استضافت مؤسسة الحوار الإنساني يوم الاربعاء 23 ايلول/سبتمبر 2020 على منصة زوم الصحفي العراقي الاستاذ عبد المنعم الاعسم في أمسية ثقافية سلط فيها الضوء على جائحة كورونا في بلد مصنف كبلد منازعات، أين بدأت اولى الاصابات؟ الاستهانة بالوقاية الصحية، ثم الذعر واللجوء للتعويذات بين التصديق والتكذيب.
عبد المنعم الاعسم كاتب وصحفي، ولد في مدينة المحمودية ودرس فيها، تخرّج في دار المعلمين، غادر العراق عام 1978، حصل على ماجستير صحافة من جمهورية رومانيا، أصدر سبعة كتب في التراث والسياسة. كتب عمودا صحفيا يوميا عنوانه (جملة مفيدة) طوال 18 عاما، حصل على جائزة “شمران الياسري للعمود الصحفي” في مهرجان جريدة طريق الشعب السنوي.
بداية الجائحة في العراق
دخل فيروس كورونا إلى العراق من الجارة إيران، بعد نحو اسبوع من ظهوره في إيران ووصول عدد الوفيات لمستويات الأعلى في العالم، قياسًا مع عدد الإصابات، ورغم المناشدات الشعبية والتحذيرات من قبل الجهات المعنية والمختصين، إلا أن السلطات لم تتخذ الإجراءات الكافية للوقاية من دخول الفيروس لهذا البلد.
بدأ ظهور الفيروس في العراق، بعد نحو اسبوع من إعلان إيران ظهوره في مدينة قم وتسجيل وفيات، حيث كانت الإصابة الأولى لمواطن إيراني في مدينة النجف وتم نقله إلى إيران، وفي اليوم التالي سجلت 4 حالات في محافظة التأميم لعائلة قادمة من إيران، ومن ثم حالة في بغداد، حتى وصلت عدد الإصابات إلى 21 حالة حتى يوم 2 آذار 2020.
وبرزت تحذيرات كثيرة من دخول الفيروس للبلاد وتفشيه، تزامنًا مع ظهوره في الصين –البلد الموبوء بالفيروس- وسرعان ما بدأت الانتقادات من قبل المختصين والأطباء المعنيين والخبراء وحتى المتظاهرين والمواطنين العراقيين.
إذ حذر خبير طبي بعد نحو 10 أيام من ظهور الفيروس في ووهان الصينية؛ من دخول الفيروس للعراق وتفشيه بصورة مخيفة قد لا يمكن السيطرة عليها، واصفًا الإجراءات الحكومية بالمعيبة، نظرًا لتجاهلها سرعة انتشار الفيروس ومخاطره على الشعب العراقي، نتيجة ضعف الإجراءات الوقائية في المنافذ الحدودية للمسافرين والبضائع، على حد سواء.
وتوالت التحذيرات والمخاوف من ظهوره، حتى وصل البلد المجاور للعراق “إيران”، وبدأت السلطات العراقية باتخاذ إجراءات وصفها العراقيون بالشكلية، من خلال وضع أجهزة في المنافذ والمطارات بعضها معطلة وبعضها لا تتابع من قبل اللجان المعنية، كما أن اللجان لم تلتزم بصورة دقيقة حول طريقة فحص المسافرين القادمين من البلدان الموبوءة، لاسيما إيران.
وقد حذر المختصون من أزمة صحية كبيرة قد تضرب العراق بسبب هذا الفيروس، في ظل التدهور الصحي الذي يعاني منه البلاد، من حيث قلة الأدوية والعلاجات، والمراكز الصحية والمستشفيات، وتهالك البنى التحتية والإهمال الحكومي، فضلًا عن قلة الوعي لدى الكوادر والمواطن.
الاحتواء والتحديات
جهود كبيرة بذلتها وزارة الصحة العراقية وخلية الأزمة في مواجهة الجائحة، إذ أكد المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر أنه وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة للإصابات، فإن الوضع الصحي لا يزال تحت السيطرة، إذ إن أعداد الحالات المتعافية زادت عن 26 ألفا من مجموع 51 ألف مصاب، مؤكدا أن الوزارة طبقت سياسة العزل المنزلي للمصابين لكن وفق شروط معينة وليس بحسب رغبة المصاب. وشدد البدر على أن جهود وزارته أثمرت عن توفير أعداد كبيرة من معدات الوقاية والأجهزة التنفسية وأجهزة الفحص، إضافة إلى قوافل المساعدات التي وصلت للعراق من تركيا والصين وأذربيجان وغيرها.
كما يشير فارس البريفكاني نائب رئيس لجنة الصحة البرلمانية إلى أن العراق بحاجة إلى ثلاثة محاور رئيسية، أولها الدعم الحكومي المالي لوزارة الصحة لأجل شراء أجهزة الكشف المبكر وأجهزة التنفس الصناعي ومستلزمات الوقاية. أما المحور الثاني، بحسب البريفكاني، فإن وزارة الصحة وخلية الأزمة بحاجة إلى إعادة تقييم ومراجعة للسياسة المتبعة في إدارة الأزمة، فضلا عن الوقاية الذاتية والوعي الشعبي الذي لا يزال بعيدا عما هو مطلوب.
