المقدمة :
انتشرت وتعقدت ظاهرة الفساد في المجتمع العراقي فقد شملت جميع مفاصل الدولة وتحولت الظاهرة لتصبح عرف اجتماعي مقبول العمل به عكس ما كان سابقا يعتبر صفة منبوذة ينتقد من يمارسها . ان لهذه الظاهرة انعكاس سلبي وخطير على النموذج الاخلاقي لافراد المجتمع وعلى مستوى الكفاءة الانتاجية وامكانية تحقيق تنمية اقتصادية ناجحه ، لذلك اصبح امر معالجتها ضرورة قومية لا بد القيام بها ، تصدى جميع القاده السياسين لمحاربتها ولكن بقى كلامهم ضمن دائرة الهدف التعبوي لعجزهم تقديم برامج علمية للمعالجة ، ان المعالجة الحقيقية تتطلب وضع برامج وخطط علمية تشترك بها جميع اركان الدولة من حكومة ومنظمات مجتمع مدني بالتعاون الفعال مع افراد المجتمع العراقي .
يتم احتساب معدلات التنمية الاقتصادية المتحققة ضمن معيارين اساسين هما :
•معيار مادي – تقليدي – يتمثل بالزيادة الكمية في السلع والخدمات المنتجة.
•معيار معنوي يعبرعنه بمستوى الكفاءة الانتاجية في البلد ، يتضمن هذا المعيار عوامل عديدة اهمها طبيعة النظم الادارية المعمول بها ( الادارة ) ، وعلاقات العمل السائدة في المجتمع ، من الملاحظ ان اغلب دول العالم الثالث لا تعطي لهذا العامل الاهمية اللازمة في حين انه يمثل سر نجاح او فشل اي نشاط او مشروع انتاجي مراد تنميته ،
تمثل الادارة الناجحة قدرتها على التطبيق العلمي للوظائف الادارية في ( التخطيط ، التنظيم والرقابة والتوجيه ) لمختلف الانشطة والمستويات الادارية ، من خلال تطبيق انظمة ومناهج عمل متطورة بغرض رفع الكفاءة الانتاجية للافراد والمؤسسات ، وتقليل حالات الفساد المالي والاداري .
ان تنفيذ تنمية حقيقية للاقتصاد العراقي يتطلب احداث تطور مهم في هذين المعيارين ، ضمن عملية التخطيط العلمي والاستراتيجي لهما لكافة المراحل والمستويات من خلال ممارسة الوظائف الادارية في الجوانب ( التخطيطية والتنفيذية والرقابية ) . فالتجارب التنموية الناجحة التي حققتها الدول المتقدمة حصلت بفضل متانة خططها التنموية وبفضل إدارتها الكفوءة الواعية.
موضوع بحثنا يتناول دور وظيفة الرقابة والتوجيه بأعتبارها احد الوظائف الادارية الرئيسية التي تعمل على رفع الكفاءة الانتاجية وتقليل حالات الفساد الاداري والمالي، ضمن ظروف العراق الحالية تتصف هذه الوظيفة بالمهمة والحيوية ، كما سنبينه ادناه .
يتضمن البحث المحاور التالية :
المحور الاول – الابعاد الاساسية لظاهرة الفساد :
لتسهيل عمل الاجهزة الرقابية في تحقيق اهدافها الاساسية لابد من تهيئة البيئة والظروف الملائمة لتمكينها انجاز عملها بيسر وانسيابية عالية ، تمثل هذه الابعاد العلل الاساسية لنمو وتعاضم مشكلة الفساد ، لذا لا يمكن تحقيق تقدم حقيقي في معالجة هذه المشكلة الا بعد اجراء معالجات سليمة وناجعة لهذه الابعاد ، نذكرها باختصار شديد :
• البعد السياسي : ان لهذا البعد تأثير كبير بشكل مباشر ، وهو ناتج من عدم حصول الاستقرار السياسي والامني في البلد ومن تدخل السياسين في ادارة الاجهزة الادارية والمالية بعيدا عن الجانب المهني بسبب التطبيق السيء لاسلوب المحاصصة السياسية كحل توافقي للوضع السياسي السائد والتوسع في تطبيقه بشكل افقي وعمودي ليشمل كل جوانب الدولة العراقية دون اعتبار لمبدئي الكفاءة والنزاهة وقيام الكيانات السياسية بحماية الاشخاص المفسدين والمقصرين التابعين لها من مسؤولية الحساب والعقاب ، واعتبر موضوع مسائلتهم القانونية تدخل ضمن دائرة المحاصصة السياسية المعتمدة التطبيق ،يمثل هذا العامل السبب الاساسي في عرقلة عمل الاجهزة المالية والرقابية باداء دورها بشكلا سليم كما سنبينه لاحقا .
