ساستخدم المنهج الظاهراتي(الفينومينولوجي) الوصفي لتقديم تعريف علمي لطقوس عاشوراء معتمدا المقاربة الوظيفية البنائية في فهم الظاهرة الدينية. وبالطبع ساستخدام مقاربات منهجية نظرية مهمة مثل اطروحات عالم الاجتماع الفرنسي أميل دوركهايم وعالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر، وهما من اهم منظري الظاهرة الدينية في العلوم الاجتماعية. يجب ان نعرف في البدء ان التناول العلمي للظاهرة الدينية في العلوم الاجتماعية لاتقف وراؤه دوافع اعتقادية، لذلك يطلب من الباحث قدر استطاعته ان يتجرد من ميوله الايمانية والمذهبية عند دراسة ظاهرة دينية ما لتكون احكامه موضوعية وبعيدة عن الميول الشخصية. لذا فمن يتوقع اني سأقدم في هذه الورقة مدحا او ذما، او أحكاما قيمية من اي نوع لظاهرة الطقوس العاشورائية . الدراسات السابقة لم يتم تناول طقوس عاشوراء بدراسات اكاديمية معمقة الا نادرا.. لكن يمكن ان نشير الى الدراسات السابقة المهمة التي تناولتها بالبحث، ويمكن ان نشير الى دراسة تعد رائدة في هذا الحقل وهي دراسة عالم الاجتماع العراقي د.ابراهيم الحيدري الذي قام بدراسة انثروبولوجية ميدانية للعزاء الحسيني في مدينة الكاظمية عام 1968، استغرقت ستة اشهر، استخدم فيها المنهجية الانثروبولوجية المعروفة بالمراقبة بالمعايشة وكانت جزءا من متطلبات اطروحته لنيل درجة الدكتوراة في جامعة برلين، وقد طور الدراسة لاحقا وصدرت باللغة العربية بكتاب بعنوان “تراجيديا كربلاء …سوسيولوجيا الخطاب الشيعي” الذي صدر عن دار الساقي بلندن 1999. دراسة انثروبولوجية اخرى هي “صناعة الذاكرة في التراث الشيعي الإثني عشري ، زيارة المراقد أنموذجاً “، وهي رسالة اكاديمية قدمها للجامعة التونسية الباحث صلاح الدين العامري كجزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراة في العلوم الاجتماعية، وهذا البحث درس العزاء الحسيني كجزء من آليات صناعة الذاكرة الشيعية. كذلك هنالك دراسة انثروبولوجية بعنوان “الوجهة كربلاء … رحلة المسير من إيران إلى العراق”، وهي دراسة مسحية لزيارة اربعين الامام الحسين قام بها مجموعة باحثين هم (فوتيني كريستيا ، إليزابيث داكيسير ، درين نوكس) وقد صدرت بكتاب من ترجمة نور علاء الدين. كما يجب ان نشير الى الدراسة المهمة للدكتور حمزة الحسن “طقوس التشيع .. الهوية والسياسة ” ،وهنا تجدر الاشارة الى ان هذه الدراسة انصبت بشكل اساس على موضوع الهوية واستخدمت مناهج العلوم السياسية وتحديدا نظريات الهوية. ودراسة “اجتماعية التدين الشعبي، دراسة تأويلية للطقوس العاشورائية” للباحث مهتدي الأبيض، وقد صدر الكتاب عن دار الرافدين عام 2017 ، وقد سلط الباحث الضوء في كتابه على الظاهرة العاشورائية وتاريخها وما مرَّت به من ظروف المنع في العراق قبل الاحتلال الأميركي عام 2003، وعلاقتها وصلاتها بظواهر أخرى حدثت في القرون الوسطى في المجتمع الأوروبي، وتحليل الظاهرة تحليلاً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً. لمحة تاريخية عن