ضمن استذكار كارثة المجزرة التي تعرضت لها الطائفة الايزدية بعد مرور عام على المأساة استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 19 آب 2015 الاكاديمية والناشطة المدنية الاستاذة ثناء البصام في امسية ثقافية تحدثت فيها عن مأساة ماحصل في جبل سنجار من فضائع على يد عصابات داعش ضد المدنيين العزل مبينة استمرار الكارثة التي يتعرض لها الايزديون منذ عام وسط تجاهل واستغلال سلطتي العاصمة والاقليم .
والاستاذة ثناء البصام ،اكاديمية تعمل استاذة في الكلية التقنية في جامعة دهوك وناشطة مدنية تعنى بموضوع الاقليات والتعايش السلمي بين مختلف مكونات الشعب العراقي بناءا على قيم المواطنة في عراق حر ديمقراطي.
التعريف بالديانة الايزدية
وقد ابتدأت الاستاذة ثناء البصام محاضرتها بالتعريف السريع بالديانة الايزدية ، لان الكثير من اللبس والفهم الخاطيء قد اصاب هذه الطائفة واوقع الظلم والجور عليها من جيرانها من الطوائف الاخرى ، وذكرت الباحثة ؛تعد الإيزيدية أو اليزدانية واحدة من أقدم الديانات الشرقية القديمة، إذ ظهرت في وادي الرافدين قبل آلاف السنين، وهي من الديانات التي تدرجت من العبادات الطبيعية إلى الوحدانية ولها معتقدات وطقوس خاصة بها ، لغتهم كردية ونصوصهم الدينية باللغة الكردية ومعبدهم الرئيس هو لالش النوراني الذي يعود تاريخ بنائه الى القرن الثالث قبل الميلاد. ويعد «لالش» من أقدس معابد الإيزيديين وهو موجود في منطقة جبلية قرب عين سفني أو شيخان حوالي 60 كم شمال غرب مدينة الموصل وفيه قبر الشيخ آدي المقدس لدى أتباع الديانة كما أنها مقر المجلس الروحاني للديانة الإيزدية في العالم. ويزور الإيزديون مرة واحدة خلال حياتهم على الأقل لالش وتستمر الزيارة سبعة أيام. وهناك معابد أخرى في مناطق سنجار وبعشيقة وتلكيف ومناطق أخرى من سهل نينوى.
تسميتهم
أن اسم الإيزديين مأخوذ من اللفظ الفارسي “إيزيد” الذي يعني الملاك أو المعبود، وأن كلمة الإيزيديين تعني ببساطة “عبدة الله” أو هكذا يصف أتباع هذه الديانة أنفسهم
كلمة «الله» عند الايزيدية هي«خودا» أي من خلق نفسه، ويشار إلى أن اسم «الإيزيدي»، جاء من كلمتي «أز» و«داي» الكرديتين، أي «من خلقني»، ثم تدرج إلى «إيزيدي» وتعني «عباد الله»، وقد وردت كلمة «ايزيا أو يزدا» في الحضارات القديمة كما في الحضارة الساسانية، عندما كانت الديانة اليزادنية يومها من الديانات الرسمية إلى جانب الديانات القديمة الأخرى كاليارسانية والزرادشتية و الميثرائية.
عقيدتهم وطقوسهم
والايزيدية كديانة لها فكرها ومسلكها الخاص في اداء الصلاة لله خالق الكون ((خودى)) وتتجلى صلاتهم في عدد من الادعية والنصوص تختص بطلوع الشمس وقت الفجر والظهيرة وعند الغروب.
يُصلي الايزيدية خمس مراتٍ في اليوم، وهذه الصلوات هي: صلاة الفجر، صلاة الشروق، صلاة الظهر، صلاة العصر، صلاة الغروب. يواجه المصلون الشمس بأعتبارها اعظم ما خلقه الله في جميع الصلوات ما عدا صلاة الظهر حيث يتوجهون إلى لالش
يؤمنون بالتقمص والتناسخ، والتقمص يعني انتقال الروح من جسد المتوفى إلى جسدٍ آخرٍ حديث الولادة. ويعتقد الإيزيديون أن الروح أزليةٌ لا تموت ولا تتلاشى وإنما تنتقل بين الأجيال المتعاقبة وبان الانسان هو المسؤول عما يفعله من شر وليس الجن او الارواح الشريرة لأن الله عندهم هو كله خير اما الشر فهو نتيجة لافعال البشر،يعتبر التوحيد من اهم الاسس الثابتة في فلسفتهم الدينية وهي ديانة غير تبشيرية لايستطيع الاشخاص من الديانات الاخرى الانتماء اليها .
