استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن على منصة زووم الاستاذ محمد عيسى الخاقاني يوم الاربعاء 26 آب/أغسطس 2020 في أمسية ثقافية ألقي فيها الضوء على الوعي بثورة الحسين ( ع) بين الاندفاع العاطفي للجمهور، والشروط العقلانية الواجب توفرها في الشعائر الحسينية في ظل الجائحة .
محمد عيسى الخاقاني استاذ جامعي، باحث واعلامي، حاصل على ماجستير في اللغة الفارسية وآدابها، متخصص في الادب المقارن، مدير مجلس الخاقاني الثقافي، حاضر في كلية اللغات بجامعة بغداد 1996، وفي كلية الاداب بجامعة البحرين 2008 الى 2011، وفي جامعة الخليج في البحرين 2010 عضو مركز دراسات الخليج في جامعة البحرين، عضو مشارك في جمعية الادب المقارن البريطانية، رأس تحرير جريدة العهد البحرينية 2009 الى 2011، وكان المحرر المسؤول لمجلة الطابو في دبي عام 2006 الى 2007 وعمل قبلها معد برامج في تلفزيون دبي ،قام بتأليف عدة كتب منها: تاريخ اسرة آل الصدر 1997، عملاق الرافدين (الدكتور عبدالهادي الخليلي) 1999، مئة عام مع الوردي 2013، خلف القناع 2018، استثمار الدم 2018 . نشرت له بحوث علمية في مجلات جامعية متخصصة، وكتب في عدة جرائد ومجلات عربية وفارسية.
المقدمة
اعظم الله لكم الأجر بذكرى استشهاد الامام الحسين عليه السلام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته… قال الله سبحانه وتعالى ؛
(لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْأخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا)،ومعنى الاسوة به: اي على مثاله، على منواله، على غراره مِن اسا يأسو فهو آس ويؤاسي او يواسي يعزي وتؤخذ المأساة من جذر مفردة الاسوة وهذا ما يبرز في النهضة الحسينية، اي انها تأسي ومواساة.
ملاحظة اولى
يأتي تعريف (الاسوة بالشخص) هو السير على منواله او على مثاله وغراره … لذا لا يكون معنى الاسوة صحيحا ان تلبسنا دور النبي صلى الله عليه وآله وسلم او دور امير المؤمنين عليه السلام او تلبسنا دور الحسين الشهيد عليه السلام، فالتلبس هو ان تلبس الدور في الظاهر وانت في الواقع غير ذلك… بذا يلتبس الامر على الناس اي انه يختلط عليهم… بين من يسير على النهج وبين من يتلبسه، او كما قال االشاعر واخشى انطباقه علينا: وكلٌ يدَّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا …
ملاحظة ثانية
نؤكد على ان الاسوة يجب ان تكون السير على منوال النبي وآل بيته الكرام عليه وعليهم افضل الصلاة والتسليم… وليس تلبس دورهم (مهما بلغت انت من العلم النظري والتطبيقي) فأنك لست رسولاً من قبل الرب ولا معصوما من قبل الله سبحانه وتعالى، وهنا تتكفل الآية الشريفة بشرح واف لشخصية من اراد ان يتأسى برسول الله صلى الله عليه وآله سلم فتقول بلسان عز من قال: (لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا) اذن شروط الاسوة الحسنة رجاء الله… ورجاء اليوم الآخر وذكر الله كثيرا.
بناء على ما تقدم في الملاحظة الاولى والثانية ندرك ان هناك شروطا قاسية يجب ان نطبقها حتى نستطيع التأسي برسول الله وآل بيته عليهم افضل الصلاة والسلام، ومن اهمها ان نذكر الله كثيرا ونرجو الله واليوم ألآخر. هنا وجب الاعتذار من الساسة الكرام والمشتغلين في حقل السياسة والذين تكون طبيعة عملهم رجاء ايام الدنيا للوصول الى الحكم، فانهم ينسنون ذكر الله كثيرا – إلا في المناسبات- لذا عليهم أن يتجاهلوا الاسوة بالرسول الكريم صلى الله عليه وآله في حياتهم ولا تيلبسوها، لكي لا يختلط عليهم الأمر فيحسبون أنهم يحسنون صنعا.