•البعد القانوني : يتمثل بتطبيق مبدأ سيادة القانون وتفعيل وتقوية الاجهزة القضائية .
•البعد الاجتماعي : وهو يمثل منظومة القيم الاجتماعية تحكم السلوكيات الاخلاقية لافراد المجتمع العراقي ، تبرز اهمية هذا البعد كونه يمثل اهم رادع الذي يحكم تصرفات الافراد فهو اهم من الرادع القانوني ، لذا يتطلب اعتماد استراتيجية وطنية شاملة تشترك فيها جميع اجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة بالتنسيق الكامل مع مؤسسات المجتمع المدني المختصة والاجهزة الاعلامية المتعددة لتعزيز المفاهيم والمبادىء الاخلاقية الايجابية وتثقيف الافراد بها واشاعتها في اوساط المجتمع العراقي .التجارب التنموية الناجحة التي نفذتها المجتمعات العالمية المتقدمة ابتدءت اولا بأجراء تغيرات مهمة في الجانب الاجتماعي والثقافي للمجتمع .
•البعد الاقتصادي : اختيار النمودج التنموي الملائم لتحقيق استقرار اقتصادي يحقق حصول موازنة عادلة بين مستويات الاجور مع مستويات الاسعار السائدة في السوق الوطنية وجعلها ضمن المؤشرات والمعايير الدولية المقبولة ، لضمان مصالح الجميع والحفاظ على مستويات معيشة لائقة للمواطنين وجعل معدلات التضخم ضمن حدودها المقبولة .ان حصول خلل كبير في هذه الموازنة يمثل عامل مهم لتشجيع العاملين على الانحراف السلوكي وقبولهم الرشوة .
•البعد الاداري : يتكون هذا البعد من الفقرات والمقومات التالية :مستوى كفاءة (انظمةالعمل) ، نوعية(التقنيات) والدورة المستندية المعمول بهما ، كفاءة ومتانة ( اجراءات الرقابة والضبط الداخليتين). واخيرا مستوى اداء اجهزة التدقيق قبل وبعد الصرف في الدوائر والوزارات العراقية . ان انخفاض كفاءة الانظمة المذكورة اعلاه مع مساوئ المحاصصة مثلت السبب الاساسي لعدم انتظام التوازن المطلوب في ادارة الانشطة الاقتصادية والادارية وعدم السيطرة الفعالة على ادارة المؤسسات والعاملين ، فقدت بموجبها كيان الدولة هيبتها وجزء من سلطته امام الجمهور،ساهمت تلك الابعاد بشكل كبير في انتشار ظاهرة الفساد المالي والاداري .
المحور الثاني– التنسيق مع الاقسام التي يشترك عملها مع اجهزة الرقابة المالية :
هنالك جهات واقسام عديدة تشترك مع الاجهزة المالية في نشوء الواقعة المالية وتبقى مرتبطة معها لحين استكمال كامل عمليات الصرف ، لذا فأنها تشترك في المسؤلية مع الاجهزة المالية والرقابية في سلامة ودقة العمليات المالية منذو نشوء الواقعة المالية وتستمر معها لحين انجاز التنفيذ ، فعقود المقاولات والتعهدات والتوريدات وفقرة الرواتب واجور العاملين …. كلها يبدء نشؤها من اقسام فنية متخصصة وهي المسؤولة عن انجاز الجانب الفني والقانوني للواقعة وتمثل المستندات التي تنظمها الوقائع الاساسية للصرف المالي، فمسؤولية الاجهزة المالية والتدقيقة قبل وبعد الصرف كلا حسب اختصاصة تعتمد بشكل كبير على سلامة وصحة ودقة اعمال تلك الجهات والمستندات المرتبطة بها من الناحية الفنية والقانونية والمستندية ، فعمل الاجهزة المالية يعتمد اساسا في انجاز عمليات الصرف النقدي وتسجيلها محاسبيا على سلامة تلك المستندات .
ان هذه العلاقة القوية المترابطة يتوجب عليهما تفهم كلا منها عمل الاخر، ليتم على ضوءه ايجاد لغة مشتركة بينهما يتم بموجبها ما يلي :
1 – تقيم انظمة العمل والدورة المستندية المعتمدة لهما للوصول الى مشتركات تنظيم عملهما بما يحقق التنسيق والتكامل البيني وانسيابية عالية في الانجاز وانخفاض واضح في التكاليف من حيث الوقت والاجراءات ، وتحقق في نفس الوقت دقة في النتائج وتعزز اجراءات الرقابة والضبط الداخليتين ، بموجبها يتم الغاء المستندات والاجراءات الغير ضرورية، ان تنفيذ هذه المهمة تتطلب جهود مشتركة من الطرفين .