وكان المتحدث باسم نقابة الأطباء جاسم العزاوي قد أكد في حديث له أن إجراءات لجنة الصحة والسلامة الوطنية جاءت متأخرة جدا وبما لا يقل عن ثلاثة أشهر،، إذ إن ألف طبيب أحيلوا على التقاعد مطلع العام، فضلا عن 3 آلاف طبيب كان من المفترض أن يلتحقوا بالوزارة مطلع العام أيضا، إلا أن عدم توفير الميزانية المالية من قبل وزارة المالية حال دون ذلك.
معاناة الفرق الطبية
وبات الأطباء والفرق الطبية الداعمة أو ما يعرف عالميا بالجيش الأبيض، محور الحديث في وسائل الإعلام، إذ تقول الطبيبة آية القزاز من العاصمة بغداد إن الفرق الطبية تعاني من نقص كبير في مستلزمات الوقاية والمعقمات، فضلا عن الضغط الكبير في العمل مع قلة أعداد الأطباء والخوف من نقلهم العدوى لذويهم، وتشير القزاز إلى أن كثيرا من الوفيات بالفيروس كان يمكن تداركها لو توفرت الأجهزة والمعدات اللازمة.
ولا تخفي خوفها من التعرض للمضايقات من ذوي المرضى، خاصة أن عشرات الاعتداءات على الفرق الطبية شهدتها مدن وسط وجنوب البلاد خلال الأشهر الماضية، منشيرة إلى أن معدل الإصابات بين الفرق الطبية في ارتفاع مستمر، وهو ما يثقل كاهل المؤسسات الصحية لشغر الفراغ الذي يسببه المصابون.
ويتخوف العراقيون من أن تستمر جائحة كورونا في العراق في حصد مزيد من الأرواح، خاصة أن معدل الوفيات بالمقارنة بعدد المصابين يعد الأعلى في منطقة الشرق الأوسط، كما أن غالبية الشعب العراقي باتوا بين مطرقة الوباء وسندان حظر التجوال والإغلاق الذي زاد من معدلات الفقر في البلد الذي يعاني أصلا تدهورا اقتصاديا في ظل تراجع أسعار النفط.
مقبرة ضحايا كورونا
ويعمل سرمد إبراهيم مع أعضاء فريقه في مقبرة جديدة بمدينة النجف جنوبي العراق، وهي المقبرة الوحيدة في البلاد المخصصة على وجه التحديد لأولئك الذين ماتوا بسبب فيروس كورونا، والمقبرة صغيرة جدا بالنسبة لمقبرة وادي السلام القريبة التي توصف بأنها الأكبر في العالم. وتوفي ما يربو على بضعة الاف منذ بدء تفشي المرض في العراق في فبراير/شباط الماضي، ويقول المتطوعون إنهم يستقبلون ما بين جثتين وأربع جثث يوميا.
وقاتل إبراهيم ورفاقه مع القوات العراقية والحشد الشعبي ضد تنظيم الدولة (داعش) قبل سنوات عدة، ورغم أن هذا العدو مختلف تماما فإن هذا العمل يستنزفهم جسديا ونفسيا. وعادة ما تصل الجثث أثناء الليل، ويقوم المتطوعون -الذين يرتدون سترات واقية كاملة- بأعمال الغسل والتكفين في أغطية سوداء قبل إعادة الجثث إلى التوابيت، ويحملون التوابيت إلى القبور مستعينين بأضواء المصابيح الأمامية لسياراتهم.
ويسعى الفريق المؤلف من نحو 12 عضوا جاهدا إلى زيادة عدد أعضائه، ويقول بعض المسعفين إن الخوف من التعرض للفيروس أدى إلى ابتعادهم عن عائلاتهم وجيرانهم، وكذلك الحال بالنسبة للمتطوعين حتى مع عدم وجود أدلة على إمكانية انتشار الفيروس عبر الجثث.
وقال أحد المتطوعين -ويدعى أبو سجاد – إن الفريق عندما يواجه نقصا في عدد المشاركين في دفن الضحايا فإنه يضطر لطلب المساعدة من الأصدقاء أو من مقاتلين آخرين. وأضاف أنه يخشى أن يصاب أحدهم بالفيروس فيتلقى اللوم من أقاربه، ولم يخبر أبو سجاد عائلته بأنه يعمل في المقبرة، وقال إن أصدقاءه الذي يعلمون بالأمر مترددون في لقائه.
ورفضت بعض العشائر وكبار رجال الدين المحليين دفن الضحايا في المقابر المحلية، وهو من أسباب حفر المقبرة الجديدة. وقال قائد فريق الدفن عبد الحسن كاظم “رجعوهم إلى الثلاجات وبقوا فيها 15 يوما تقريبا، وصار دفن عشوائي في بعض المناطق، يدفنونهم بدون غسل وبدون تجهيزات شرعية”. وفي هذه المقبرة، على الفريق احترام هذه التجهيزات، وسمح للأقارب بالمشاهدة من على بعد، في حين كان طالب من معهد محلي يؤم الصلوات عند كل قبر لمسلم، ودُفن مسيحيان مؤخرا في المقبرة.