نؤكد للاخوة الاعزاء من الساسة بان الحسين عليه السلام لم يخرج في نهضته العظيمة للدنيا والحكم. فلو كان خرج لأجلهما لكان اكتفى بمفاوضات مع يزيد بن معاوية، يريد من خلالها اخذ مقعد في البرلمان او تقاسم مغنم سياسي او مادي او بحثا عن منصب في وزارة او عقد مع شركة يدر عليه الاموال. ولكان الحسين عليه السلام والعياذ بالله وحشاه من ذلك لم يكن متأسيا بجده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما ينفي عنه ذلك قوله عليه السلام: خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي).
وقد جعل عليه السلام صفات من يقوم ضد الاصلاح بقوله (لم يخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً) فاشر البطر المفسد الظالم صفاته في الغالب تنطبق على امة يزيد (رمز هذه الصفات) من كل المذاهب والاديان.
لقد مر الامام الحسين عليه السلام في فترة عصيبة قبل ذهابه الى كربلاء واستشهاده عليه السلام، اذ كان في حج بيت الله الحرام وبلغه ان القوم قرروا اغتياله في بيت الله الحرام، روى ذلك الشيخ الطبرسي نقلاً عن الامام جعفر الصادق عليه السلام في كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى في الصفحة 230 ما نصه:
(لمَّا أَرِادَ الإِمَامُ الحُسَيْنُ _ عَلَيْهِ السَّلامُ _ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِرَاقِ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِوَأَحَلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ وَجَعَلَهَا عُمْرَةً لأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِتْمَامِ الْحَجِّ مَخَافَةَ أَنْ يُقْبَضَ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ)…
وقد ورد هذا الحديث في كتاب وسائل الشيعة وكتاب الكافي
اوجه حديثي هنا الى من يقتدي بمنهج واسلوب وطريق الامام الحسين عليه السلام اي من يجعل الحسين عليه السلام قدوته، لوثوقه به وقيام الدليل عنده على سداده وحكمته، الشخص الذي يؤمن بان الامام الحسين عليه السلام وضع خطة طارئة لمواجهة احتمالية اغتياله عليه السلام في بيت الله الحرام، فابدل حَجه الى عمرة مفردة وأحل من إحرامه مخافة ان يقبض عليه بمكة او يغتال في البيت الحرام. إنما العمل الذي قام به ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم هو عمل مسدد لرجل عاقل، لا يتعامل بردود الافعال او بالانفعال.
فرد الفعل يؤدي الى التهلكة وهذا ليس مكانها وليس زمانها، والانفعال يؤدي الى عمل احمق او اخرق وهذا ما لا يمكن ان يصدر عن امام معصوم، لذا فالامام الحق، الإمام القدوة، علّمنا ان نتصرف بناء على المصلحة في الزمان والمكان. وأن لا يكون عملنا ردة فعل تودي بنا الى التهلكة، أو ان يكون حالة انفعالية حمقاء تنتج عملاً اخرقا، فإذا كان هذا عمل القدوة والاسوة، وجب علينا وجوبا شرعيا ان نأخذ به في حالات الطواريء… ومن اهم حالات الطواريء هو الوباء الذي اصاب العالم حالياً، فإتباع الامام في تصرفاته هو من يجعلك من أتباع الامام عليه السلام.
المرجعية الدينية العليا حين التزمت بالبرتوكول الطبي اثناء المراسم الحسينية، فانها اختارت لك ايها الانسان العبد الصالح الفائدة والمصلحة في الزمان والمكان الصحيحين، وهذا لا ينقص من حبك للامام الحسين عليه ولا يخرجك من الدين، فانت كرجل مسلم صالح (حي صحي) خير من ان تكون مريضا معديا وميتا في النهاية… ففي هذه النتيجة ابتعاد عن المنهج الحسيني الذي يتمثل في الوعي اثناء الأزمات كما فعل النبي والائمة وكما فعل الامام الحسين عليهم السلام. التصرف عكس ذلك فيه دلالة بعدم إتباع آل بيت النبوة بل بمخالفة نهجهم جملة وتفصيلا.
ارجو ان لا تزعل وتقول ان لي مرجعيتي التي اجازت لي العزاء بالطريقة السابقة وان من يعزي في الامام الحسين لن يصاب بالعدوى. اقول لك هذه عقيدة تشكر عليها وصدق مشاعر تحسد عليها. لكن الله سبحانه وتعالى أمرك ان تقتدي بهدى الرسول والائمة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين بقوله بنص الآية الشريفة (فبهداهم اقتده) وهو امر لو تعلم عظيم لو عرفت المخاطب فيه، وكذلك امرك الله سبحانه وتعالى امرك ان تعرف ما يفيدك وما يضرك بقوله عز من قال: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. وحسب هذه الآية الشريفة فانه لن يحاسب غيرك بجريرة ارتكبتها انت يوم القيامة .