مناحات عاشوراء يمارس الشيعة بطوائهم المختلفة مثل الشيعة الامامية والشيعة الاسماعيلية وحتى طوائف غلاة الشيعة مثل العلي اللهية والشبك والنصيرية طقوسا في عاشوراء ،لكن هذه الورقة ستركز البحث في طائفة الشيعة الامامية ،وتحديدا في العراق. فاتباع المذهب الشيعي الامامي يمارسون طقوس حزن يختصون بها عن بقية اتباع المذاهب الاسلامية الاخرى، تتمثل بقراءة المناحات الحزينة التي تسرد واقعة استشهاد سبط النبي(ص) الحسين بن علي (ع) الذي استشهد عام 61 هـ – 680 م، ومعه قرابة السبعين شخصا من اهله واصحابه في معركة الطف في كربلاء على يد الجيش الاموي الذي ارسله الخليفة الاموي يزيد بن معاوية لقمع التمرد الحاصل في الكوفة. ان مقتل سبط النبي(ص) وما يمثله من مكانة مقدسة لدى المسلمين ترك الاثر الاكبر الذي تمثل حزنا مكبوتا لدى جماهير واسعة من رعايا الدولة الاموية خصوصا وان المقتلة تبعها قطع روؤس الشهداء ونقلها الى دمشق عاصمة الخلافة ومعها سوق نساء بيت النبي (ص) كسبايا. المناحات الحسينية كانت في بدايتها التاريخية عبارة عن مجالس عزاء يتم فيها استذكار من استشهد من اهل الحسين (ع) واصحابه، لكن وكما يشير المؤرخون ان الظهور الاقوى لتطور طقوس عاشوراء ظهر ابان سيطرة البويهيين على الخلافة العباسية في القرن الرابع الهجري، وذلك لانهم كانوا يتبعون المذهب الشيعي، ففي عام 352هـ دشن معز الدولة البويهي طقس عاشوراء الذي ستكون له ابعاد تأسيسية في التحويل النهائي للانشقاق السياسي الشيعي الى انشقاق ديني يؤطرهوية اجتماعية قائمة على ابعاد دينية – سياسية. يذكر ابن الاثير(وهو مؤرخ شيعي) في كتابه الكامل في التاريخ (في العاشر من محرم من السنة 352هـ امر معز الدولة ان يغلقوا دكاكينهم ويبطلوا الاسواق والبيع والشراء وان يظهروا النياحة ويلبسوا قبابا عملوها بالمسوح وان تخرج النساء منشرات الشعور مسودات الوجوه قد شققن ثيابهن يدرن في البلد بالنوائح ويلطمن وجوههن على الحسين بن علي ففعل الناس ذلك)،ولما استمرت سيطرة البويهيين على بغداد مركز الخلافة اكثر من قرن ترسخت هذه الطقوس. كما يذكر ابن كثير(وهو مؤرخ سني) في كتابه البداية والنهاية في حوادث سنة 389هـ (لما كانت الشيعة يصنعون في يوم عاشوراء مأتما يظهرون فيه الحزن على الحسين،قابلتهم طائفة اخرى من جهة اهل السنة فأدعوا ان في يوم الثاني عشر من المحرم قتل مصعب بن الزبير ،فعملوا له مأتما كما تعمل الشيعة للحسين،وزاروا قبره كما تزورالشيعة قبر الحسين وهذا من باب مقابلة البدعة ببدعة مثلها). الطقوس الدينية ونظريات العلوم الاجتماعية برز تناول الظاهرة الدينية في العلوم الاجتماعية في وقت مبكر. بل نستطيع القول انها كانت – الظاهرة الدينية – محفزاً ودافعاً للكثير من دراسات هذه العلوم بشكل خاص في السوسيولوجيا والانثروبولوجيا .