أحتفالية تكريم الاستاذة سميرة المانع احتفت مؤسسة الحوار الأنساني بلندن يوم الاربعاء المصادف 2 مايو/ايار 2018 في أمسية ثقافية بالمنجز الابداعي والثقافي للاستاذة سميرة المانع .وتحدث في الامسية عدد من المثقفين العراقيين متناولين السيرة الابداعية والفكرية للاستاذة المانع . سميرة المانع ولدت الاستاذة سميرة المانع في العراق – البصرة. وهي تعيش بلندن منذ عام 1965 . صدر لها ست روايات هي : السابقون واللاحقون ، دار العودة، بيروت1972 . الثنائية اللندنية ، لندن، 1979.( مُنعت في بلدها الاصلي بكتاب رسمي ). حبل السرّة ، طبعت على حسابها، لندن، 1990. القامعون ، دار المدى، دمشق، 1997 . شوفوني… شوفوني ، دار الانتشار العربي، بيروت، 2001 . مَن لا يعرف ماذا يُريد ، دار المدى، دمشق، 2010 . ومجاميع القصص القصيرة صدر لها : مجموعة ” الغناء “، وزارة الثقافة العراقية، بغداد، 1976. مجموعة ” الروح وغيرها” ، دار الانتشار العربي، بيروت، 1999. كما كتبت الاستاذة المانع مسرحية بالعربية ترجمت الى الانكليزية بعنوان ” النصف فقط ” عام 1984، قرئت على المسرح من قبل فرع التمثيل بجامعة- بافلو- نيويورك بالاشتراك مع مركز الكاتبات المسرحيات العالمي سنة 1990. كما قامت المخرجة العراقية روناك شوقي باخراج القصة القصيرة ( العنز والرجال) ومثلت على قاعة الكوفة بلندن سنة 1999 . وقد عملت الروائية والقاصة سميرة المانع في بعض الفعاليات مثل: سكرتيرة تحرير مجلة (الاغتراب الأدبي) وهي دورية صدرت بلندن من 1985 حتى 2002 www.alightirab.cjb.net ساهمت سميرة المانع في برنامج الكتابة العالمية في جامعة (أيوا) في الولايات المتحدة الاميركية لمدة ثلاثة شهور سنة 1990. واشتركتْ في مهرجان المؤلف العالمي بتورنتو – كندا ، في خريف 1990 ، وقرأتْ احدى قصصها القصيرة ( ادغال استوائية). تُرجمتْ ونشرتْ رواية ( القامعون) إلى الانكليزية سنة 2011 ثم انزلتها شركة امزون ( Amazon) في نظام الكتاب الالكتروني . سيرة وقراءة في اعمال المانع ابتدأت الاستاذة سميرة المانع الامسية بالحديث عن سيرتها وحياتها انطلاق من مدينة الزبير في محافظة البصرة مرورا بالانتقال الى البصرة مع عائلتها ثم الى بغداد واخيرا الهجرة الى لندن،وتناولت في حديثها تعرفها على الادب والرواية والموسيقى بتأثير شقيقها الكاتب والمترجم والمثقف العراقي الاستاذ نجيب المانع ،الذي كان صديقا مقربا للشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب ،وقد تزاملا في العمل في شركة النفط، وروت الاستاذة المانع ذكريات طفولتها في الزبير والبصرة ثم الدراسة في بغداد . ثم قرأت صفحتين من احدى رواياتها لتعرف الجمهور بطبيعة كتابتها الابداعية ،ثم انتقلت لقراءة (العنز والرجال ) وهي قصة قصيرة سبق ان تم مسرحتها من قبل المخرجة العراقية روناك شوقي التي قدمتها كمسرحية في لندن عام 1999 (العنز والرجال) .. قصة قصيرة لم تمتْ بسهولة، وكم كانت صعبة لحظات مخاضها ذاك المساء. لقد هرول كل من في البيت على لوعة صراخها وقرقرة اللهاث. نزل محمود من غرفته مشدوها بفردة نعال، وطقطقت زكية بقبقابها مسرعة، وكان الوالد واقفا عند رأسها وعلى استعداد. لم يجد علاجا لها، ولم يستطع أي منهم ردع الموت وهو متبطن في عنزتهم الولود المحمومة، عنزتهم القهوائية ذات العيون الواسعة. ظلوا متكتفين حولها يرون نصف الجنين والموت فيها جاد. وبضمة