اعتذر الدكتور العلاق عن حضور الامسية لأسباب خاصة .
واحيا الامسية الاستاذ صادق الطائي ببحث بعنوان : الثقافة العراقية في زمن العقوبات الاقتصادية (الحصار)
المشهد الثقافي العراقي في ظل العقوبات الاقتصادية (الحصار)
ضيفت مؤسسة الحوار الانساني في لندن يوم الاربعاء المصادف 1/2/2017 الاستاذ صادق الطائي في امسية ثقافية تحت عنوان (المشهد الثقافي العراقي في ظل العقوبات الاقتصادية في عقد التسعينات) تحدث فيها عن مختلف جوانب المشهد الثقافي العراقي تحت ظل الحصار،وادار الامسية الاستاذ غانم جواد.
الاستاذ صادق الطائي ؛ كاتب عراقي درس الهندسة في جامعة بغداد (1987) ، كما حصل على بكالوريوس علم الاجتماع من جامعة بغداد (1998) وحصل على الماجستيير في علم الانثروبولوجيا من جامعة بغداد (2005) ، له كتاب ( سحر الفضة .. سر الماء ) دراسة انثروبولوجية عن طائفة الصابئة المندائيين في العراق ( 2010) ، صدر عن المجلس الاعلى للثقافة –وزارة الثقافة المصرية – القاهرة ، يكتب في عدد من الصحف العراقية والعربية.
المقدمة
ان الكلام عن الحصار الاقتصادي يطول ويمكن ان يتم تناول الموضوع من اكثر من زاوية ،لكننا اليوم سنتحدث عن جانب واحد منه،وهو المشهد الثقافي في ظل العقوبات الاقتصادية طوال عقد التسعينات من القرن المنصرم. الحقيقة التي يجب ان نركز عليها منذ البدء ان المشهد الثقافي كان يعاني من حصارين ، حصار خارجي هو الذي فرض نتيجة عقوبات منظمة الامم المتحدة وحصار فرضه النظام على الداخل العراقي عندما ضرب ستارا حديديا على الداخل وعزله عن الخارج الذي قد يمثل تهديدا للنظام نتيجة للطفرة الهائلة في وسائل الاعلام والتواصل الحديثة.
تأثير الحصار على تفاصيل الحياة اليومية
بالتأكيد انتم تعلمون جيدا بتأثير الحصار القاسي على الشعب ، وفي نفس الوقت عدم تأثيره على النظام ، وقد عاش هذه الظروف البعض منكم ،كما سمع بها من كان خارج العراق ، لكن يجب التأكيد على ان الحصار واثاره المدمرة كانت مركزة على الشعب المسكين بينما زادت هذه العقوبات النظام قوة ولم تؤثر عليه ،بل ان رأس النظام كان قد بنى 70 قصرا رئاسيا في حقبة الحصار ،حيث كان الفساد الذي طال اتفاق العراق مع الامم المتحدة قد سمح بتسريب اموال اتفاقية (النفط مقابل الغذاء ) ليتسنى للنظام استيراد الرخام الايطالي والزجاج البلجيكي ومختلف الاكسسوارات من مختلف دول العالم لهذه القصور،وفي نفس الوقت كان العراقيون يعانون من اسوء المواد الغذائية التي توزع لهم عبر بطاقات التموين التي تستوردها مؤسسات النظام الفاسدة ،وقد تدنى مستوى المعيشة في العراق الى ادنى حد شهده التاريخ المعاصر ،وقد كانت الضربة موجهة بشكل اساس الى الطبقة الوسطى في المجتمع التي تضم المثقفين والاساتذة والعلماء والاطباء والمدرسين وغيرهم حتى وصل الحال بهم الى بيع مقتنياتهم واثاث منازلهم لتدبير مستلزمات المعيشة.
