ضمن تناول الموضوعات القانونية التي تمس حياة المواطن العراقي وضمن سعيها للتعريف بمختلف جوانب الثقافة والعلوم الانسانية والتقنية استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 20 ايلول / سبتمبر 2017 الدكتور عبد الحسن السعدي في أمسية ثقافية تحدث فيها عن وسائل اسناد السلطة وشرعية الحكم .
الدكتورعبد الحسن السعدي ولد عام 1938 ،اكمل دراسته الاولية والجامعية في العراق ،حصل على بكالوريوس قانون من جامعة بغداد 1962، ماجستير القانون العام – جامعة القاهرة 1978،دكتوراه القانون العام – جامعة القاهرة 1983، ومارس التدريس في عدة جامعات منها جامعة الجزائر 1984 والجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في لندن، اشرف على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه وله عدد من المؤلفات في القانون الدستوري والقانون الدولي الخاص والمالية العامة تحت الطبع.
المقدمة
ابتدأ الدكتور السعدي محاضرته بالتعريف ببعض المفاهيم التي تمثل مفاتيح لفهم موضوع السلطة والشرعية والحكم ووسائل اسناده قائلا؛إن الدولة حسب نظرية القوة هي نتاج القوة المادية فمصدر السلطة الأولى سواء في العائلة او القبيلة او المدينة كان التفوق بالقدرة و خاصة الجسدية و المادية . فالجماعات الأولية كانت تعيش في صراع مستمر مع بعضها ، وقد نتج عن هذا الصراع انتصار جماعة منهم على غيرها فأصبح هناك غالب يفرض إرادته على المغلوب ، ويمد سلطانه على إقليم معين فوجدت الدولة ، فالحرب حسب نظرية القوة هي التي تلد الدولة ، كما أن وظيفة الدولة الأولى هي الدفاع عن وجودها ، وقد اتفقت النظريات القانونية والسياسية الحديثة على ان تعرف الدولة بأنها ، شعب مستقر على إقليم معين ، وخاضع لسلطة سياسية معينة ، وهذا التعريف يتفق عليـه أكثر الفقهاء لأنه يحـتوي العناصر الرئيسة التي لا بد من توفرها لقيام أي دولة، وهي الشعب ، والإرض والسلطة وإن اختلفوا في صياغة التعريف، ومرد هذا الاختلاف إلى أن كل فقيه يصدر في تعريفه عن فكرته القانونية للدولة.
اما بالنسبة لمفهوم او مصطلح الحكومة فان المصطلح يستخدم تعبيراللدلالة عن معان مختلفة فقد يستخدم تعبير الحكومة للدلالة على نظام الحكم في الدولة، أي كيفية ممارسة صاحب السيادة للسلطة العامة و شكل الحكم، وفي هذا الإطار يجب عدم الخلط بين شكل الحكم أو الحكومة و شكل الدولة.و قد يستخدم تعبير الحكومة للدلالة على مجموعة الهيئات الحاكمة أو المسيرة للدولة، أي السلطات العامة في الدولة من تشريعية و تنفيذية و قضائية. و يستخدم تعبير الحكومة أحياناً للدلالة على السلطة التنفيذية، أي رئيس الدولة و الوزارة، أي الهيئة المكلفة بتنفيذ القوانين و إدارة المرافق العامة. و قد يقصر البعض استخدام تعبير الحكومة للدلالة على الوزارة فقط، أي أحد جوانب السلطة التنفيذية. و هذا الاستخدام شائع في الدول ذات الأنظمة البرلمانية، حيث يقال عادةً الحكومة مسؤولة أمام البرلمان كمرادف للقول بأن الوزارة مسؤولة أمام البرلمان.
اما فيما يخص مفهوم السيادة فبامكاننا القول إن تمتع الدولة بالسيادة يعني أن تكون لها الكلمة العليا التي لا يعلوها سلطة أو هيئة أخرى . وهذا يجعلها تسمو على الجميع وتفرض نفسها عليهم باعتبارها سلطة آمرة عليا . لذلك فسيادة الدولة تعني وببساطة أنها منبع السلطات الأخرى. فالسيادة أصلية ولصيقة بالدولة وتميز الدولة عن غيرها من الجماعات السياسية الأخرى .والسيادة وحدة واحدة لا تتجزأ مهما تعددت السلطات العامة لان هذه السلطات لا تتقاسم السيادة وإنما تتقاسم الاختصاصومن مظاهرالسيادة ما يلي :
-
المظهر الداخلي : وهو أن تبسط السلطة السياسية سلطاتها على كل ارجاء الدولة . بحيث تكون هي السلطة الآمرة التي تتمتع بالقرار النهائي .