تذكر الميثولوجيا الإيزيدية أن الله قد أمر كل الملائكة بأن يسجدوا لآدم ، وكان القصد من وراء ذلك هو اختبار الملائكة، فقد كان الله قد أخذ عهداً من الملائكة السبعة بأن لا يسجدوا لغيره. فسجدوا كلهم إلا طاووس ملك، أبى ولم يسجد، وعندما سأله الله لماذا لم تكن من الساجدين؟ قال: عندما خلقتنا أمرتنا يا ربنا أن لا نسجد إلا لك، وأنا لم ولن أسجد لغير وجهك الكريم يا رب. هنا فاز طاووس ملك بالامتحان وقد كافئه الله بجعله أقرب المخلوقات إليه وأناط به حكم الكون.
عدي بن مسافر
عدي بن مسافر هو الشخصية (البشرية) الأكثر محورية في الديانة الإيزيدية. فالإيزيديون يتناولون اسمه بعظيم التبجيل والاحترام ،وتكاد تتفق المصادر الإسلامية الكلاسيكية على أنّ أصل عدي بن مسافر يعود إلى بيت فار من بلاد بعلبك وهو ينحدر من أصلٍ أمويٍّ كما أنه كان من زهاد الصوفيين لكن المصادر الإيزيدية تنفي هذا وتقول أنّ عدي كان إيزدياً وكان أجداده في الهكاري وولادته في بعلبك وأنه عاد إلى لالش لإنقاذ أبناء جلدته.في الميثولوجيا الإيزيدية طاووس ملك عظيم الملائكة قد تجسد في عدي بن مسافر.
أعيادهم
تعتمد الاعياد الايزيدية على التقويم الشرقي ويتميزون بكثرة الاعياد ولكن من اهم الاعياد لديهم هو
عيد رأس السنة أو “سري صالي” باللغة الكردية: ويكون في أول أربعاء من شهر نيسان. وتعود أصول هذا الاحتفال إلى العراقيين القدماء حيث كان يحتفل به الأكديين والبابليين والآشوريين بما كان يعرف بأكيتو.اضافة الى اعياد القربان والجماعة وعيد مربعانية الصيف ومربعانية الشتاء وعيد خضر الياس وعيد العجوة وعيد المحية .
وكان عدد الإيزيديين في العراق أكثر 600 ألف نسمة، لكن عددهم الحالي غير معروف على وجه الدقة، فهجرتهم مستمرة من العراق بسبب حملات الإبادة التي يتعرضون لها على يد الجماعات المتشددة. أما في العالم فيبلغ عدد الإيزيديين نحو مليون وربع مليون شخص يتراوحون بين العراق وسوريا وتركيا وايران وارمينيا وجورجيا ودول اوربا.
حملات الابادة
تعرض الايزيديون عبر التاريخ إلى 72 حملة إبادةٍ شُنت ضدهم لأسبابٍ مختلفة، تسببت هذه الحروب والمذابح بآثار ترسخت في النسيج الاجتماعي والعقلية الإيزيدية فصار الانزواء عن العالم والتقوقع الاجتماعي والخوف من الغرباء سمةً أساسيةً لهم. لكن كل هذا لم يمنع المثقفين الإيزيديين من إنشاء مراكز ثقافيةٍ واجتماعيةٍ لتعريف العالم بديانتهم وجعل الإيزيديين ينفتحون أكثر على العالم الخارجي
ثم جاءت المرحلة الأخيرة من الفرمانات الكبيرة في نهاية العهد العثماني وخصوصا في القرن التاسع عشر على يد محمد باشا الراوندزي عام 1834، الذي شن حملة كبيرة أنهى بها وجود الإيزيديين في منطقة سوران ودمر وجودهم في سهل نينوى، وتلتها فرمانات أخرى من فريق باشا عام 1894 وتلاه فرمان آخر على يد الفريق وهبي باشا، وكل هذه الفرمانات كانت تصدر من الباب العالي. ومع نهاية الدولة العثمانية حلت كارثة أخرى بالإيزيديين وهي كارثة تشكيل الدولة العراقية، وحركت الدولة العراقية في أعوام 1931 و1933 الجيوش التي هاجمت المواطنين الإيزيديين العزل في سنجار بسبب رفضهم لأداء الخدمة العسكرية.
