نصيرة كرمين –
صدر للمفكر الجزائري الصاعد الدكتور مونيس بخضرة كتابا جديدا بعنوان: تأملات فلسفية في رسم بعض إشكالات العصر” العنف- التسامح-المعرفة” عن دار: عالم الكتاب الحديث بالأردن لسنة 2013 في 212 صفحة من النوع الكبير. تناول فيه أبرز الانشغالات التي باتت تعيشها المجتمعات البشرية المعاصرة بأسلوب فلسفي عميق، وأهمها كما يحملها العنوان الكتاب، كل من ظاهرة العنف واستفحالها في المظهر الإنساني العام بأنواعه المختلفة، التي رآها الكاتب أنها ظاهرة تطوّرت ولم تصبح اعتباطية بقدر ما أضحت تخضع لقوانين وآليات ودراسات تتحكم فيها وتزيد من حدتها، على غرار ما هو مكرس في الحروب المعاصرة والنزاعات المذهبية والتطرفية، وفي هذا الشأن يقوم بتحليل موجات العنف الحديثة التي تضرب المجتمعات العربية المعاصرة خاصة ما حدث في الجزائر، والذي ربطه بأصوله التراثية وبالتاريخ والهوية، وعلى أنه نتاج ديناميكية تاريخية معينة مرتبطة بتصورات عقائدية معقدة، وهذا الذي جعله يعتبر هذا النوع من العنف جد معقد كونه مرتبط بغيات ميتافيزيقية يصعب محاصرته، إلا من خلال إعادة فهم هذه المجتمعات فهما متعدد الزوايا، أنثروبولوجيا وسوسيولوجيا ودينيا لتحليل الخيوط المكونة له.
وأيضا تناول إشكالية التسامح واشتقاقاته اللغوية والدلالية، بما أنها إشكالية فلسفية محضة كما يقول، ولا يعقل أن نؤسس لقاعدة تسامحية عامة دون الوقوف عند المبادئ التي يقوم عليها التسامح ذاته، وربطه للتسامح بفعل الإرادة الحرة. ومن خلال هذه الترسنة المفاهمية التي يقوم عليها التسامح، يحاول الكاتب إسقاطها على جنوح المجتمع الجزائري لخيار التسامح، كعلامة فارقة في المجتمعات العربية المعاصرة. ويؤكد أن خروج المجتمع الجزائري بشكل مفاجئ من تجربة العنف الحادة التي مزقت نسيجه خلال عقد من الزمن إلى تجربة تسامحية منظمة، لحدث جدير بالتأمل فيه، كونه يشكل استثناءا اجتماعيا يمكن تحصيل منه قوانينه، التي يمكن تعميمها وجعلها قاعدة للفعل التسامحي، سواء في بعده الفردي أو الجماعي.
وتناول أيضا بالتحليل والقراءة بعض إشكاليات المعرفة المعاصرة، وحاول أن ينظّر لها على غرار حديثه عن جوانّية الوعي العربي، وتحليله للمعرفة الافتراضية ومحلها من الواقع الصلب كما يقول، وإشكالية صدام الأخلاق العلمية وفلسفة السلام عند ابن رشد الذي اعتبره أنه تنبأ بظهور ما يعرف بظاهرة الإرهاب الديني التي سيشهدها العالم الإسلامي وغيرها من المواضيع الشيقة.
كل هذه الأفكار، طرحا الكاتب في ثلاثة فصول كبرى متجانسة، وكل فصل يؤسس للفصل الذي يليه، وهو الذي جعل من مباحثه أكثر تداخلا وتكملة لبعضها البعض.
والملاحظ في أن هذا الكتاب، هو أنه تميّز بعمق في التحليل وقوة في التنبؤ والترابط المنطقي والاستشراف، وهذه الخصوصيات جعلت من نصه، نصا مفتوحا على ممكانات والتأويلات والقراءات المختلفة، وهو يعد إضافة مهمة للفكر العربي المعاصر عامة، وللفكر الجزائري بصفة الخاصة، الذي بات هو الآخر يعرف نهضة لافتة للانتباه على غرار ما محتواه هذا الكتاب.