2 – على اجهزة الرقابية المالية التنسيق مع الاجهزة الرقابية الفنية بغرض وضع ضوابط لتقويم وحماية العاملين في الاقسام الفنية وتحميلهم المسؤولية عن الاعمال المختصه بهم ، على الاجهزة الرقابة المالية اشراك فنين ضمن تشكيلاتهم تمكنهم تحديد المسؤولية عن الانحرافات والفساد الحاصل بشكلا دقيق .
للباحث تجارب ناجحة في هذا المضمار ، على سبيل المثال تم تصميم ( بطاقة كلفة ) – في مؤسسة انشائية كبرى -، اعتمدت معايير معينة لتحديد مركز الكلفة تسجل في البطاقة جميع المعلومات والبيانات عن مستويات التنفيذ من المصادر الهندسية والمالية ضمن اسس ومعايير متفق عليها ، حققت البطاقة فوائد ومزايا عديدة بتحقيق رقابة فعالة تمكن الادارة متابعة مستويات الانجاز بسهولة وامكانية تحديد المسؤولية بشكل دقيق واعطت مصداقية للمعلومات والبيانات الواردة فيها لانها تتقاطع من مصدرين ، واخيرا حققت انخفاض في التكاليف نتيجة اختصارها لكثير من الاجراءات والمستندات الغير ضرورية .
المحور الثالث – تفعيل وتطوير عمل اجهزة الرقابة المالية :
كما ذكرنا انفا تمثل وظيفة الرقابة والتوجيه الركن الثالث للوظائف الادارية العلمية بعد وظيفتي التخطيط والتنظيم ، لذلك يتوجب الاهتمام الجدي بها وتطويرها لتتمكن من اداء دورها بشكل سليم ، سنحاول في هذا البحث تقديم عدد من الافكار والملاحظات بهدف تفعيل وتطويرنشاطها التقليدي وتوسيعه ليشمل النشاط التوجيهي ورقابة الكفاءة والاداء .
تتحدد الوظيفة التقلدية للرقابة المالية جعل عمليات الانفاق الجاري والاستثماري تتم وفق القوانيين والانظمة وطبقا للدورة المستندية المعتمدة ، ينقسم عمل الاجهزة الرقابية الى رقابة قبل الصرف ورقابة بعد الصرف ، ، فوظيفة الرقابة هي وظيفة رادعة تعمل على الحيلوله دون حصول اي تجاوز في كل مرحلة من مراحل الانفاق بدءا من عملية التعاقد الى التسوية النهائية لعملية الصرف ، وتنقسم اعمال الرقابة الى اعمال التدقيق المستندي ، واعمال المحاسبة القانونية ورقابة الكفاءة والاداء واعمال التحقيقات الخاصة .
هيكل الاجهزة الرقابية : هنالك جهات عديدة مسؤولة عن عمليات الرقابة والتدقيق في دوائر ومؤسسات الحكومة العراقية سواءا كانت رقابة داخلية وخارجية او رقابة قبل او بعد الصرف ، ان لهذا التعدد مضار ومساؤى عديدة سيتم توضيحها لاحقا ، نبين ادناه اهم تشكيلات اجهزة الرقابة المالية :
1 – اقسام الرقابة الداخلية والتدقيق الداخلي ، تتواجد في كل وزارة ومديرية عامة وبعض الدوائر المهمة قسم للرقابة الداخلية والتدقيق الداخلي تتحدد مهماتها بتدقيق المعاملات المالية قبل اجراء صرفها وتعتمد اسلوب التدقيق المستندي .
2 – دائرة المفتش العام ، تأسست بامر سلطة الائتلاف رقم 57 لسنة 2004 نقلت الصلاحيات الى رئيس الوزراء بالقانون رقم (100) لعام 2004 ، يتبع من الناحية الادارية الى الوزير او رئيس الهيئة المستقلة تتحدد مهماتها بالتدقيق قبل وبعد الصرف ضمن نطاق الوزارة او الهيئة المستقلة والدوائر المرتبطة بها وتقوم كذلك بمهمات التحقيق للقضايا التي يتواجد فيها فساد او تجاوز معين ويبلغ عنها الى الوزير او رئيس الهيئة المستقلة بالتنسيق مع ديوان الرقابة المالية والتي تحال الى هيئة النزاهه .
3 – دوائر التفتيش التابعة الى وزارة المالية ومنها الخزينة المركزية وفروعها في الاقليم والمحافظات العراقية حيث تقوم بعملية التدقيق قبل اجراء الحوالة النقدية الى الوزارة او الهيئات المستقلة .
