أ.د. سيّار الجميل
نوروز : عيد عالمي
عدّ نوروز من قبل اليونسكو عيدا عالميا عام 2009 ، وفي 21 – 24 آذار / مارس 2013 ، عقدت حكومة تركمانستان مؤتمرا دوليا في العاصمة عشق آباد احتفاء بهذا العيد ، وكنت أحد المدعوين اليه بالقاء محاضرة عن الجذور التاريخية لنوروز ، وقد صدرت اعمال المؤتمر بعدة لغات ، وكنت كتبت تفاصيل المؤتمر في مقال نشرته يوم 27 مارس / آذار 2013 ، في جريدة البيان شرحت فيه طبيعة المؤتمر الذي اشترك فيه رؤساء وعلماء من دول عدة ، بسبب رسوخه منذ القدم لدى عدة شعوب آسيوية. وكان يوم افتتاح المؤتمر يوماً تاريخياً ، حيث حضره في أكاديمية العلوم بتركمانستان، رؤساء عشر دول اجتمعوا مع قرابة خمسين عالماً في مختلف التخصصات من العالم كله.
نوروز الرؤساء والعلماء
القى الرؤساء خطباً ، رفقة كلمة السكرتير العام للأمم المتحدة، ثم حضر الجميع مهرجاناً كبيراً يحكي قصة نوروز التراثية عند التركمان الأشداء وفولكلورياتهم الجميلة، ثم جلس الجميع معاً؛ رؤساء وعلماء وسفراء وصحافيين وفنانين ومراقبين من مختلف الشعوب، وكنا على مائدة واحدة في ضيافة الرئيس قربان قلي بردي محمدوف، في خيمة كبرى، وقد قدمت على المسرح لوحات فنية وفولكلورية رائعة، تمثل كل واحدة منها شعباً من الشعوب عن نوروز.. وقال مفتتحا، إنه حرص على أن يجمع القادة من الرؤساء والعلماء معاً بهذه المناسبة التاريخية التي ترمز إلى الخير والمحبة والجمال.. والتي يعتز بها نصف سكان الأرض.. كما ربطه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالإسلام، كونه مدعاة للخير والعطاء منذ آلاف السنين.. أما الرئيس الأفغاني محمد كرازاي، فقال إن نوروز يبعث الأمل في النفوس من أجل المستقبل.. واتفق معهم الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري وبقية الرؤساء..
نوروز : أقدم عيد عرفته البشرية منذ 5000 عاما
ولعل الأهم هو الذي قاله ممثل الأمم المتحدة : إن نوروز هو أقدم عيد عرفته البشرية منذ 3000 سنة قبل الميلاد، ولم يزل يحيا ويعيش في ضمير ملايين البشر، وها نحن نجتمع اليوم لنكون عشاق خير ومحبة وسلام في مثل هذا اليوم المسمى بنوروز؛ أي اليوم الجديد.
كان يوماً رائعاً عندما استمع آلاف الحضور من أبناء تلك المنظومة الآسيوية لخطب رؤسائهم، بعيداً عن السياسة، وهم يحكون مآثر عيد قديم جداً سيكون عاملاً مؤثراً في زرع المحبة والخير بين الشعوب، بعيداً عن الكراهية والأحقاد والحروب.. لقد تحدث رؤساء تركمانستان وإيران وأفغانستان وباكستان وتتارستان وأذربيجان وطاجيكستان وكازاخستان وقرغيرستان، وارمينيا وجورجيا وداغستان وكرجستان وممثل عن الرئيس التركي، وممثل عن الأمم المتحدة ، وتمنيت أن يكون بين الحضور أحد الرؤساء العرب، بل كان من الضروري أن يكون بين الحضور أحد القادة الكرد، لأن نوروز عيد للأكراد في كل العالم أيضاً، والأكراد يعتزون به اعتزازاً كبيراً، وكان العراق قد منح كل شعبه عطلة رسمية في عيد نوروز كل عام، احتفاء به منذ أكثر من ستين سنة. وقد قدم العديد من العلماء والأكاديميين الذين حضروا أعمال المؤتمر، عدة أوراق وأفكار عن هذه الظاهرة التاريخية، التي يجتمع حولها الملايين من سكان الأرض في عموم وسط وغربي آسيا وشرق أوروبا..
أصل نوروز : عيد سومري
وقد كشفت ورقتي عن الجذور التاريخية لهذا العيد الذي استقرت الأكثرية أنه يأتي في 21 مارس، حيث يبدأ الربيع ويرحل الشتاء وتتفتح الزهور في المراعي الخضراء، وخصوصاً زهور التولب الحمراء أو النرجس الصفراء.. وقد وجدت باعتمادي على بعض المؤرخين والآثاريين المعروفين في العالم، أن السومريين في بلاد ما بين النهرين كانوا أول من أوجد هذا اليوم باحتفالاتهم في الأيام الأخيرة من مارس وبدايات شهر أبريل، ثم أعقبهم البابليون والأكاديون والآشوريون والحيثيون.. وقد تطور كثيراً من قبل الأخمينيين والميديين الإيرانيين الذين استقر رأيهم على يوم 21 مارس من كل عام، مروراً بالساسانيين والبارثيين الذين انتشر على أيديهم انتشاراً كبيراً في غربي آسيا ، وادخلوا اليه شعل النار على رؤوس الجبال وعلى اسطح البيوت ..
الإسلام إزاء نوروز
ولما جاء الإسلام لم يقف سلباً من هذا العيد.. بل نجد نوروز حاضراً لدى الخلفاء العباسيين الذين احترموه وتمتعوا به كثيراً، وقال الشعراء العرب فيه شعراً جميلاً، وعلى رأسهم البحتري الذي قال:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً * من الحسن حتـى كـاد أن يتكلمـا
وقد نبه النوروز في غسق الدجى * أوائـل ورد كن بالأمـس نوّمـا
يفتّقهـا بــرد الـنـدى فكـأنه * يبثّ حديثـاً كـان قـبلُ مكتّـما
ومـن شجـر رد الربيـع لباسـه * عليه كما نشـّرت وشيـاً منمنمـا
نوروز : رمز الربيع والحب والحرية
وقد انتشر بين الأكراد والأتراك القدماء، ثم العثمانيين الذين نشروه في شرق أوروبا.. ووجدت أن لكل شعب من الشعوب ملحمة وأساطير تحكي جميعها عيد نوروز رمز الربيع والحب ، رددها ملايين البشر منذ الاف السنين. ولعل أحلاها ملحمة الكرد التي تضمنت معاني القوة والبطولة ضد الجور والطغيان، فاعتبر نوروز عيداً كردياً اسطوريا. ان العالم اليوم لا بد أن يستفيد من التراث الحضاري الإنساني، من أجل فهم أوسع للتعايش في المستقبل وطنياً. ولقد عقّبت ممثلة منظمة اليونسكو على كلمتي قائلة: إن بلاد وادي الرافدين وما حولها تعد منبت الأديان والأعياد والملاحم والأساطير .. وبهذه المناسبة اقدم اجمل التهاني والتبريكات الى كل الأصدقاء في العالم احتفاء بعيد نوروز وان تتحقق معاني الربيع والحب والحريات لكل شعوب الأرض في قابل .