-
المظهر الخارجي : يعني استقلالية الدولة وعدم خضوعها لدولة أخرى(السيادة بالمظهر الخارجي مرتبطة بالاستقلال ) .
الحكومة من حيث مصدر السلطة
تنقسم الحكومة من حيث مصدر السلطة أو السيادة إلى ثلاثة أشكال : فإما أن يكون مصدرها فرداً واحداً و تسمى بالحكومة الفردية، أو يكون مصدرها فئة قليلة من الأفراد و تسمى بحكومة القلة أو الأقلية، أو يكون مصدرها مجموع الشعب فتسمى بالحكومة الديمقراطية.
-
: الحكومة الفردية : هي الحكومة التي تتركز فيها السلطة في يد فرد واحد. ففي نظام الحكم الفردي يمارس فيه الرئيس سلطة لا تعرف حدوداً، يستمدها من ذاته، و قد يكون وصل إلى السلطة عن طريق الوراثة فيسمى ملكاً أو إمبراطوراً أو أميراً…، أو عن طريق القوة أو حتى الانتخاب، بفضل مقدرته الذاتية و كفايته الشخصية و يسمى طاغيةً أو ديكتاتوراً …، و في كلا الحالتين لا يضطلع المواطنون بأية حرية في تحديد شكل الحكم، و إنما هم مجرد محكومين. فالحكم الفردي تقليدياً عرف في ملكيات الحق الإلهي الذي كان سائداً في القديم أو حكم الطغاة. و حديثاً يعتبر الحكم الديكتاتوري أحد أهم مظاهر الحكم الفردي. في الحقيقة لا يوجد صورة واحدة من الأنظمة الديكتاتورية الفردية التي سادت و تسود في دول عالمنا، فهذه الأنظمة هي نتاج الاعتبارات السياسية، و الاجتماعية و الاقتصادية التي مرت بها كل دولة. و في الحقيقة أن عامل الوقت أو الظرفية الذي رافق هذه الاعتبارات لعب دوراً حاسماً في وصول هذه الأنظمة لسدة الحكم. و لكن على الرغم من ذلك يوجد قواسم مشتركة بين هذه الأنظمة الديكتاتورية سواء من الناحية الفلسفية أو الإيديولوجية التي تنطلق منها أم من ناحية التنظيم السلطوي لها.
-
حكومة الأقلية أو الأوليغارشية :يدل تعبير الأوليغارشية أو حكومة الأقلية، على أن الحكم أو السلطات يعود إلى فئة أو قسم من أفراد الشعب. و بذلك يتميز حكم القلة من جهة أولى عن الحكم الفردي حيث تعود السلطة لفرد واحد، و من جهة ثانية عن الحكم الديمقراطي حيث تعود السلطة لمجموع أفراد الشعب. و هناك شكلان قديمان لحكم الأقلية هما : حكم الأثرياء و حكم الأرستقراطيين. ففي حكم الأثرياء يقصر حق ممارسة الحكم على فئة معينة من المواطنين، الذين يتوافر لديهم نصاب مالي معين من الثروة أو دفع الضرائب، أي يؤخذ بحق الاقتراع المقيد بنصاب مالي. و في الحكم الأرستقراطي يعهد بالسلطة السياسية إلى طبقة اجتماعية متميزة، تعتبر أفضل من غيرها. و في كلا الحكمين، تعتبر الأقلية الحاكمة السلطة التي تمارسها ملكاً خاصاً لها، و تحكم من أجل مصلحتها الخاصة، و تستفيد من امتيازات ممنوعة على بقية المواطنين. و يمكننا اعتبار النظام الذي أقيم في الاتحاد السوفيتي السابق بعد انتصار الثورة البلشفية عام 1917، نوعاً من الحكومات الأوليغارشية أو حكومات الأقلية، حيث أعلنت دساتير الاتحاد السوفيتي المتلاحقة، دستور 1918 و دستور 1924 و دستور 1936، التي اعتبرت أن ممارسة السلطة السياسية حكر لطبقة الشغيلة أو البروليتاريا ، إلى أن جاء دستور 1977 و أعلن بأن الدولة السوفيتية أنجزت مهمات ديكتاتورية البروليتاريا و أصبحت دولة الشعب بأسره.
