– صادق الطائي
استضافت مؤسسة الحوار الانساني في لندن يوم الاربعاء المصادف 4/2/2015 الدكتور سعد الفتال في امسية ثقافية تحدث فيها عن بغداد القديمة واهم معالمها العمرانية ومناطقها وشوارعها المعروفة في سياحة عبر ارشيف من الصور وقد ادار الجلسة الدكتور خالد موسى حسين .
والدكتور سعد الفتال اخصائي جراحة العضام ، حاصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في الجراحة من جامعات المملكة المتحدة ، زميل كلية الجراحين الملكية في كلاسكو ، وهو كاتب وجامع ومؤرشف مهتم بالتراث الشعبي له العديد من المحاضرات و المقالات في تاريخ الطب والتراث الشعبي .
وقد كانت محاضرة الدكتور الفتال محصورة بالتعريف بالجانب الشرقي من يغداد التاريخية المعروف بجانب الرصافة وذلك لضيق الوقت ، لان موضوع بغداد ومعالمها في ارشيف الدكتور الفتال يحتاج الى اماسي عديدة فهو يحتفظ بالاف الصور لكنه انتقى منها مايعرف بعجالة بالرصافة من بغداد ، وقد ابتدأ الامسية بالقول ان مدينة بغداد وكما هو معروف قد تأسست عام 762م على يد الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور وقد امر ببناء المدينة الجديدة لتكون عاصمة لدولة بني العباس ، وقد اختار جانب الكرخ مقرا للمدينة الجديدة التي تحوي قصور الخليفة والامراء ودواوين الدولة ومعسكر الجيش ولكن التوسع الذي حدث في المدينة بعد ذلك جعلها تتوسع فتعمر في جانب الرصافة مدينة يسكنها العامة من الشعب وتحوي الاسواق والمدارس والحمامات والجوامع وغبرها من متطلبات المدن في القرون الوسطى .
وقد بني سور حول الرصافة عام 1095 م في زمن المستظهر بالله العباسي وهو سور يحيطها من جوانبها الثلاثة الشمالي والشرقي والجنوبي اما من ناحية الغرب فانها محاذية لنهر دجلة ، وقد اكنمل بناء السور عام 1120 في زمن ابن الخليفة المستظهر بالله وهو الخليفة العباسي المسترشد بالله وقد احتوى السور على اربعة ابواب هن بالتسلسل الباب الشمالي او باب الشام والجنوبي او باب البصرة والجنوبي الشرقي وهو باب الكوفة والباب الشرقي او باب خراسان ، ويبلغ طول السور حوالي 12 كيلومتر او حوالي 18 الف خطوة بالمقياس القديم وقد بني من الاجر والطابوق وهو سور الغاية الاساسة منه حماية المدينة من الغزوات الخارجية كما تشاهدون في الصور . لذلك فهو يحتوي على ابراج للقتال كما يحيط بالسور خندق مائي لعرقلة تقدم القوات الغازية ومنعها من التقرب لسور المدينة ، وكلنا نعرف اليوم حديقة الامة في وسط بغداد او التي عرفت عند انشائها بحديقة الملك غازي في منطقة ساحة التحرير اليوم ، وانتم تلاحظون انها منخفظة عن مستوى الارض ، لذلك يجب ان تعرفوا ان منخفض حديقة الامة كان جزءا من الخندق المائي المحيط بسور بغداد اذ كانت هذه هي حدود المدينة تاريخيا .
ومع عرض الصور بالتسلسل ابتدأ الدكتور سعد الفتال بشرح ما يظهر مع كل صورة معرفا بمعلومة تاريخية مبتدأ من الباب الشمالي لبغداد وهو الباب المعظم وهو من ابرز واهم ابواب المدينة وتقع بالقرب منه محلة تاريخية تحمل اسم محلة السور ، و نلاحظ في اقدم الصور التي تعود الى بدايات القرن العشرين ان هذا الباب كان قائما ، كما نلاحظ في هذه الصور جامع الازبك الذي بني عام 1682 م ، كما نلاحظ في عدد من الصور المقاهي النتشرة قرب الباب المعظم وهي قريبة مما كان يعرف بالقلعة وهي مبنى من مباني حكومة الولاية في العهد العثماني بنيت مكانه بعد ذلك وزارة الدفاع في الباب المعظم .