ان علم الاجتماع الديني ولد في قلب تساؤل علم الاجتماع حول الحداثة والمعاصرة وتأثيرها على الدين وتأثير الدين عليها،وقد اقترح الرواد الكبار مثل اميل دوركايم ( 1858م-1917م) وماكس فيبر(1864م -1920م) تحليلاً للظواهر الدينية من منطلق علم الاجتماع، وتركزت دراساتهم على المجتمع المعاصر والتغيرات العميقة التي طرأت على الطقوس الدينية بتأثير الحداثة. هنالك الكثير من التعريفات للطقوس في ادبيات العلوم الاجتماعية، ويمكن ان نشير الى تعريف الموسوعة البريطانية ط 11 الصادرة عام 1910،التي اعتمدت على مجموعة اطروحات لعلماء اجتماع وانثروبولوجيا وأشارت الى ان؛( الطقس ظاهرة ثقافية توجد في اغلب الاديان. ويمكن وصف الطقس بانه جزءا محوريا في كل دين، وهو نوع من السلوك الرتيب المتكرر الذي يرمز ويعبر عن جوهر ما بهذه الطريقة. كما انه مظهر يرتبط بشكل متباين بالوعي الفردي والتنظيم الاجتماعي). يركز الباحثون في انثروبولوجيا الاديان على نقطة جوهرية في الطقوس الدينية وهي إن من المميزات الخاصّة التي تعطي للطقس فرادته إنّه يتمّ وفق مميّزات يمكن تحديدها في ثلاثة نقاط هي ؛ التقعيد بحيث يخضع الطقس لقواعد منتظمة متعارف عليها لدى أفراد الجماعة. التكرار حيث يعاد إنجاز الطقس في مناسبات تتكرر في أوقات مضبوطة من حياة الجماعة، وحسب تكرار زمني مضبوط. الشحنة الرمزيّة التي تحملها ممارسة الطقس، ممّا يعطي الممارسات دفقها وفعاليتها الرمزيّة الخاصّة. يرى عالم الاجتماع الفرنسي اميل دوركهايم إن الدين هو الشكل المنظم، والمؤسساتي للمقدس، من جهة، وهو نمط لإنتاج المعايير الجماعية والوعي الاجتماعي، من جهة ثانية . لذلك يكون دور الدين ضمان تحقيق الاندماج الاجتماعي، من هنا تأتي أهمية الطقوس الدينية لدى دوركهايم ، إذ انها تلعب دورا في الابقاء على الوعي الجمعي في حالة صحو دائمة. أما فرضية رادكليف براون حول الطقوس فانها تنص بأن القاعدة الأساسية للطقوس هي تطبيق القيم الطقوسية على الأشياء والحوادث والمناسبات التي يمكن اعتبارها بمثابة الأهداف ذات المصالح المشتركة التي تربط اعضاء المجتمع الواحد، أو تمثل تمثيلاً رمزياً جميع الأشياء التي تستند على تأثير السلوك الرمزي بأنواعه المتعددة. إذن يمكن اعتبار فرضيته حول الطقوس بأنها فرضية عامة للرموزالتي لها تأثيراتها الاجتماعية المهمة. والطقوس حسب آراء رادكليف براون هي حدث رمزي يعبر عن قيم اجتماعية مهمة. كما يجب ان نشير هنا الى طقوس ايذاء الجسد، وهي من الطقوس الدينية القديمة، ويعتقد بعض علماء الانثروبولوجيا مثل جيمس فريزر في دراسته للسحر والدين عند الشعوب البدائية في كتابه الغصن الذهبي ان دور هذه الطقوس هو التطهر والوصول الى الخلاص الروحي عن طريق الالم . التجليات الانثروبولوجية للعزاء الحسيني رصدنا في هذه الورقة اهم التجليات الخاصة بالعزاء الحسيني التي تحولت بحكم التراكم الى سلوكيات طقسية يمكن رصدها وتحديد سماتها العامة ،واهم هذه التجليات هي: المواكب: يمكن ان نعرف “موكب العزاء الحسيني” بأنه مصطلح يطلق على التجمع البشري المتجمع في مكان محدد لاجتماع ممارسي طقوس العزاء الحسيني سواء كان هذا المكان حسينية او مسجد او حتى في ساحة محددة لإقامة مناسبات العزاء الحسيني. لينطلقوا