4 – هيئة النزاهه ، تم تأسيسها بالقانون رقم ( 30 ) لسنة 2011
حددت المادة -21- مهماتها وواجباتها بما يلي :
أولاً : تؤدي الهيئة واجباتها في ميدان منع الفساد و مكافحته بالتعاون مع ديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العامين.
ثانياً : يعمل ديوان الرقابة المالية بصفته الجهة العليا للتدقيق المالي والمحاسبي وهو معني بالكشف عن أعمال الفساد والغش والتبذير وإساءة التصرف وفقا لأحكام القانون .
ثالثاً : يودع الديوان جميع الادلة عن أعمال الغش والتبذير وإساءة التصرف الى المفتش العام المختص .
رابعاً : يتخذ المفتش العام ما يلزم بشأن تقارير الديوان ، ويجري التحري والتحقيق الاداري اللازم فيما يودعه الديوان اليه ، ويقدم نتائج ذلك الى الوزير المعني او رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة ، وعليه اخبار الهيئة او الجهات التحقيقية المناسبة بكل ما يعد جريمة وفق أحكام القوانين النافذة.
خامساً : تعد الهيئة الجهة التحقيقية المختصة من بين الجهات الثلاثة لاتخاذ الإجراءات التحقيقية الجزائية المناسبة بشأن التحقيق في قضايا الفساد .
5 – ديوان الرقابة المالية الاتحادي : وهوالجهاز الرقابي المركزي ويمثل احد المؤسسات الدستورية الداعمة للعملية الديمقراطية في العراق ويعول عليه في اجراء الاصلاحات المطلوبه لتفعيل وتطوير النشاط الرقابي وتحقيق الاهداف الوظيفية للجهاز، مر ديوان الرقابة المالية بمـراحل متعاقبة تمـثل كل مرحلة صدور قانون جديد ينظم عمله كما يلي :
ا – صدر اول قانون رقم ( 17 ) لسنة 1927 تم بموجبه تأسيس دائرة تدقيق الحسابات العامة سميت فيما بعد باسم ديوان مراقب الحسابات العام حصل تعديلين على القانون بغرض توسيع واجباته ، يعتبر صدوره خطوة متقدمة بجعل الرقابة العامة في العراق مستقلة ، ولكن ما يؤخذ عليه إن نطاق عمله ضيق واختصاصته مقيدة ولا يتمتع باختصصات قضائية ، ولم يتمع بالاستقلالية لان تعين وعزل مراقب الحسابات يتم باقتراح من رئيس الوزراء وموافقة مجلس الوزراء كما وانه لم يواكب التقدم العلمي الذي طرأ على مهنة المحاسبة والمراقبة .
ب – المرحلة الثانية ، تم تشريع القانون رقم ( 42 ) لسنة 1968 لتطوير جهاز الرقابة في العراق بتوسيع صلاحياته واختصاصاته ورفع كفاءته لمسايرة التطور الحاصل في وظائف الدولة ، تم بموجبه تأسيس سلطة للرقابة المالية تدعى بديوان الرقابة المالية ترتبط بمجلس قيادة الثورة ، وتنوب عنه في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية ، يمكن تحديد سمات هذا القانون بما يلي :
1 – وسع من نطاق عمل الديوان من حيث الجهات الخاضعة لرقابته ومن حيث أنواع المعاملات الناشئة في تلك الجهات ، وخـوله مزاولة مختلف أنواع الرقابة وأكد على أهمية ممارسة رقابة الكفاءة والأداء.
2 – منح القانون للديوان بعض الحصانات القانونية وصلاحيات مالية وإدارية وفنية وقضائية تفوق الصلاحيات المنصوص عليها في القانون السابق ، ومنح مجلس الرقابة صلاحيات إعداد وتنفيذ ميزانيته وتعين وتدريب الكوادر الخاص به .
3 – منـح القانون للمجلس صلاحية إحالة المخالفين الى لجان الانضباط والمحاكم المختصة بعد التحقيق معهم ، وخوله سحب يد المخالف أو تنحيته عن العمل بصورة مؤقتة .
4 – خول مجلس الرقابة حق طلب تعديل القوانين والأنظمة والتعليمات في حالة اعتقاد الديوان بان مرد النقص في الكفاءة هو نقص في التشريع .
5 – رفع التقارير الى مختلف المستويات الإدارية الى جانب رفع تقرير سنوي خاص إلى السلطة التشريعية .
