إستضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن المؤرخ العراقي الدكتور سيار الجميل يوم الاربعاء 17 اكتوبر 2018 في امسية ثقافية تناول فيها تكون العراق الحديث وفق منظوره الذي يطرحه بناء على نظرية الاجيال. سيار الجميل باحث ومؤرخ عراقي عمل أستاذا وباحثا في المركز العربي للبحوث ودراسات السياسات حتى كانون الثاني / يناير 2015 ، وكان كبير الباحثين في مشروعين: “ظهور قطر الحديثة” و “موسوعة الخليج العربي”.للجميل خبرة أكثر من 30 عامًا في التدريس والبحث في جامعات العالم العربي واوروبا وأمريكا الشمالية . درس تاريخ العالم والكوارث، وفلسفة التاريخ ، وتاريخ الإسلام ، والتاريخ العثماني ، والمنهجية التاريخية، والتاريخ الحديث لتركيا وإيران ، والتاريخ المعاصر للعالم العربي. كما عمل مستشارًا لمراكز الأبحاث والمؤسسات ، بما في ذلك اليونسكو والألكسو والإيسيسكو. نشر سيار الجميل العديد من كتبه على نطاق واسع باللغتين العربية والإنجليزية .من دراساته المهمة “ظهور العرب المعاصرين”، وهو مشروع من 4 مجلدات يركزعلى اكتشاف بقايا وجذور التاريخ العربي الحديث. كما طور نظرية التأخير في بنية الأجيال التي تتعامل مع المنظور الشامل والدقيق مع الفترات التاريخية التي تغطي آخر 2000 سنة. حصل على جائزة Schuman للعلماء (1991 و 1992) ،كما حصل على قلادة العلماء المتميزين المبدعين من المكتبة الوطنية النمساوية في فيينا (1995) . وجائزة International Courier (2004-2005) . تم انتخابه في عام 2007 مستشارًا للمجلس الثقافي العراقي في الأردن . وفي عام 2009 عمل سفيراً للسلام العالمي لاتحاد السلام العالمي التابع للأمم المتحدة ، في تورنتو ، كندا. مقدمة إن الكثير من أحداث العراق التي حصلت لما قبل تاريخ النظام الملكي الهاشمي وتأسيس المؤسسات الحكومية للدولة الجديدة، يمكن فهمه كونه جزءا في فترة تاريخية محدودة ومعقدة من الصراع الدولي بين القوى الاستعمارية القديمة، وكانت بريطانيا على رأسها، والتي غدا لها تاريخ مشترك مع العراق، كونه واحد من أهم مستعمراتها التي سيطرت عليها ابان الحرب العالمية الاولى. ومن البديهي أن حقيقة حياة المدن العديدة ومجموعات الناس، ونخبهم، وفئاتهم، وشرائحهم، وطبقاتهم، ومللهم، ونحلهم في وادي الرافدين كانت تبادلية التناقضات، ولنقل ان كنّا أكثر دقة، إن قيام ونشوء مجموعات متنوعة، ومتناقضة، من الناس سواء كانوا جماعات وطبقات مدن، أو عشائر ارياف، أو قبائل بدوية .. كلها خاوية من الهوية الوطنية القوية- كقاعدة في أولويات الشعوب – انما ملازم لوجود أمة ضعيفة، ومفككة لا يجمعها رابط ، ولا تنظمها شرعة أو دستور، والعكس صحيح كما يعرف الجميع . نظرية الاجيال التاريخية التحقيب التاريخي، هو محاولة لتصنيف أو تقسيم الزمن/ التاريخ إلى كتل منفصلة ومركَّبَة، بهدف معرفيّ ووصفيّ تجريديّ يوفّر معالجة مفيدة للتاريخ البشريّ؛ عندما نقرأ أعمال”جيري بنتلي” في تحقيب تاريخ العالم، ندرك منذ الوهلة الأولى أن أفكاره وتطبيقاته فيما سمّاه بـ”عبر التفاعل الثقافي” قد استلهم بشكل أكيد من الثقافة التاريخية العربية، سواء تلك التي تبلورت قبل أوانها في الكتابات التاريخية والتي يقف المسعودي على رأسها؛ أم تلك التي أكّدَ عليها الجغرافيون الأوائل في