من أماكن التجمع في مسيرة منظمة نحو الوجهة المقدسة، وهي عادة نوع من الاضرحة اوالمقامات الدينية، يصحب ذلك احيانا ضرب طبول وصنوج لخلق ايقاع موحد للمسيرة ، كما قد يصاحب المسير اللطم أو ضرب الجسد بالسلاسل مع الهتاف والترديد لبعض القصائد الشعرية والاهازيج الخاصة بالمناسبة. ويمكن ان نقسم مواكب العزاء الحسيني الى : مواكب اللطم: ويعتبر هذا النوع من المواكب هو الأكثر انتشاراً . اذ يُحي الشيعة الاثني عشرية ذكرى المصاب في كل مجتمع يتواجدون فيه بطرق ومسالك مختلفة بحسب اختلاف المجتمعات التي يعيش فيها الشيعة . وطريقة المواكب في العراق على سبيل المثال تسمى بالدائرات حيث ينطلق أصحاب العزاء من تجمعاتهم في الحسينيات متجهين عادة إلى الأماكن المقدسة كـالعتبات المقدسة أو من حسينية إلى حسينية وهم يرددون بعض القصائد او الأشعار في قالب مختصر، وعادة ما تقرأ أبيات قليلة مشتركة ببعض الأشطار المقفولة، وهم يعزوون بعضهم البعض. والحسينيات التي تستقبل هذه المواكب أيضاً ترحب بالمواكب المقبلة إليها بأشعار تناسب المصيبة وتناسبهم، هذا والناس يشتركون معهم باللطم. مواكب ضرب السلاسل: هذا النوع من المواكب أيضاً يعد من المواكب المنتشرة في الطقس العاشورائي في الحزن على الامام الحسين (ع). أن مسيرات الضرب بالسلاسل أكثر انسجاماً وترتيباً من مواكب اللطم، وذلك لطبيعة العزاء المختص به، ولكن هناك رواديد يقرأون أشعار في العزاء ويرافقهم عادة صوت ضرب نوع كبيرمن الطبول يعرف بـ (الدمام)، والناس يشاركونهم في المسيرة لاطمين على الصدور والرؤوس. مواكب التطبير: قد واجه هذا النوع من المواكب مخالفة بعض علماء الشيعة ورفضهم له وحدثت نزاعات تأريخية حوله لما يروون فيه من اعطاء صورة تسيء للمذهب وللدين الاسلامي عامة، لذلك افتى أغلب علماء الشيعة بتحريمه. وتسبق مواكب التطبيرعادة باستعراض شبه حربي بالسيوف والقامات، ينطلق بعد اطلاق النفير او صوت البوق، ويعرف هذا الاستعراض بـ (المشق) الذي يتم بحركات مع ايقاع الطبول قبل البدء بالتطبير ويشمل هتاف قصير مركز هو (حيدر) وكأنه صرخة حرب مركزة. وفي بعض المواكب ـ في العراق وإيران ـ يرافق المجموعة فريق الضرب على الطبول المعروفة بـ(الدمام) حيث يكون في مقدمة الموكب، كما أن هناك أعلام ورايات للدلالة على الحزن. وفي الغالب يكون مكتوباً عليها شعارات تعبر عن الحزن بالمناسبة من قبيل: (يا حسين)، (يا أبا الفضل العباس)، (يا لثارات الحسين)، (يا قائم آل محمد) … وغيرها، حيث ترفرف بين هذه المواكب؛ إعلاناً للحداد والعزاء، والناس تشارك عادة هذه المجموعة باللطم، وتردد معهم الأشعار، وتهتف بالشعارات. ومن الجزئيات المهمة التي تجدر الاشارة لها في تناولنا للمواكب الحسينية ،”ركضة طويريج”، وهي نوع خاص من المواكب، وطويريج هو أحد ألأقضيه التابعة لمحافظة كربلاء، ويبعد عن مركز محافظة كربلاء حوالي 20 كيلو متراً . ابتدأ موكب عزاء طويرج زمن السيد صالح القزويني واستمر في ذريته، الركضة عادة تبدأ من قنطرة السلام التي تقع