صادق الطائي –
أستضافت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن يوم الاربعاء المصادف 17/9/2014 سماحة السيد مضر الحلو صاحب موسوعة ( اعلام الكوفة ) في أمسية ثقافية تحدث فيها عن مدينة الكوفة في عصرها الذهبي وعن مدرستها وابرز رموزها التاريخية.
وقد استهل السيد الحلو محاضرته بمدخل تعريفي طرحه على شكل تساؤل عن جدوى الدراسات التاريخية ، مبينا ان البحث التاريخي ينقسم منهجيا الى :
المنهج السردي : وهو المنهج الذي يتناول سرد الوقائع التاريخية بموضوعية كما حدثت في زمانها، واهمية هذا المنهج انه يوفر المادة الخام التي سيشتغل عليها المنهج التحليلي لاحقا.
المنهج التحليلي : وهو المنهج الذي يتناول المادة التاريخية الخام من السرود التاريخية ويعمل على فحصها وتحليلها ومقارنتها والخروج بنتائج بناءا على طرق بحث عديدة.
ثم ذكر السيد مضر الحلو اهمية تكامل المنهجين للوصول الى غاية البحث التاريخي وهي محاولة فهم التاريخ والانطلاق منه لفهم الحاضر ثم بناء القدرات للتخطيط للمستقبل .
ثم طرح السؤال المحوري للامسية وهو : لماذا اختار الكوفة تحديدا لدراستها في موسوعة كبيرة بتسعة اجزاء استغرقت منه مايزيد على ربع قرن من العمل الدؤوب ؟
ليجيبنا ، ان ما تمثله الكوفة في التاريخ الاسلامي لا يمكن ان يغفله احد ، فمنذ تمصيرها عام 17 هـ مرورا بجعلها عاصمة الخلافة الاسلامية في الحقبة التي تولى فيها الامام علي بن ابي طالب الخلافة وصولا الى القرن الرابع الهجري ، كانت الكوفة عاصمة الثقافة الاسلامية ومركزا للحراك الثقافي والسياسي والعسكري والاجتماعي . وقد ظلت الكوفة على مدار عقود طويلة من تاريخنا مركزا تدار منه الاحداث ، لذلك نرى ان كل تمرد او ثورة في الحقبتين الاموية والعباسية كان يتوجه الى الكوفة لتنطلق من هناك شرارة الحراك السياسي والاجتماعي.
اما بخصوص اهمية الكوفة ثقافيا فقد اشار السيد الحلو الى محاضرة للمستشرق الفرنسي الكبير لوي ماسنيون طبعت في كتاب ، اشار فيها الى ان مدارس التفسير والحديث والرأي والتصوف كلها احتضنتها الكوفة في بواكيرها كما اشاد السيد مضر الحلو بكتاب ماسنيون وما حواه من تتبع تاريخي ميداني وما ضمنه من خرائط لمدينة الكوفة القديمة حتى عده اهم دراسة حديثة صدرت عن الكوفة .
كما عرج السيد مضر على وصف مدرسة الكوفة قائلا : انها مدرسة تتصف بالابداع ، ففي الشعر مثلا نجد ان فطاحل شعراء العرب يأتون من الحواضر الاخرى ليقدموا شعرهم في الكوفة ليتناوله الكوفيون بالنقد والتمحيص فيصبح له شئنا بين العرب ، وهكذا كان اهم شعراء العرب اما كوفيين او زاروا الكوفة للدرس او للمناضرة وعرض نتاجهم.
ومن كل ماسبق توضيحه من اهمية الكوفة يفاجئونا السيد الحلو بغياب شبه تام لتأريخ الكوفة في التراث العربي والاسلامي المحقق او المنشور. فيمكننا ان نجد حواضرا قل شئنا من الكوفة بكثير قد حضيت بالدرس والتأرخة والتمحيص في رجالها ونتاجهم مثال ذلك دمشق ، بغداد ،البصرة ،جرجان ، نيسابور وغيرها من المدن حتى الصغيرة منها بينما لانستطيع اليوم ان نعثر على مصدر تاريخي قديم عاصر تاريخ الكوفة في المكتبة العربية والاسلامية الا اللهم بعض النتف المتناثرة في بطون الكتب المختلفة ، فلايوجد كتاب من امهات الكتب تناول تراث الكوفة بتاريخ مستقل مثل تاريخ بغداد للخطيب البغدادي او تاريخ دمشق لابن عساكر وغيرها من المدن التي أرخ لها ، وهنا يتوقف سماحة السيد ليواجهنا بسؤال منطقي : الا يحق لنا ان نتساءل عن اسباب غياب هذه المصادر؟ هل كانت الكوفة مهملة الى هذه الدرجة بحيث لم تدفع احد مفكريها او مؤرخيها ان يكتب عنها ؟ويجيبنا بالتأكيد كلا ، لاننا نصادف العديد من الاشارات في بطون الكتب عن تواريخ ضائعة لهذه المدينة وعلى سبيل المثال لا الحصر تاريخ الكوفة لابن النجار (ت 402 هـ ) وتاريخ ابن شبة واختلاف اهل البصرة واهل الكوفة .. الخ وغيرها الكثير التي نصادفها عناوينا فقط اما المخطوطات فهي مفقودة !!!
