المختلفة على وجه الخصوص.
ولكي نلم بالموضوع علينا الابحار بعيدا الى ماض سحيق لنستعرض استثمار هذا الماضي للتربية ودورها في تحقيه الاهداف التي وضعت لأجلها.
المحور الاول: نظرة العالم الى التربية
لم تجرء اثينا بملايينها التي قدرها الأنثروبولوجيون بأثني عشر مليونا على التجاوز على ارض اسبارطة ذات الستمائة عائلة وبحسب احصاء الانثروبولوجيون انفسهم…ذلك ان الاخيرة ( اسبارطة ) تبنت التربية الجسدية وعسكرة المنهج سبيلا للحفاظ على كيان دولتهم , فهم مثلا يأخذون المواليد من عمر اربعين يوما الى معسكرات خاصة يعرضون فيها الرضع والاطفال الى الاجواء البيئية القاسية, فمن كانت بنيته تحتمل متغيرات الطقس وتباينه ويصمد لعواتي الزمن يحال الى معسكرات خاصة تتساوق وعمرة, فينشأ صلبا قاسيا, رُبي على منهج نظري يعزز لديه بل ولديها…أن التضحية من اجل اسبارطة يستلزم تبني قيما ومفاهيم تختلف عن قيم ومفاهيم جارتها ..أثينا.. فالقتل والكذب والسرقة وغيرها من الاهداف تعد مباحة بل وملزمة من اجل الهدف الاسمى, وبالمناسبة فإن التدريب يتواصل حتى سن الاربعين لا يعفى منه ذكر او انثى, لكن في النهاية ثبت ان عسكرة المنهج وتبني التربية الجسدية اصبح مآله النسيان, بل أودى بكل اسبارطة شعبا وأرضا وقيما, ومع ذلك فأن العديد من الحكام ما زالوا لحد الان يتبنون منهج عسكرة المنهج وترويض الشعوب من اجل استعبادها والسيطرة على مقدراتها وحرمانه من ابسط حقوقها.
وفي العصر الحديث وتحديدا في العام 1852 وقف (دزرائيلي ) [اليهودي وكان رئيسا لوزراء الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس] يشتم وزير تربيته بالقول Teaching is the dreg of the Calling.
أي أن التعليم هو حثالة المهن, وكان يبغي من وراء ذلك القول ان التربية في المملكة لم تحقق الهدف الاساس القاضي بصهر المهاجرين الملونين الآتين من اصقاع العالم في بوتقة الفكر…الانكليزي…, وأن مفردات مناهجها قاصرة عن تحقيق ذلك …. واُعيد النظر بالمنهج بشكله العام وبطريقة اعداد المعلم وطرائق التدريس والتقنيات التربوية والتعليمية, وكانت أول ثورة تربوية في بريطانيا تهيء الفرص لكل من هو على ترابها…وجاءت النتيجة ان خرج الملونون بتظاهرات في ثمانينات القرن الماضي يعلنون فيها حاجتهم لمعرفة اصولهم والبلدان التي نزحوا منها ولغات اجدادهم وآبائهم….وتلك دلالات على ان العملية التربوية والتعليمية قد حققت ما خططت له بعد أن صهرتهم التربية البريطانية فنسوا اللغة والجذور وظلت الالزاس واللورين ولعقود طويلة مصدر صراع دام بين كل من المانيا وفرنسا…وعندما تسترد الاخيرة تينك المقاطعتين من المانيا يهتف (فولتير) ها قد انتصرت التربية الفرنسية ها قد نجحت مناهجنا في تحقيق طموحاتنا, وتستعد المانيا لاستردادهما فتعد العدة بإعادة بناء العملية التربوية بمجملها… معلما ودارسا ومنهجا واساليب تدريس وعلاقات اجتماعية … فتستردهما بعد عقدين او اكثر من السنين, فينبري فولتير بالقول ان المدرسة الفرنسية كانت السبب في مقومات النصر على الاعداء وان المعلم الفرنسي هو السبب المباشر في استردادهما, تلك هي النظرة الثاقبة لمفكري هاتين الدولتين العريقتين الى التربية ودورها في تحقيق ما تصبو اليه طموحاتهما.