-
الحكومة الديمقراطية : هي الحكومة التي تكون فيها السيادة لجميع أفراد الشعب، و ليست حكراً على فرد كما في الحكم الفردي، أو على فئة من الشعب كما في حكم الأقلية. فالديمقراطية هي نظام حكم يتميز بمشاركة المواطنين في إدارة شؤون الدولة. و هذا النوع من أنواع الحكم هو النظام الوحيد المقبول في أنظمة دول عالمنا المعاصر، التي تدعي جميعها بأنها تقوم على أساس ديمقراطي. و ضمن الأنظمة السائدة في دول عالمنا يمكن تصنيف عدة أنواع، أو بالأحرى درجات للديمقراطية، و ذلك حسب جسامة الفجوة الموجودة بين الأساس النظري للديمقراطية و التطبيق العملي لها، لذلك يمكن القول إنّ هناك، أنظمة ديمقراطية فعلية، و أنظمة تبحث عن الديمقراطية، و أنظمة تدعي الديمقراطية.
وسائل إسناد السلطة
تختلف وسائل إسناد السلطة من دولة لأخرى ، ومن نظام سياسي لأخر ، إلا أنها تنحصر في نوعين رئيسين ، يتمثل احدهما في الوسائل الديمقراطية ، بينما يتمثل الاخر في وسائل غير ديمقراطية ، والاخيرة تتمثل في الوراثة والاختيار الذاتي لشخص الحاكم والانقلاب بينما الوسائل الديمقراطية تتمثل اساسا في الانتخاب الذي يعد الوسيلة الوحيدة لاسناد السلطة مما جعله يحتل مكانة بارزة اذ اهتمت به مختلف الانظمة السياسية وفقهاء القانون الدستوري على وجه الخصوص وصدرت التشريعات المنظمة لاحكامه حتى اصبح مجال الانتخابات يمثل نظاما مستقلا .
فاذا كان الانتخاب من بين الطرق الديمقراطية لاسناد السلطة او البقاء فيها ، فانه لا يمكن ان يكتسب هذه القيمة الا اذا اقترن بوجود نظام انتخابي عادل يضمن للناخب حق الاقتراع ، وللمشرع حق الترشح الحر، ويحقق المساواة بين الناخبين من جهة، والمترشحين من جهة اخرى ، فهو عماد الحث المستديم للديمقراطية النيابية ، والركيزة الاساس في كل اصلاح سياسي واداري واجتماعي ، وبذلك فان افساده يؤدي الى فساد الديمقراطية او انحطاطها .
ان النظم الانتخابية في مفهومها الاساسي تعمل على ترجمة الاصوات التي يتم الادلاء بها في الانتخابات الى عدد المقاعد التي تفوز بها الاحزاب والمرشحين المشاركين ، لذا فان النظام الانتخابي باعتباره وسيلة تهدف في حقيقة الامر الى تحقيق المساواة بين الناخبين و المترشحين من خلال تقنيات مختلفة ، فتعدد النظم الانتخابية وتشعب تاثيرها على النظام السياسي ككل ، يجعل عملية اختبار اي منها من بين اهم القرارات في الدول الديمقراطية فاختيار النظام الانتخابي له تاثيره على طريقة ترسيم الدوائر الانتخابية ، وكيفية تسجيل الناخبين ، وكيفية تصميم اوراق الاقتراع ، وكيفية فرز الاصوات ، بالاضافة الى العديد من الجوانب الاخرى للعملية الانتخابية .