وهنا اشار السيدمضر الحلو الى نظريته القائلة ان هذا الاهمال التاريخي لتراث الكوفة لم يكن امرا اعتباطيا انما كان جهدا ممنهجا تقف وراءه سلطات الانظمة السياسية على مر العصور ، فالكوفة دائما ما كانت مصدر المعارضة السياسية ومنبع المذاهب الفكرية والفلسفية التي تقف بوجه الطغيان السياسي وضرب على ذلك العديد من الامثلة التاريخية من تاريخ دمشق لابن عساكر او من تاريخ الطبري ، وكيف كان يحذر فقهاء النظام طلبة العلم او الدارسين الذين يذهبون الى الكوفة كيف كانوا يحذرونهم من الاخذ عن الكوفيين ، حتى وصل الامر بالامام احمد بن حنبل انه يسقط الحديث اذا كان في سلسلة روايته كوفيا ويعتبر الاخذ عن رواية الكوفي كالاخذ برواية اصحاب الكتاب من غير المسلمين .
ثم اشار السيد الحلو ان رغم هذا التضييق على علماء الكوفة ونخبها المثقفة الا ان تراثها لم يبق حبيسا فيها بل ملأ الافاق ووصل الى ابعد حواضر الدولة الاسلامية اما عن طريق الكوفيين او عن طريق من زاروا الكوفة ونهلوا من علومها ،وكمثال على ذلك التراث الشيعي فاننا نجد ان اخلص رجال ائمة الشيعة كانوا من الكوفة يلازمون الائمة عندما كانوا في الحجاز او بغداد اوسامراء ثم يعملون على نشر هذا التراث الديني والفلسفي والفقهي وهم الذين وضعوا كتب الاصول في المذهب الشيعي .
ثم اراد ان يختم السيد مضر الحلو محاضرته بالاشارة الى دور الحرب الاجتماعية التي مورست على الكوفة وصولا الى اطلاق الامثال او الاقوال المأثورة التي وضعت زورا على السنة الائمة مثلا ، فمن قولهم ( الكوفي لا يوفي ) او ادعائهم قولا نسبوه زورا الى الامام علي ( اهل العراق اهل الشقاق والنفاق ) بينما وبجهد بسيط لاي محقق سيعرف ان هذا القول مأخوذ من خطبة للحجاج بن يوسف الثقفي ، وهذا الوالي معروف بعدائه للكوفة بشكل خاص وللعراق بشكل عام ، كانت هذه الامور تمثل حربا دعائية تفرز عزلا اجتماعيا وثقافيا ضد تراث الكوفة ، ثم ختم بالاشارة الى ان هذا الموقف مازال ساريا حتى اليوم مع الاسف الشديد في الكثير من المحافل العلمية والجامعات ومراكز الابحاث المنتشرة في كل ارجاء العالم الاسلامي.
وهنا جاء دور مداخلات واسئلة الضيوف حيث التقط الدكتور عبد الرزاق الصافي ختام المحاضرة ليشير الى استمرار المؤامرة على تراث الكوفة متمثلا في الحرب الشعواء التي شنت على مشروع الدكتور محمد مكية بأنشاء جامعة الكوفة والتي كان يطمح من خلالها ان يتم احياء تراث مدرسة الكوفة المعرفي الذي اطلقه في عقد الستينيات من القرن العشرين ، لقد شنت حرب على المشروع وعلى صاحبه ووصل الامر الى اتهامه زورا بالانظمام الى الماسونية مما اضطره الامر الى هجر وطنه والعيش في المنفى لعشرات السنيين وهو يرقب حلمه يذوي ويضيع ، ثم جاء دور تساؤل الدكتور جعفر هادي حسن ، قائلا انه لا يحبذ النظر الى موضوع ضياع تراث مدينة الكوفة من منظار نظرية المؤامرة ، وانما هي حاضرة ضاع الكثير من تراثها مثل بقية الحواضر في العالم الاسلامي كما ان رموز مدرسة الكوفة التحويين لم يتعرضوا للاضهاد لانهم كانوا بعيدين عن العمل السياسي المناهض للدولة بل ان بعضهم كان مكرما من الحكام مثل الكسائي والزيات ، وهنا اوضح السيد مضر الحلو وجهة نظره بأن الامر لا يقف عند اسم عالم اوفقيه او نحوي كامثلة مفردة بل نحن نتكلم عن ظاهرة عامة استمرت لحوالي اربعة قرون حتى ظهرت حالة في تراث الكوفة العلمي هو ادعاء مفكريها او فلاسفتها او فقهائها للجنون للتخلص من سطوة وبطش النظام السياسي وهذه الحالة تكررت كثيرا حتى اصبحت ظاهرة كما حدث للكشي وهو فقيه زمانه ، كما طرحت العديد من الاسئلة من قبل الحضور اجاب عليها سماحة السيد مضر الحلو مغنيا موضوع الامسية .