ج – المرحلة الثالثة تم تشريع القانون رقم ( 194 ) ، تبرير صدورهذا القانون لتلافي الصعوبات العملية التي واكبت تطبيق القانون رقم (42) لسنة 1968، اهم فقرة في هذا القانون هو الغاء الصلاحيات القضائية من الديوان بسبب عدم ممارستها خلال فترة نفاذ القانون السابق واسباب اخرى واهية مثل وجود قصور في الهيكل التنظيمي وعدم وضوح اهدافه .
د – المرحلة الرابعة شرع القانون رقم ( 6 ) لسنة 1990 تبرير صدور هذا القانون لتوضيح دور ومهمات الديوان وتمكينه من اداء دوره الرقابي بفعالية عالية من خلال اعادة هيكليته التنظيمية لتغطية جميع الدوائر والمنشآت .
ه – قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي الحالي رقم (31) لسنة 2011 التعديل الاول رقم 104 لسنة 2012 ، شرع القانون استنادا الى الفقرة اولا من المادة ( 102 ) من الدستور الدائم التي نصت بمايلي : يعد كل من البنك المركزي العراقي، وديوان الرقابة المالية، وهيئة الاعلام والاتصالات ودواوين الأوقاف، هيئات مستقلة ماليا واداريا، وينظم القانون عمل كل هيئة منها ، ويرتبط ديوان الرقابة المالية بمجلس النواب .
كما مبين اعلاه تعدد الجهات التي تمارس النشاط التقليدي للرقابة المتمثل بالتدقيق المستندي لعمليات الصرف ، لم تحقق هذه الاجهزة اهدافها في محاربة او تقليل الفساد المستشري في البلد لاسباب عديدة اهمها ضعف البنية الهيكلية لها وعدم تنظيم عملها باعتماد اليات وبرامج عمل متطورة ، انحصرت اغلب معالجتها في محاربة الفساد بتشديد الروتين الاجرائي وزيادة المستندات والوثائق المطلوبة لتوثيق المعاملة التي ادت الى زيادة الفساد ، نبين ادناه اهم المعالجات التي نراها ضرورية .
اولا – اعادة هيكلة الاجهزة الرقابية : ان تعدد الجهات الرقابية مع وجود ضعف واضح في الروابط الهيكلية بينهما من الناحية التنظيمية والوظيفية ، نتج عنها تكرار وتشابك الواجبات والصلاحيات وبالتالي عدم الدقة في تحديد المسؤوليات وتضخم وتعقيد الروتين الحكومي وارتفاع كبيرة في التكاليف ، ازاء ذلك نقترح ان يكون ديوان الرقابة المالية الاتحادي المؤسسة الدستورية الاساسية المسؤولة عن الرقابة المالية في الدولة العراقية فهي تمثل المحور الاساسي للعلاج من خلال ربط الاجهزة الاخرى معها تنظيميا او وظيفيا كمايلي :
1 – ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهه : هنالك ارتباط وظيفي بين اكتشاف المخالفة وعملية التحقيق ، فالمعالجة يجب ان تتم في نفس الجهه المكتشفة لها وان عملية تحويلها الى جهة اخرى يضعف من عملية المتابعة والمعالجة الناجعة لها ، لذا نقترح ربط هيئة النزاهه مع ديوان الرقابة المالية باعتبار عملهما مكمل للاخر لتحقيق مزايا عديدة اهمها السرعة ودقة في الانجاز ، يتم ذلك بالرجوع الى قانون الديوان رقم ( 42 ) لعام 1968بموجبه كانت تمارس اعمال هيئة النزاهه ضمن مديرية التحقيقات ، تم الغاء هذه المديرية لاحقا بموجب القانون اللاحق بحجة عدم ممارسة الديوان لهذه المهمة .
هنالك اربعة مراحل تمر بها اليات تسوية المخالفات المالية هي ، مرحلة اكتشاف المخالفة ، مرحلة التحقيق ، مرحلة القضاء والمرحلة الاخيرة تنفيذ الامر القضائي محليا او خارجيا ، على ديوان الرقابة المالية التنسيق مع الجهات اعلاه لوضع ضوابط واجراءات قانونية لسلاسة تنفيذ تلك المراحل وازالة العوائق المعرقلة ، اذا كان واقعة التحقيق او التنفيذ خارجية عليها التنسيق مع الجهات المعنية لانجاز المهمة بيسر .
2 – دائرة المفتش العام : هذه الدائرة مستحدثة حديثا من الواضح ان طبيعة عملها جزء منه تكرار لعمل اقسام التدقيق الداخلي في الدوائر والجزء الثاني تكرار لعمل ديوان الرقابة المالية ، نقترح اما الغاء هذه الدائرة وتحويل عملها الى اقسام التدقيق الداخلي والى ديوان الرقابة المالية كلا حسب اختصاصه ، او البقاء على هذه الدائرة واعتبارها هيئة مركزية في الوزارة تتبع ديوان الرقابة المالية تقوم بانجاز عملها طبق لخطة عمل الديوان فهي تمثل حلقة الوصل عمل الديوان واقسام التدقيق في الوزارة .