وتعد مسالة انتقاء النظام الانتخابي من اهم القرارات بالنسبة لاي نظام ديمقراطي، ففي غالبية الاحيان يترتب على انتقاء نظام انتخابي معين تبعات هائلة على مستقبل الحياة السياسية في البلدالمعني ، حيث ان النظم الانتخابية المنتقاة تميل الى الديمومة ، في الوقت الذي تتمحور الاهتمامات السياسية المحيطة حول ما يمكنها من الاستفادة من المحفزات التي توفرها تلك الانظمة . وعليه فان الخلفية وراء انتقاء النظام الانتخابي قد تكون بنفس اهمية الخيار المعتمد ذاته ، فعملية انتقاء النظام الانتخابي هي مسالة سياسية بالدرجة الاولى ، وليست مسالة فنية يمكن لمجموعة من الخبراء المستقلين معالجتها ، فغالبا ما تكون المصالح السياسية في صلب الاعتبارات ، ان لم تكن الاعتبار الوحيد ، التي يتم الاخذ بها في عملية انتقاء النظام الانتخابي من بين الخيارات المتوفرة ، والتي لذلك السبب بالذات ، عادة ما تنحصر في عدد قليل من الخيارات وبنفس الوقت تؤدي الحسابات السياسية قصيرة المدى الى التقسيم على النتائج طويلة الامد للانظمة الانتخابية ، وذلك على حساب المصالح الاكبر للنظام السياسي العام .
مفهوم الديمقراطية
الديمقراطية كما عرفها إبراهام لنكولن “هي حكم الشعب، من قبل الشعب، و من أجل الشعب”، هذا التعريف الأكثر شيوعاً لمفهوم الديمقراطية كنظام للحكم، يعنى بأن الحكم يكون ديمقراطياً عندما يكون المحكومون هم الحكام، أو عندما يشترك أكبر عدد من المحكومين في ممارسة السلطة، بيد أن هذا التعريف لا يعبر بشكل دقيق عن الأنظمة السياسية التي سادت عالمنا،واعتنقت مفاهيم مختلفة للديمقراطية، نتيجة تفسيرات مختلفة لهذا المفهوم السياسي الذي يعتبر محور الفكر السياسي في العالم.
الأوجه المختلفة لمفهوم الديمقراطية
في الحقيقة إن الأفكار السياسية الداعية للديمقراطية المؤسسة على فكرة سيادة الشعب و أنّ الحكم للجميع قديمة جداً. فالديمقراطية التي هي كلمة يونانية مركبة منDemos و معناها الشعب و Kratos و معناها السلطة أو الحكم، كانت مطبقة في بعض المدن اليونانية القديمة و في روما، و تعود بجذورها إلى الفلاسفة الإغريق و خصوصاً أفلاطون و أرسطو. و بدون الدخول في الأصل التاريخي لمصطلح الديمقراطية، فإن مفهوم الديمقراطية كتعبير عن نظام حكم معين، كان موضوعاً أساسياً في الصراع بين المذاهب السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي سادت التاريخ الإنساني منذ نهاية القرن الثامن عشر حين أصبح الفكر السياسي يذكر مصطلح الديمقراطية مقروناً بإحدى المفردات المعبرة عن هذه المذاهب مثل : الديمقراطية الليبرالية أو البرجوازية، و الديمقراطية الاشتراكية أو الاجتماعية، و الديمقراطية التوتاليتارية (الشمولية) أو السلطوية، و الديمقراطية الشعبية، و الديمقراطية الصناعية، و الديمقراطية الإسلامية، و التكنو-ديمقراطية …الخ.
صور الحكم الديمقراطي
يتميز الحكم الديمقراطي، كما أشرنا سابقاً، بإشراك الشعب في ممارسة السلطة، سواء قلنا إنّ السيادة تعود، من الناحية الفلسفية، للأمة أو للشعب. و تختلف صور الحكم الديمقراطي تبعاً لكيفية أو لمدى مشاركة الشعب في ممارسة السيادة أو السلطة. وبهذا الصدد يمكننا أن نميز ثلاثة صور للحكم الديمقراطي : الديمقراطية المباشرة، الديمقراطية شبه المباشرة، و الديمقراطية التمثيلية.