الثقافة العربية. إن “جيري بنتلي” يحدّد منذ البداية منهجه، إنه يلتقط جملة من الأفكار التاريخية عن الثقافة التاريخية القديمة في المعرفة العربية الإسلامية، ويقول: “المؤرخون يعرفون جيدا أن تحديد فترات التاريخ هو الأكثر تماسكا وإتعابا، ولكنه لا يفصح عمن قصد بالمؤرخين العارفين جيدا بمسألة التحقيب، وهو منهج صعب للغاية، لكن الدكتور الجميل يفصح بجرأة بالقول: “إن المسعوديّ ومدرسته ومَن جاء من بعده وينهج نهجه، هم الذين قدّموا للبشرية ذلك الاكتشاف الذي سبق أصحابه عصرهم بقرون طوالٍ ليقدموا في البواكير الأولى نظرية يؤسسون من خلالها لمنهج كامل في التحقيب؛ كالذي وصفه بنتلي بـ”واضح المنعطفات في الماضي”. كتابي عن نظرية الاجيال عندما عرضت كتابي الجديد المعنون (نظرية الاجيال) على الصّديق المؤرِّخ الأمريكيّ جيري بنتلي Jerry H. Bentley الّذي له نظريّته هو الآخر في التّحقيب التّاريخيّ، وذلك بعد محاضرة لي قدّمتها عن “تحوّلات الأزمنة ” في سانت انتوني بجامعة أكسفورد يوم 5 سبتمبر / أيلول 2009، انشّد إلى مفهوم سلاسل الأجيال، ودخلنا في حوار طويل على مدى ثلاثة أيّام، وخصوصاً بصدد محدّدات البنية التّاريخيّة وكيفيّة تفكيكها، ومن ثمّ تحليل عناصرها، وقد أعجب الرّجل بالثّقافة التّاريخيّة العريقة لدى العرب، وقال إنّها الوحيدة في هذا العالم، وقد اهتمّت بالإنسان في سيره وتكوينه وإنتاجه، وخصوصاً في دراسته وأساتذته وبيئته. فكيف هي إذا ما استخدم فيها المنهج الكمّيّ “a quantitative methodology ” وكنت قد استفدت جدّاً من أفكار المؤرِّخ بنتلي ومن نظريّته والّتي حاورته فيها طويلاً، وافترقنا على أساس أن نشترك في دراسة تحقيب تاريخ العالم، إذ يتبنّى بنتلي الجانبين السّياسيَّ والاقتصاديَّ وأتبنّى الجانبين الثّقافيّ والاجتماعيَّ .. وقد بدأنا فعلاً في مشروعنا الكبير . والمؤرِّخ جيري بنتلي الّذي افتقدناه برحيله المفاجئ في 12 يوليو 2012 هو أحد أبرز المؤرِّخين المحقِّبين في العالم المعاصر، إذ قدّم نظريّة التّفاعل من خلال التّمايزات التّاريخيّة وأنماط تاريخ عابر للثّقافات مع البدائل المتاحة . انا من جانبي ارى إنها رؤية فلسفية ومنهجية وتحقيب جديد للتاريخ يقوم علي أساس تقسيم الزمن التاريخي علي اساس الوحدات الكلية والوحدات الجزئية وتقوم النظرية بتوضيح حسابات المنهج الكمي في معاني جملة كبيرة من المفاهيم والمصطلحات, مثل: الأحقاب والعصور والفترات والعهود والعقود.. وتعتني بذلك من خلال سلاسل الأجيال بالامتداد الحلزوني لحركة التاريخ من خلال الوحدة الجزئية (30) سنة وهو عمر الجيل الواحد ومن خلال الوحدة الكلية (300)سنة حاصل جمع عشرة أجيال وهو عمر العصر التاريخي وعليه، فإن التاريخ الميلادي مر إلي حد الآن بـ67 جيلا( أي بسبعة عصور). .. اما التاريخ الإسلامي, فلقد مر الي حد الان بـ47 جيلا وسيختتم العصر الخامس نفسه عند نهاية القرن الواحد والعشرين.. والمجايلة نحت لغوي من( جيل) الاسم( وجايل) الفعل. وتعني باختصار: تسلسل الأجيال وعلاقتها ببعضها البعض، فكل جيل يتكون في رحم الجيل الذي سبقه، فإذا عرفنا ان متوسط عمر الإنسان عبر التاريخ هو قرابة ستين سنة، فإن حياة الإنسان تنقسم إلي قسمين أساسيين، أولهما للتكوين(30) سنة وثانيهما للإنتاج (30) سنة، وعندما