3 – اقسام التدقيق والرقابة الداخلية في الدوائر الحكومية : وهي اهم حلقة في عملية محاربة الفساد ، نقترح بضرورة اعتماد ظوابط لحمايتها من الناحية الامنية والوظيفية وتعزيز كفاءتها المهنية والسلوكية من خلال اعادة تقيم انظمة عملها واعتماد برامج عمل متطورة. نقترح على الديوان الاشراف الفني على عملها وعليه تنظيم هذه العلاقة من الناحية الوظيفية باعتماد معايير وضوابط محددة ، وكذلك تنظيم علاقتها مع الاقسام الفنية المرتبط عملها معها ، يراعى في ذلك دقة النتائج واختصار في الروتين الغير ضروري ، يورد نفس الكلام عن اقسام التفتيش التابعة لوزارة المالية ، كما سنبينه لاحقا .
ثانيا – تطوير نشاط الاجهزة الرقابية :
تنحصر اعمال الاجهزة الرقابية قبل وبعد الصرف وفق الاسلوب التقليدي وهو التدقيق المستندي والمحاسبة القانونية بأتباع اساليب قديمة غير ناجعة في معالجة مشكلة الفساد وانخفاض الكفاءة الانتاجية ، اقتصر عملها بالغالب بتشدد الروتين الاجرائي والمستندي ، ساهم هذا الاجراء في تعقيد وعرقلة انسيابية عمليات الصرف وتعمق الفساد لاضطرار المواطنيين بدفع رشوى لانجاز معاملاتهم بيسر . ان عملية التطوير المقترحه تشمل جوانب متعددة ليست فقط تطوير عمل الاجهزة بل توسيع مهماتها واهدافها لتشمل مجالات مهمة من الممكن القيام بها ، وهي كما يلي :
1 – تطوير اساليب عمل الاجهزة الرقابية : ان الاساليب التقليدية المعتمدة حاليا هي اساليب قديمة غير ناجعة ، لذا يتطلب اعادة تقيمها والاستفاد من الخبرات العالمية المتراكمة لهذه المهنة ومن التجارب الناجحة للدول المتقدمة للتوصل الى برامج واساليب متطورة تستطيع تقديم الحل المناسب ، يمكننا تحديد انواع الرقابة الممكن القيام بها وهي كما يلي :
ا – الرقابة المستندية والمحاسبة القانونية ، وهي الرقابة التي تقوم بها حاليا والتي يجب تطويرها وفق صيغ متطورة .
ب – الرقابة بالاهداف او ما تسمى رقابة الكفاءة والاداء ، بموجبها يراقب مستوى الانجاز المتحقق ومقارنته مع الاهداف المخططة والامكانيات المتاحة ، يجب اعتماد معايير وبرامج لرقابة كفاءة الاداء ، تضمن قانون الديوان رقم ( 42 ) هذا النوع من الرقابة تم ممارسته بحدود ضيقة في حينه .
ج – الرقابة الايجابية بموجبها يتم تحديد نقاط الضعف في اجراءات الرقابة والضبط الداخلية ومواطن الخلل في الانظمة والدورة المستندية المعمول بها واقتراح المعالجات الناجعة بالتنسيق مع الجهات المعنية ، سيتم توضيح ذلك ادناه .
د – التحليل المالي تستطيع الاجهزة الرقابية اجراء تقيم للوضع المالي وتقيم نتائج الاعمال من خلال التحليل المالي لنتائج الاعمال ومقارنتها بالدورات السابقة وبالاعتماد على المعايير والمؤشرات الدولية مع اخذ ظروف البلد بنظر الاعتبار .
