استضافت مؤسسة الحوار الانساني في امسية ثقافية في مقرها بلندن خبير الاقتصاد النفطي الدكتور محمد علي زيني يوم الاربعاء 21 اذار 2018 للحديث عن واقع صناعة النفط في العراق والتحديات التي تواجهه وامكانية النهوض بهذا القطاع الحيوي بالنسبة للاقتصاد الوطني. محمد علي زيني ..سيرة حافلة ولد د. محمد علي زيني في مدينة النجف في سنة 1939 وأكمل مرحلتي الابتدائية والمتوسطة فيها، ثم أكمل مرحلة الدراسة الأعداية في مدينة الديوانية. نال شهادة البكالوريا (الثانوية) بتفوق وأُرسل ضمن البعثة العلمية لسنة 1956-1957 إلى إنكلترا لنيل شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية ،عاد الى العراق بعد إكمال دراسته في سنة 1962 واشتغل لدى المؤسسات النفطية التابعة لوزارة النفط. نال في سنة 1973 شهادة البكالوريوس بالقانون من خلال الدوام المسائي، واستقال في صيف 1975 من وظيفته كمهندس مشاريع أقدم فى المؤسسة العامة لمصافي النفط والتحق بجامعة كولورادو للمناجم (الولايات المتحدة الأمريكية) للحصول على شهادة الدكتوراه في اقتصاديات النفط.عاد الى العراق في سنة 1980 للعمل مع وزارة النفط، وفي تلك الفترة قام نظام الدكتاتور صدام حسين بأعدام إبن أخيه الدكتور رياض زيني وكذلك إعدام إبن أخته جليل حميد الخطيب وكان الأخير طالباً فى الصف المنتهي لكلية طب الأسنان. مثل العراق في اكتوبر 1982 في أحد مؤتمرات منظمة أوبك في فيينا، ورفض الرجوع بعد انتهاء المؤتمر إلى العراق لخدمة النظام الدكتاتوري. ثم غادر بعد ذلك مع عائلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية.إ شتغل في أمريكا في الصناعة النفطية، ثم استقال من وظيفته لدى شركة نفط إنتويل (Intoil) الأمريكية في سنة 1992 حيث كان يشغل منصب النائب التنفيذي لرئيس الشركة، وذلك من أجل التفرغ لكتابة كتاب (الاقتصاد العراقي: الماضي والحاضر وخيارات المستقبل). تم إكمال الكتاب ونُشرت الطبعة الأولى في صيف 1995. ثم صدرت طبعات منه منقّحة ومزيّدة في 2003 و2009 و2010. أشتغل خلال 1999 – 2010 لدى مركز دراسات الطاقة العالمية بلندن بوظيفة خبير ومحلل نفطي واقتصادي. ضمن اختصاصاته في المركز كان مسؤولاً عن شؤون الاقتصاد السياسي لدول الشرق الأوسط، وبالأخص دول الخليج، ومشاركاً في تحضير تقارير النفط الدورية التي تصدر عن المركز، ومحللاً في شؤون النفط والغاز والطاقة العالمية والاقتصاد، كما كان يقوم بإعداد دراسات حسب ما تقتضيه حاجة المركز.دعي من قبل مجلس إعمار وتطوير العراق (IRDC) في كانون الثاني 2003 للالتحاق بفريق إعادة إعمار العراق بعد سقوط النظام. عمل مع الفريق الامريكي كمستشار لوزارة النفط العراقية لمدة أربعة أشهر (آيار – آب 2003) قضى معظمها في المشاركة بأعداد خطة إعادة اعمار البنية التحتية للصناعة النفطية بالعراق، بعد ذلك استقال من وظيفته نتيجة عدم قناعته بمسيرة عمل الفريق الامريكي والشركات المتعاقدة معه وكذلك نتيجة خيبة أمل كبيرة أثر الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها قوى الأحتلال وتدهور الوضع الأمني والخدمي والمعيشي في العراق، ثم عاد إلى لندن ليستانف عمله لدى مركز دراسات الطاقة العالمية. إضافة لعمله في مركز دراسات الطاقة العالمية، استمر خارج المركز بنشاطه فى النشر وحضور المؤتمرات مركزاً بذلك على شؤون العراق الأقتصادية بصورة عامة والنفطية بصورة خاصة. وفي سنة 2007 قاد حملة على الأنترنت لتعديل الدستور العراقي.