ويستمر الدكتور الفتال مشيرا الى ظهور جامع المرادية كما تظهر منطقة الكرنتينة خلف السور في بعض الصور وقد اشار الى انه سيأتي لاحقا على ذكر تفاصيل مبنى الكرنتينة والمنطقة المحيطة به .
ثم بين الكتور سعد اهمية الباب المعظم الذي سمي بهذا الاسم لان الخارج منه يتجه الى منطقة الاعظمية التي دفن فيها الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان وقد حضي هذا الباب بالتركيز في الصور الفوتوغرافية التي سجلت تاريخه نتيجة لدخول القوات البريطانية من هذا الباب يوم 11 اذار 1917 عند انسحاب القوات العثمانية منها ابان الحرب العالمية الاولى حيث تظهر العديد من الصور افواج الجيش البريطاني وهي تستعرض دخولها من الباب المعظم وقد كان الجيش البريطاني مكون من مجندي المستعمرات وكانوا في الاعم الاغلب من الهنود السيخ.
والباب المعظم يعرف بعدد من الاسماء مثل باب السلطان وكذلك باب سوق السلطان ، اما السلطان فهو طغرلبك مؤسس الدولة السلجوقية الذي اطلق اسمه على الباب عند دخول السلاجقة الى بغداد العباسية عام 1055 م وسميت الباب باسمه اما سوق السلطان فهو سوق تاريخي من اسواق بغداد حل محله اليوم سوق الميدان ، وقد كان سوق السلطان متصلا بسوق الثلاثاء المشهور من اسواق بغداد العباسية الذي يشغل مكانه اليوم سوق الهرج في الباب المعظم .
كما تظهر في بعض الصور اعمدة الكهرباء والاسلاك مربوطة بها مما اثار تساؤل الجمهور ، فأجاب الدكتور سعد الفتال بأن الكهرباء ادخلت مبكرا الى بغداد بعد الاحتلال البريطاني ، حيث ادخلت يوم 1/11/1917 اي بعد ثمانية اشهر من دخول القوات البريطانية وقد كان البغداديون يسمونها (عنتريك) وهي تحوير لكلمة ( الكتريك) الانجليزية وقد قام الجيش البريطاني بنصب اعمدة الكهرباء ومد الاسلاك ووصلها بمحطة التوليد الكائنة في العبخانة ويظهر في بعض الصور الجنود الهنود وهم يقومون بمد اسلاك الكهرباء في شارع الرشيد.
اما الباب الثاني الذي عرض الدكتور الفتال صوره فهو الباب الوسطاني والذي يسمى ايضا باب خراسان لانه متجه الى الشرق اي الى خراسان كما يسمى ايضا باب الظفرية نسبة الى احد القواد الاتراك المسمى ظفر بك ومكانه مقابل جامع ومرقد الشيخ عمر السهروردي وهو الباب الوحيد من ابواب بغداد التاريخية الذي مايزال قائما حتى الان ، تفصل بينه وبين مقبرة الشيخ عمر طريق محمد القاسم للمرور السريع في وسط بغداد ، ويظهر جامع الشيخ عمر السهروردي في عدد من صور هذا الباب بقبته المخروطية الشهيرة وهي طراز معروف من القباب السلجوقية ربما كان اشهرها قبة الشيخ عمر السهروردي ومرقد زمرد خاتون في مقبرة الشيخ معروف في جانب الكرخ والذي كان يسمى خطأ بزبيدة خاتون.، كما نلاحظ في عدد من الصور مدافعا بالقرب من الباب الوسطاني حيث تحول بعد الاحتلال البريطاني الى متحف عسكري عرضت فيه نماذج من الاسلحة.
اما الباب الثالث فهو باب الطلسم ويسمى ايضا باب الحلبة لان سلاطين وامراء المماليك كانوا يلعبون الكرة والصولجان في ساحة او حلبة مقابل الباب ، كما يطلق عليه باب الفتح وذلك بعد ان دخل السلطان العثماني مراد الرابع بغداد فاتحا من هذا الباب عام 1638 م وعندما عاد الى اسطنبول بعد ان استتب له الامر وانتصر على الجيش الصفوي خرج من نفس الباب وامر ببنائه وأغلاقه نهائيا في اشارة الى عدم دخول فاتح اخر بعده الى بغداد وسمي باب الطلسم لوجود نقوش من النحت البارز تزين الباب بصورة تنينين مع بعض السور القرآنية وقد جددت هذه النقوش في عهد الخليفة الناصر لدين الله العباسي عام 1225م ، وقد تحول هذا الباب في عهد متأخر من الحكم العثماني الى مخزن للبارود خاص بالجيش العثماني وقد تم نسفه عند انسحاب الجيش العثماني من بغداد في اذار 1917 قبل دخول الجيش البريطاني لكي لا يتمكن من السيطرة على البارود والاسلحة الموجودة فيه ويستفيد منها ففقدنا هذا الباب الى الابد .
اما الباب الرابع فهو الباب الجنوبي ويسمى ايضا باب كلواذا كما يسمى خطأ بالباب الشرقي واهمية هذا الباب ان هولاكو دخل منه كما ان الخليفة العباسي الاخير المستعصم بالله قد اخرج من هذا الباب وتم قتله خارج بغداد في معسكر هولاكو الذي بقي يحاصر بغداد لمدة خمسين يوما ، كما يسمى ايضا باب الظلمة وباب الخلج ، وقد تحول هذا الباب في العهد العثماني المتأخر الى دبخانة او مصنع لدبغ الجلود وصناعتها ، كما انه تحول الى كنيسة عند دخول القوات البريطانية ، وان الخندق المائي المحيط بسور بغداد كان اكثر وضوحا في هذا الجزء الذي تحول الى متنزه وسط بغداد اسمي حديقة الملك غازي ثم تحول الى حديقة الامة بعد ذلك كما تم الاشارة الى ذلك في بدية الامسية.
واخيرا هناك مايمكن ان نسميه الباب الخامس لبغداد وهو المدخل للقادم من جانب الكرخ حيث يعبر الجسر القديم الموجود في مكانه اليوم جسر الشهداء وهنالك مدخل محصور بين جامع الوزير من جهة وجامع الاصفية من الناحية الاخرى ، وجامع الوزير نسبة الى الوزير او الوالي العثماني حسن باشا ، وقد كان يحوي المدرسة التتوشية لدراسة الفقه فيه اما جامع الاصفية فقد بناه الوالي اصف الدين داوود المملوكي الكرجي الذي حكم العراق 1817-1830م وقد كان يحوي ايضا مدرسة للعلوم الدينية .
ثم عرض الدكتور الفتال عددا من الصور تقص حكاية شارع الرشيد وكيف شق وتم اكساؤه بالحجر وتبليطه بالقير وقد كان ترابيا في البدء وقد نفذ العمل من قبل المساجين المحكومين بالاشغال الشاقة ، ثم تناول الدكتور الفتال في جولة سريعة تاريخ المستشفيات والمباني الحكومية مثل مستشفى المجيدية والمستشفى الهندي العسكري ومستشفى العزل وبناية القشلة وبناية الكرنتينة والمهم في الامر ان هذه البنايات بنيت في عهد الوالي المصلح مدحت باشا 1869 م -1872م بعد ان هدم جزءا من سور بغداد لتوسعتها واستعمل الطابوق في بناء هذه المباني .
لقد كانت امسية متميزة بحق استمتع بها الحاضرون وطلبوا من الدكتور سعد الفتال ان يقدم معالم اخرى لبغداد في اماسي قادمة وقد وعد بذلك.