2 – اعادة تقيم القوانيين والنظم الادارية التي تنظم عمل الدوائر والمؤسسات الحكومية : ان القوانيين والنظم الادارية والدورات المستندية المعتمدة التطبيق في الدوائر والمؤسسات العراقية نظم قديمة بالية تعود قسم منها الى حقبة الحكم العثماني والى ما ادخلته سلطات الاحتلال البريطاني عند تأسيس الدولة العراقية ولقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل واخيرا ما اعتمدته سلطات الاحتلال الامريكي ، بغرض اجراء اصلاح اداري ومالي في الاجهزة الحكومية لابد من اعادة تقيم هذه النظم وأعتماد نظم متطورة ، يستطيع الديوان من خلال عمله الرقابي الاشارة الى مناطق الخلل ونقاط الضعف المعرقلة والمستندات والاجراءات الغير مفيدة ويشمل ذلك (القوانيين ، النظم الادارية والمالية ، الدورة المستندية ومجموعة الاجراءات الروتينة المرافقة ) واستخدام خدمات الحاسب الالكتروني في الاتصالات بين الدوائر والمؤسسات الحكومية وبواسطته تطلب المستندات التوثيفية من الجهات المعنية مباشرة بدلا من طلبها من المراجع لسرعة ودقة الانجاز ،
ويستطيع الديوان تقديم خبراته العلمية والعملية بالتنسيق مع الجهات المعنية للقيام بمهمة الاصلاح ، ان اعتماد استراتيجية للاصلاح المالي والاداري ضرورة حيوية لتقليل حالات الفساد المالي وتهيئة الظروف الملائمة لتحقيق تنمية حقيقية في جميع الجوانب الخدمية والانتاجية .
من الممكن القيام بعملية اعادة التقيم لجزء من الانشطة او كامل الانشطة حسب الامكانيات المتاحة ويجب توفر مؤهلات مهنية للجهات التي تقوم بهذه المهمة .
3 – التقارير : يقوم الديوان بتقديم تقارير دورية اوسنوية عن نتائج اعماله الى الجهات المعنية تشيرالى نقاط الخلل والانحرافات الحاصلة وتطلب تسويتها وعليه تبنى المخالفات التي تكتشفها الاجهزة الرقابية الاخرى ، ويقدم الديوان الى مجلس النواب تقرير سنوي عن مجمل الاوضاع يتضمن هذا التقريراهم الملاحظات الواردة في تقاريره الدورية زائدة مدى تطبيق الاهداف المخططة لكل وزارة او هيئة مستقلة واخيرا مستوى تعامل الدوائر الحكومية مع الهيئات الرقابية .
الملاحظ اولا عدم تضمن تلك التقاريرالى العوامل المسببة للانحراف اوالخلل واقتراح المعالجات الناجعة لها وثانيا ضعف اليات المتابعة لتسوية الانحرافات ، لذلك نقترح اعتماد ضوابط جدية للمتابعة وفق مايلي:
ا – يتم مخاطبة الوزارة او ادارة الهيئة المستقلة عن المخالفات ونقاط الضعف المكتشفة وتحدد مدة لا تجاوز الشهر للاجابة لتسوية المخالفة .
ب – في حالة عدم تعاونهم الحقيقي مع الديوان خلال المدة المحددة يحال الموضوع الى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب ، ينسب الديوان من يمثله الحضور جلسة مجلس الوزراء عند مناقشة الموضوع .
ج – اذا لم تكون المعالجة مقنعة للديوان يحال الموضع الى مجلس النواب لاستجواب الوزير المختص ينسب الديوان من يمثله في جلسة الاستجواب ،عند عدم قناعة المجلس بالمعالجة قد يتم طرح الثقة به في مجلس النواب .
نرى ضرورة التنسيق مع السلطات القضائية ،التشريعية والتنفيذية للتوصل الى اليات محددة تنظم وتضمن جدية التعامل مع الجهات الخاضعة للرقابة، طبقا لما سبق ذكره.
4 – العاملين في الاجهزة الرقابية : بغرض تفعيل عمل الاجهزة الرقابية يجب الاهتمام بالمستوى المهني والسلوكي للكادر الرقابي اينما يكون موقعه وتحميله المسؤولية الكاملة عن المخالفات التي يعتمدها في نفس الوقت يجب حمايته من تأثير الفاسدين عليه من الناحية الامنية والوظيفية ،على ديوان الرقابة المالية وضع برامج ومناهج بغرض رفع المستوى المهني والسلوكي للعاملين ، وعليه اعتماد تشريعات واعتماد ضوابط فعالة لحماية الكادر الرقابي امنيا ووظيفيا .
ثالثا – المصادقة على الميزانيات :
تمثل المصادقة على الميزانيات الاعمال الاساسية للديوان وهي على نوعين هما :
1 – ميزانيات المؤسسات الاقتصادية التي تعتمد نظام المحاسبة التجارية ، تطبق عليها الرقابة وفق اصول المحاسبة القانونية وهي تشمل تدقيق وفحص الحسابات وبالتالي تصديق الحسابات الختامية التي تمثل الوضع المالي ونتائج الاعمال ، يرفق مع الحسابات الختامية تقرير الديوان بموجبه يعطي رأيه عن مصادقية البيانات والحسابات الختامية في حالة وجود ملاحظات جوهرية سلبية تتخذ الاجراءات التي اشرنا اليها ضمن فقرة التقارير .