وفي القرن العشرين وتحديدا في سنة 1960 عندما هوى الرئيس السوفيتي…نيكيتا خروتشوف…بحذائه على طاولة الامم المتحدة وفي عقر دار الولايات المتحدة الامريكية, ليغادر بعد ان طلب من مرافقيه اصطحابه الى مدرسة امريكية فيها نظام التعليم اساسيا …من سن السادسة حتى نهاية السن الخامسة عشرة … وكان له ما اراد, وغادر الدب القطبي ( كما كان يحلو للأمريكيين اطلاقه عليه )ودخل الرجل بوجه آخر صفوف المدرسة هاشا باشا يوزع الهدايا (السوفيتية ) المناسبة المكتوب عليها (صنعت في موسكو) وكان يلاحظ بنظراته الثاقبة اهتمام الاطفال بممتلكات المدرسة وهم يتعاملون معها و كأنها ملك لهم. وادرك ان المنهج الامريكي عزز لدى التلامذة ان الملكية العامة هي ملكية خاصة, كما انه وجد ان لا قلم رصاص أو ممحاة على طاولاتهم, بل ان البديل كان دواة حبر مثبتة في رحلة كل منهم واقلام على شكل سلايات, يغمس التلامذة اطرافها في الحبر ويكتبون المطلوب منهم دونما خطأ, فأي ثقة بالنفس زرعت التربية الامريكية في نفوس ناشئتها كي لا يخطئون !؟.
وعاد الرئيس الى بلده واجرى تغييرات جوهرية في عموم المناهج التربوية عامة ومناهج التعليم الابتدائي بشكل خاص معتبرا ان دراسة مادتي الفيزياء والرياضيات واللغة القومية دروس اجبارية يدخل في جميع الاختصاصات.
وفي سبعينات القرن الماضي دفعت الغطرسة الامريكية رئيس امريكي اسبق الى الدعوة الى عقد مؤتمر دولي تربوي ,على ان يعقد في طوكيو…جاء ذلك نتيجة رد فعل لهذا الرئيس بعد ان وجد البضاعة اليابانية الالكترونية قد غزت الولايات المتحدة لا بل البيت الابيض بذاته…وكان له ما اراد, وعندما افتُتِح المؤتمر من قبل إمبراطور اليابان آنئذٍ ( هيرو هيتوا ) انبرى له امريكي بالسؤال عن اسباب تقدم اليابان ولم يمضي سوى عقدين ونيف من السنين على تدمير البنية التحتية والاقتصاد الياباني ,فضلا عن محو معالم مدينتي هيروشيما وناكازاكي, وجاء رد الامبراطور صاعقا قدر هدوءه واتزانه وثقته ببلده وشعبه بالقول … إنه المعلم فقد منحناه سلطة القاضي وهيبة العسكري ومرتب الوزير…وغادر القاعة تاركا الحضور في وجوم وكأن على رؤوسهم الطير…. كما يقولون.
واعاد الامريكيون النظر بمجمل العملية التربوية والتعليمية في جميع ولاياتهم على الرغم من أنهم يتبنون نظام لا مركزية التخطيط مشفوعة بلامركزية التنفيذ, ولتكون ثمار هذا التغيير الكتاب المثير للجدل والذي جاء يحمل عنوان A Nation at Risk اُمة معرضة للخطر، حول حتمية التعليم في الولايات المتحدة الامريكية … واقع وحلول.
المحور الثاني التعليم العام … ابتدائي وثانوي
كانت الكتاتيب هي المصدر الاساس للمعرفة في العهد العثماني, الا ان عام 1909 شهد اعلان جمعية الاتحاد والترقي من أن حالة التحديث والتوجيه نحو الاصلاح في مختلف القطاعات يستلزم ايلاء التعليم رعاية خاصة واهتمام كبيرين, على اعتبار انه الركيزة التي يمكن من خلالها توثيق عرى التعاون والاتحاد مع مختلف الاقوام التي تعيش تحت كنف الدولة العثمانية, لكن سليمان فيضي أسس أول مدرسة ابتدائية في البصرة عام 1908 اسماها تذكار الحرية, فيما عمدت مجموعة من مثقفي بغداد مثل جعفر ابو التمن ورؤوف القطان وغيرهم الى تأسيس مدرسة الترقي في السنة ذاتها, وكانت مدة الدراسة في تلك المدارس ثلاث سنوات فيما كانت الاعدادية سبع سنوات تطورت الدراسة الابتدائية بعد عام 1921 فأصبحت ستة سنوات, وقد شهدت تلك الاعوام افتتاح دار المعلمين الريفية في كل من بغداد ( الرستمية ) وفي بعقوبة كذلك لتغطية النقص الحاصل في اعداد المعلمين وتأهيل المعلمين الذين يعملون في المدارس الابتدائية, وبقي امر التعليم مستقرا تصاحبه العديد من خطوات التطوير حتى قيام ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958.
اِذ اخذت رياح التغيير تعصف بالعملية التربوية, فأعيد تدريب المعلمين على وفق المسار الجديد الذي غلب على الشارع العراقي بعد ان طغت الغوغائية والفوضى, اذ لم يتمكن المستولون على السلطة التربوية من اعادة ترتيب المناهج من جديد بغية تشكيل النشء الجديد بالصيغة التي يبغون, الا ان انقلاب 1963 قلب الامر رأسا على عقب فأعيد تدريب المعلمين وتدريبهم بما يحقق مبادئ القائمين على الحركة المغايرة لما سبقها, وهكذا تجد التربية تخضع للتذبذب السياسي دونما اعتبار لمعطيات التربية القويمة.
لقد كان التعليم قبل ذلك يتسم بالاستقرار, وان المدارس في اغلبها كانت ذات دوام واحد, اي ان لكل مدرسة بنايتها الخاصة, وان التعليم في اغلبه رسمي عام وعالي, وكان الدوام يبدأ من الساعة الثامنة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر, ثم العودة الى المدرسة من الساعة الثانية بعد الظهر حتى الرابعة مساء, وتتشكل الدروس من مواد اساسية : اللغة العربية, التربية الاسلامية, اللغة الانكليزية, العلوم والرياضيات. اما الدروس الثانوية فهي : التربية الفنية, التربية الرياضية, التربية الاسرية والنشيد والموسيقى.
وبحسب تقرير اليونسكو فان العراق في فترة ما قبل حرب الخليج كان يمتلك نظاما تعليميا يعد من افضل الانظمة التربوية في المنطقة
اِن تجربة الحملة الوطنية الكبرى لمحو الامية سنة 1971 أتت اُكلها حتى اصبحت نسبة عالية من العراقيين قادرة على القراءة والكتابة, وامتد الامر بصعود الخط البياني للتعليم حتى قبيل حرب الخليج الاولى عندما اتخذ رأس النظام قرارين,( نعدهما نحن المعنيين بالتربية وبناء المناهج ) من اخطر القرارات, كون نتائج تطبيقهما أثرت سلبا على العملية التربوية سلبا, والقراران هما
اولا: الغاء قانون الزامية التعليم.
ثانيا: الغاء قانون محو امية الكبار.
بعد ان كادت الحكومة ان تقضي على الامية تماما, الا ان الحروب العديدة والحصار المستمر وتوجه الناس الى العمل لطلب لقمة العيش, كل ذلك اوصل الامية الى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث في العراق, وتشير دراسات اليونسكو الى ان سياسات الحكومات المتعاقبة اثرت على التعليم سلبا وعلى نسبة المشاركة في منظومة التعليم والتدريب في اثناء الخدمة, اذ تشير الدراسات الاجتماعية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ان التعليم كان قد اخذ مداه الواسع على مجمل سكان العراق, فقد ازدادت نسبة المدارس الابتدائية بما يقارب 30 % ، وفي الوقت ذاته ازدادت نسبة المشاركات في التعليم من الاناث من 35% – 44 % من المجموع الاجمالي للطلاب, وكذلك نسبة المعلمين ازدادت بما يقارب 40 %، وفي التعليم الثانوي بما يقارب 55% عما كانت عليه سابقا.
