صادق الطائي / لندن
استضافت مؤسسة الحوار الانساني في لندن الدكتور خالد الشافي يوم الاربعاء المصادف 11/2/2015 في محاضرة ناقش فيها كتاب ( مسببات الانغلاق الفكري في الاسلام ) للكاتب الامريكي روبرت ريلي ، وفي البدء لابد من التعريف بالكاتب والكتاب موضوع النقاش .
روبرت ريلي كاتب ومفكر امريكي شغل عدة مناصب حكومية ربما كان اخرها مستشار لهيئة الاعلام العراقية ابان حقبة الحاكم المدني الامريكي بول بريمر عام 2003 ، كما عمل مديرا لاذاعة صوت امريكا وهو عضو مجلس السياسات الخارجية الامريكية ويكتب في عدد من الدوريات البارزة في الولايات المتحدة مثل مجلة الشؤون الامريكية ، كما كان ضيفا في العديد من البرامج التلفزيونية محللا استراتيجيا لشؤون الشرق الاوسط .
اما الكتاب وبحسب عدد من المراجعين والنقاد فانه يقدم مفتاحا لفهم مايجري على الارض ومايشهده العالم اجمع وليس الشرق الاوسط فحسب مما يطلق عليه (ظاهرة الارهاب الاسلامي الراديكالي) ، ويصفه الصحفي انجيلو كودفيلا بأنه “كتاب متجاوز في العمق حتى أفضل جهود برنارد لويس. فعندما تقرأه لا تشعر بأنك مطلع على شؤون الشرق الاوسط فقط ولكنه يمنحك القدرة على ان تفهم محاولات الغرب المستمرة لمنع ظهورعصورا مظلمة جديدة”.
في هذا الكتاب يفسر ريلي “اهمية عقلنة الاسلام موضحا ان هذا الامر هو الترياق الوحيد الذي يعالج الأمراض الروحية الدافعة بالشباب المغرر بهم لتبني منهج الارهاب ومن ثم القيام بعمليات ارهابية في كل مكان في العالم ” ، وفي تتبعه لهذا الشأن يتسائل ريلي في كتابه ؛ هل من جدوى في ما نقوم به في العراق وأفغانستان بعد تسع سنوات على هجمات 9/11 ( الكتاب صدر عام 2010) ، وإنفاق مليارات الدولارات المأخوذة من دافعي الضرائب الأمريكية والتضحية بآلاف الأرواح الأمريكية، و مايزيد على مئات الآلاف من الأرواح العراقية والأفغانية؟ هل نحن هناك لإنقاذ العالم العربي والاسلامي من خلال فرض الديمقراطية وفق نموذجها الغربي ؟ ام نحن ببساطة هناك للدفاع عن مصالحنا القومية دون الاكتراث بما سيجره ذلك على المنطقة ؟ أم أنها وكما يشير البعض ممن يناهضون السياسية الامريكية ، انها محاولة تمدد امبراطوري جديد يغزو العالم عبر حماية المصالح الامريكية في المنطقة مهما كانت النتائج والخسائر؟
ويجيب روبرت ريلي على هذه الاسئلة مبينا أن الإجابات على مثل هذه أسئلة لا تكمن في الاعمال العسكرية فقط ، وبين مشيرا الى ان الأدلة التاريخية تثبت أن الغرب المسيحي والدول الاسلامية ستبقى غير متوافقة مالم يحدث نوع من الإصلاح في العقلية الإسلامية وان لهذا الاصلاح الكثير من الجذور التاريخية في منظومة اللاهوت والفكر الفلسفي الاسلامي والتي يجب على الغرب مناقشتها وفهمها ومساعدة العالم الاسلامي على استلهامها من جديد
لقد ابتدأ الدكتور خالد الشافي محاضرته بطرح تساؤل ؛ لمذا يناقش موضوع هو بين الفكر والسياسة واللاهوت وهو الطبيب الاختصاصي ؟ واجاب ان روبرت ريلي مؤلف الكتاب يجيب على هذا التساؤل في متن كتابه مشيرا الى ان الاصلاح المنشود في العالمين العربي والاسلامي هو مهمة النخب المثقفة بالدرجة الاولى وبالطبع سيكون هنالك دور فاعل لرجال الدين والمؤسسات الدنية الرسمية والشعبية في هذا الامر .
ثم اشار الشافي الى التتبع التاريخي الذي تناوله الكتاب مبينا ان هنالك ثنائية مهمة في الفكر الاسلامي هي ( الجبرية والقدرية ) التي ظهرت في القرن الاول من الاسلام ، حيث تبنى فقهاء السلطة مبدأ الجبرية الذي يحيل الى ان الانسان مسير وغير مخير في كل الافعال التي يقوم بها ، في اشارة الى قدرية الاحداث السياسية حيث يكون حكم خلفاء بني امية وكأنه قدرا مقدرا من الله وبالتالي يجب الخضوع له ، في حين تبنى فقهاء المعارضة مبدأ القدرية واكدوا على ان الانسان يمتلك هامشا من الحرية وانه مسؤول عن افعاله ، لانه لو كان مسيرا وبأمر الهي فليس من العدل الالهي محاسبته في الحياة الاخرى على اعمال هو لم يختارها بمحض ارادته .