وعلى هامش هذه المعاناة ولدت ظاهرة وسمت المشهد الثقافي في حقبة التسعينات ،وهي ما عرف بمكتبات الرصيف ،حيث لجأ عدد من الكتاب والمبدعين الى بيع مكتباتهم الشخصية التي افترشوا بها ارصفة شارع المتنبي ،مركز بيع الكتب في بغداد ،والذي كان قد انسحب من دوره في حقبة السبعينات والثمانينات مع تصدر مكتبات شارع السعدون الحديثة سوق الكتب ، وتحول شارع المتنبي الى امتداد لسوق السراي المختص ببيع القرطاسية واللوازم المكتبية ،لكن ظاهرة مكتبات الرصيف التي اعتبرت توسيعا لما كان يعرف بمزادات الكتب التي كانت معروفة وتقام يوم الجمعة من كل اسبوع ، وكان اشهر من يقوم بهذه المزادات هو المرحوم نعيم الشطري، وقد اصبحت ظاهرة بيع الكتب يوم الجمعة حدث اسبوعي تحول تدريجيا الى ملتقى ثقافي يحضره كافة المعنيين بالشأن الثقافي في بغداد والمحافظات الاخرى.
وارتبط بظاهرة تواجد المثقفين في سوق الكتاب ظاهرة اخرى جديدة ولدت في بدايات التسعينات ،وهي ظاهرة (الكتاب المستنسخ او تصوير الكتب ) ،مع هبوط قيمة الدينار العراقي مقابل العملة الصعبة ،وانغلاق قنوات استيراد الكتاب نتيجة العقوبات الاقتصادية وامتناع دور النشر العربية عن التواصل مع سوق الكتاب في العراق ،ولدت عملية او ظاهرة تصوير الكتب وتجليدها وتسويقها للقاريء العراقي باسعار يقدر على دفعها ، وهنالك عدة جوانب يجب تسليط الضوء عليها في هذا المجال ، فكما ذكرنا كانت صعوبة الحصول على الكتاب الحديث او الدوريات الحديثة هي المحرك الاساس ،حيث يتم الحصول على نسخ من الكتب او المجلات الحديثة التي تجلب بصورة شخصية من قبل افراد سافروا لسبب او اخر وجلبوا معهم نسخا من الكتب التي يتم تفكيكها وتصويرها واعادة تجليدها ، كما ان الحصول على الكتاب العلمي كانت من الصعوبة بدرجة تكاد تكون مستحيلة ،وبالذات الكتاب الهندسي والطبي الجديد ،حيث طلبة الجامعات والدراسات العليا بحاجة لهذه الكتب ،فاصبحت عملية تصوير الكتب حلا حقيقيا لتوفير الكتب للدارسين والباحثين ،وقد تطورت عملية اعادة انتاج الكتاب تقنيا بصورة ملفتة واصبحت الكتب المصورة تكاد تنافس بجودتها النسخ الاصلية وباثمان تصل الى ربع قيمة الكتاب الاصلي .
كما ان عملية اعادة صناعة الكتاب فتحت الباب لتصوير وتسويق الكتب الممنوعة من التداول في السوق العراقي نتيجة رقابة النظام الصارمة ،حيث كان هنالك شبكة من الناشطين بتوفير هذه الكتب ومكاتب التصوير التي تقوم باعادة صناعة الكتاب ليصل الى منافذ البيع على ارصفة شارع المتنبي ،وان السرية كانت هي الشرط الاساس لكل هذه العملية ، وكانت الكتب السياسية هي التي تتصدر قائمة الكتب المطلوبة بالاضافة الى الكتب الدينية وبشكل خاص الكتب الشيعية ، وقد كان بعض الكتاب يمثلون نجوما لفترة اعادة انتاج الكتب بالاستنساخ ومنهم نذكر على سبيل المثال لا الحصر كتب حسن العلوي وكنعان مكية ومذكرات السياسين من بعثيين او شيوعيين او قوميين ممن نشروا مذكراتهم في حقبة التسعينات بالاضافة الى بعض الكتب التي كانت تمثل الممنوع المسموح مثل كتب علي الوردي التي لم يعاد طبعها منذ السبعينات، وكان الخطر يحيق بكل العملية ،فاذا ما القي القبض على احد العاملين في هذا المجال من قبل قوات الامن المختصة بمراقبة سوق الكتاب ،فيصار الى مصادرة الكتب وجهاز التصوير بالاضافة الى الاعتقال والتعذيب ،لكن لابد من الاشارة الى ان النظام في هذه الفترة كان قد ارتخت قبضته الامنية نتيجة الاوضاع الاقتصادية حيث اصبحت الرشوة تمثل حلا للتخلص من عقوبات رجال الامن الذين كانوا ايضا يعانون من الجوع الذي اصاب المجتمع ككل.