وتشير آخر الاحصاءات الدولية ( اليونسكو ) الى ان نسبة القادرين على القراءة والكتابة وصلت الى اقل مستوياتها اِذ بلغت اكثر من %60 .
ويعاني اكثر من ستة ملايين عراقي بالغ من الامية الابجدية، ناهيك عن الاُميتين : الوظيفية والحاسوبية, والسبب المباشر هو تولي قيادة وزارة التربية من لا يستحق ان يكون موظفا في احد اقسامها الفنية, اِذ ان الوزير الاسبق لا علاقة له بالعملية التربوية والادارية فهو ووزارة التربية على طرفي نقيض, وعندما استوزر الوزير السابق ( خضير الخزاعي ) ابدى المعنيون بالتربية امتعاضهم, كونه قد امضى العقود الثلاث الماضية بعيدا عن العراق وعن العملية التربوية, فضلا عن انه غير معني بها وبالتطورات المتسارعة)المصاحبة لها, هذا اذا ما عرفنا انه ادعى حصوله على شهادة عليا, ولكن بعد التمحيص البسيط وجد انه مزور مثل باقي المزورين من حوله).
وقد تدنت العملية التربوية برمتها في سنوات توليه لوزارة التربية وعمم افكار حزبه ميدانيا على المدارس, وقتصر التعيين في زمانه على المنتسبين والمؤيدين لحزبه, فازداد عدد مدارس الطين والقصب واُحيلت مئات المدارس لإعادة اعمارها لكنها تركت بعد ان وزع طلبتها على المدارس الاخرى، مما شكل عبئا عليها فاصبح عدد طلبة الصف الواحد ما بين 100- 130 طفلا, هذا اذا ما عرفنا ان عدد المدارس …الثلاثية… قد ازداد بشكل مطرد.
وتحاول الحكومة الحالية تدارك الامر ولكن دونما جدوى بعد ان خصصت… نظريا.. 10% من ميزانيتها السنوية في اعادة تصحيح ما ورثته من النظام السابق, وما لحق ذلك من تخريب في المنهج واساليب اعداد المعلمين وغيرها الكثير.
التعليم العالي / الجامعي
تبدو ملامح التعليم العالي أقل وطأة من التعليم العام على الرغم من تزامن نشأتيهما, اذ ظهرت اولى ملامحها الرصينة من خلال تأسيس اول مدرسة للحقوق سنة 1908 ثم تبعتها دار المعلمين العالية سنة 1923 وكلية الطب في 1927 والصيدلة في 1936، ومما هو جدير بالذكر ان الحكومة العراقية انتدبت العلامة السنهوري سنة 1935 كي يتولى عمادة كلية الحقوق, وشهد العام 1936 انشاء كلية الصيدلة ثم اعقبتها كلية الهندسة سنة 1942 ثم تبعتها انشاء كليتي الشريعة والبنات سنة 1946 ثم كلية التجارة سنة 1947 اعقبتها كلية الآداب والعلوم سنة 1949 والزراعة سنة 1952.
اما قانون جامعة بغداد فقد صدر سنة 1956 حيث توحدت الكليات في ادارة واحدة.
وبعد قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بدأت جامعة بغداد بأنشطتها العلمية والادارية والفنية بشكل متكامل بعد ان اختار الزعيم عبد الكريم قاسم , عالم الفيزياء أ. د. عبد الجبار عبد الله من بين ثلاثة مرشحين ( احدهم أ. د .عبد العزيز الدوري والآخر أ. د. متي عقراوي ) لرئاسة جامعة بغداد، وتعاقب على قيادة هذا الصرح العلمي وادارته كل من الاساتذة:
أ. د. متي عقراوي 1957 -1958.
أ. د. عبد الجبار عبد الله 1959 – 1963.
أ. د. عبد العزيز الدوري 1963 – 1968.
أ. د. جاسم محمد الخلف 1968 -1970 .
