جمعة عبد الله –
يوميات الحزن العراقي في رواية النخلة والجيران تحتل رواية النخلة والجيران موقعا متميزا ومتطور، في تاريخ الرواية العراقية، وتعتبر من أهم مؤلفات الكاتب الروائي والمترجم القدير غائب طعمة فرمان، وتعتبر أهم شاهد يؤرخ فترة الحرب العالمية الثانية، وتأثيراتها السلبية على الواقع العراقي الملموس، وفداحة هذه الأضرار على كاهل الفئات الفقيرة والمعدومة والمسحوقة، والتي يأكلها وينخرها اليأس والشلل والحرمان، وثقل الظلم الكبير الواقع عليها، في صراعها العنيد من أجل البقاء والديمومة، ضمن آفاق ضيقة ومحدودة والمعتمة بالقسوة والقهر، وهي تصور بكاميرا سينمائية حي من أحياء بغداد الشعبية، وما تأثيرات هذه الحرب على شؤونهم اليومية، بما تسبب لهم من ضائقة اقتصادية واجتماعية، من متاعب مرهقة في كل جوانب حياتهم، وكذلك التأثيرات السلبية من جيش الاحتلال، وهو يغتصب حياتهم اليومية. من شرور ظالم وقاهر، وخاصة على الفئات المسحوقة، لقد كتبت بأسلوب سردي محكم ومتناسق وإعطائها أكثر جاذبية وشوق مع نغمات الحوار باللهجة العراقية، زاد من نكهتها وخصوصيتها بالتناغم المحكم في الإيغال الى أعماق شخوص الرواية، والدخول دون استئذان الى هواجسهم وأحلامهم وآمالهم. ضمن آفاقهم المحدودة، وهي تؤرخ الحزن العراقي لتلك الفترة المظلمة للفئات الشعبية، المعجونة بالحزن والضياع والتمادي في اضطهاد الإنسان الفقير والمعدم بالحرمان الكامل.. وتتميز شخوصها بعوالمها الخاصة في الحياة، ضمن أطرها الفقيرة. ومن أبرز شخوص الرواية:
1 – سليمة الخبازة: نموذج الإنسان المضطهد بالقهر والجور والحرمان، ومكافحة عسف الحياة بالعمل المرهق والمتعب بضراوة بالغة، وهي تصنع الخبز العراقي في (التنور) ومتاعبه المرهقة، تقع ضحية احتيال وخداع من قبل (مصطفى الدلال)، الذي اقنعها بالشراكة مع (خاجيك) في فرن الصمون، على أمل أن تستريح من ضنك العمل المتعب، وتعطي حصيلة تعب السنين ومرارته (ثلاثون دينار)، وهي لم تسلم من سرقات ابن زوجها المتوفي (حسين)، وتنهي رحلة حياتها المعذبة بالزواج من (مصطفى الدلال).
2 – حسين: الشخصية المحورية في الرواية ابن عشرين ربيعا، الذي ترك مدرسة الصنايع، ليتسكع في الطرقات دون عمل، سوى الضياع والبطالة، وهو عائش على المورد المالي الشحيح من ورث ابيه المتوفي، الذي أودعه عند صديقه الوفي (صاحب) ويقع في حب (تماضر)، ويحاول جاهدا أن ينقذها من الضياع والخوف من المجهول، بما يملك من إمكانيات ضعيفة ومحدودة، على أمل أن يلبي رغباتها، وليحافظ على خيط التواصل العاطفي بشوق صادق، في ظل موارده المالية الشحيحة، وعدم امتهانه الى أي عمل مهني يستطيع أن يحافظ على وهج غرامه، وينقذها من الضياع والمصير المجهول والمخيف، لكن طوق النجاة تمزق وخسر (تماضر)، ويختم حياته بقتل شقي المحلة (محمود ابن الحولة) من أجل أن يستعيد كرامته من الإهانات المعيبة بالعار، الذي كان يسددها بصفعاتها المؤلمة والقاسية (ابن الحولة) إليه، وليثأر لغدر مقتل صديقه الوفي (صاحب) الذي قتله (ابن الحولة) بطعنات من السكين.
3 – مصطفى الدلال: الشخصية التي تحمل في طياتها تناقضات مضادة، بين الاحتيال والخداع والورع الديني بختم قراءة القرآن مرتين والتمسك الديني، والإدمان على شرب الخمور، والمتاجرة بالسوق السوداء، وبين حظه العاثر، في كل مرة يحاول أن يخلع نفسه من قاع المجتمع والفقر، وكلما يبدأ بالصعود، حتى توجه له الضربات لتعيده الى أسفل القاع ضربة تلو الأخرى، ويستغل ضعف (سليمة الخبازة) في خداعها، ويأخذ بما تملك من تعب السنين من العمل المرهق في (التنور)، وسنوات الجهد الضاني (ثلاثين دينار) بحجة الشراكة في فرن الصمون، ولكن ينكشف أمره بضياع أموال (سليمة الخبازة)، وبالتالي ينهي حياته بالزواج منها، وعينه على بيع البيت الموروث، عسى أن يبدأ رحلة جديدة ويحالفه الحظ.
4 – تماضر: البنت المسلوبة والمقهورة والضائعة، والتي اجبرت على الهرب من أهلها، لإرغامها على الزواج عنوة ودون إرادتها، ويلفها الضياع والأحزان، وتجد طوق النجاة بشخص (حسين) وبادلته عاطفة الحب، لينقذها من رحلة المتاعب والأحزان والحياة المحفوفة بالمخاطر، بالتهديد بالقتل لغسل العار، وتتمنى الزواج من (حسين) لينقذها من المجهول وقسوة الزمان، لكن هذه الاحلام ضاعت، خسرت (حسين) دون إرادتها ورغبتها، وسقطت لتصبح مومس خالية من الأحلام.
5 – صاحب (البايسكلجي): صندوق أسرار أهالي الحي، والشخصية المحبوبة وهم يكشفون أسرار حياتهم اليومية، ويمتلك علاقات واسعة بالود والاحترام، وهي الشخصية المتميزة في الرواية، من حيث الوعي والنضج السياسي والعقل التنويري، ويقع ضحية قتل وغدر من (محمود ابن الحوله) بطعنه بالسكين