على طريق طويريج،لذلك سميت الممارسة بـ “ركضة طويريج”، والقنطره تبعد حوالي خمسة كيلومترات عن مركز مدينة كربلاء المتمثل بمقامي الحسين (ع) واخيع العباس (ع). وتبدأ هذه الممارسة بعد أذان الظهر بالضبط وهو الوقت الذي سقط فيه ألإمام الحسين (ع) صريعاً على رمضاء كربلاء. وكأن هذه الحشود جاءت لنصرة الحسين (ع) لكنها وصلت متأخرة ولم تستطع الوصول لنجدته والقتال معه ضد خصومه. لذلك يشارك الرجال فقط في هذه الركضة، اذ يلطمون على الرؤوس وينادون (حسين .. حسين)، فينطلقوا من القنطرة مروراً بشارع الجمهورية فشارع ألإمام الحسين (ع) ثم يدخلون إلى الضريح الشريف من باب القبلة ويخرجون من الباب المقابل لمرقد العباس (ع) فيجتازوا المنطقة الفاصلة بين الحرمين إلى ضريح العباس (ع) وعند خروجهم من الضريح تكون قد إنتهت هذه الممارسه الحسينية. طقوس ايذاء الجسد: طقوس إيذاء الجسد من الطقوس الدينية القديمة ،التي يعتقد علماء الانثروبولوجيا ان لها دورا في عملية التطهر وما يستتبعها من الوصول الى الخلاص الروحي عن طريق الالم. ويشتمل العزاء الحسيني على الكثير من هذه طقوس مثل : اللطم او ضرب الجسد بالايدي المجردة : وهو طقس قد تقوم به النسوة في عزاء خاص بهن، والذي يتم عادة في أماكن مغلقة مثل البيوت او قاعات المناسبات الحسينية الخاصة بالنساء والتي يعد دخول الرجال لها من الممنوعات. بينما يقوم به الرجال في مختلف الاماكن سواء كانت مفتوحة مثل الشوارع او الساحا العامة او فضاءا الاضرحة المقدسة ،اوالمغلقة مثل البيوت والقاعات والمساجد والحسينيات. في المواكب او القراءات الحسينية ،وقد يعري بعض الرجال نصفهم الاعلى قبل اللطم، وقد يصل ضرب الجسد الى مراحل متقدمة من إسالة الدم من الجسد نتيجة الاصابة بالجروح والتسلخات بسبب الضرب المبرح للجسد. ضرب الظهور بالسلاسل: والسلاسل التي تعرف بالعراق بأسم (الزنجيل) هي آلة معدة خصيصا لهذا الطقس،ولاتستعمل اي استعمال اخر،لكنها في نفس الوقت لاتحضى بقدسية او خصوصية بعد انتهاء الطقس، تصنع السلاسل المستعملة في العزاء الحسيني من مقبض خشبي تتدلى منه مجموعة سلاسل صغيرة، وقد يضاف لها اضافات حديدية حادة صغيرة تشبه الشفرات لزيادة الايذاء. ويمارس ضرب (الزنجيل) كما يعرف في العراق عادة في المواكب كما تم الاشارة الى ذلك وهو طقس خاص بالرجال عادة ولاتمارسه النساء، ويتوجب عادة لبس نوع خاص من الملابس التي تترك الظهر عاريا مكشوفا اما الضربات التي تنزل عليه بالسلاسل مع ايقاع الطبول وصرخات التوسل الحزينة. التطبير او ضرب القامة : وهي كناية عن جرح الرؤوس بآلات حادة تشبه السكاكين الكبيرة (القامات) او السيوف، وتتم العملية في مواكب خاصة، تنطلق فجر يوم العاشر من محرم فقط، ويعزى هذا الطقس الى رمزية أسالة دم المشارك في الطقس اسوة بأمامه الذي اسيل دمه، ويلبس المطبرون عادة اكفانا بيضاء سرعان ما تتخضب بدمائهم في رمزية تدلل على الاستعداد للشهادة. وهذا الطقس كان مقصورا على الرجال دون النساء، ويحتاج الى تهيئة تسبقه وتتمثل بحلق