منافذ للحياة خارج اسوار الوطن
وولدت ظاهرة الهجرة الكبيرة التي اصابت قطاع الثقافة في العراق نتيجة العوز والحاجة في حقبة التسعينات ،وقد لعب الاشقاء العرب على حاجة المبدع العراقي اسوء الادوار ،وقد كان بعض الناشرين العرب يتعاملون مع المبدع العراقي والمترجم العراقي باسوء الطرق ويبخسونهم حقهم ،كما ان الصحافة والنشاطات الثقافية في بلدان مجاورة للعراق اعتاشت وانتشت بوجود المهاجرين العراقيين من شريحة المثقفين العراقيين كما حصل في العاصمة الاردنية عمان ،التي كانت تتداول فيها نكتة مشهورة ايام التسعينات تقول ( مرحبا بكم في عمان عاصمة الثقافة العراقية) ،كذلك الحال في ليبيا واليمن وبشكل اقل في دولة الامارات العربية ،وقد استفادت هذه الدول من هجرة العقول واساتذة الجامعات والاكاديميين الذين تركوا اماكنهم في العراق وارتحلوا بحثا عن الرزق في هذه الدول ، وارتضوا بالعيش في اقسى الظروف، لكن هذا الامر ولد ديمومة وترابطا للنشاط الثقافي العراقي ،حيث كان هؤلاء المثقفين صلة الوصل بين الخارج والداخل العراقي المعزول بستار حديدي يفرضه النظام والعقوبات الاقتصادية الدولية ،فكم من الكتب والدوريات وصلت الى الداخل مع رحلات العاملين في الخارج في عطلهم الموسمية ،وكم من مسودات وكتابت صحفية وابداعية ارسلت مع من يخرج من الكتاب والمبدعين لتجد طريقها الى دور النشر ،كما لعب بعض المثقفين والمبدعين ممن وصل الى اوربا والغرب دورا مهما في تعريف العالم بالابداع والمبدع العراقي من خلال الدوريات ودو النشر التي اقاموها في الخارج ،ونذكر على سبيل المثال لذلك مجلة فراديس ومجلة الواح ومجلة المسلة ومجلة الاغتراب الادبي ،حيث كان للقائمين عليها دورا كبيرا في نشر المنتج الابداعي العراقي والتعريف بالمبدع العراقي سواءا بلغته اوعبر الترجمات التي حضيت بها بعض الاعمال الابداعية.
الخارج / الداخل … ثنائية الاتهامات
ونحن نتحدث عن المشهد العراقي تحت ظل العقوبات الاقتصادية وحصار النظام ،لابد من الاشارة الى ظاهرة اصبحت سمة اخرى من سمات هذا المشهد ،وهي ثنائية مثقفو (الداخل/الخارج) ، فقد ولد نتيجة للهجرات المتعددة منذ نهاية خمسينات القرن الماضي وحتى الان اجيال من المثقفين في الخارج ،وبطبيعة الحال بقي من المثقفين الكثير في الداخل ، وان مسألة الهجرة او المنفى او الشتات الذي يتوزع العراقيين هو بالدرجة الاولى خيار شخصي ويخضع للفروقات الفردية ،لكن بني على هذه الثنائية صراعا معتمدا على الصور النمطية ، فمثقفو الخارج طالما اتهموا من بقي في الداخل بانهم متواطئون مع النظام او على الاقل متعايشين معه بمعنى عدم رفضهم له ، وكثيرا ما تسمع من طروحات مثقفي الخارج ،ان الداخل فرغ او كاد من الطاقات الابداعية المهمة ،واذا وجدت فهي استثناءات لايعتد بها ، بالمقابل يتهم مثقفو الداخل من سافر او هاجر او هرب من العراق بانهم منقطعين عما يحصل في العراق ولا يعرفون الحقائق ،وانهم عاشوا رفاهيتهم في بلدان اللجوء او المنافي بينما اهلهم يرزحون تحت نير الديكتاتور ، وتحول الامر في المشهد الثقافي الى ما يشبه نزاع قبيلتين، قبيلة الخارج وقبيلة الداخل ،وقد توضح هذا الامر اكثر ما توضح بعد سقوط النظام والصراع الذي احتدم بين الاثنين على ادارة المشهد الثقافي الجديد ،صراع بني على اتهامات وتلفيق تهم وخروج على كل ضوابط واخلاقيات المشهد الثقافي ،وبما ان هذا الامر حصل بعد الفترة التي يدرسها موضوعنا فلن نستفيض في تفاصيله.