كان آخر مؤتمر حضره في العراق هو مؤتمر خبراء النفط العراقيين في فندق الرشيد (بغداد) في آذار 2009 بناءاً على دعوة نائب رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح، وذلك من أجل وضع سياسة نفطية فاعلة بعد أن بدأ إنتاج النفط العراقي بالتدهور واحتمال تعرض الحكومة العراقية الى أزمة مالية خطيرة في حالة استمرار وزارة النفط بسياستها البائسة. أستقال في بداية 2010 من وظيفته لدى مركز دراسات الطاقة العالمية وذلك من أجل التفرغ لخدمة القضية العراقية بجميع نواحيها. خاض الأنتخابات النيابية العامة لسنة 2010 في العراق، مرشحاً عن محافظة النجف (مسقط رأسة) ولم ينجح في تلك الأنتخابات لأسباب عدة أهمها جهل الناخب والأستقطاب الطائفي والأثني في عموم البلاد. النفط والغاز ومحنة الشعب العراقي ابتدأ د. محمد علي زيني محاضرته بشرح وتوضيح المحنة الحالية التي يمر بها الشعب العراقي ،فذكر انها محنة ذات رؤوس متعددة منها ضعف الحالة الأمنية واستمرار العنف والجريمة ، قلة ورداءة الخدمات، تراجع الاقتصاد وانتشار البطالة، واستشراء الفساد. رؤوس المحنة هذه تستحق الدراسة الجادة لتحديد الأسباب واجتراح سبل المعالجة. إن أهم السبل لإعادة بناء الاقتصاد العراقي هو إعادة الحياة للقطاعين الصناعي والزراعي وخلق بيئة مؤاتية للاستثمار الخاص بما فيه الوطني والأجنبي. ومن بين الشروط التي تتطلبها البيئة المؤاتية للاستثمار هو توفير طاقة كهربائية رخيصة نظراً لاعتماد الصناعات الصغيرة والمتوسطة عليها، وكذلك توفير الطاقة الحرارية والمواد الخام الرخيصة المتوفرة داخل البلد إلى الصناعات الكبيرة، وأهم تلك المواد الخام المتوفرة بالعراق بكثرة هائلة وتصلح مصدراً للطاقة هي النفط والغاز الطبيعي. الفساد المستشري في القطاع النفطي يثير الفساد المستشري في العراق الآن شجوناً لا تنتهي عند أفراد الشعب العراقي المغبون. بدأ الفساد ينتشر على أشده بعد الإحتلال الامريكي وجاء على موجتين. الأولى بدأت مع الحاكم المدني بريمر وبمعية مجلس الحكم. والثانية بدأت برحيل ذلك الحاكم وما زالت مستمرة. لقد ارتكب المسؤولون العراقيون والطبقة السياسية ، شتى أنواع السرقات. نعم، إن الفساد المستشري في العراق لهو مثير لشجون الشعب العراقي، ومنهم العراقيون الذين اختاروا المهجر وهم مضطرون، لقد أشار تقرير سري صدرعام 2007 عن السفارة الأمريكية ببغداد، يبحث في الفساد المستشري في الوزارات العراقية، وقد نشرت الأسبوعية الأمريكية (The Nation) مسودة لذلك التقرير. لقد تحدث التقرير بالتفصيل عن حالة الفساد بالعراق وعن قلة متابعة حالة اللصوصية واللاأخلاقية التي اتسمت بها الحكومة العراقية، كما استخلص بأن الفساد في العديد من الوزارات أصبح هو القاعدة. وصوّر التقرير الحكومة العراقية بكونها تعج بالفاسدين والمجرمين الذين لا يمكن أن ينال منهم مفتشو محاربة الفساد، إن لم يكن أغلب هؤلاء المفتشين متواطئون معهم. وحين تصل مشكلة الفساد الى القطاع النفطي، وبالأخص تصدير النفط الخام، فتلك هي الطامّة الكبرى نظراً لأن الأموال التي تتضمنها هذه السرقات هائلة جداً، وهي مستمرة لغاية وقتنا هذا. إذ ما زالـت أجهزة قيـاس كميات الـنـفـط المنـتـج والـمـصـدر لم يكمل نصبهـا بعد. وقـد ذكر ذلك في البداية المجلس الدولي الاسـتـشـاري والرقابي (International Advisory and Monitoring Board “IAMB”) المعين من قبل الأمم المتحدة للإشراف على عوائد العراق النفطية، والذي انتهت مهمته بنهاية 2009، ذكر في 26/4/2009، إن الحكومة العراقية بطيئة جداً في نصب أنظمة قياس النفط المنتج والمصدر من أجل السماح بالشفافية المطلوبة لعمليات الإنتاج والتصدير. وقال المجلس “إن (IAMB) قلق لأن واحداً من بين التوصيات الأولى، منذ 2004، وهي المتعلقة بقياس النفط، تبقى غير كاملة التنفيذ. وقالت شركة التدقيق العالمية KPMG في آخر تقرير لها، وهي شركة اختيرت لتدقيق مصروفات صندوق تنمية العراق، “إن تحرياتنا في كانون الأول (ديسمبر) 2008 كشفت بان نصب منظومة قياس النفط لم يكمل منها سوى 33%… ولا يمكن التأكد من كميات النفط المنتجة في حالة غياب منظومة كاملة للقياس”. لقد استمرت الأمور على هذا المنوال وكأن سرقة المال العام واجب يجب الإلتزام به وتنفيذه خدمة لمصلحة الشعب والوطن. ولم يتحرك ضد هذا الإجرام المستمر أو يفضحه سوى المؤسسات الأجنبية كما ذكرنا أعلاه. كذلك لم يتحرك أحد من مجلس النواب، وهم من الناحية النظرية، ممثلو الشعب وحماة حقوقه.إن ما يجري الآن بحق بلد أضحى يتهدم باستمرار، وتنتشر بمدنه النفايات، وتسوده الجريمة، وينخر غالبية شعبه الفقر والمرض والجهل والتخلف والتشرد إنما هي جريمة تأريخية سوف لن تنساها الأجيال العراقية القادمة وهي تعيد بناء عراق الحضارات والعلوم والمدنية والنور. إضاعة حقوق الشعب لقد كان المأمول من وزارة النفط التعاون والتنسيق مع وزارة الصناعة ووزارة الكهرباء من أجل توفير الغاز الطبيعي بغية استعماله كمادة أولية في الصناعات البتروكيمياوية والكيماوية والأسمدة والصناعات كثيفة الطاقة (energy intensive) كصناعات الألمنيوم والصلب، وكذلك تجهيز الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية. إن الميزة الرئيسية التي يتميز بها الغاز العراقي كونه رخيص الثمن لإنتاجه مع النفط (associated gas)، ونظراً لرخص الثمن هذا، فإن المنتجات التي يدخل فيها الغاز – سواء كانت منتجات صناعية أم طاقة كهربائية – ستكون هي الأخرى رخيصة قياساً بالمنتجات التي تنتجها الدول الصناعية، كاليابان مثلاً، والقائمة على غاز مستورد بالأسعار العالمية. ونظراً لهذه الميزة الفريدة فإن الصناعات المحلية المستندة إلى الغاز ستتميز بأفضلية نسبية (comparative advantage) وبإمكانها عند ذاك منافسة مثيلاتها بالأسواق العالمية. ولقد استفادت الدول المجاورة للعراق والغنية بالغاز من هذه المزية، وبالأخص المملكة العربية السعودية التي تمكنت من إقناع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية والمنتجة للصناعات البتروكيمياوية كأمريكا واليابان ودول أوروبا الغربية بأن الغاز الطبيعي المستعمل لإنتاج البتروكيمياويات في المملكة هو رخيص بطبيعته لكونه مادة عرضية من جهة ولعدم تحمله كلفة النقل إلى الأسواق العالمية – وهي تعادل نحو 30٪ من السعر النهائي لتلك المنتجات – من جهة أخرى. ولقد حصلت السعودية على تلك الميزة التنافسية (competitiveness) عند دخولها عضواً في منظمة التجارة بعد