شعر الرأس بالموس،ويبدأ الضرب عادة بعرض السكاكين او القامات والسيوف على هامة الرأس مع الايقاع ،وهذه الضربات تتسب في تجمع الدم قريبا من الجلد ،و وفي اللحظة المناسبة ومع ضربة سريعة من الالة الحادة يتدفق الدم من الرأس، وقد يتسسب اندفاع بعض الاشخاص او مغالتاهم في اداء الطقس الى التسبب بجروح عميقة تستوجب نقلهم الى المستشفيات، لكن الحالة الغالبة هي اصابة الرأس بجروح سطحية لا تستوجب الا لفه بقطعة قماش ويترك بعد ذلك لعدة ايام ليلتئم الجرح. كما تجدر الاشارة الى دخول بعض الطقوس المستحدثة في العراق على العزاء الحسيني مؤخرا، وهي طقوس لم تكن معروفة او على الاقل لم تكن شائعة سابقا. وتركز هذه الطقوس الغريبة على نقطة إذلال الجسد في رمزية واضحة للدلالة على الحزن عن طريق اذلال الجسد المادي، ومن هذه الطقوس ما بات يعرف بـ (زحف الكلاب) و تطيين الجسد بالوحل والمشي على الجمر. كما ان مظاهر ايذاء الجسد في الاغلب يمسارها الرجال باستثناء اللطم الذي يمارسه الرجال والنساء، لكن مع التوسع الذي حصل في طقوس الحزن العاشورائية في العراق بعد 2003 شهدت الطقوس قيام بعض الاهالي بتطبير اطفالهم الصغار او حتى الرضع. لطالما كانت طقوس ايذاء الجسد موضوعا سجاليا ومختلف عليه بين فقهاء الشيعة الامامية، وقد وصل الصراع فيه في بعض الاحيان الى الاقتتال بين من يقول بمنعها وبين من يدافع عنها. واطلق على الفقهاء الذين حرموا طقوس ايذاء الجسد تسمية او صفة (الاموية) مقابل من سمح او شجع على ممارسة هذه الطقوس من المراجع الذين اطلق عليهم صفة (الحسينية). قراءة التعزية الحسينية: هي جزء مهم من طقوس العزاء الحسيني، تقام في الدول ذات التواجد الشيعي الكبير مثل العراق وإيران ولبنان وسوريا وآذربيجان وپاكستان والهند ودول الخليج، وتتم عادة في أماكن تجمعهم، وتقرأ التعزيات عادة بلغات مختلفة بحسب المجتمع، وهذا الطقس يتم في أيام وليالي المناسبات الدينية المتعددة المختلفة لكن اهمها في عاشوراء . حيث يجتمع الناس في مكان محدد لاجراء قراءة التعزية، مع وجود منشد يردد عليهم قصيدة رثاء حزينة، يذُكر فيها المصائب التي جرت والنكبات التي حلت على آل بيت النبوة . يعتقد ان المراثي قد ابتدأت بصورة القصيدة الفصيحة بشكل كامل، ومن ثم استخدم بعض الشعراء أوزان الموشحات، واستخدموا اللهجات المحكية. حتى وصلتْ ليومنا هذا في القرن الواحد والعشرين لطريقة خاصة، ومعجم منفرد، وأوزان متنوعة مشتقة من بحور الشعر العربي الستة عشر أو مبتكرة من ناظميها، يطلق عليها روادها اصطلاحاً بالقصائد الحسينية أو الأدب العزائي، ويتداولها الناس بأسماء شعبية مثل: اللطمية (وهذا الاسم أكثر شيوعاً في العراق والكويت). العزاء أو الشيلة (وهذان الاسمان أكثر انتشارا في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية). بالطبع هذا من قبل الشيعة العرب، في حين إن معظم الشيعة في جل أقاليمهم يقيمون هذه المراسم ويرددون قصائدهم بلغاتهم الخاصة، وبطابع أدبياتهم الخاصة. ان طقس قراءة التعزية يقوم