سلسلة مقالات في إستراتيجيات الأمن الوطني ومواجهة التحديات.
د. سيف الدين زمان الدراجي
“الحلقة الثانية”
“بطالة الشباب وإنعكاساتها على الأمن الوطني”
“Youth Unemployment and Its Effects on National Security”
تشير عدد من التقارير الى أن ما يقارب 60% من أبناء الشعب العراقي هم من فئة الشباب، لذا فأن العراق واحد من أكثر المجتمعات الشابة في العالم. وبالتزامن مع تنامي مشكلة البطالة باضطراد في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به العراق على وجه الخصوص والعالم بشكل عام لاسيما بعد أزمة كورونا فإن هناك ضرورة الى مراجعة هذا التحدي وتأثيراته على الأمن الوطني.
تعد مشكلة البطالة من أهم المشكلات المعاصرة في العديد من المجتمعات، والتي تعني عدم توفر فرص عمل مناسبة للأشخاص الذي يمتكلون المهارات والخبرات التي تؤهلهم لشغل بعض المناصب والمسميات الوظيفية في القطاع العام او الخاص، وهي واحدة من الظواهر التي تؤخذ بالاعتبار عند قياس قوة الاقتصاد بالنسبة للدول من خلال ما يعرف بمعدل البطالة العام في الدولة، حيث تسعى الدول بشتى الوسائل والطرق إلى زيادة فرص التشغيل، وتخفيض نسب البطالة إلى أدنى حد ممكن.
تعد البطالة أحد أكثر العوامل التي ترتد عواقبها على مرتكزات الامن الوطني، ومن خلال المتابعة والقراءات المستمرة لاستراتيجيات الأمن الوطني لدول عدة، لوحظ وجود اهتمام بالغ لهذا التحدي لما له من تأثيرات سلبية على مجمل الوضع العام في البلد.
أن وجود نسب عالية من البطالة سيتسبب بضرر كبير للاقتصاد الوطني، وذلك نتيجة انخفاض القوة الشرائية لدى المتسهلكين، بالاضافة الى شيوع الفقر، وحدوث أزمات التضخم والكساد الاقتصادي لذا نتمنى على الأخوة القائمين على مراجعة وتقييم استراتيجية الأمن الوطني العراقي أن يأخذوا بنظر الاعتبار هذا التحدي الذي لا يقل أهمية عن ما تم ذكره في استراتيجية الأمن الوطني العراقي من مخاطر وتحديات، كمحاربة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة و حصر السلاح بيد الدولة، بالإضافة إلى عوامل أخرى ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بظاهرة البطالة.
لو راجعنا اهم انواع البطالة وأطلعنا على تعريفاتها المتمثلة في البطالة الاحتكاكية Frictional unemployment والدورية cyclical unemployment والتنظيمية او الهيكلية Structural unemployment بالإضافة إلى المؤسسية Institutional unemployment لوجدنا أنها قضية أمنية وطنية و دولية، فحينما تتعطل البنى التحتية لتوفير فرص العمل فأن البطالة تجلب معها العنف والجنوح والالتحاق بالعصابات الإرهابية والاجرامية وتتزايد معدلات تعاطي المخدرات وإيذاء النفس فضلا عن استغلال بعض الجهات او الاجهزة الاستخبارية لدول معينة لهكذا حالات للعمل على تقويض الأنظمة السياسية وزعزعة الأمن العام لدولة أخرى، بالإضافة إلى العمل على إضعاف القيم المجتمعية مما قد يتسبب بخلق حالة من الإستياء العام و الانقلاب على الذات وفقدان الثقة، الامر الذي يجعل من السهل على تلك الجهات او الاجهزة توجيه المجتمعات اليائسة نحو ما تُخطط له أو الغرض الذي تم على أساسه إخضاع هذه المجتمعات .
ما هي الحلول:
بشكل عام يجب أن يتم أدراج موضوع البطالة في استراتيجيات الأمن الوطني بالشكل الذي يضمن التزام المؤسسات المعنية بمتابعة تنفيذ ما تم تحديده من قبل الفريق المعني بهذه الاستراتيجية. وفي الوقت الذي تقع فيه مسؤولية الحد من نسب البطالة على عاتق الحكومة فأن الانظمة التربوية والتعليمية مطالبة بموائمة مخرجات مؤسساتها التعليمية المختلفة مع متطلبات السوق بشكل علمي مدروس كما ويمكن الاستعانة بخبرات الدول والمنظمات المختصة.
من جانب اخر، هناك ضرورة إلى تفعيل الشراكات بين القطاعين العام والخاص و تهيئة بيئة آمنة للاستثمار وضمان حقوق المستثمرين و توفير قروض صغيرة ومتوسطة وفقا لمعايير وخطط سداد ميسرة بالإضافة إلى تفعيل القطاع الزراعي وحث وتشجيع الشباب على الاستثمار فيه.
تجدر الاشارة إلى ان تفعيل برنامج الضمان الاجتماعي للقطاع الخاص سيساهم بشكل كبير في توجيه الشباب إلى العمل في القطاع الخاص وعدم التركيز على القطاع العام الذي قد يعاني في بعض الدول من الترهل الوظيفي أو البطالة المقنعة بشكل رئيسي نتيجة لسوء التخطيط وألادارة بالاضافة الى غياب دور الجهات التي تقع على عاتقها مسؤولية تنظيم هذه الوظائف بما يتلائم واحتياجات مؤسسات الدولة (القطاع العام) بالاضافة الى القطاع الخاص.