-
الديمقراطية المباشرة:- لكي نفهم ماذا نقصد بالديمقراطية المباشرة، يجدر بنا تحديد مضمون هذه الديمقراطية و تطبيقاتها و مستقبلها حيث .تعتبر الديمقراطية المباشرة النموذج المثالي للحكم الديمقراطي، لأنها تسمح للشعب بممارسة السلطة بنفسه، فيكون المواطنون محكومين و حكاماً في نفس الوقت.فالديمقراطية المباشرة نظام بمقتضاه يباشر الشعب، صاحب السيادة، السلطة بدون وسيط من نواب أو ممثلين عنه، فيتولى الشعب السلطات جميعها من تشريعية و تنفيذية و قضائية (يضع القوانين، و يشرف على تنفيذها و على سير المرافق العامة، و يقيم القضاء بين أفراده). فالشعب يجتمع بشكل جمعية عامة من أجل إقرار القوانين، و اتخاذ القرارات الحكومية كتعيين الموظفين و إبرام العقود و المعاهدات، و يتخذ القرارات القضائية.
-
الديمقراطية شبه المباشرة:- هي نظام وسط بين الديمقراطية المباشرة و الديمقراطية التمثيلية. حيث تأخذ الديمقراطية شبه المباشرة ببعض مظاهر الديمقراطية المباشرة التي تعتمد على ممارسة الشعب للسيادة بدون وسيط، و تعتمد أيضاً بعض مظاهر الديمقراطية التمثيلية التي تعتمد، كما سنرى لاحقاً، على تفويض حق ممارسة السيادة إلى نواب أو هيئة نيابية تمثل الشعب، وتضطلع بمهام الحكم نيابة عنه. اما مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة فيمكن ملاحظتها في عدة مظاهر أو وسائل تميز الديمقراطية شبه المباشرة فتجعل منها نظاماً وسطاً بين الديمقراطيتين المباشرة والتمثيلية. و يمكن إجمال هذه المظاهر في نقطتين : مشاركة الشعب في العمل التشريعي، و رقابة الشعب على البرلمانيين. وتتمثل مشاركة الشعب في العمل التشريعي في الاعتراض الشعبي، والاقتراح الشعبي، والاستفتاء الشعبي.و مما تجدر الإشارة إليه هنا، أن المبادرة في طرح أو اقتراح الاستفتاء الشعبي يمكن أن تعود (بحسب النص الدستوري) إلى السلطة التنفيذية، أو إلى المواطنين، أو إلى البرلمان . كما تجدر الاشارة الى رقابة الشعب على البرلمانيين ،ومن مظاهر رقابة الشعب على البرلمانيين : العزل الشعبي و الحل الشعبي. فالعزل الشعبي للنائب هو إجراء ديمقراطي شبه مباشر يعزل بموجبه بناء على طلب شعبي البرلماني في البرلمان (أو من يشغل وظيفة عمومية بالانتخاب) لكونه لم يعد يحظى برضى الناخبين. و العزل الشعبي، الذي أساسه التقليد الإنكليزي في مجلس العموم، يفسر نوعاً من الحذر تجاه الديمقراطية التمثيلية، و يجسد نوعاً من الرقابة الشعبية المستمرة على السلطة. و من الناحية العملية و الفنية يتم العزل الشعبي على النحو التالي : يطلب عدد معين من المواطنين الناخبين (يحدده الدستور) عزل نائب معين، و في هذه الحالة يتم إجراء انتخابات جزئية أو فرعية على المقعد الذي يشغله هذا البرلماني، و يمكن، أو يتوجب، على البرلماني محل العزل الترشيح، فإذا حصل هذه البرلماني على الأقلية ينسحب و يحل محله من حصل على الأغلبية، و إذا حصل البرلماني محل العزل على الأغلبية يعتبر و كأنه أعيد انتخابه. اما الحل الشعبي للبرلمان فانه يتم عندما يكون العزل الشعبي يتناول جميع أعضاء المجلس أو البرلمان، و من الناحية العملية و الفنية يتم هذا الأمر على النحو التالي : يطلب عدد معين من المواطنين الناخبين (يحدده الدستور) حل البرلمان، فيتم تنظيم استفتاء شعبي حول هذا الموضوع، فإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض فيبقى البرلمان، وإذا كانت النتيجة بالإيجاب فتتم الدعوة لانتخابات جديدة. هذا الأسلوب كان مطبقاً في بعض المقاطعات الألمانية، و لا يزال مطبقاً في بعض المقاطعات السويسرية.