يتسلم الجيل مقاليد التاريخ يكون الجيل الذي سبقه قد غادر مكانه.. وربما تحدث استثناءات في حياة الإنسان لكي يبقي، مثلا، ويعيش حتي التسعين، ولكن كل ما ينضاف علي حياته لما بعد الستين لم يحسب حسابه إلا على الجيل الذي عاش فيه وبتواضع اقول إنني قد صرفت علي هذه النظرية قرابة عشرين سنة من حياتي وانطلقت بها من فكرة قالها ابن خلدون عن عمر الدولة الاعتيادي المقدر بـ 120 سنة، ولما كتبت بحثا علميا لواحد من المؤتمرات في منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي بدأت استكشف أشياء تثبت صحة الافكار التي بدأت تتبلور عندي يوما بعد آخر. التحقيب واسسه العملية لما أسعفني الكمبيوتر من خلال ثلاثة برامج في احتساب الميلادات والآجال وحساب أعمار التكوين والإنتاج في دراسة تطبيقية دقيقة علي السير والترجمات والأنساب والوفيات لأعداد هائلة من العلماء والأدباء والفقهاء والأطباء وكل المثقفين عبر تاريخنا الحضاري، هالتني مصداقية ما رحت افكر فيه منذ العام1980، ولم اكن وقت ذاك قد حصلت علي دكتوراه الفلسفة في التاريخ، والتي حصلت عليها عام1982 في بريطانيا.. ولم أترك النظرية مجرد افكار ورؤى، ولكنني قدمت جملة تطبيقات وتجارب عليها، وتوصلت الي عدة معان جديدة، فضلا عن جملة من التحديدات عبر مقاييس ومقارنات مثبتة. لقد حاولت أن أطبق النظرية علي مجمل دراسات وبحوث لي مما جعل استنتاجاتي دقيقة، بل وإنها منحتني فرصة ثمينة في ان أحكم علي الأشياء، وان أجد ما أطلقه من التوقعات يكاد يكون مجال الصحة والصواب فيه كبيرا جدا.. ان المنهج الذي اتبعته في البحث والقياس والمقارنات والجدولة والحسابات والتفكير هو المنهج الرؤيوي الذي كنت قد حددت ملامحه كمشروع بحث في أول كتاب صدر لي في العام1989 عنوانه( العثمانيون وتكوين العرب الحديث .. من أجل بحث رؤيوي معاصر) والذي صدر في بيروت عن مؤسسة الابحاث العربية1989، ولكن هذه النظرية المتواضعة تضمنها بشكل موسع كتابي الموسوم (المجايلة التاريخية: فلسفة التكوين التاريخي) الذي صدر في عام 1999 أي عند نهاية القرن العشرين. طبيعة الاجيال التاريخية ونظرياتها أستطيع القول بشكل مؤكد ان عمر الجيل، وكما ثبت بشكل علمي اليوم هو30 سنة، وهذا ما قال به كارل مانهايم أيضا والذي أطلقه من دون أن يثبت ذلك، ومن قبله وقبل ستمائة سنة بالضبط قال ابن خلدون بأن عمر الجيل هو40 سنة.. وأعتقد أن الاثنين علي صواب، فالمسافة التاريخية التي تفصلنا عن ابن خلدون تجعلنا نقول بأن الجيل قد اختزل عمره اليوم إلي ثلاثين سنة.. وأتوقع ان ستمائة سنة قادمة ستختزل أيضا من هذه الثلاثين التي أقررناها بشكل جازم. أما ما نسمعه من نقاد وكتاب وصحفيين باستخدام الاجيال وفق العقود الزمنية، مثل جيل الستينات او السبعينات ..الخ، فهو يتنافي مع قدرة الجيل علي ان يعبر عن نفسه تعبيرا منتجا كاملا، فالإنسان تتجلى قدراته الإبداعية ومنتجاته المؤثرة في ثلاثين سنة علي الأقل وليس بعشر سنوات، أي: بين الثلاثين وبين الستين من العمر، وإلا كيف تفسر لي حالات شعراء وأدباء وفقهاء وأطباء وقضاة ومثقفين.. الخ. وإلي أي جيل ينتمي الشاعر نزار قباني او الشاعر عبد الوهاب البياتي او الشاعر صلاح عبد الصبور هل ينتمون إلي جيل الخمسينيات ام إلي جيل الستينيات أم إلي جيل السبعينيات؟ إنهم ينتمون إلي جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي جيل ما بعد1949 ؟ طبيعة التاريخ والتداخل بين الأجيال لقد اكتشفت ان التاريخ البشري هو كتلة بنيوية واحدة، وهو يخضع لقوانين ربما لا نلحظ وجودها نظرا لأننا ومن سبقنا مجرد عابرين ليس إلا لهذا العالم عبورا بسيطا! إن العملية التاريخية جد معقدة، ولا يمكن لأي عابر سبيل أن يفتي بها، وثمة فلاسفة للتاريخ قد ظهروا منذ كونفوشيوس وصولا إلي أرنولد توينبي وانتهاء بميشيل فوكو، وكلهم لم يكتشفوا من أسرار هذه العملية التاريخية إلا النزر اليسير ومن المعلوم إن مئات بل آلاف المؤرخين لا يمكنهم أن يضطلعوا بهكذا مهمة، لأن عملهم ينحصر في سرد الأحداث التاريخية وتحليلها، ولكن هناك بضعة فلاسفة للتاريخ لا عمل لهم إلا دراسة الظواهر التاريخية الكبرى والصغرى، وهم يقفون من حين لآخر علي ما وصفتها بـ استثناءات نادرة كي يعترفوا، بأن ثمة قوانين تحكم هذه الطبيعة التاريخية عبر العصور.. ومايعرف الي حد اليوم هو بسيط جدا لأن عمر الحضارات البشرية قاطبة لا تساوي شيئا امام عمر الارض والمنظومة الكونية كلها. عندما رصدت مثلا في دراستي لسنوات طوال سنوات الولادات البشرية، اكتشفت ان هناك عناقيد هائلة من الولادات عند سنة معينة وما يقاربها من السنين ويصيبني الذهول كرة اخرى وانا ارى عناقيد اخرى بعد ثلاثين سنة من الاولى، وما حولها من السنين! وهكذا بالنسبة لظاهرة الاجال( الوفيات) بعد رصدي لها اثر دراستي للسير والتراجم.. ولا يمكن للحسابات الالكترونية ان تخطئ في عملية احتساب ارقام هذه الظاهرة.. وثمة ظاهرة اخرى تتعلق بالمكان والعلاقة البونية بجيل معين او مجموعة اجيال.. وهكذا، صحيح ان من حق المرء ان يتساءل عن كيفية تأسيس هذه المحددات، خصوصا، وان النظرية برمتها تقوم علي محددات العنصر الزمني والعلامات الفارقة لسلاسل الاجيال وعلي البعد الثالث في نسبية الاشياء.. ولكن التطبيقات تفسر لنا العملية برمتها. فالعلامات الفارقة هي التي تدعم النظرية لا اللحظات الفارقة وان كل التحقيب التاريخي وتقسيماته لا يمكنه ان يؤسس نفسه الا على المعلومات والرؤية الدقيقة للمحددات علي اساس التطبيق، اذ سيتعرض للانكسار ان قام علي مجرد وجهات نظر وتصورات وانشائيات عادية لا اساس لها من دقة محددات التاريخ. ماهي اللحظة التاريخية الفاصلة أو الحاسمة ؟ اللحظة الفاصلة شئ والعلامة الفارقة شئ آخر.. اللحظة التاريخية الفاصلة هي التي لا يمكنها ان تنحصر بيد المؤرخ فقط، بل انها ملك لقائد البلاد والقائد السياسي ورئيس المحكمة وصانع القرار ورب الاسرة وقائد الرحلة وقائد الفريق وقائد المعركة.. الخ انها تتعلق بقدرة الانسان علي ان يكون معها في حالة اندماج ليوظفها في اصدار أي قرار او حكم او بيان او اجراء من اجل تغيير او تأسيس.. نعم, ليغير وليؤسس او يفصل او يحسم او يوقع.. ومن السهولة جدا علي مؤرخ الاحداث ان يلتقط اللحظة التاريخية الفاصلة ليبدأ منها او ينتهي عندها.. ولكن من الصعب جدا علي مؤرخ الظواهر ان يؤسس مشروعا, او يكتب بحثا, او يطرح نظرية.. وهو لم يكتشف العلامات الفارقة التي تمكنه من الدفاع عن كل ما يقدمه الي العالم, فالظاهرة كبيرة جدا والوقائع صغيرة جدا. واذا كان المؤرخ الاول تحكمه عوامل الزمن والمرحلة