عادل خزام –
من هذا الذي يهدم أعمدة الشك كلما رفعها الجاهلون؟.
إنه القلم.
سليل العقول التي رفضت أن يلتوي المعنى، العقول التي انحاز أصحابها للحقيقة يجرونها جراً كلما حاول الحاقدون طمسها في الجحور.
وما من بلاد تدور فيها الحرب، الا والقلمُ مغمد والسيف مرفوع بدلا منه.
وما من أرضٍ تحترق، إلا لأن الأقلام فيها سفكت.
وحين تسقط الأقلام، يتوارى الضوء مخذولا، وتنسحبُ نجومه، وتغيب من مشهد الدنيا حمامات السلام.
الطعنة بالرمح قد تقتل العدو، لكنها لا تبيد أفكاره ولا تصد رؤاه.
وقد تراه يعود مجدداً لأن كلماته الخبيثة تظل تنبض مشتعلة تحت الرماد.
لا نهاية لأي صراع إلا بالقلم، حين تطعن من يقف ضدك بالحجة، وتدحره بالبرهان، وتمشي نحوه متسلحاً درعك الابداع.
وساعتها فإن كل كلمة تقولها هي محوٌ لفعله وقوله، وكل حرف تزرعه على خط الزمن يصير أساس استمرارك في الحياة.
وكل كلمة بيضاء تنحاز لها في صدق معناك، تصير جدار موته وسببا لزوال مكره للأبد.
يلتقي المتحاربان هذا بجيش من الحاقدين والخونة وقطّاع الرؤوس.
وهذا بأسرابٍ من الشعراء والعلماء والحكماء.
ولا يهم بعد ذلك أن نسأل كيف تنتهي المعركة.
لأن القصيدة تبقى دائما والحقد يزول، والعلمُ يظل يسري في العقول بينما الخيانةُ تُطمر في الوحل ويضمحل غدرها، والحكمة تشرقُ نوراً في ليل القادمين حتى لو أخرسوا لسان صاحبها وسقوه سماً ليموت.
◆◆◆
من هذا الذي يرفع راية الورقة على قلم، ويتحدى مرضى النفوس؟.
إنه الشاعر.
.
حين يستل الحقيقة من الوهم ويدسّها مثل شعرة لا ترى الا في القصائد، وحين يفصل بين الشر والباطل بسيفٍ اسمه (الحب).
ثم يذهب راكضا باتجاه النور ليفنى متلاشياً فيه.
ولا يكترث الشاعر إن أحرقوا دفاتر صبره، أو نهبوا المناديل التي خطّ عليها خرائط عشقه للحياة.
ذلك لأن المعنى، بعد أن يقوله الشاعر، يصير حراً وملكاً مشاعاً للسائرين في طريق الحلم.
والكلمات التي ينثرها الشاعر في الطريق ويظنها الجامدون حجراً، هي مفاتيح أسرار للحكيم، وكشفاً للغزٍ في حيرة العالِم، وفتحة في جدار السجين.
لذلك فإن ما يخافه الخونة هو صوت الشعراء حين يصدح بالوفاء لما هو حق.
وما يهابه المندسون والنمامون ومشعلو الفتن، هو حقيقة الجمال التي ينطق بها الشاعر فتلسعهم في الضمير، وتترك في دواخلهم خدشاً، وترميهم في رماد الذل منفصمين وملعونين.
يلتقي المتحاربان هذا يحمل راية سوداء منحازا بها للعتمة والجحود، وهذا يحمل راية الورقة مستبشرا بروعة الوجود.
ولا يهم بعد ذلك أن نسأل كيف تنتهي هذه المعركة، لأن قطرة واحدة من النور تكفي لإزاحة الوهم كله، وكلمة واحدة بيضاء، تكفي لدحر دخان الحقد كله، وصوت واحد صادقٌ ونقي، يمكن أن يُخرس نباح جيش من الكذّابين.
تصفو الحياةُ حين يصفو القلم
تُزهر وردة المعنى
وتورقُ أشجاره في القمم.