المشهد الصحفي
ونحن نتكلم عن المشهد الثقافي العراقي في حقبة التسعينات ،لابد ان نتكلم عن تفاصيل هذا المشهد او مكوناته ،ومن اهم هذه المكونات المشهد الصحفي ،فقد عانت الصحافة من ضغوط التقشف المفروض بسبب العقوبات ،واغلقت صحف ومجلات كانت تنشر الكثير من المنتج الابداعي ،كما تقلصت صفحات الصحف اليومية وصغر حجم الصفحة الى النصف ،ويمكن ان نؤكد ان هذا الامر كان واقع الحال حتى قبيل منتصف التسعينات ،اذ انشأ عدي صادم حسين ما عرف في حينها بـ (التجمع الثقافي) الذي ضم اتحاد الادباء ونقابة الصحفيين ونقابة التشكيليين وكل النقابات والتجمعات المعنية بالثقافة في تجمع واحد يسيطر عليه ابن الرئيس بطريقة كاريكاتورية ،لكن الامر لم يخلو من بعض الفائدة للمبدعين عندما خصص التجمع الثقافي رواتب شهرية للكتاب والشعراء والصحفيين ،وبالرغم من ان مبالغ الرواتب الشهرية كانت ضئيلة الا انها كانت تشكل دعما يحتاجه الكثيرون لتمشية امورهم الحياتية ،ومن جهته كان النظام يعتقد أنه بهذا المبالغ سيستطيع شراء مواقف الكتاب الذين سيتحكم بولائهم نتيجة دعمهم المالي ، كما افتتح ابن الديكتاتور منافذ صحفية عديدة بصيغة صحف أسبوعية ومجلات شهرية تولت نشر النتاج الابداعي للكتاب ،مع هامش حرية حاول عدي صدام حسين ان يجمل به صورة النظام القمعي ،فما كان من الكتاب الا استغلال هذا الهامش والكتابة في هذه المنافذ التي اتاحت لهم انتقاد كل الظواهر في الدولة والمجتمع باستثناء خط احمر وحيد يمنع المساس به وهو رأس النظام وعائلته والدائرة الضيقة المحيطة به.
كما ان المشهد الصحفي انفتح على تجربة اذاعة الشباب وتلفزيون الشباب التي كانت صيغتها مشوشة وغير مفهومة،حيث كانت تتراوح بين القنوات الاعلامية الخاصة والقنوات الحكومية ،حيث كانت ملكيتها تعود لأمبراطورية عدي صدام حسين التي باتت تمثل دولة داخل الدولة ، وقد لعبت هذه المنافذ الاعلامية دورا مهما في توفير الترفيه للمشاهد العراقي المحاصر،من خلال عدم التزامها بالقواعد الاعلامية وعبر قرصنتها الكثير من الافلام والمسلسلات الحديثة وبثها على المحطة الارضية لتلفزيون الشباب ،كما ان التلفزيون الجديد احتضن موجة جديدة من الغناء العراقي ،هوجمت بشدة في بداية انطلاقها باعتبارها موجة قائمة على القطيعة مع مسيرة الاغنية العراقية السبعينية وما قبلها ،وان الموجة الجديدة قد مثلت تدني الذوق الفني وسوقيته ،لكن النتيجة النهائية انها افرزت اصواتا اصبحوا نجوما بعد ذلك.
وبعد العام 2000 سعى النظام الى الانفتاح على تقنيات الاتصال الحديثة ولكن بشروطه ومواصفاته التي يفرض من خلالها رقابته الصارمة ،فسمح باستعمال شبكة الانترنت عبر الاشتراك المنزلي وبشروط صارمة للمشتركين تمكن النظام من فرض الرقابة وحجب المواقع التي تنتقد سياستة ،كما توفر عدد محدود من مقاهي الانترنت التي استفاد منها الباحثون وطلبة الدراسات العليا للتواصل والبحث عن الجديد ،وقد استوزر د.همام عبد الخالق الذي كان رئيسا لمنظمة الطاقة الذرية العراقية كوزير للاعلام واستقدم كوادر فنية من منظمته السابقة لتطوير وسائل الاتصال في وزارة الاعلام التي انشأت ما عرف بمنظومة الرافدين ،وهي نموذج من الستالايت المسيطر عليه والذي يبث حوالي عشرين قناة تنوعت بين قنوات الرياضة والافلام والوثائقيات والاغاني للترفيه المسيطر عليه من قبل النظام ،كما ادخل نظام اتصال الهواتف الارضية اللاسلكية كبديل عن استخدام الموبايل بالرغم من كفائته المحدودة الا انها مثلت بدائل اتسمت بها حقبة التسعينات .
