
تعتبر مدينة سمرقند من المدن التاريخية المهمة الواقعة بجمهورية أوزبكستان إحدى أشهر الجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى، وهي ثاني أكبر مدن أوزبكستان بعد العاصمة طشقند وتبعد عنها بحوالي 300 كلم. وتُعد من أبرز المزارات السياحية في تلك المنطقة، لما تحويه من آثار اسلامية غاية في الروعة والجمال، ومطوقة بالمروج الخضراء التي تصلها المياه من أعالي الجبال المحيطة بها، وتمتاز بطبيعتها الساحرة وجمالها الخلاب، وقد أطلق عليها بعضهم ” جنة الأرض “.
تعرضت سمرقند عبر تاريخها الطويل لموجات متلاحقة من الخراب والدمار الذي حل بها على أيدي الغزاة … فقد دخلتها جيوش الاسكندر الأكبر ودمرتها بالكامل، ثم تعرضت للتدمير مرات عدة وفي فترات زمنية محتلفة بسبب الصراعات القبلية قبل ظهور الاسلام وبعده.
فُتحت مدينة سمرقند على يد القائد الاسلامي قتيبة بن مسلم الباهلي سنة 87 هـ (705 م)، ثم أعاد فتحها مرةً أخرى سنة 92 هـ (710م) … وقد دخلت مرحلة جديدة في العهد الاسلامي، وازدهرت من الناحية العمرانية، الى بداية القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، حيث بدأ الغزو المغولي بقيادة جنكيز خان لمدن آسيا الوسطى، فحل الخراب والدمار في هذه المدينة والمدن الاسلامية الأخرى في أوزبكستان كالعاصمة طشقند وبخارى وخيوه، حتى استقرت الأوضاع في عهد تيمورلنك في القرن الخامس عشر الميلادي وإتخذ سمرقند عاصمة لدولته.
وبدأ في عهد تيمورلنك الاهتمام بالعمارة والفنون والعلوم، وانتشرت في أرجاء أوزبكستان روائع فنون العمارة الاسلامية، كالمساجد والمدارس الدينية والمزارات والأضرحة والاسواق، بالاضافة الى مراكز علمية مهمة.
ولم يكن الاهتمام بالعمارة محصوراً بتيمورلنك فقط، بل ان خلفاءه انتهجوا نهجه ومنهم ابنه ” شاهرخ ” وبعدهُ ” ألغ بيك ” و ” بايسنقر ” و ” أبو سعيد “. ولكن حروب الأوزبك الشيبانيين وما تلاها من اضطرابات قبلية والغزو الروسي لبلدان آسيا الوسطى في القرن التاسع عشر الميلادي أدت الى اضمحلال المدينة وبقية مدن أوزبكستان الأخرى. وبعد سيطرة الروس على البلاد كلها، وكانت تشمل كازخستان وأوزبكستان، تم تغيير اسمها الى تركستان العام 1886م.
وفي العام 1929م أعلن نهائياً انفصال أوزبكستان عن تركستان.
وفي سنة 1991م وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أعلن استقلال هذه الدولة وأجريت انتخابات برلمانية حيث حصل الحزب الديمقراطي على أغلب الأصوات بزعامة اسلام كريموف الذي قاد هذه الجمهورية الفتية لأكثر من ربع قرن الى وفاته، وخلفه الرئيس الحالي شوكت ميرزاييف.
اشتهرت سمرقند بمعالم حضارية وتاريخية تميزت بأروع فنون العمارة الاسلامية، وكانت ولازالت احدى أجمل المدن الاسلامية في آسيا الوسطى. وعرفت مبانيها بخصائص معمارية رائعة هي فخامتها وارتفاع جدرانها وأبوابها وزخارفها الآجرية والقاشانية الجميلة … وتلقب بمدينة ” القباب الزرق ” لكثرة القباب المزخرفة بالبلاط القاشاني الازرق.
وتتركز أجمل هذه المباني في ” ساحة ريجستان ” حيث توجد مجموعة من البنايات التاريخية قل ان تجتمع في مكان واحد، ومنها ثلاث مدارس أقدمها وأشهرها تلك التي شيدها حفيد تيمورلنك الأمير ” ألغ بيك ” عام 1420م وسميت بإسمه. وفي مقابل هذه المدرسة شيدت المدرسة الثانية وهي شيردر ( بوابة الأسد ) عام 1636م، أما الثالثة التي تطل على ساحة ريجستان أيضاً فهي مدرسة طلاكاري أي ( المطلية بالذهب ) شيدت عام 1660م.
وما زالت بقايا مسجد ” بيبي خانم ” والمدرسة الملحقة به، قائمة الى اليوم ضمن مجموعة ساحة ريجستان وهي تدل على عظمة العمارة الاسلامية وجماليتها التي كانت قائمة في عهد تيمورلنك.
ومن روائع فنون العمارة الاسلامية البارزة الأخرى ضريح التيموريين ( مقبرة كورمير ).
وفي سمرقند توجد عدد من المتاحف أشهرها ذلك المعروف بإسم متحف ألغ بيك المشيد على تلال ” شوبان أتا ” ويعرض آلة ” السكستانت ” التي كانت مخصصة لقياس الأجرام السماوية في المرصد الشهير الذي أمر بتشييده الأمير ” ألغ بيك “.
وتُعد سمرقند مركزاً لزراعة القطن والشاي وصناعة الحرير.
د. رؤوف محمد علي الأنصاري