-
الديمقراطية التمثيلية أو النيابية :- المقصود بالنظام التمثيلي، أو الديمقراطية التمثيلية، النظام الذي يمارس فيه الشعب السلطة بواسطة ممثلين أو نواب (و لذلك يسميه البعض بالنظام النيابي)، أي أن مجموع المواطنين الذين يشكلون الجسم الانتخابي (من يملك من المواطنين حق الانتخاب) يقومون بانتخاب ممثلين أو نواب عنهم، يباشرون السلطة مكانهم و باسمهم.و كما أشرنا سابقاً فإن القول بنظرية سيادة الأمة، كإحدى النظريتين الديمقراطيتين لتفسير أساس السلطة، يؤدي بالضرورة إلى نظام حكم قائم على التمثيل. بمعنى آخر إن النظام التمثيلي هو النتاج الطبيعي لنظرية سيادة الأمة. هذا النظام التمثيلي يمكن تعريفه بأنه النظام الذي تكون فيه الهيئة التمثيلية (المنتخبة) بموجب الدستور مالكةً التعبير عن إرادة الأمة. و قد أخذت الغالبية العظمى من الدول الديمقراطية بالنظام التمثيلي المستند إلى مبدأ سيادة الأمة، لاعتبارات : مادية و عملية، و عقلانية و سياسية.واجه النظام التمثيلي، و يواجه حتى اليوم الكثير من النقد. و يمكن أن نميز في هذا الإطار تيارين أساسيين: الأول ينتقد الديمقراطية التمثيلية، و يراها بأنها ليست النظام الأفضل، و يحاول التغلب على السلبيات الناجمة عنها، و ذلك عن طريق بعض الآليات الإضافية التي اشرنا لها مثل مظاهر رقابة الشعب على البرلمانيين المتمثلة في العزل الشعبي و الحل الشعبي، أما التيار الثاني فيرى أن الديمقراطية التمثيلية ليست سوى نظام فاسد لا يمكن إصلاحه من خلال بعض التعديلات عليه، و لكن لابد من تغييره كاملاً و إحلال نظام جديد محله. وحتى أنصار النظام التمثيلي يرون أنه لا يخلو من بعض الانتقادات، و لكن يعتبرونه كنظام هو أفضل الممكن الذي توصلت له الفلسفات الانسانية حتى الان.
آلية إسناد السلطة في النظام التمثيلي
إنّ مبدأ مشاركةالشعب أو المواطنين في السلطة يعتبر من أهم المبادئ التي تميز النظام التمثيلي. هذه المشاركة في السلطة تتم من خلال الانتخاب، الذي يعتبر الوسيلة الأساسية لإسناد السلطة في الديمقراطية التمثيلية. فوجود برلمان منتخب من الشعب يعتبر جوهر النظام التمثيلي. و لكن هناك عدة عوامل تسهم في الوصول إلى البرلمان المنتخب، و قد تؤثر هذه العوامل سلباً أو إيجاباً في التقريب أو الابتعاد عن محتوى فكرة الديمقراطية، التي تقوم على قاعدة المشاركة الشعبية بأوسع نطاق.
لكن يجب ان نشير الى ان ممارسة السلطة لا تتحقق وفقا للمبادئ الديمقراطية الا اذا كانت هناك نصوص تبين اختصاصات كل هيئة ووسائل احترامها وتبين حقوق وحريات الأفراد وضمانات ممارستها ذلك أن ما يلاحظ على الأنظمة السياسية المعاصرة هو ذلك التفاوت بين ما تتضمنه النصوص والممارسات الواقعية بسبب تضارب المصالح وتعارض الاتجاهات في ظل تنظيمات محكمة تعتمد على وسائل عديدة على رأسها الإعلام الذي توظفه الفئة الحاكمة لخدمة برامجها و أحيانا فوضها الى جانب وسائل الاكراه الأخرى . المتنوعة المستعملة لضرب كل محاولة تستهدف المساس بالنظام بمفهومه الواسع ومن هنا تتحقق مقولتنا المتمثلة في أن المواثيق والدساتير والقوانين والمؤسسات لا تعتبر سوى وسائل أو أطر يستعملها الإنسان لتحقيق أغراض معينة.