وهنا لا بد من الاشارة الى ان جامعة بغداد كانت واحدة من اجود 500 جامعة في العالم على وفق تصنيف هيئة اليونسكو, لكن غلبة الحزبية الضيقة واقتصار اختيار الكادر الاداري لتولي قيادة المفاصل العلمية لكل (من مقررات الاقسام ورئاساتها، وعمادات الكليات ومعاونيها ورئاسات الجامعات ومساعديها) على الكادر الحزبي فقط، دون اعارة اية اهمية للمعايير العلمية والفنية والخبرة المهنية, مما انعكس سلبا على المستوى العلمي العام لجميع الجامعات في عموم العراق فاِمحت معالم التميُز حتى من ضمن الـ 20,000 جامعة بعد ان وسعت دائرة المنافسة بين الجامعات العالمية مما حدى بمعيار…ويبومتركس…تبني معياره الجديد.
ثم بدأ الانهيار العلمي لمؤسساتنا العلمية ( جامعات ومراكز ابحاث )عندما اتخذت القيادات السياسية قرارات تقضي بفتح جامعات اقليمية في جميع محافظات العراق متجاوزين القيم العلمية والادارية في فتح هكذا محافل علمية, فتولى تدريسيون( رئاسات الجامعات وعمادات الكليات ورئاسة الاقسام العلمية ) من دون ان تتوفر في اغلبهم المقومات الادارية والدرجة العلمية والخبرة الجامعية, هذا اذا ما علمنا ان مقومات تعيين الوزير هو انتماؤه لحزب يسهم مع غيره من الاحزاب الدينية الضيقة في حكم البلد.
وليست وزارة التعليم العالي تختلف عن غيرها من الوزارات, اِذ سمي لها وزير مرتبط بحزب اسلامي تداعى لقيادته العديد من …الاسلاميين…مما حدى به ان يدور حيث يدور كل منهم , وجاءت النتيجة أن تدنى مستوى اداء الوزارة اداريا وعلميا وفنيا.
الحلول الاجرائية المقترحة
أولا: قيادة الوزارة
أن يتولى قيادة كل من وزارة التربية ووزارة التعليم العالي وزير مهني مستقل ذي شهادة عالية حصل عليها من جامعة رصينة , قضى جل خدمته واغلب حياته في العراق باستثناء مدة دراسته وايفاداته, قدم بحوثا في مجاله العلمي ومد جسورا مع جامعات اخرى. اِذ افرزت السنوات التي تولى فيها الوزيران دفتي الوزارتين من 2006 – 2010 فشلهما من خلال عدم معرفتهما بالواقع وجهلهما بالتغيرات الحاصلة بمجريات العملية التربوية, بل حتى بالحراك الاجتماعي المتسارع للمجتمع العراقي نتيجة للحروب والحصار.
ثانيا: اِحياء قانوني الزامية التعليم ومحو اُمية الكبار
لا تستقيم العملية التربوية والتعليمية ما لم يتم اعادة العمل بقانون الزامية التعليم وقانون محو أمية اليافعين والكبار، اللذين طمست معالمهما قبيل حرب الخليج الاولى, ومد سن الالزام حتى السن 15 أي الى نهاية المرحلة المتوسطة اُسوة بدول الجوار والعديد من الدول العربية.
ثالثا : الابنية المدرسية
القيام بحملة لبناء المدارس الحديثة على وفق الاساليب المعاصرة و بأعداد كافية تقضي على ازدواجية الدوام وتبعاته السلبية من تعطيل لطاقات التلامذة والطلبة وعدم ابراز طاقاتهم الكامنة.
لقد اظهرت احصائية اجريت بعد الاحتلال 2003 ان 80% من المدارس العراقية البالغة 15,000 مدرسة بحاجة الى الاصلاح ودعم المنشآت الصحية, وكذلك المكتبات والمختبرات العلمية, والعمل على استبدال مدارس الطين والقصب البالغة بحسب احصائية اليونسكو 1805 مدرسة والتي ازداد عددها في السنوات الاربعة الماضية, ليس بسبب اقدام العوائل على تسجيل ابنائهم في المدارس, بل بسبب عمليات النهب والخراب الذي طال المدارس بسبب احالة العديد منها الى اعادة التعمير, لكن على ما يبدو ان الصفقات المعقودة بين المقاولين وبعض منتسبي وزارة التربية دفعت بالمقاولين اجراء بعض التعديلات ومن ثم تركها في حالة خراب.