نفس عميقة شربت العنزة هواء الارض، ثم سقط جنينها فاستدارت عنه ببوزها ونامت اجفانها بأعياء. كان الجنين لحمة دبقة بعيون دامعة وقوائم متراخيات، علقت به ذريرات التبن والتراب حال أن تسلمته الارض فتمرغ قربها قطعة مبللة قذرة واشتعل البيت أسفا، لقد ماتت العنزة، ماتت العنزة واأسفاه. جاءت جارتهم مع ثلة من صبيانها راكضة حين سمعت النبأ، وكانت خبيرة في عسر الولادات، حاولت فحص الروح الميتة، وجسَّ منابت الوعي منها، إلا أن العنزة أبتْ الحياة بعناد التيوس والخرفان.. خلال هذا أُكتُشف أن جنس المولود ذكر.إنه سخل. عنز، لا غير، وهي عنزة سخية، كريمة الدسم معطاء. لقد قتل السخل عنزتهم، وقد فقدوها بسببه، فما أتعسه مولودا غير جدير بقتل الحياة. مَن يجني سخلا بلا والده ؟! سخلا يعيش على لبن الناس! وعندما يكبر لن يدفع ديونه، بل لن يدفع شربة لبن واحدة، وكيف يدفع من كان بلا اثداء؟! لقد قتل والدته هذا العنز العاقّ وهومطروح قربها وكأنه البريء الخائف من العقاب. لا زالت فيه رائحة الدماء حارة تذكرهم، فيهمل أيما إهمال. شُيعت العنزة بكل ما يَليق بها من احترام، ووضعت فوق صندوق القمامة بعد أن غطيت بحصير أجرب خوفا من الذباب. عاد الوالد مهموما للدار، كما صعد محمود لغرفته متباطئا، وظلت زكية تكنس وتغسل البقعة المدماة، قريبا من ولدها الذي كان آخر عطاياها. كانت عيناه سوداوين حزينتين، بطنه يرجف كبطن جبان خواف، انطوتْ ساقاه تحته وسال جسده بارتخاء. تجنبت زكية أن تبله بالماء وفكرت لو تجلب له غطاء، أو تأخذه معها إلى الغرفة قرب النار. عليها أن تنظف أقذاره بعد أن تنتهي من كنس المكان وتمسح ما عليه من آثار. جلبتْ خرقة وظلتْ تمسحه بها فظهرتْ بشرته القطيفة اللامعة ورأسه الصغير ووضحتْ اذناه. كان صغيراً جداً، ولكن كل صغير يكبر، وسيكبر سخل عنزتهم في يوم ما. سيشرب الحليب .ستطعمه زكية الحليب بالملعقة حتى يتعود على شربه في الإناء. ربما يكون جائعا الآن ، فلماذا لا تطعمه ؟ فرحت قليلا، وهذه أول مرة تفرح بعد موت عنزتهم، وكانت عزيزةعليها ، وقد بكتْ حين أخرجت ميتة من الدار، تماما كما أخرجت امّها من البيت قبل ثلاثة اعوام. صاحت زكية وبكت ولم ترد عليها الاثنتان. اعتادتْ على حلبها بعد وفاة والدتها كل صباح ومساء. كان عمر زكية عشر سنوات وسرعان ما تآلفتا وباتتا وحيدتين في البيت بعد أن يخرج أبوها صباحا لعمله مناديا في مزاد السوق. وكثيرا ما تغيّب أخوها محمود الجندي في الثكنة. لديه عطلة يوم واحد في الاسبوع غالبا ما يتغيبها مع اصدقائه قي المقهى يلعبون الطاولة ويشربون الشاي. كانت العنزة أليفة ، طيبة مطيعة، لا يجأر صوتها إلا وقت تأخر برسيمها عنها، وهي تعرف أوقاتها في الغذاء. لم تجد زكية مشقة وهي صبية جاهلة طباع الحيوان. بقعتها في الحوش مملوءة بها والمكان أنيس بنفسها وهي حية من الأحياء. آثارها لا زالت موجودة في البرسيم والشعير المبعثر هنا وهناك. مسكينة امها لم تترك شيئا بعد وفاتها سوى ثيابها وقد وُزّعتْ على الفقراء.. وسوى زكية ومحمود في البيت وليتها كانت باقية لتلد لهم اخوة وأخوات. ستسميهم زكية اسماء جديدة، اسماء من هذا الزمان. تود لوتسمي مثلا (هناء) أو ( وفاء) وليس كاسمها ، اسما عتيقا تكره نفسها به في بعض الاحيان. ستعطي هذا العنز آسما مناسبا له. إن اسمه ( شوقي). والتفتت زكية نحوه متسائلة، ما رأيك في ( شوقي) ها؟ ضحكت على نفسها، فقد تصورت ان العنز قد لمظت شفتاه الناعمتان. ليت لها أختا صغيرة، لخاطت لها الملابس المكركشة عندما تكبر وتأخذها معها في الزيارة عند بعض الصديقات. لن تدع احدا يقص شعرها، ‘نها تحبه طويلا كي تجعل منه ضفائر على الاذنين معلقات. كم تود البنات الصغيرات، لكن لا مانع من أن يكون هذا العنز ولدا. ستضع له شريطا أخضر في رقبته، وربما جرسا وخلخالا في الاقدام. وعندما يكبر سيشرب الحليب بنفسه وياتيها إلى المطبخ جائعا يمأمئ انه قد جاع. سيأكل البرسيم وهو شيء متوفر ورخيص في ناحيتهم الزراعية، وستوصي اباها كي يجلب له كل يوم باقة أو باقتين. ستطلب منه أن يجلب الشعير ونوى التمر ايضا، فكل شيء في ناحية ( أبي الخصيب) كثير للحيوانات. عندما استيقظت صباحا وجدته على حاله متلملماً في الغطاء، عيناه تبلبصان من تحته عسى أن يعرف أحدا منهم الآن. انشغلت بامور الفطور، وشرب والدها الشاي الاحمر خاليا من الحليب، متذكرا الحليب الذي افتقدوه بعد موت العنزة وبسبب هذا السخل الذي لا يساوي ربع دينار. صمتت زكية وكانت تدري أنه لن يبقى على هذه الحال ، ومع قليل من الصبر سيساوي أكثر، ولكن لماذا ُيباع. قبل أن يخرج الوالد اشار عليها ان تشتري حليبا وان تطعمه كي لا يموت من الجوع، الحيوان. هذا ما فكرت به ايضا. ما أصدق الرأي. لكن الوالد رماه بنظرة مساوما قدره : وسنذبحة بعد اسبوعين أو ثلاثة. نذبحه قبل أن يموت ان شاء الله. يبست شفتاها : ولكن لماذا ؟! والبارحة قد جاء ! لماذا؟! لان لا فائدة منه، عنز ما الذي وراءه ؟ تشجعت زكيه : ولكن أريد أن أربيه. قهقهه الوالد مستهزئا: تربينه ؟! إلى متى ستبقين أنت في عقل النساء؟! صمتت زكية ولم تخبره ان اسمه ( شوقي) اسم اختارته له من دون الاسماء. وإلا لكانت مهزلة ولتحدث عنها أبوها وعن عقلها في السوق وعند الاصحاب، ولتندر عليها في البيت ردحا من الزمن. هرع الوالد خارجا صافقا الباب وراءه، تاركها واياه. +++++++++ ستربيه اسبوعين أو ثلاثة ، هذا ما حكم به أبوها وستعايشه لكي تنتظر موته ولا شئ سواه. لا تستطيع أن تتمنى له شيئا ، أن تعلق في رقبته جرسا، أو تمنحه اسما وما فائدة الاسماء.؟ جاءت له بالحليب ، فلم يستسغ شربه بالملعقة، متكبكبا على حافتيْ شفتيه، وفمه مطبق مزموم ، لا فائدة من الاقناع. بصبر وأناة حاولت إطعامه. كان يجب ان يأكل طعامه منذ الليلة الماضية ، لكنه رافض ممتنع باشمئزاز. يلوي راسه عنها ذات اليمين وذات الشمال. أيكون قد عرف مصيره؟ ما أتعس هذا؟ لقد سمع والدها وهو يتحلفه. ولكن يجب أن تذوق شيئا ، حاولْ أن تتطعمه، خذْ ملعقة واحدة فقط، واحدة رجاء. وخلال اليومين التاليين لم يذق العنز شيئا، وفي اليوم الثالث جلب والدها له ثديا من المطاط، ناولها اياه معلما : اطعميه الحليب به، سيعتاد عليه بعدئذ. استبشرت زكية. ربما غيّر والدها رأيه. لن يذبحه ولقد جلب له ما سوف يعتاد عليه بالغذاء. مصّ العنزالحليب مطمئنا، مغمضا عينيه بتلذذ متدفئا بالشبع حتى انهاه. فاته أن يفرق بين الثدي المطاطي البارد عن ثدي أمه الدافئ الذي لم يذق طعمه على الاطلاق. انتهى من وجبة أكل وتلاها أخرى .. سيكبر ويترعرع. سُرّتْ زكية به ، متمنية الرعي له في البستان المجاور، إذا ما كبر وحاله كحال بقية الخرفان . بعد أيام قلائل ارتفعت قوائمه، نما عوده وسمنتْ فيه لحمات. بات يشمشم بفضول في الارض، كأنه يأكل بخياشمه شيئا من حشاش التراب وزكية