مفاوضات مضنية دامت أكثر من عشر سنوات. والآن تأتي وزارة النفط، وبدلاً من الاستماتة في الدفاع عن حقوق الشعب العراقي في موارده الطبيعية لتحصل للعراق مزايا مثيلة لما حصلت عليه السعودية، نراها تفعل العكس وتهدر فرصة العراق التنافسية بجرة قلم عندما وقعت على اتفاقية استغلال غاز الجنوب – وهو يكون 83٪ من مجمل الاحتياطي الثابت لغاز العراق – لإنشاء شركة مشتركة (joint venture) مع شركة شل تكون مملوكة بنسبة 51٪ لشركة غاز الجنوب و49٪ لشرك شل على أن تقوم هذه الشركة الجديدة بشراء الغاز الخام بالأسعار العالمية وبيعه للمستهلكين المحليين (محطات توليد الكهرباء، المجمعات البتروكيمياوية، صناعات الحديد والصلب والأسمدة والأسمنت والصناعات الإنشائية … الخ) بالأسعار العالمية أيضاً بعد معالجته وفصله إلى غاز جاف وسوائل الغاز الطبيعي ومنها غاز التعبئة بالاسطوانات التي تستعملها ربات البيوت في المطبخ العراقي. وبهذا العمل ستفقد الصناعات العراقية المذكورة أفضليتها النسبية في الأسواق المحلية والعالمية، وستنافسنا المنتجات الأجنبية في عقر دارنا بدل أن نعمل العكس كما تفعل السعودية الآن. وستضمر الصناعات العراقية المستندة إلى الغاز وتختفي لأن منافسينا الأجانب يفضلونا بالوقت الحاضر بقدراتهم التكنولوجية والإدارية والتسويقية وكذلك بانتاجية القوة العاملة لديهم. وسوف لن تتمكن وزارة الكهرباء من تزويد الطاقة الكهربائية إلى القطاع الصناعي والقطاع الزراعي بأسعار تفضيلية لمساعدتها على النهوض والنمو والمنافسة بمنتجاتها محلياً وعالمياً. لقد قلتُ ذلك في مداخلتي التي ألقيتها بعد خطاب السيد وزير النفط في المؤتمر الكندي الهندسي صبيحة يوم 20/11/2008م في بغداد. ولقد أجابني الوزير خلال فترة « سؤال وجواب » بأن أسعار الغاز المجهز إلى الأسواق المحلية ستكون مدعومة، فلا ضير إذن من شراء الغاز من الشركة المشتركة بأسعار عالمية طالما أننا سندعمها وتباع محلياً بأسعار مخفضة. ولقد أدهشني السيد الوزير بهذا الجواب فقلتُ له أن هذا هو عين الخطأ الواجب تجنبه، ذلك أن الدول الأعضاء بمنظمة التجارة العالمية سوف لن تقبل بالمنافسة غير العادلة(unfair competition) بتعريض منتجاتها للمنافسة مع منتجات مدعومة الأسعار من دول أخرى، ولمعالجة مثل هذه الحالات يتم تحميل أسعار المنتجات المدعومة تعريفات جمركية من شأنها إزالة آثار الدعم، وعندئذ ستفقد المنتجات العراقية أفضليتها النسبية بعد تعرضها لتلك العقوبات الجمركية. هذا ناهيك عن صندوق النقد الدولي الذي لا يوافق على سياسة الدعم ويطالب دوماً بتقليل الموجود منها تدريجياً بهدف إلغائها نهائياً. ولا أعرف لماذا تقبل وزارة النفط بعملية بيع الغاز الخام بالأسعار العالمية إلى الشركة المشتركة ثم شراء المنتجات من نفس الشركة بالأسعار العالمية أيضاً ثم تجهزها بعد ذلك إلى الأسواق المحلية بأسعار مدعومة، وتلك لعمري عملية تؤدي إلى تشويه أسعار الصناعات العراقية وتعرضها بالتالي إلى عقوبات المنظمات العالمية، بدلاً من تجهيز الغاز إلى الأسواق المحلية بسعره الحقيقي وهو منخفض أصلاً ولا يحتاج لأي دعم، وبذلك تحافظ المنتجات العراقية على تنافسيتها وأفضليتها النسبية بالأسواق العالمية دون أي تدخل أو محاسبة من قبل المنظمات العالمية. أليس الذي تقوم به وزارة النفط بموجب هذا العقد هو كمثل مَن يقوم بشق بطنه بدون مبرر ثم العمل على خياطتها وينتهي بالتالي بتشويهها ؟ تمويه متعمد؟ ختاماً نسأل هل في مصلحة الشعب العراقي المظلوم والجريح أن تقوم شركة شل بتكبيل وزارة النفط وتقييدها لمدة قد تستمر 18 شهراً لا يمكن لوزارة النفط خلالها حتى التكلم مع طرف ثالث حول استغلال الغاز بصورة عقلانية ومفيدة للشعب في وقت يعاني فيه هذا الشعب شتى أنواع المعاناة، وهو بحاجة للحصول على المال اليوم قبل غدٍ، وها هي أسعار النفط قد انخفضت ولا تعرف الحكومة كيف تتصرف لكونها أصبحت تعتاش على موارد النفط بصورة كلية تقريباً، ولا مورد لها آخر يستحق الاعتبار؟ ولماذا لم تقم وزارة النفط بتصليح كابسات الغاز وبعض المنشآت السطحية من أجل تأهيل مشروع غاز الجنوب وإعادته إلى الإنتاج، علماً أنه كان المفروض بعملية التأهيل هذه أن تكمل في نيسان 2004 بموجب خطة إعادة بناء المنشآت النفطية، وكنت أحد المشرفين على تحضير تلك الخطة. وبعد مرور سنوات ، وبدلاً من إنجاز عملية تأهيل غاز الجنوب ليصبح منتجاً كما كان قبل الغزو، قامت وزارة النفط بإيكال المهمة لشركة شل مقابل مشاركتها بحصة تقارب نصف الغاز (49٪) وبتسعير تشويهي للغاز المنتج قد يقود إلى تدمير الصناعات العراقية المستندة إلى الغاز، كما أوضحنا أعلاه، فهل هذا هو نصيب الشعب العراقي بعد كل هذا الانتظار؟ ثم لم هذا الدلال الخاص لهذه الشركة؟ ومَن يقف وراء هذا الدلال بالضد من مصلحة الشعب؟ قانون شركة النفط الوطنية الجديد تنفجر قنابل دعائية تعمي الأبصار وتصم الآذان هذه الأيام. إنها تتحدث عن إنشاء شركة نفط وطنية عراقية عملاقة عامة ستضع كل نفط العراق بالجيب. فهي المالكة لكل شيئ يتعلق بنفط العراق كما أشار لذلك مؤخراً بعض خبراء النفط العراقيين الوطنيين. وإن حاصل بيع النفط والغاز العراقي إنما هي إيرادات مالية خاصة بالشركة. كما أن بإمكان هذه الشركة أن تفعل ما تريد وتلتهم ما تريد. فمجلس إدارة هذه الشركة يملك صلاحيات أعلى من كل ما يملكه مجلس الوزراء ومجلس النواب وجميع مؤسسات الدولة الأخرى. إن هذا المجلس هو الذي يوصي كم من واردات الشركة سيخصص لتمويل ميزانية الحكومة السنوية. كما أن قانون الشركة يجيز لها صلاحيات حكومية صرفة كإنشاء صناديق “المواطن” و”الأجيال” و”الإعمار”، ويسمح للإقليم بالإحتفاظ بعوائد النفط والغاز المنتج بداخله، وذلك بخلاف ما يتم العمل به حالياً. لا نريد للشعب العراقي أن يعيش مسلوباً هكذا. نريده أن يكون المالك الوحيد لثرواته كافة، غير المنقولة منها والمنقولة كذلك. نريد شركة نفط وطنية ملكاً للشعب وتأتمر بأمر الشعب وتعمل لمصلحته. نريد أيضاً شركة غاز وطنية على منوال شركة النفط الوطنية المنشودة من حيث العائدية والإدارة. نريد من شركة الغاز الوطنية هذه أن تستغل الغاز العراقي للبدئ بثورة صناعية محلية مادتها الغاز الرخيص بطبيعته باعتباره ناتجاً عرضياً مع النفط، ليكون هذا مصدراً رئيسياً لتوليد الطاقة الكهربائية ومادة أولية للصناعات البتروكيمياوية والكيمياوية، مستغلين بذلك مزاياه العديدة من بينها رخصه قياساً بالنفط ونظافته لكونه أقل تلويثاً للبيئة كما هي الحال مع مصادر الطاقة الهايدروكاربونية الأخرى. نريد التخلص من شركة غاز البصرة المشبوهة الناتجة عن الشراكة الغبية الحمقاء