رحلة الالم في فيلم وثائقي
ثم انتقلت الباحثة الى الجزء الثاني من محاضرتها وهوعرض فيلم (الفرمان الاسود ) وهو فيلم وثائقي قصير لمخرجه الايزدي نوزاد شيخاني ، وقد صور فيه مأساة ماحصل في اغسطس الماضي في جبل سنجار على يد عصابات داعش الاجرامية والحراك الشعبي الذي خرج في مظاهرات حاشدة في عدد من دول العالم ، وينتهي الفيلم بدعوة وجهتها جهات ايزدية الى الشباب الايزدي للتطوع في التدرب على السلاح وقتال داعش دفاعا عن وجودهم وارضهم وعرضهم ، وقد تم ذلك فعلا في اقامة عدد من معسكرات التدريب لهؤلاء الشباب من الجنسين ، وتشير الاستاذة ثناء البصام ،الى ان المأساة لم تنتهي في لجوء المدنيين العزل الى الجبل ووفاة العديد من الاطفال والشيوخ بسبب نقص الماء والغذاء او الفقدان في دروب الجبال الوعرة ، بل كانت هذه هي بداية المأساة التي ما تزال مستمرة حتى اليوم ، فمئات الفتيات الايزديات تم سبيهن وبيعهن في سوق النخاسة في العراق وسوريا ومايزال مصير الكثير منهن مجهول ، وتحاول عوائلهن مع بعض منظمات المجتمع المدني القليلة او المتبرعون من محاولة متابعة وشراء السبيات وتحريرهن واعادتهن الى عوائلهن ، هذه العوائل التي اثبتت مستوى عال من الانسانية والشجاعة في احتضان العائدات والتخفيف من معاناتهن برغم الانتهاكات الجسدية والنفسية التي تعرضن لها على يد اقذر وحوش عرفهم التاريخ .
استمرار الكارثة في صور
وقد قدمت الباحثة رحلتها في تتبع الكارثة عبرعرض مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية التي التقطتها كاميرتها في معسكرات ايواء اللاجئين في كردستان العراق، وكان لكل صورة حكاية مليئة بالحزن واللوعة،مبينة وضعهم المآساوي في ظل ظروف مفرطة القساوة ووسط مجتمع يعاملهم بالاهمال او الاستغلال ، فهم في ظروف حياتية سيئة وظروف معيشية لايطيقها حتى الحيوان ووسط فقدان تام للخدمة الصحية ،ومطلوب منهم البحث عن فتياتهم المختطفات ومحاولة اعادتهن بمساعدة منظمات انسانية قليلة ، وذكرت ثناء البصام نماذج من استغلال بعض الساسة العراقيين لظروف الايزديين ومحاولة الاثراء من سرقة السحت الحرام من المبالغ التي خصصت لدعم النازحين .
واختتمت الباحثة محاضرتها بقراءة قصيدة تقول عنها ، انها ليست شاعرة ، لكن نتيجة مشاعر القهر والاحساس بالعجز امام هذه الكارثة التي يجب ان نخجل منها جميعا كتبت هذه القصيدة ، وعند الانتهاء من القراءة قوبلت بموجة من التصفيق الحار من الحضور الذي تأثر كثيرا بأجواء المحاضرة المأساوية ، ثم طرحت عددا من الاسئلة اجابت عنها المحاضرة لتغني موضوع الكارثة التي حلت بهذه الطائفة العراقية المسالمة.