تراعيه تطل عليه بين فترة واخرى ، تداعبه تحادثه مستلطفة متوهمة بُعْدَ الموت عنه ولم يخالجها شك من جدوى وجوده قربها. +++++++ في صباح الاسبوع الثالث، أمسك والدها كوب الشاي والحليب بين كفيه، متطعما المذاق، غير ناسٍ ذم الحليب الذي جاءهم من غير عنزتهم الحلوب الميتة. متذكرا سخلها الذي عليه ذبحه هذا النهار، فهناك وليمة بالمناسبة ينوي أن يدعو اليها اصحابه ، ومن بينهم ( الشيخ ضاري) وابنه (غزوان) وقد يأتي معهم ( تقي) و ( رحيم) والعنز أصبح كافيا، على ما يعتقد، كي يأكل منه خمسة أو ستة اشخاص. شارحا لزكية طريقة شيه بالتنور بعد أن يُملأ بطنه رزا وبهاراً. ولقد سال لعابه وهو يؤكد : زكية، عليك بالتوابل، لا تنسي التوابل، إنها سرّ نجاح الطبخ الذي كانت تطبخه أمك المرحومة وجارتنا أم جبار. صمتت زكية، ثمّ تساءلت : أتريد كوبا آخر؟ ردّ والدها : لا ، لا، لقد آكتفيت، أريد أن أعرف فقط هل ستبيضين وجهي غدا أمام الزوار؟ تذكرت زكية الدجاجات الذي ذبحها والدها عندما يأتيهم في العادة زوار. كيف يُمسك أعناقها بعد أن يضع جناحيها تحت قدميه كي لا ترفرف فينتشر دمها منقطا كل مكان. وحين ينتهي من ذبحها يرميها على مسافة منه وقد انتهى من الأمر القليل الشأن. كان يذهب للصيد في مزارع شط العرب القريبة منهم ويأتي محملا بالطيور، متباهيا بدقته في التهديف ومهارته في معرفة مكان العشوش والاوكار. سيمسك السخل اليوم، وبسهولة أيضا ويذبحه بدقة ونجاح. لكن هذا العنز تعرفه. رأت عينيه الصغيرتين الحزينتين حين جاء. رُبّيَ عندهم ورأت والدته من قبل آنذاك. ما ضرّ لو بقي العنز في البيت تذكارا لها ومثل اشياء أخرى ؟ّ لكنها خافت أن تقول لوالدها شيئا لئلا يغضب آو يضحك ويجعلها نكتة مليئة بالسخافات. تمنت لو ينصحه محمود أخوها، ليت محمود يتدخل كي يمنع عملية القتل معارضا بالكلام. لكن محمود بقي صامتا يأكل فطوره حتى أنهاه. ودعهما مهمهاً : – في أمان الله. علا صوت الوالد بعده : زكية، أحضري السكين والحبال. السكين الحادة ولا تجلبي سكينة المطبخ فهي عمياء. ناولته زكية السكين والحبل ، ولم تشأْ إخباره أنها ذاهبة إلى بيت الجيران. تقديم درع مؤسسة الحوار الانساني للاستاذة سميرة المانع قام بعد ذلك الاستاذ غانم جواد مدير مؤسسة الحوار الانساني بلندن بالقاء كلمة مقتضبة اشاد فيها بدور الاستاذة المانع ودعمها المتميز لعمل المؤسسة منذ انطلاق اعمالها قبل ثمان سنوات ،ودأب المؤسسة وراعيها سماحة الفقيه المرجع السيد حسين السيد اسماعيل الصدر على الاحتفاء بمثقفي ومبدعي العراق والشد على ايديهم لما يقدمونه من ابداع وفكر للنهوض بهذا البلد ،وبناء على ذلك قدم درع المؤسسة الذي احتوى لوحة لمسلة حمورابي تمثل الملك البابلي وهو يتسلم لفائف الشرائع من إله الشمس رمزا لقيمة المعرفة والثقافة بالنهوض بالامم. ثم تم تقديم باقة من الزهور باسم مؤسسة الحوار الانساني للمحتفى بها المبدعة سميرة المانع ،كما تم تقديم باقة زهور اخرى والقاء كلمة المنتدى العراقي بلندن ،وقد القت كلمة المنتدى الاستاذة فوزية العلوجي عضوة الهيئة الادارية للمنتدى العراقي بلندن، ثم قدم الاستاذ د.صلاح نيازي شريك حياة الاستاذة سميرة المانع كلمة قصيرة احتفاءا بالزوجة وشريكة مشوار الحياة والابداع ،تلى ذلك فتح باب المداخلات والاسئلة للجمهور الذي كان مبتهجا بتكريم رمز عراقي وثقافي مهم هو الاستاذة سميرة المانع.