فرق يهودية معاصرة
صادق الطائي
صدر للدكتور جعفر هادي حسن كتابه الجديد بعنوان (فرق يهودية معاصرة ) عن دار (لندن تاجز) في لندن بـ 280 صفحة من القطع المتوسط ، والذي يواصل فيه الباحث مشواره البحثي في حقل الدراسات اليهودية الذي تخصص فيه منذ اكثر من ربع قرن،وقد احتفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن بالكاتب والكتاب في أمسية ثقافية يوم الاربعاء 23 آب / اغسطس 2017.
والدكتور جعفر هادي حسن أستاذ جامعي عراقي مختص باللغة العبرية واللغات السامية والدراسات اليهودية، وقد حصل على الليسانس والماجستير في اللغة العربية وادابها من جامعة بغداد ،ثم اتم مشواره الاكاديمي في بريطانيا حيث حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من جامعة مانشستر في اللغة العبرية والدراسات اليهودية. وقد درّس في عدد من الجامعات العربية والغربية كان آخرها جامعة مانشستر. وله عدد كبير من الدراسات المنشورة باللغة العربية والإنجليزية في حقل الدراسات اليهودية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ؛ (اليهود الحسيديم ..نشاتهم – تاريخهم – عقائدهم – تقاليدهم)و(تاريخ اليهود القرائين منذ ظهورهم حتى العصر الحاضر) و(فرقة الدونمة بين اليهودية والاسلام ) و (قضايا وشخصيات يهودية).
يشير د. جعفر هادي حسن في مقدمة كتابه الى ان الديانة اليهودية اليوم تضم فرقا كثيرة ومتعددة، بعضها مشهور ومعروف للقارئ مثل فرقة اليهود الأرثودكس،وبعضها غير معروفة للقاريء العربي بشكل خاص حيث لم يكتب عنها في المكتبة العربية بحثا او كتابا لحد الان. وقد اشتغل المؤلف في كتابه الجديد على أطلاع القارئ على بعض الفرق اليهودية المعاصرة غير المعروفة ، والتي مازالت نشيطة وفاعلة في عالمنا اليوم، والظاهرة التي تجمع هذه الفرق هو عدم وجود دراسات باللغة العربية عنها (عدا يهود أثيوبيا – الفلاشا). وأكثر هذه الفرق تنتشر في أصقاع كثيرة من العالم ولاتتركز في منطقة واحدة. وقد عمل بشكل جاد على أن تضم الدراسة تفاصيل عنها تتناول أغلب جوانبها في العقيدة والتقاليد والممارسة الدينية وغيرها.
ومن الفرق التي تناولها الباحث في دراسته؛ فرقة اليهود الأفارقة الأمريكيين، وهي فرقة أصبحت اليوم كبيرة وذات خصوصية، تميزها كثيرا عن بقية الفرق اليهودية الأخرى. ولذلك توسع في الحديث عنها، وذكر بعض تفاصيل ممارستها الدينية، ويشير الدكتور جعفر هادي حسن الى ان هذه الطائفة لم يكتب عنها دراسة مفصلة بل حتى ولا مقالة واحدة باللغة العربية، ولأن الدراسة عنها قد أصبحت واسعة ومتشعبة، فقد ارتأى تفاديا – لإرهاق القارئ بطولها- أن يقسمها إلى قسمين في فصلين، تحدث في الفصل الأول عن بدايات تاريخ ظهورها وبعض الأفكار العامة التي تتميز بها عن بقية الفرق الأخرى، وكذلك عن ظهور بعض مجموعاتها، التي أخذت تظهر الواحدة تلو الأخرى. وفي الفصل الثاني تحدث عن أحد أشهر مجموعاتها وهي (مجموعة الشعب الافريقي الاسرائيلي العبراني الاورشليمي) التي أصبحت ذات شهرة عالمية، ولها نظرية خاصة بها وخطط لإقامة دولة، تعمل اليوم على تطبيقها.
كما تناول المؤلف بالدراسة في فصل أخر فرقة (يهود أثيوبيا – الفلاشا) وهي من الفرق التي تناولها الإعلام كثيرا وكتبت عنها دراسات باللغة العربية،عدا ما كتب عنها باللغات الأخرى. ولكن على الرغم مما كتب عنها باللغة العربية، فإن الموضوع ظل يفتقر إلى بعض المعلومات المهمة، وهي معلومات حري بالقارئ أن يطلع عليه ويستفيد منها، ولهذا السبب تناول المؤلف موضوع الفلاشا في الكتاب وخصص له فصلا.