والمكان والبيئة وحياة العصر.. فان المؤرخ الثاني لا تحكمه هكذا عوامل, فهو يدرك سيرورة التاريخ الانساني ومنعطفاته واحجامه وخطوطه والوانه وكل ما يتعلق بجزئياته او كلياته. نظرية المجايلة ودور الفرد في صناعة التاريخ انها تعتني بهذا المجال, وانها تضع دور الفرد في صناعة التاريخ باطاره الصحيح.. ولكنها ايضا من جانب آخر تعتني في ما عدا الافراد بالنخب والفئات والطبقات والجماهير.. انها تعتني بالموروثات التي ينقلها جيل الي آخر من خلال تبدل النخب والفئات حسب تسلسل الاجيال, ولكن النظرية تحدد اطار كل طرف, فالأفراد هم الذين يؤثرون في سيرورة الحياة والتاريخ حتي وان كان بعمل واحد, والطواقم هي التي تمتلك مشروعات للتاريخ, والنخب هي الجماعات التي تتمايز تاريخيا.. والفئات هي التي تتحرك سياسيا واجتماعيا ونقابيا وحزبيا في التاريخ.. والجماهير هي التي تصبغ كل تاريخ بصبغتها في صنع ثورات او انتفاضات او حملات او حروب.. الخ وكل هذه التصنيفات هي مرحلية كونها جميعا قابلة للتغير كل ثلاثين سنة حسب سلاسل الاجيال. لكن لابد ان اذكر هنا، واعيد القول من جديد، بأن ثمة فوارق بين سمات العهود حسب سلاسل الاجيال، فان شهد عهد سياسي معين نضوجا حضاريا لا يستوي وتفاهة ذلك العهد سياسيا، فلا يمكن القول ان ذاك العهد قد انتج ابداعا حضاريا، او ان يقترن ذلك العهد السياسي بالنضوج الحضاري، ذلك لأن الجيل الذي انتج ذلك الابداع كان قد تكون وتأسس في عهد سابق، أي: لثلاثين سنة سبقت، اذ ان تكوين جيل تكوينا قويا علي عهد سياسي معين سينتج ابداعا في ثلاثين سنة قادمة ولكن ربما في ظل عهد سياسي آخر، ربما يكون جائرا. واستنتج ان نظرية المجايلة تضع دور الفرد والجماعة والنخب والفئات وحتي الجماهير في الاطار الصحيح، ولكن النظرة العامة تكاد تكون عمياء في اعطاء كل عهد من العهود حقه التاريخي.. وسيكتشف الانسان مع تقدمه الحضاري بأن ما يزرعه بطل في التاريخ ابان مرحلة جيل، سيؤتي اكله وثماره في مرحلة تالية، وعلي عهد غيره بالتأكيد، فيقطف هذا الاخير ثمار من سبقه، ودوما ما يغيب التاريخ الشرقي جهود الحكام السابقين، وان يظهر الحكام اللاحقين كل الثمرات باعتبارها من ثمار عهدهم رياء وكذبا وبهتانا، وهذا ما نلحظ وقوعه في اكثر البلدان العربية ابان العصور الوسطى وفي تضاعيف العصر الحديث والتاريخ المعاصر كله. واخيرا .. رسالة الى كل العراقيين لقد كان تكوين العراق المعاصر عملية تاريخية صعبة للغاية، فليس من الانصاف ابدا ان نأتي بعد عقود طوال من السنين وعند مطلع القرن الواحد والعشرين، لنفكك العراق علنا، ونشعل فيه الانقسامات تحت يافطات وشعارات لا تصلح له، ولا يمكن ان تتحقق ابدا.. مع فرقاء لهم مصالحهم الخاصة التي يعتبرونها فوق المصلحة العراقية العليا .. وتجدهم يتصارعون على ( مناطق مسلوخة ) كما يسمونها، وكأن ليس العراق واحدا موحدا؟ انها رسالة اريد ان ادفعها الى كل الذين يريدون شرذمة العراق ويتطلعون الى انقسامه .. الى كل الذين يسعون دوما غير معترفين بالعراق اصلا، ولا يعتبرون انفسهم بعراقيين .. وهم يعلمون علم اليقين ان احلامهم لم تتحقق ابدا لا من الناحية العراقية ولا الاقليمية ولا الدولية .. انه جنون المتعصبين طائفيين كانوا ام شوفينيين ، وما اكثرهم في مثل هذا الزمن ! .