مع شركتي شل ومتسوبيشي لاستغلال غاز الجنوب وتسييله وتصديره الى الخارج فيما الغاز العراقي يحرق الفائض منه هدراً، بملايين الأقدام المكعبة يومياً من جهة، ثم تقوم السلطة باستيراد الغاز الإيراني من جهة أخرى. أية إدارة غبية هذه، لكي لا اقول إنها إدارة فاسدة بالعمد! خلال استقصاء سريع ، تبين منه أن دخل الحكومة العراقية خلال العشر سنوات 2004-2014 بلغ، تخمينا، نحو 750-800 مليار دولار، علماً أن 95% تقريبا من تلك الأموال جاءت من الصادرات النفطية، أي كونها ريعية، أي أنها “غير متعوب بها”. وإذا افترضنا أن معدل الميزانية السنوية هو 40 مليار دولار لمواجهة الرواتب والأجور والتقاعد ومصاريف أخرى متفرقة (وهذا ما يدعى بالميزانية الإعتيادية) لوجدنا أن الفائض عن الحاجة سيبلغ نحو 350 الى 400 مليار دولار خلال فترة العشر سنوات المذكورة. من المفترض أن هذه الأموال الفائضة ومقدارها نحو 450-350 مليار دولار ستكون من نصيب الميزانية الإستثمارية، ولكن ماذا حدث لهذا الإستثمار، وأين هي آثاره بحق السماء؟! هل توزعت الإستثمارات المفترضة على التعليم وبناء المدارس والصحة وبناء المستشفيات؟ أو بناء البنية التحتية المتهرئة ومنها بناء طرق جديدة وإصلاح القديم منها؟ أوصيانة المجاري وتأسيس مجاري جديدة حسب الحاجة؟ أوتوفير مياه صالحة للشرب لشعب تتزايد نفوسه باستمرار؟ أوتوفير الطاقة الكهربائية وهي أساس الحركة في البلاد؟ أو العناية بالريف ومواجهة احتياجاته المختلفة؟ أو بناء القطاع الزراعي ومشاريع الإرواء باستغلال التقنيات الجديدة؟ أو النهوض بالقطاع الصناعي على شاكلة القطاع الزراعي؟ أومعالجة مشكلة القطاع العام الفاشل؟ أو القضاء على البطالة المتفشية والتوقف عن تكديس الموظفين والعمال في جهاز الدولة، وتلك بطانة مقنعة بامتياز؟ وماذا عن الخطط الخمسية وما الذي جرى لها وما هو الذي تم تنفيذه منها؟ أليس العراق الآن، بفضلكم أيها السادة المسؤولون، قاعاً صفصفا؟ كل تلك الأمور مسكوت عنها من قبل المسؤولين أو أنها منسية. ثم جاءت داعش والحرب على داعش وضرورة نسيان كل شيئ حتى يتم تطهير البلاد من داعش، وكأنما فكرة القتال بيد والبناء باليد الأخرى لا وجود لها إلا لدى الأمم المتقدمة! وكأنما سواعد الشباب خلال الحرب على داعش، وحتى قبل الحرب على داعش، قد تم استنفاذها ولم يبق حتى واحد من العراقيين عاطل عن العمل، وكأنما جيوش العاطلين عن العمل من الشعب العراقي خلال كل هذه السنوات العجاف إنما هي جيوش وهمية لا وجود لها! فيما الحقيقة المرة الصادمة أن المتنعمين الجالسين على كراسي السلطة كل هذه السنوات العجاف هم الذين سرقوا أموال الشعب! بل، وكما يبدو، أنهم يريدون التمدد أكثر وأكثر على كراسي السلطة وكأنما الدمار الذي نشروه في العراق وشعبه لم يكفهم بعد. أنظروا الى شروط سانت ليغو المقترح تطبيقها في دورة الإنتخابات النيابية القادمة وماذا يريدون من ورائها. إنهم يريدون التمسك بالسلطة حتى بطرُق البهتان. فطريقة سانت ليغو المفروضة الآن للتطبيق إنما تفضل الكتل الكبيرة. إن القطط السمان مازالت متمسكة بمقاعدها. يالها من فضيحة! لم يبق لنا إلا أن نطالب الشعب العراقي النبيه أن يحاصر في الإنتخابات القادمة سلوك هذه الحكومة الذي أقل ما يقال فيه أنه مشين، ويخمد مقاصد السلطة العفنة بمكانها. .