كما ان من الفرق غير المعروفة للقارئ والتي تناولها الباحث مفردا لها فصلا في هذا الكتاب هي فرقة تعرف بالإنكليزية ( Messianic Jews) والتي كانت تترجم احيانا بـ (اليهود المسيحانيين) ولكن د.جعفر هادي حسن ارتأى ان يطلق عليهم اسم “اليهود اليسوعيين”، حيث يرى أن هذا الإسم أكثر صحة ودقة، وأقرب لمعناه المقصود بالإسم الإنكليزي، ويخبرنا انها فرقة ايضا لم يتم تناولها بالدراسة والبحث في المكتبة العربية سابقا ،وما تختلف به هذه الفرقة عن غيرها من الفرق اليهودية هو أنها لا تؤمن بمسيح يهودي مخلص يأتي في آخر الزمان كما هو الحال او المتعارف عليه في مختلف الطوائف اليهودية ،بل تعتقد كما يعتقد المسيحيون، بأن الذي سيظهر هو عيسى المسيح ،او يسوع المخلص بالمصطلح المسيحي، وسيكون ظهوره في نهاية الزمان هو الظهور الثاني بعد الأول، الذي حدث قبل ألفي عام ،كم ان لهذه الفرقة تفصيلات عقائدية وسلوكية وممارسات دينية تميزها عن بقية الفرق اليهودية.
كما تناول المؤلف فرقة تعتبر حديثة إلى حد ما، حيث ظهرت في منتصف القرن الماضي، وهي أيضا من الفرق اليهودية غير المعروفة للقارئ العربي،وهي الفرقة التي اطلق عليها اسم (اليهودية البشرية)،ترجمة للتسمية الانكليزية ( Humanistic Judaism ) وافراد هذه الفرقة يعتقدون إن الديانة اليهودية أسسها اليهود أنفسهم (البشر) ولم تأت من وحي أوحى به رب، بل هم لا يعتقدون بوجود رب، بل ولا يعترفون حتى بآباء بني إسرائيل القدماء مثل يعقوب واسحق وداوود، ولا يعتقدون حتى بموسى ويعتبرونهم رموزا اسطورية لا وجود لهم، ولهذه الفرقة اليوم أتباع في كثير من أقطار العالم، ولهم عشرات المراكز للعبادة حتى في إسرائيل، ويمكن للقارئ ان يطلع خلال قراءته للكتاب على تفاصيل أخرى تتعلق بهذه الفرقة .
كما تناول د. جعفر هادي حسن بالبحث فرقة يهودية اخرى أنشأها واعظ ياباني، اسمه (إيكورو تشيما)، والفرقة اسمها”مكويا”. وهي كانت قد ظهرت في منتصف القرن الماضي على أنها فرقة مسيحية تتميز ببعض المعتقدات والتقاليد، التي تختلف عن الفرق المسيحية الأخرى، فهي تعتقد بالأصل اليهودي للمسيحية، وترى بأن فهم المسيحية يعتمد على فهم اليهودية والتاريخ اليهودي وغيرها من أفكار، ولكنها بمرور الزمن أخذت تميل إلى اليهودية أكثر، وتمارس بعض معتقداتها المهمة، مثل السبت كيوم للراحة وكذلك الأعياد اليهودية وغيرها، وتتبنى أهم رموزها، مثل المنوراه ونجمة داوود وغيرهما، وهي اليوم تستعمل أسماء يهودية لأعضائها، إضافة إلى أسمائهم اليابانية.كما ان زعيمها الذي خلف المؤسس صرح أكثر من مرة بأن فرقة “مكويا” هي فرقة يهودية، بل ادعت الفرقة أن أصولها تعود إلى إحدى قبائل بني إسرائيل الضائعة (قبيلة زبولون)، وهي منذ بداية ظهورها تتبنى الأفكار الصهيونية، فيما يتعلق بأرض فلسطين، وهي تساند إسرائيل ماديا ومعنويا وتؤيد سياساتها. لهذا تناولها الباحث باعتبارها من الفرق اليهودية على الرغم من نشأتها المسيحية، لأنها في واقعها وممارستها فرقة يهودية.
كما ان د.جعفر هادي حسن قد استثنى من الفرق المعاصرة في كتابه الجديد ما كان قد تناوله بدراسات مفصلة في كتبه السابقة مثل اليهود القرائين والدونمه والحسيديم، أو التي كتب عنها دراسات مطولة كالحريديم، إذ يمكن للقارئ المهتم بهذه الفرق أن يراجعها في الدراسات المشار لها. كما لم يتناول بعض الفرق المعروفة مثل فرقة اليهودية الإصلاحية والمحافظة وغيرهما، لأنه يعتقد ان كلا منها تحتاج إلى دراسة مطولة لو أضيفت ستثقل الكتاب حجما وسترهق القارئ، الذي قد يشيح بوجهه عنه بسبب ذلك، بل ولايرغب في قراءته، ولذلك ارتأى د.جعفر هادي حسن أن يعمل على دراسة هذه الفرق في كتاب مستقل سيظهر مستقبلا. وكما يتضح من عنوان الكتاب (فرق يهودية معاصرة) انه يخلو من اداة التعريف كناية عن ان الباحث متعمدا وضع العنوان بصيغة المجهول لانه تناول بعضا من الفرق اليهودية المعاصرة وليس جميعها وانه يعد القاريء بدراسات قادمة سيتناول فيها مالم يتم تناوله في هذا الكتاب.