عدنان حسين أحمد –
8 / يونيو / 2011
ضيّفت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن الدكتور جعفر هادي حسن في أمسية فكرية تحدث فيها عن كتابه الموسوم “قضايا وشخصيات يهودية” وقد ساهم في تقديمه وإدارة الندوة الكاتب عبد المنعم الأعسم. استهل الدكتور جعفر هادي حسن محاضرته بالقول بأن حديثه سيكون مختصراً جداً لأنه يريد أن يسلِّط بعض الضوء على الكتاب من وجهة نظر مؤلّف قد تختلف عمّا تفضّل به الأستاذ الأعسم. أشار الدكتور جعفر بأن مقارباته لهذا الموضوع الحسّاس هي مقاربات حيادية بغض النظر عن إيمانه واعتقاداته الخاصة. وأن المصادر التي يعتمد عليها في كل ما يكتب هي مصادراً يهودية حصراً، ولم يعتمد على أي مصدر عربي إطلاقاً لأنه يعتقد بأننا، أي العرب، محملّون بأفكار وخلفيات معينة لا تسمح لأحكامنا أن تكون عادلة في مثل هذه الموضوعات. أما النقطة الثالثة في مقارباته فهي الكتابة التوثيقية الأكاديمية.
يعتقد المحاضر بأنه تطرّق في هذا الكتاب إلى قضايا تمس مستقبل اليهود وإسرائيل على وجه الخصوص. وقد أورد مثالاً عن قبائل بني إسرائيل الضائعة حيث يعتقد اليهود بأن هناك عشر قبائل من أصل اثنتي عشرة قبيلة أخذها الآشوريون من فلسطين في القرن السابع ق.م. لكنهم لا يزالون موجودين في مكان ما. لقد تشابك الموضوع منذ ألف سنة حتى تأثر به الفن والرسم والمعتقدات وظهرت أسماء جديدة مثل نهر سمباثيون الأسطوري الذي يُعتَقد بأن اليهود الذين أُسروا يعيشون في هذا النهر الذي لا يجري فيه الماء، وإنما تجري فيه الصخور، وتنهال فيه الرمال.
ذكر المُحاضر بأن هناك عدداً من المنظمات الصهيونية التي ظهرت منذ السبعينات من القرن الماضي وهي تبحث عن هؤلاء الناس في كل مكان من هذا العالم وحينما يقابلون البعض منهم يقولون لهم أنتم يهود حتى لو كنتم مسلمين أو مسيحيين أو بوذيين أو من أية ديانة أخرى. وحينما يجلبونهم إلى إسرائيل يحوِّلونهم إلى اليهودية. وقد أقرّ الكنيست الإسرائيلي قبل مدة قصيرة بأن هناك مجموعة في ميزورام ومينابور بالهند يصل عددهم في الوقت الحاضر إلى 12 ألف يهودي يجب أن يهجَّروا إلى إسرائيل.
يستنتج المحاضر من هذه الإجراءات أن إسرائيل تشعر بأنها ضعيفة أمام هذا العدد الهائل من السكان العرب. كما أن نسبة المهاجرين من اليهود الذين كانوا يأتون من الاتحاد السوفييتي السابق قد قلّت فلم يكن أمامهم من حل سوى استقدام أناس تلك القبائل الضائعة كما يزعمون، بل أن مغالاتهم قد وصلت إلى القول بأن هناك مئة مليون إنسان يجب أن يتحولوا إلى اليهودية، وأن 18 عشر مليوناً منهم موجودون على الحدود الأفغانية الباكستانية ويدينون الآن بالديانة الإسلامية.
توقف الباحث عند موضوع الصراع العلماني الديني في إسرائيل الذي يُعد أبرز القضايا التي سوف تحدد مستقبل إسرائيل لأنه صراع في التربية والثقافة والسياسة وفي كل شيئ تقريباً بحيث لا توجد وزارة إسرائيلية من دون مشاركة الأحزاب الدينية خصوصاً وأن إحدى الإحصائيات للخبير السكّاني إبراهام سوفير قد قال فيها بعد حوالي عقدين من الزمان سوف تكون الغالبية في إسرائيل للحريديم وهم اليهود المتدينون جداً. وهذا يعني من بين ما يعنيه أن الجيش الإسرائيلي سيكون ضعيفاً لأن الحريديم لا يؤدون الخدمة العسكرية، وأكثر من ذلك فهم يدرسون في المدارس الدينية ويأخذون أموالاً من الدولة الأمر الذي سوف يضعف الاقتصاد. كما أن هناك أحزاباً دينية في الحكم تتصارع بغية السيطرة على الدولة فكيف إن أصبحت الغالبية لليهود الحريديم؟
ساق المحاضر بعض الأمثلة التي تؤثر على اليهود بصورة عامة وعلى إسرائيل في الداخل من بينها أن هناك خمسة أو ستة أنواع من اليهود غير حريديم لا تعترف بهم المؤسسة الدينية اليهودية. وهناك مجموعة أخرى من اليهود يمتلكون نحو 60 مركزاً في العالم يؤمِّن هجرتهم لإسرائيل ويؤمنون بأن عيسى هو المسيح المخلِّص، ولا ينتظرون مسيحاً مخلّصاً آخر. وهؤلاء يهود حقيقيون يصل عددهم إلى 150 ألف يهودي وهم مصرّون على تحويل كل يهودي داخل إسرائيل إلى اليهود المسيحانيين، علماً بأن المحاضر يرفض هذا المصطلح ويقترح تسميتهم باليهود اليسوعيين لأنه يؤمنون بأن عيسى عليه السلام هو المسيح المخلص ولا ينتظرون مسيحاً يهودياً مخلِّصاً، وهؤلاء اليهود هم أشد اليهود صهيونية ولكنهم غير معترف بهم.
وهناك مجموعة أخرى يسمّيها المحاضر باليهودية البشرية الذين يؤمنون بكل شيئ تقريباً في اليهودية لكنهم لا يؤمنون بالله. وعلى الرغم من أن المؤسسة الدينية لا تعترف بهم في الداخل إلاّ أن إسرائيل لا تمانع من استقدام هؤلاء كي تملأ بهم الأرض لكن الصراع العلماني الديني سوف يتفاقم ومن بين تجليات هذا الصراع هو نشوء غيتوات لأن الحريديم يحرِّمون السكن مع غير الحريديين. وقد أورد الدكتور جعفر بعض الأمثلة التي تعزز هذا الرأي فقبل عام 1950 كانت في إسرائيل مدينة واحدة للحريديم في نيبراك وقد أصبح تعدادها السكاني 130 ألف شخص الآن، كما أصبح هناك عشر مدن حريدية أخرى لا يستطيع أن يدخلها العلماني لأن الحريديين لو رأوه في باب المدينة فسوف يرمونه بالحجارة أو بالصبغ!
توقف المحاضر عند شخصية يهودية مشهورة وهي سبينوزا الذي يعد من أفضل الفلاسفة الأوربيين في القرن السابع عشر. وكان ديكارت يقول بأن من يريد أن يصبح فيلسوفاً فلابد أن يقرأ كتب سبينوزا. وعلى الرغم من شهرته فقد كان متواضعاً بشكل غير معقول على الرغم من أنه يعرف ثماني لغات، وكان خبيراً باللغة العبرية، هذا إضافة إلى فلسفته العقلانية المعروفة، وكتبه الذائعة التي دفعت الدكتور جعفر لأنه يختارة كشخصية يهودية بارزة يؤمن بالتعددية، ويعتبر رائداً من روّاد تفكيك التوراة، وقد استطاع أن يخرج من قوقعة الفكر الضيق الذي ينادي بمقولة الشعب المختار التي رفضها في حينه فأصدروا عنه حِرما أخرجه من اليهودية ولم يرجعوه إليها إلاّ بعد خمس سنوات.
ومن الشخصيات الأخرى التي توقف عندها الباحث هي شخصية يوسف ناسي، اليهودي الثري الذي أراد أن ينشئ دولة يهودية في فلسطين في القرن السادس عشر واستمرت هذه الفكرة لمدة خمسين عاماً ثم ذوت في نهاية المطاف. وفي ختام المحاضرة أثار روّاد المؤسسة عدداً من الأسئلة التي تلامس هذه القضايا والشخصيات اليهودية التي يتمحور عليها الكتاب. كما ساهم الأستاذ عبد المنعم الأعسم بإثارة العديد من الأسئلة الجوهرية التي تنبش في قناعات الباحث الدكتور جعفر هادي حسن.