بها مقريء يجب ان يمتلك معلومات ومقومات تؤهله لاداء هذا الطقس مثل المعرفة الجيدة لفنون الغناء والمقامات الموسيقية،كما يجب ان يمتلك صوتا شجيا لان قراءة التعزية تتم بتنغيم الصوت البشري فقط مع غياب الالات الموسيقية، ويعرف قاريء التعزية باسم الرادود، ولا يسوجب ان يكون رجل، وقد نرى في بعض الاحيان اطلاق القاب اخرى على قاريء التعزية مثل الملا او المقريء او المنشد، كما لا يشارط في قاريء التعزية ان يكتب قصائده التي يرددها،بالرغم من ان بعضهم شاعرا وخطيبا وقاريء منبر حسيني،كما يمكن ان يكون بعضهم شاعرا يكتب الشعر بالمحكية وبعضهم يكتبه بالفصحى والمحكية، وقد اصبح بعض الرواديد نجوما في هذا المجال. قراءة المقتل الحسيني: وهو طقوس قريب من قراءة التعزية الحسينية لكنه مختلف عنها ،فقراءة المقتل تعتبر شعيرة من الشعائر الحسينية التي يمارسها الشيعة في يوم العاشر من محرم فقط . اذ تتم القراءة صباحا حتى الظهر كالعادة، وذلك عبر قراءة الروايات الواردة في هذا المجال خاصة قراءة كتاب مقتل الإمام الحسين (ع) برواية أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي، ولكن في الآونة الأخيرة عدلت قراءة هذا الكتاب إلى مقاتل أخرى وملخصة، وربما كان اشهر قراء المقتل في العراق الشيخ عبد الزهرة الكعبي، الذي ظلت طريقته تقلد في قراءة المقتل حتى اليوم. التشابيه ..او المسرح الحسيني: ربما كانت اقدم اشارة الى طقس التشابيه فيما ذكره السائح والتاجر الفرنسي المعروف (تاورنيه) في كتاباته حول احدى المراحل التي مرت بها مراسم العزاء قائلاً: في محرم عام 1046 هجرية شمسية اي بداية القرن السادس عشر. اذ قال أنه شهد احدى مراسم العزاء بحضور ثاني ملوك الصفويين وقد استغرق الطقس حوالي خمس ساعات. كما يقول: ومن بين ما شاهدت تشابيه هودج وفيه طفلان يمثلان اولاد الامام الحسين (ع) وكأنهما ميتان والبعض ممن حوله يبكون وينوحون. ولقد وصلت مواكب العزاء ومسارح التشابيه أوجها في حقبة حكم الملك ناصرالدين شاه قاجار في ايران في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لانه كان محباً لها وشغوف بها.ولقد كانت التكايا المؤسسة لهذا الغرض تحت اشراف السلطة وممثلهم (معين البكا) الذي كان يقوم برفع التقارير الدورية للسلطات عن تنظيم هذه الاماكن والطقوس الخاصة بها. وعلى ضوء الشواهد التاريخية فإن مجالس العزاء ومسارح التشابيه،كانت قد بلغت ما يقارب 300 مكان مخصص لاقامتها مثل التكايا المؤقتة والحسينيات والساحات الخاصة في نهاية عهد الدولة القاجارية. لكنها إنحسرت لتحصر اقامتها في نطاق ضيق في بعض التكايا في عهد الشاه رضا بهلوي الذي عرف بمحاولته فرض نمط الحياة الغربية على المجتمع الايراني بالقوة ،لذلك نجده حارب مظاهر التدين وطقوسه باعتبارها من علامات التخلف في المجتمع كما كان يعتقد . ويمكن ان نشير الى التطورت الكبيرة التي حدثت في طقس “التشابيه” او مسرح العزاء الحسيني نتيجة تطور التقنيات اللوجستية الكبير. فنحن نشهد اليوم قيام افراد محترفين بأدارة