ثم عرج الدكتور خالد الشافي الى المرحلة الثانية من الصراع الفكري الذي تولد من الصراع الاول ولكنه هنا اتخذ شكل الصراع بين الفقهاء والفلاسفة العقلانيون ممثلين في ( المعتزلة ) وبين فقهاء التشدد ورثة الجبرية الفلسفية ممثلين في فقهاء ( الاشاعرة ) . وقد حدث هذا الصراع ابان العصر العباسي الاول ، وقد بلغ ذروته في تبني بعض خلفاء بني العباس المتنورين فكر المعتزلة واهمهم المأمون ، الذي كان مؤمنا بالمذهب المعتزلي العقلاني ، والذي في زمنه اصبحت كل المناصب المهمة من ادارة وقضاء وامارة بيد المعنزلة ، والذين بدورهم اضطهدوا مخالفيهم من الاشاعرة .
لقد شهد عصر المأمون اكبرازمة فكرية في التاريخ الاسلامي وهي ما اطلق عليه ( محنة خلق القرآن ) التي طرحها المعتزلة واصفين القرآن بانه كلام الله الحق وهو تاريخي و حديث ، بينما قال الاشاعرة ان القرآن هو كلام الله الحق وهو ازلي قديم ومحفوظ من التغيير بأمر الله ، وقد حاججهم المعتزلة بأن الله فقط هو القديم ومن الشرك منح هذه الصفة لاي شيء اخر لانه سيكون شريكا لله في القدم ، وقد راح ضحية هذه المحنة الكثير من الفقهاء والفلاسفة ، حتى ان الفقيه كان يسأل هل القران مخلوق ام قديم وبحسب اجابته قد يحصل على الوظيفة او يجلد ويلقى به في السجن لفترات غير محددة ، وهذا ماحصل مع الامام احمد بن حنبل صاحب المذهب الحنبلي ومن الفقهاء المهمين في عصر المأمون ، الذي جلد وعذب والقي في السجن حتى خلافة المتوكل الذي افرج عنه واعاد له الاعتبار في ردة من بيت الحكم العباسي على المذهب العقلاني وتبنيهم الفكر الاشعري.
وأشار الدكتور الشافي الى اهمية هذا الامر ، اذ ان الاتجاه العقلاني الذي ساد في فترة محدودة لم يكن تأثيره محصورا في الفقه او اللاهوت او الفلسفة بل انعكس ذلك الانفتاح على الفلسفة والعلم وتشجيع ترجمة كل منجزات الحضارات الاخرى شرقية وغربية ، وهذه الفترة تعد بحق فترة الترجمة وتلاقح الحضارات الذهبي في التاريخ الاسلامي .
ولم تلبث هذه الصحوة السريعة ان انزوت وصعد نجم الاشاعرة الذين سيطروا على الحياة الفقهية والقضائية والثقافية منذ زمن المتوكل – بداية العصر العباسي الثاني – وقد اصبح المنهج الاشعري هو المنهج الرسمي للدولة مما اشاع نمط انغلاقي في العقل الاسلامي كان ممتدا من ابو الحسن الاشعري الى الامام الغزالي وصولا الى فقهاء متأخرين مثل ابن القيم الجوزية وفي عهد متأخر في زمن سيطرة التتار على المنطقة ظهر فقيه هو ابن تيمية كان له الاثر الاكبر في اشاعة نمط من الفقه الحنبلي الاكثر تشددا في تاريخ الفكر لنصل في القرن الثامن عشر الى فقيه نجدي هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي عرف بتأسيسه لما عرف بعد ذلك بالوهابية التي كانت حاضنة خصبة للفكر التكفيري المتشدد .
ثم وضح الدكتور الشافي ان روبرت ريلي يؤكد في كتابه على ان الغرب لايكمن دوره في الحل العسكري وانما في مساعدة العالم الاسلامي والعربي لاعادة دور العقل في نمط الفكر الديني ، وان ريلي يصر على ان لا احد في العالم يمكنه انجاز ذلك سوى المسلمون والعرب انفسهم ، لانها ازمة عقل ووعي داخلية والعرب هم المسؤولون لايجاد طرف للخروج منها .
ثم طرح الضيوف عددا من الاسئلة والمداخلات التي اجاب عنها الدكتور خالد الشافي مغنيا الموضوع وموضحا ماخفي من تفاصيله اثناء المحاضرة .