رابعا: المنهج
اِعادة النظر بمجمل المناهج وتثبيت البعد الوطني وتنقية مفردات الكتب المدرسية من كل ما يوحي بالطائفية والمذهبية والشوفينية, وان لا ينفرد شخص بعينه في وضع الكتب المدرسية خصوصا في المرحلة الابتدائية، واشراك المعلمين والمشرفين التربويين ( المرحلة الابتدائية ) وكذلك الاختصاصيين التربويين ( المرحلة الثانوية )، وذوي الخبرة وأولياء التلاميذ والمعنيين بالصحة والانواء الجوية، فضلا عن التأكيد على اسهام نماذج من التلامذة والطلبة في هكذا نشاط كما هو الحال في البلدان المتطورة، التي تعمل على اعادة النظر بمناهج مدارسها الابتدائية والثانوية كل عامين الى اربعة اعوام.
خامسا: التقنيات التربوية
دعم محتوى الكتب المدرسية بالتقنيات التربوية الحديثة، والتوقف عن اعتبار ( وسائل الايضاح ) اساليب تصلح لتلامذة ترك فيهم الحراك الاجتماعي بصمات تستلزم الارتقاء بأساليب التدريس الى المعاصر منها, اِذ ان تلك الوسائل التى ما زالت العديد من مدارسنا تستخدمها …اِن توفرت تلك الوسائل… ,,,كما لابد من هجر طرائق التدريس التقليدية التى تعتمد على الحفظ والتلقين, كابحة جماح طاقات التلامذة الكامنة, ليس بسبب تقليديتها فحسب بل ان زحام الصفوف وتجاوز عدد التلامذة للمعيار الدولي لكل صف دراسي من 25 الى 30 تلميذا او طالبا في الصف الواحد، فضلا عن تفشى ظاهرة ليس المدارس المزدوجة فقط بل الثلاثية منها. وهناك العديد من الاسباب… اذ ان استخدام التقنيات التربوية وتبني طرائق تدريس معاصرة من شأنه ان يسبر اغوار الدارسين والكشف عن قدراتهم العلمية وامكاناتهم الذكائية التي تقودنا الى الوقوف على الفروق الفردية التي هي مفتاح الكشف عن علماء المستقبل، لنهيئ لهم الاجواء التي توصلهم الى اقصى ما يستطيعون من تحقيق في الانجازات.
سادسا : الاشراف التربوي والاختصاص
يشكل الاشراف التربوي بشقيه الابتدائي والثانوي ركيزة اساسية في تحقيق مفردات المناهج الدراسية، وسير التدريسات واستعمال طرائق التدريس المعصرة وحسن تطبيقها، فضلا عن متابعة التزام المعلمين والمدرسين لإكمال المناهج المدرسية وتطبيق المناسب من التقنيات التربوية زيادة عن تقويم اداء الادارة والمعلمين.
سابعا : مؤسسات اعداد المعلمين والمدرسين
أ- لا بد من توحيد مصادر اعداد المعلمين والمدرسين باستخدام اسلوبي الاعداد التكاملي والتتابعي الغالب تطبيقهما في العالم المتمدين Concurrent and Consecutive …. PGCE.
ب- تحديث مناهج الاعداد.
ج- تفعيل دورات التدريب في اثناء الخدمة من اجل الاطلاع على الاساليب المعاصرة في التدريس والتقنيات.
د- تبادل الخبرات بين مؤسسات الاعداد ( الكليات والمعاهد ) والمدارس بشقيها الابتدائي والثانوي.
اِن عملية وضع برنامج متكامل لتطوير العملية التربوية برمتها يستلزم الاحاطة بالكثير من العوامل التى لم يشار اليها في هذه العجالة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاستاذ الدكتور
عبد الله حسن الموسوي