الطقس ،وهذا ما جعله أقرب الى عالم صناعة السينما الحديثة. الوجبات الطقسية في عاشوراء: غالبا ما يوجد في الفضاء الطقسي جانب مهم هو ” الطعام الطقسي” والاكلات التي تقدم يكون لها ما يميزها عادة، حيث ترتبط ذكرى عاشوراء بانواع من الاكلات والمشروبات التي تقدم لمن يحضر طقوس التعزية، وربما كانت اشهر الاكلات الطقسية في عاشوراء: (الهريسة) : وهي نوع من حساء الحنطة الكثيف الذي يطبخ مع كميات من اللحم، يهرس الخليط في قدور ضخمة تعرف بالقزانات، حتى يصبح مهروسا (هريسة). ويتم طبخ الهريسة عادة طوال ليلة التاسع من محرم ليقدم صباح العاشر، ويتم وضع السمن السائح ومسحوق القرفة (الدارسين) على الطبق ويؤكل وهو ساخن. كما تشهد كل أيام عاشوراء تقديم الرز الابيض او المضاف له بعض المطيبات كالزعفران والكركم وبعض التوابل، حتى يغدو لونه اصفرا، والذي يقدم مع قطع اللحم او الدجاج المحمر، بالاضافة الى اليخنة الاشهر في هذه المناسبة، وهي (القيمة) كما تعرف بالعراق وهي نوع من المرق المصنوع من الحمص المهروس المطبوخ مع الطماطم وكميات كبيرة من اللحم . كما ان لبعض ايام عاشوراء خصوصية طقسية ، لذلك تقدم فيها بعض المأكولات او المشروبات الخاصة ، فمثلا في اليوم الثامن من محرم الذي يكون مخصصا للحزن على القاسم بن الحسن (ع)، وهو من فتيان آل البيت،الذي قدم مع عمه الامام الحسين (ع)، وتروي قصص المقاتل انه كان عريسا، لذلك يتم الاحتفاء بما يعرف طقسيا بـ (عرس القاسم) بتقديم العصائر والشربت وبعض المعجنات مثل البقصم ، توضع في صينية مع الشموع والاس والحناء وتسمى هذه الظاهرة بـ (صينية عرس القاسم) . الاكلات الطقسية في عاشوراء تطبخ بكميات كبيرة، ويصاحبها شعور بان طابخ الاكل وموزعه وآكله سينالون الاجر والثواب. لكن يعزو بعض الدارسين الامر الى ان تقديم الاكلات الطقسية يتم لاسباب وظيفية، ويعتقد هؤلاء الباحثين ان الامر ابتدأ بتقديم الطعام للمعزين والنادبين واللاطمين المشتركين بطقوس عاشوراء، لانهم عادة ما يكونوا منشغلين بواجبات الحزن على الامام الحسين (ع)، ولا يتوفر للعوائل الوقت الكافي لتهيئة الطعام، ومن ثم تحول هذا الامر الى جزء من فضاء الطقس الانثروبولوجي، حيث تمثل الوجبة الطقسية سلوكا جمعيا معروفا في ثقافات العالم المختلفة يلعب دورا مهما في تماسك الجماعات وخلق هويتها المميزة. الخاتمة: يبقى لعاشوراء دورا مهما كفضاء طقسي يمكن ان يلعب دورا مهما في نشر مفاهيم التسامح والعطاء، وتبقى كربلاء المدينة التي احتضن أديمها جسد الحسين (ع) واجساد صحبه واهل بيته (ع) من شهداء الطف فضاء يمكن ان يجتمع فيه الثقافي والديني والفلكلوري ليكون مهرجانا وكرنفالا لرمزية الشهادة نقدم فيه هويتنا للعالم بشكل متحضر وجميل،بعيدا عن كل اشكال التطرف والعنف، اذ تعلو الاصوات العقلانية مطالبة بالتبرع بالدم بدل اهداره في طقوس غريبة مثل التطبير، ومساعدة العوائل المتعففة والمهجرين والنازحين بأموال المتبرعين للمواكب، واعادة نشر الوعي باهمية حركة الحسين (ع) كثورة اجتماعية .