فوزي كريم
فوزي كريم من مواليد بغداد عام 1945 ، ويعد واحداً من اكثر الاصوات الشعرية جاذبيةً من بين جيل الشعراء المنفيين خارج العراق. فهو ناقد ادبي، ورسام وشاعر، وصدر له اكثر من 23 كتاب بين الشعر والنقد الادبي والفني والموسيقي، وترجمت اعماله الى اللغات الفرنسية والسويدية. يراجع الشاعر فوزي كريم الشعر العراقي من مرحلة بداية انطلاق حركة الشعر الجديد )الحر( حتى هذا اليوم، ملقياً الضوء على )شاعر المتاهة وشاعر الراية( ضمن ما كان يعتبر شعراً هادفاً
من “شاعر المتاهة” إلى “شاعر الراية”
محاضرة الشاعر فوزي كريم، التي قدمها ارتجالاً، هي خطوط أساسية لدراسة ستتضمن في كتاب عن الشعر العراقي، على حد قوله. هذه الخطوط البيانية تتعرض بتفسير جديد لحركة الريادة الشعرية ، وما تلاها في الشعر العراقي الحديث. فهو يرى أن حركة الريادة الشعرية التي بدأت مع السياب ونازك وآخرين كانت تستجيب لروح المرحلة الشعرية الحديثة، التي اتسعت ظلالها في العالم أجمع. هذه الروح التي لم تتخل عن الشكل القديم فقط، وهو الأمر الذي شغل النقاد أكثر مما يجب، بل تخلت عن ما يسميه “النوايا المبيتة للقصيدة””. وهو يعني بذلك ذلك الإرث القديم المتواصل الذي يرتبط بـ”الأغراض الشعرية”. حيث يبدو “الغرض” الجاهز محرك اساس للقصيدة، لا خبرة الشاعر الداخلية. ولقد أطلق الشاعر فوزي كريم على هذا الخروج عن الغرض المبيت، والانطلاق من التجربة الشعرية الداخلية التي لا تهدف إلى غرض أو فكرة بعينها بــ “شعر المتاهة”، وعلى شعرائه بـ “شعراء المتاهة”. ووجد الظاهرة تتسع برحابة، بسبب المرحلة الصحية سياسياً واجتماعياً وثقافياً، لكل الأصوات التي تُعرف اليوم بالريادة: السياب، نازك، البريكان، بلند الحيدري، حسين مردان. إلى أن جاء صوت البياتي، مع مرحلة الانقلابات الثورية، الحزبية والعسكرية.
مسؤولية المثقف والشاعر أصبحت راية، فرضتها الأحزاب التقدمية. صار الشاعر يعرف بالضبط هدفه من كتابة قصيدته. ثمانون من قصائد البياتي في المرحلة الخمسينية وأوائل الستينيات كُتبت عن، وأُهديت إلى، مناضلين يساريين عالميين. لم يستطع الشعراء البقية الصمود في وجه هذا التغير العاتي، فصارت قصيدتهم مسؤولة، هادفة، وتعرف بالضبط ما تريد. الشاعر فوزي كريم يُطلق على هذا الشعر بــ” بشعر الراية”، وعلى شعرائه بــ” شعراء الراية”. ويرى أن صبغة شعر البياتي وآخرين اتسمت بــ “البعد الأممي”. بدءاً من أواسط الستينيات برزت موهبة الشاعر سعدي يوسف، التي تفوق بالتأثير موهبة البياتي. وكان صوت سعدي سياسياً، تقدمياً خالصاً. انصرفت النسبة الكبرى من قصائده، بعد التغير الكبير الذي حدث بعد نكسة حزيران، إلى العالم العربي ومناضليه: في فلسطين، المغرب، الجزائر، اليمن، سوريا…وكأنه بذلك انتزع الراية الأممية الحمراء من يد البياتي ورفعها عالياً بعد أن أعطاها اللون الأخضر، لون “البعد القومي”، على حد تعبير المحاضر.
الشاعر فوزي كريم يعتقد بأن هذا الانحراف عن المسار الصحي للشعر العراقي، من “شاعر المتاهة” إلى “شاعر الراية”، قد أضر عميقاً بالشعر العراقي، والشعر العربي عامة. ولم تسلم من لوثته كل الأجيال التالية.