تصور اخي المحب للامام الحسين وانا احدثك الان دون أن أحمل معي رأيا لأي احد من الناس، وإنما أحدثك من منطق ألاية الشريفة التي ذكرتها وهي “كل نفس بما كسبت رهينة” ، احدثك واقول لك : افترض: لو انك جازفت وخرجت واختلطت في الايام الحسينية واصبت الناس وأصبت بالوباء، تصور وافترض انك في يوم الحساب سوف تحاسب بجريرة ايذاء وقتل كل هؤلاء الناس، عندها لن تتمكن ان تدافع عن نفسك بقولك اني من اتباع فلان او فلان مهما علا قدره وسما مكانه. لماذا؟ لأنك سوف تحاجج بما كسبت نفسك… وبما كان يجب عليك ان تقتدي به من موقف الامام الحسين عليه السلام حين احس بالخطر، عنده لن ينفعك ان تكون من اتباع سين او شين وانما سوف ينفعك إتباع كتاب الله والنبي وآل بيته عليهم افضل الصلاة والسلام فهم القدوة والاسوة.
اخواني الكرام الذين تأخذهم العاطفة، ويتصورون انهم يموتون بالوباء بسبب حبهم لسبط رسول الله عليه وعلى جده افضل الصلاة والسلام . إن هذه مساحة اسلامية واضحة المعالم عليكم ادراكها تماما. وهي إن العقيدة الاسلامية التي التزم بها الامام الحسين عليه السلام بنفسه عقيدة لا تتجزأ. وفي هذه العقيدة الحقة اخبر الله سبحانه وتعالى اخبر رسوله الكريم في شأن الشريعة والدين في الاية 128 من سورة آل عمران بإن خاطب نبيه الاكرم قائلا للنبي (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)، فالشريعة الهية، اي انها من رب الارباب.لا يتدخل فيها حتى رسول الله. أي ليس للرسول من الامر شيء، أو كما قال الطبرسي في تفسير هذه الآية وليس لك من أمرهم شئ وإنما أنت نبي مبعوث لإنذارهم، فلا تقل ابراء لذمتك بانك من اتباع فلان، أو فلان، أو كما يقول المثل الشعبي (حطها براس عالم واطلع منها سالم)، فهذا الامر وحسب السياق الديني الذي تعمل به، والعقيدة التي تؤمن بها من الامثال السائرة، والمثل لا يعول عليه في فهم الدين، لذا يجب عليك إتباع النبي وآل بيته عليهم السلام.
سادتي الكرام نعيش زمنا متغيرا، يتحول يوميا، لا اريد ان اسهب في شرحه لأنكم تعيشونه كما اعيشه، لم تعد الاجيال متشابهة. بل بدأ الانسان يشعر بالغربة لفهم وإداراك الجيل الجديد. لذا يجب علينا ان نرتقي بوعينا في اتباع النبي وآل بيته بوعي ذلك الفقيه الذي درس عند الامام جعفر الصادق عليه السلام، حينقال،وما جاءَ عن رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلم فسمعاً وطاعةً،أماماجاءَ عن التابعين فهُمْ رجالٌ ونحنُ ررجال.
ان هذا الرأي يستند على الآية الشريفة التي تلزم كل انسان على حدة… كما قال عز من قال في محكم كتابه: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا). إذن انت سوف تحاسب يوم القيامة لنفسك، وعليك ان تأخذ من النهضة الحسينية درسا في الاصلاح ومحاربة الفساد وإتباع الحق كما اراد الامام وان تقتدي وتهتدي بهداه، وهذا لا يكون ما لا نرتقي بالوعي الى درجات اعلى ونحاول مواكبة الزمن وتجديد خطابنا الديني ومراجعته، فهو ما زال يتغذى من الفترة المظلمة اثناء الاحتلال العثماني للعراق، وهذا ما لا يتناسب مع الزمن.
وجب علينا ويدري مبسوط اليد اني اقصده… يجب علينا ان نواكب الزمن، وان نضع دراسات مستقبلية لمختصين لأعادة بلورة صورة متحضرة من الوعي الديني الذي انهكته الخزعبلات والاحلام والايهام والقصص العجيبة. حينها سوف يذهب الزبد جفاء ويبقى ما ينفع الناس، فيكون إتباع الدين عن علم وليس أتباع كما اسماه امير المؤمنين على بن ابي طالب عليه السلام أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح.