صادق الطائي –
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 30/ 9/2015 الدكتور ماجد الياسري في أمسية ثقافية سلط فيها الضوء على الأنعكاسات النفسية للتطرف والاٍرهاب و احتلال محافظات عراقية والمشاكل النفسية لملايين النازحين.
الدكتور ماجد الياسري طبيب استشاري في الصحة النفسية ، تخرج من كلية الطب / جامعة بغداد عام ١٩٦٩ ،تخصص في الصحة النفسية في بريطانيا وعمل طبيبا استشاريا منذ عام ١٩٨٢ حتى عام ٢٠٠٨ ، واستمر بعدها كمستشار في وزارة العدل البريطانية . كما عمل رئيساً لمركز الصحة النفسية و الاجتماعية كمنظمة مجتمع مدني اقامت مركزا لمساعدة ضحايا التعذيب في ٢٠٠٤ في بغداد . شارك في العديد من الزيارات لدعم و إسناد الخدمات الصحية النفسية في العراق التي رعتها اللجنة العراقية في الكلية الملكية البريطانية . يرأس حاليا المنتدي العراقي في بريطانيا.
وقد ابتدأ الدكتور الياسري محاضرته مبينا معنى النزوح في اللغة قائلا ؛ان النزوح بحسب ﻤﺤﻤﺩ ﻤﺭﺘﻀﻲ ﺍﻟﺯﺒﻴﺩﻱ صاحب ﺘﺎﺝ ﺍﻟﻌﺭﻭﺱ هو ( ﻨﺯﺡ ﺍﻟﺸﻰﺀ، ﻴﻨﺯﺡ ﻨﺯﺤﺎ ﻭﻨﺯﻭﺤﺎ اي ؛ﺒﻌﺩ ،ﻭﻨﺯﺤﺕ ﺍﻟﺩﺍﺭ ﺇﺫﺍ ﺒﻌﺩﺕ ﻭﺒﻠﺩ ﻨﺎﺯﺡ اي بلد بعيد) .
النزوح: هولوكوست عراقي بامتياز
ثم قدم احصاءات سريعة عن حجم الكارثة في العراق قائلا :
• 10% من نازحي العالم من العراق بحسب تقارير المنظمات الدولية.
واضاف ان من الكوارث البشرية المعاصرة في العراق :
• انعكاس مباشر لعجز السلطة وفشل السياسات الاقتصادية وانعدام الامن
• صراعات طائفية و تطهير عرقي على أساس الهوية او المعتقد
• الإرهاب الداخلي و داعش بعد 10 حزيران 2014
• ان عمليات النزوح هي من صنع البشر و ليست نتيجة كوارث طبيعة كما يحدث في بعض دول العالم.
• ان عمليات النزوح هي عمليات إجبارية او / وقسرية
• النزوح الخارجي ادانة لحكومات الفشل و حيتان الفساد .
التوافق الاجتماعي في الظرف الاعتيادي
ثم بين د.ماجد الياسري معنى مفهوم التوافق الاجتماعي الذي يعتبر مفتاحا اساسيا لفهم مشكل النازح ،فذكر ان ﺍﻟﺘﻭﺍﻓﻕ ﻋﻨﺩ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺱ ﻫﻭ ﺘﻐﻴﻴﺭ ﻓﻲ ﺴﻠﻭﻙ ﺍﻟﻔﺭﺩ ﻴﻨﺎﺴﺏ ﻤﺎ ﻴﺤﺩﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺌﻪ ﻤﻥ ﺘﻐﻴﺭﺍﺕ التفاعل مع البيئة الجديدة عبر ﺍﻟﺘﺤﻜﻡ ﻓﻴﻬﺎ ،ومحاولة ﺍﻴﺠﺎﺩ ﺤل ﻭﺴﻁ ﺒﻴﻨﻪ ﻭﺒﻴﻨﻬﺎ ،ليصل الى النتيجة وهي الانسجام مع البيئة الجديدة .
تداعيات النزوح القسري على المواطن
ثم تناول الدكتور الياسري تأثيرات النزوح القسري على النازحين مثل ﺍﻻﺜﺎﺭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩية كفقدان السكن والوظيفة و الراتب الشهري والمدخرات و الممتلكات،والتأثيرات الأمنية و السياسية،حيث تمثل ﺨللا ﻓﻰ ﺍﻟﺘﻜﻭﻴﻥ الاجتماعي و ﺍﻟﺴﻴﺎسي في منطقة النزوح ،كما ان ظاهرة النزوح قد تخلق ﻤﻨﺎﻁﻕ غير امنة مع ﺍﺯﺩﻴﺎﺩ ﺍﻟﺠﺭﻴﻤﺔ،كاﻟﻨﻬﺏ ﺍﻟﻤﺴﻠﺢ وﺍﻟﻘﺘل والاغتصاب و العنف ضد النساء و الأطفال وﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﺨﺩﺭﺍﺕ وﺍﻟﺴﺭﻗﺔ و ﺘﺠﺎﺭﺓ ﺍﻻﺴﻠﺤﺔ ،وكذلك تظهر تأثيرات النزوح في اعكاسات اجتماعية كالزواج القسري للقاصرات و ظاهرة أطفال الشوارع و المشردين .
النزوح بعد 10 حزيران 2014
ثم عرج المحاضر الى تفشي ظاهرة النزوح القسري بعد هجوم عصابات داعش على العديد من المدن العراقية في حزيران 2014 ، والمعروف عن سياسة داعش المتمثلة بما بات يعرف ( إدارة التوحش) الذي تمارسه هذه العصابات الاجرامية كأبشع اشكال الإرهاب ضد المواطن و النسيج الاجتماعي وقد تمثل باستهداف اليزيدين بالقتل و سبي و اغتصاب الفتيات و النساء و تحطيم معابدهم ،وتصفية و مطاردة وتهجير المسيحيين من الموصل وتدمير المقدسات الدينية و التراث الإنساني،و قتل الاف المواطنين الابرياء في الموصل وسبايكر و بيجي و الرمادي و الانبار.
النازح العراقي صدمات متكررة و مركبة
وبين د.ماجد الياسري ان هنالك أربعة أجيال متعاقبة من العراقيين عاشت حروب وعنف مستمر و متصاعد بعد 2003 ،مما ولد لديهم الشعور بالاحباط النفسي نتيجة تصرف سارقي مشروع العراق الديمقراطي الجديد،وقد تصاعدت معدلات البطالة و الفقر و العنف الاسري،كما شهدنا غياب ابسط مستلزمات الصحة من سكن و ماء و تعليم و خدمات صحية لائقة ،واظهرالفوارق الطبقية والاجتماعية المتمثلة باقلية سياسية تملك الثروة و السلطة و القوة و أغلبية لا تملك شيئا.
النزوح و الصحة النفسية
ثم طرح د.الياسري سؤالا مركزيا ،هو مالعمل تجاه هذه الكارثة؟ واجاب ان لا صحة نفسية بدون صحة جسدية،وذلك سيتم عبر عدد من الخطوات هي:
الخطوة الأولى و العاجلة: هي توفير السكن والماء و الصرف الصحي و المدارس و الخدمات الصحية لمكافحة الأوبئة و الأمراض المعدية و المتفشية و الان نسمع عن انتشار الكوليرا الاستفادة القصوى من مساعدات المجتمع الدولي و منظمات المجتمع الدولي.
الخطوة الثانية : برنامج وطني خدمي خاص لمساعدة النازحين
ومن خلال هذا البرنامج تتم إعادة النازحين ممن تحررت مدنهم الى سكنهم الأصلي و تعويضهم عما لحق بهم من اضرار.
اين نحن الان من الصحة النفسية في العراق:
ثم تناول الدكتور الياسري مشكلة الصحة النفسية في العراق فذكر ان كل الإشكالات و الحالات النفسية موجودة في العراق و بمعدلات عالية،ولا توجد بحوث تتناول سعة انتشار و تنوع المشكلات النفسية في العراق ،وان المؤشرات العامة تشير الى معدلات عالية قبيل النزوح و بعده،وان الخدمات المقدمة لا ترتقي الى مستوى الإمكانات ،وان الخلل موجودعلى صعيد قيادة الإدارة العملية الصحية على كافة المستويات مثل الفساد و المحاصصة التي ارهقت المخصصات المالية و شتت الكوادر البشرية.
ما هو الواقع النفسي للنازح
ومن عرض واقع مشكلة الصحة النفسية في العراق بشكل عام ومشكلة النازحين بشكل خاص ،يشير د.الياسري الى ان كل الحالات تعاني من :
• متاعب نفسية من قلق و اكتئاب و احتصار ووسواس قهري و الخوف من المرض و الفزع وغيرها.
• حالات عقلية كالشيزوفرنيا و الهوس الاكتئابي.
• حالات عضوية خاصة لدي كبار العمر.
• اضطرابات الشخصية بأنواعها المختلفة .
• معدلات مرضية اعلى من المستويات الاعتيادية .
اضطراب ما بعـد الصدمةPTSD
من ابرز ما يعانيه النازحون من اضطرابات ما يعرف طبيا باضطراب ما بعـد الصدمة (PTSD) وهي من بين أكثر الاضطرابــــات النفسيــــة شيوعا لدى المجتمعات التي تُنكب بالحروب حيث تتمثل في:
• أحداث خارجه عن إرادة الفرد، تهدد وجوده
• ضحايا النزاعات و الحروب، و الاغتصاب الجنسي والتعذيب و شهود حالات العنف
• تعتمد على الاستعداد النفسي والسمات الشخصية
• استخدم اول مرة عام 1980 و هي غير اضطرابات التكيف او اضطراب الصدمة الحادة .
تستمر الأعراض اكثر من شهر،وتتمثل بتذكر الحادث العنيف بشكل قسري و عيش كل الانفعالات المرافقة للحادث وكافة تفاصيله ككوابيس وأحلام مزعجة متكررة و يرافقها صعوبة النوم،وزيادة الاستثارة او الفزة او الجفلة و ردود فعل مبالغ فيها ،كما تظهر حالة من تجنب الأماكن او الأشخاص المرتبطة بالحادثاو تنعكس على شكل تناول الكحول و المخدرات،وقد يصاحبها الانطواء و العزلة و البرود العاطفي والعزوف عن الهوايات نوبات من السلوك العدواني و الانفجار العصبي والشعور بالذنب و الدونية والأفكار الانتحارية.
وقد بين الدكتور ماجد الياسري اسباب اضطرابات ما بعد الصدمة مبينا التفسير العلمي لها فذك ان هنالك عدد من التفسيرات اهمها :
• التفسير البيولوجي: يعود للجينات مع وجود ارتباط مع عوامل الوراثة وظهور الاضطراب
• التفسير العضوي – الكيميائي : بسبب العوامل الحيوية الكيميائية كزيادة مستويات النور أدرينالين مما يؤدي إلى زيادة مستويات الاستثارة والخوف والجفلة.
• التفسير النفسي التطوري : صدمة الولادة وما يصاحبها من إحساس الوليد بالاختناق، وبأنها التجربة الأولى للقلق عند الإنسانز
• التفسيرالسلوكي : يعطي أهمية للبيئة والتعلم في تحديد السلوك بنوعيه السلوك السوي وغير السوي, مهملين النواحي الوراثية والخبرات اللاشعورية .
• التفسير المعرفي : نتيجة تفكير غير عقلاني نحو الذات أو العالم.
الحلول و المعالجات:
اما الحلول التي اقترحها لمعالجة هذه الظاهرة فهي :
• معظمهم-لا يطلبون المساعدة ولا يبحثون عنها، مما يجعلهم عرضة، للألم الصامت، والمشاعر السلبية، وفقدان الثقة بالمحيط، وهذه تؤخر التعافي منه، وتطيل مدة المعاناة، وربما ظهرت أعراضه بعد مدة طويلة عند حصول ظروف مشابهة .
• الانتباه الى الإشارات التي تلتقطها من الضحايا وبادر لتقديم المساعدة والدعم فورا.
• الاهتمام بدور الأهل والأصدقاء في المساعدة على التغلب على آثار الصدمة.
• ابدأ بالإمكانات المتوفرة، مهما كانت بسيطة.
• بتصنيف الضحايا في مجموعات متشابهة مثل: الأطفال، النساء، ذوي الاحتياجات الخاصة، ضحايا الاغتصاب
• استفد من الموارد المتاحة، وفي المكان الذي أنت فيه.
• يتنوع العلاج بين الفردي والجماعي حسب الحالة والعمر وشدة الاضطراب
اما اشكال التداخل العلاجي- العلاج النفسي فيتم عبر :
• إدارة القلق: عبر ممارسة تمارين الاسترخاء, والتنفس العميق, ومحاولة استعادة الثقة بالنفس وتقدير الذات
• العلاج المعرفي: ويتمحور حول التخلص من الأفكار السلبية اللاعقلانية التي ترافق اضطراب ما بعد الصدمة عادة.
• العلاج الفردي مساعدة المصاب على مواجهة الظروف والأشخاص والمشاعر والتقليل من تأثيرها
• العلاج الجماعي: مجموعات لكل حالة من الذين تعرضوا لمواقف متشابهة
• العلاج الدوائي: أدوية الاكتئاب والقلق وعقارات تحسين المزاج
• اشكال التداخل العلاجي- العلاج النفسي
• العلاج السلوكي والمعرفي : مساعدة الضحايا على التعامل التدريجي لحساسية المنبهات المؤلمة, من خلال التعرض لها, ثم الاسترخاء والدمج بين العلاج الفردي للحالة، والعلاج الجماعي والعائلي
• العلاج بالرسم من أنواع العلاج الناجعة المخففة للضغوط الناتجة عن الكثير من الاضطرابات النفسية وبخاصة للفئات العمرية الصغيرة من أطفال ومراهقين وهو سهل التطبيق وبخاصة إذا طبق ضمن العلاج الجماعي للضحايا .مثل:
رسم الوجوه سواء الضحايا أو المعتدين لكي يفرغوا مشاعرهم السلبية ،
يرسمون الوجوه التي سببت لهم الرعب ثم يمزقونها .
مع الرسم نطلب إليهم الحديث عن رسومهم ، التكلم إليها ، والاسترسال في ذلك ، لا نقاطعهم ، نستمع باهتمام ، ونجعل تعليقاتنا مقتضبة .
في نهاية الجلسة ، تتم إقامة معرض لكل الرسوم ، و يشترك الجميع في التعليق وتبادل الآراء حولها.
وقد اظهرت الدراسات التأثير الفاعل للعلاج بالرسم على الأطفال والمراهقين ، إذا تم استثمارها جيدا من قبل المعالجين.
• الأشغال اليدوية وتدوير مخلفات البيئة يركز على الأعمال اليدوية ، خاصة للفتيات ، فالتطريز وأشغال الإبرة ، تحقق لهن الرغبة في التعبير عن أنفسهن والتخفف من الضغوط ، واستعمال مخلفات البيئة في إعادة تدويرها لإنجاز أعمال يدوية جميلة ، استعمال العلب المعدنية والورقية والعيدان وبقايا الإسفنج.
• العلاج بالموسيقى والإيقاع : علاجا مناسبا للأطفال الذين يعانون من اضطراب ما بعد الشدة ، ويمكن أن يتخذ الأشكال التالية :
– العزف على الآلات الموسيقية .
-تكوين الفرق الموسيقية والاستفادة من الموهوبين موسيقيا .
الأناشيد الفرحة المبهجة .
-الرقص التعبيري ( إذا توفر المهتمين والمدربين ) .
-الدراما العلاجية : تسهم في تقمص الأدوار والتنفيس عن أبنائنا ، ولها أهمية كبيرة عالميا ، ويمكن للمتطوعين الاستعانة بنصوص تكتب لهذه الغاية ، أو نقل نصوص والتصرف فيها وفقا للحالة ، ليس من الضروري أن يكون هنالك مسرح متكامل وصوتيات وخلافه ، بل يمكن أن يكون مدخل المخيم ، أو أي بقعة صغيرة مسرحا
-البرامج الرياضية : وهي ميدان خصب ومحبب للأطفال والمراهقين والشباب من الجنسين وتتمثل في :
-الاهتمام بالألعاب الجماعية : كرة القدم ، كرة السلة ، كرة الطائرة
-الألعاب الخفيفة التنافسية : مثل مسابقات الجري البحث عن المفقودات
-الألعاب المرحة : ألعاب صغيرة من خلال برامج الكشافة وغيرها
الصمود
ثم تناول الدكتور ماجد الياسري مفهوما ذي صلة باعادة تأهيل من يعاني من اضطرابات نفسية من النازحين ،وهو مفهوم (الصمود ) واهميته في العلاج ،وبين انه القدرة على التكيف باتجاه التغيير، بدلاً من مقاومة التغيير وهو يمثل منظوراً لفهم مدى فعالية النظم الاجتماعية ومكوناتها المختلفة لدى الأفراد والأسر والمدارس في الوقاية من المخاطر وإدارة التهديدات بشكل جماعي.
واشار الى اهمية استخدام مفهوم الصمود كوسيلة لمعرفة الصفات والمهارات والظروف التي تقود بعض الأطفال إلى النجاح على الرغم من المعاناة من الحرمان الشديد أو العنف ،وان جذور المفهوم تعود إلى علم المواد وعلم البيئة وقد استخدم في مجالات التخصصات الاجتماعية المختلفة.
وقد عرفه بأنه القدرة على التوقع والتحمّل والتعافي من الضغوط والصدمات الخارجية (جسدية أو عاطفية أو اقتصادية ) المرتبطة بالكوارث أو النزاعات.
ثم اختتم الدكتور ماجد الياسري المحاضرة بتعريف سريع بنشاطات المنتدى العراقي بلندن والخدمات المختلفة التي يقدمها لافراد الجالية العراقية ممن يحتاج المساعدة في مختلف الاصعدة الاجتماعية والقانونية والنفية وبين دور المنتدى العراقي كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني قدمت وما زالت تقدم خدماتها على امتداد اكثر من 25 عاما،وتلقى في الختام العديد من الاسئلة التي اجاب عنها مغنيا موضوع المحاضرة.