2 – الميزانية العامة الحكومية والميزانيات الملحقة ، تقوم وزارة المالية بتنظيم ميزانية الحكومة والميزانيات الملحقة بها على ضوء البيانات الواردة من الوزارات والهيئات المستقلة تناقش البيانات معها للتوصل الى مبالغ اعتمادات المصروفات والايرادات المتوقعة لها ، تصدر وزارة المالية مع الميزانية تعليمات تفصلية تبين كيفية التنفيذ وتحدد انواع التقارير الملزم تقديمها خلال مدة التنفيذ، تقوم مديرية الخزينة المركزية وفروعها في الاقليم والمحافظات قبل اجراء التحويل النقدي بتدقيق صحة التوثيق المستندي لعمليات الصرف وفي نهاية السنة المالية يقوم ديوان الرقابة المالية بتصديق الميزانية وتثبيت الملاحظات عن المخالفات المالية عند التنفيذ ،
نثبت ادناه اهم المقترحات بهذا الخصوص :
ا – عند تنظيم الميزانية على ديوان الرقابة المالية التنسيق مع وزارة المالية في اعتماد اسس ومعايير مالية عند تحديد بنود الميزانية وملاحظة مبدئي الشفافية والوضوح للحد من مجالات الاسراف المالي وتفعيل الايرادات ، وتقوية اجراءات الضبط والرقابة الداخلية في المواقع التي يتوقع حصول الفساد فيها ، والتنسيق المشترك لتضمين تعليمات تنفيذ الميزانية معايير مالية محددة تساعد الاجهزة المالية في الوزارات على تنفيذ بنود الميزانية بسهولة .
2 –التنسيق مع وزارة المالية على اعداد نظام مالي يتضمن التعليمات الثابته توضح كيفية تنفيذ بنود الميزانية بشكل مرتب بدلا من التعليمات المرتبكة التي تصدرها الوزارة مرفقة مع كل ميزانية .
كما ويجب تنسيق وتنظيم العمل الرقابي بين هيئات التدقيق التابعة الى الديوان مع هيئات التفتيش التابعة لوزارة المالية لتفعل العمل الرقابي لمنع التجاوزات والانحرافات في التنفيذ وليكون عمل كلا منهما مكملا لعمل الاخر .
3 – في نهاية السنة المالية يكلف الديوان التصديق على الميزانية العامة ، في حالة وجود اي تحفظات او مخالفات معينة يمتنع الديوان عن المصادقة لحين تسوية ملاحظاته ، يطبق في هذه الحالة الاجراءات التي ذكرناها في فقرة تقارير الديوان ، في حالة عدم التمكن من تسوية الخلافات لتصديق الميزانية خلال مدة معينة يقوم مجلس النواب بطلب التصويت على الوزير المخالف او مجلس الوزراء بالكامل .
4 – على الديوان تضمين تقريره السنوي مستوى تنفيذ الاهداف (المالية والاقتصادية والاجتماعية) المخططة عند تنفيذ الميزانية العامة – للنفقات الجارية والاستثمارية – يتضمن التقرير دراسة وتحليل مالي يوضح مستوى التنفيذ ومقارنته مع المعايير الدولية مع اخذ ظروف العراق بنظر الاعتبار .
الخلاصة :
يتضح لنا مما سبق ان المعالجة الحقيقية للفساد تتم من خلال تطبيق الملاحظات التالية :
1 – توفير الارضية المناسبة لمحاربة الفساد من خلال تفعيل المؤسسات الدستورية الحافظة للديمقراطية ، تعزيز وتفعيل سلطات القضاء الحازم وتطبيق مبدأ سيادة القانون وانهاء مساؤى التطبيق السيء للمحاصصة ، القيام بحملة نشطة لتعزيز القيم الاجتماعية في المجتمع .
2 – اعتماد التطبيق العلمي للوظائف الادارية في كل المراحل ولمختلف المستويات يتم بموجبها وضع خطط استراتيجية للتنمية الشاملة للدولة العراقية ، وتفعيل كفاءة الاداء للمؤسسات والعاملين ، واعتماد الدراسات والتحليل الموضوعي لتحديد مستوى التنفيذ .
3 – وجود قيادة سياسية مقتنعة باهمية الادارة العلمية لحشد كامل امكانيات الدولة نحو هذا الهدف يتم بموجبه استقطاب جميع الكوادر العراقية الكفؤه والنزيه تتكفل النهوض بهذه المهمة الحيوية ، من خلال اعتمادها مبادرات ووسائل علمية متطورة لمعالجة مختلف التحديات التي تواجهها .