المشهد السينمائي
ربما كان قطاع السينما العراقي من اشد المتضررين من العقوبات الاقتصادية ،حيث منع استيراد الافلام الخام لانها تحوي مواد كيمياوية (مزدوجة الاستخدام) ، وبذلك توقف الانتاج السينمائي نهائيا وكان فيلم الملك غازي اخر مانتجته مؤسسة السينما والمسرح ،ونعكس ذلك حتى على المؤسسات الاكاديمية في اقسام دراسة السينما في معهد الفنون الجميلة وكلية الفنون الجميلة ،حيث استعاض الطلبة في تنفيذ مشاريع تخرجهم بأستخدام كاميرات الفيديو ، ولكن قطاع انتاج السينما في العراق حاول ان يجد له منفذا او بديلا في هذه الظروف العصيبة ،فلجأ السينمائيون الى ما عرف بسينما السكرين ، المعتمدة على استخدام الفديوتيب بديلا عن الشريط السينمائي ،وبالرغم من ان التجربة كان بسيطة وبقيمة فنية محدودة الا انها مثلت طريقا استطاع العاملون في قطاع السينما من خلاله التواصل وتقديم اعمالهم ، كما ان صالات السينما شهدت تراجعا حادا في هذه الفترة مما دفع الكثير من هذه الصالات الى تحويل الصالات الى خشبات مسرح تقدم عليها المسرحيات التجارية بالاضافة الى العروض السينمائية ،وهذا الامر حمى الكثير من الصالات من الاغلاق بالرغم من تدني مستوى المسرح المقدم .
المشهد المسرحي
شهد القطاع المسرحي تأثرا واضحا بالعقوبات الاقتصادية ،لكن يجب ان نشير الى الجهود الكبيرة التي بذلها العاملون في هذا القطاع ،حيث تم اطلاق مهرجان المسرح العربي في بغداد لاربع دورات ،ومهرجان المسرح العراقيلثلاث دورات والذي احتضنه منتدى المسرح ،كما ان خشبات المسرح الوطني ومسرح الرشيد ومسرح الفن الحديث بقيت محتفظة بتقاليد مسرحية جادة ورصينة جعلها تنتج العديد من الاعمال المهمة التي حازت على تقيم فني عال، وفازت الاعمال المسرحية العراقية المنتجة في هذه الحقبة العصيبة بالعديد من الجوائز العربية والعالمية عند مشاركتها في مهرجانات خارج العراق، وبالرغم من تواضع الامكانات التقنية وعدم تطوير تقنيات حديثة في العرض مثل السينوغرافيا وطرق الانارة الحديثة وتقنيات الخشبة الحديثة ،الا ان كل ذلك استبدل بالمحتوى الفني العالي للاعمال المسرحية المعروضة والجهود الفنية للمشاركين بالاعمال من ممثلين وفنيين ومخرجين.
لكن بالمقابل اصاب المشهد المسرحي العراقي في هذه الفترة توسعا ملفتا لما عرف بالمسرح التجاري الذي اضر بشكل كبير بقطاع المسرح حيث ادخل الكثير من المتطفلين لهذا المجال واصاب الاداء المسرحي العراقي بامراض انتقلت بعد ذلك الى الدراما التلفزيونية التي اصيبت بحالة مشابهة لما حدث في المسرح التجاري.
وكتلخيص للمشهد الثقافي العراقي تحت ظل العقوبات الاقتصادية طوال عقد التسعينات ،يمكننا القول ان الكثير من التحديات قد واجهت هذا المشهد واصابت مفاصل مهمة منه بامراض خطيرة الا ان المعنيين بالامر كانوا في الكثير من الاحيان يقفون بوجه هذه التحديات بما يملكونه من امكانات محدودة ليواصلوا ابداعهم وهذا ما شهدناه في الكثير من تفاصيل المشهد الثقافي.