– عدنان حسين أحمد-
05-02-2014 –
نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن أمسية للأستاذ محمد عيسى الخاقاني تحدث فيها عن “المناهج البحثية عند الدكتور علي الوردي” وقد ساهم في تقديمه وإدارة الندوة الناقد عدنان حسين أحمد. استهل الخاقاني حديثه بالقول إننا نستطيع أن نتلمس “مكوّنات فكر الوردي من خلال الشخصيات والعلماء الذين تأثّر بهم الوردي، من الشرق ومن الغرب، وخاصة مفكري علم الاجتماع الكبار في العالم”. وأضاف المحاضر بأن “الوردي قد تأثر بالفكر الغربي في علم الاجتماع، فقد نهل الدراسة المنهجية من مدرسة الولايات المتحدة الأميركية وهي في ذروة توهجها العلمي تاريخياً، وقد رسم لنفسه منهجا أكاديمياً خاصاً به ميّزه عن أقرانه، وجعله قِبلة لطلبة الأقسام والكليات والجامعات العراقية، وكذلك فإن فرض التاريخ الاجتماعي كمادة دراسية ضمن مواد جميع التخصصات في الجامعة، فتحت آفاقاً أمام الوردي ليرسم لنفسه منهجاً خاصا”.
قسّم الخاقاني حركة الوردي العلمية إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة وهي:
الاتجاه الأول: المفكرون الذين تأثر بهم فكرياً.
الاتجاه الثاني: المفكرون الذين تأثر بمناهجهم البحثية.
الاتجاه الثالث: المفكرون الذين نقد فكرهم، أو غيّر وبدّل في اعتقاده بفكرهم؟
أما المفكرون الذين تأثروا بالدكتور علي الوردي وخاصة في المحيط الإسلامي فقد انتقى منهم مفكرَين اثنين كان لهما الدور الأكبر في تحريك مجتمعهم الإيراني من الركود وهما الشيخ مرتضى مطهري والدكتور علي شريعتي.
أشار المحاضر إلى أن الدكتور علي الوردي كان يمتلك ذهنية وقّادة متدربة منذ الطفولة على إيجاد البدائل والبحث عن التغيير. كما كان، أي الوردي، من “معارضي الخرافات وتعظيم الأشخاص، بل يضع اللاشعور والبيئة والصدفة والدراسة من مكوّنات الشخص العلمية، وهو يعترف بمن أثّروا فيه وتأثر بهم، حتى أنه إذا ما جوبه بمناقشة حادة من أحدهم قال بحدة جملته المشهورة: “يا عمي العِلم يقول، أنا شعليّه”، أي هذا رأي علمي أنقله لك، وأنا غير مسؤول عنه”.
تأثر الوردي قبل تخصصه
توقف الخاقاني عند بعض العلماء والكُتاب والمفكرين والقادة الذين تأثّر بهم الوردي قبل تخصصه وقد شكّل هذا التأثر جزءاً حيوياً من رؤيته التحليلية والنقدية للمجتمع العراقي. وأبرز من توقف عندهم الخاقاني هم العلاّمة والمؤرخ اللغوي مصطفى جواد، والفقيه السيد هبة الدين الشهرستاني، والمجتهد الأكبر السيد محسن الأمين العاملي، والملك فيصل الأول، والكاتب المصري المعروف سلامة موسى.
ذكر الخاقاني بأن الوردي قد تأثّر بالعلاّمة مصطفى جواد، المؤرخ اللغوي الموسوعي الذي يمتاز بتنوع معلوماته، ومتابعاته الكثيرة. وكان يرافقه في كل المجالس الثقافية ولا يجد حرجاً في الإفادة من نصائحه وتوجيهاته التي ساهمت بشكل من الأشكال بتوسيع مداركه ورؤاه الفكرية والثقافية.
تأثر الوردي، كما يذهب الخاقاني، بآراء الفقيه المصلح هبة الدين الشهرستاني، رائد حركة الإصلاح والتحريض ضد الجمود الديني. وقد تعرّف الوردي من خلال مجلس الشهرستاني على كتابات السيد جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده وأفكار السيد محسن الأمين العاملي. كما ساهم المجتهد الأكبر السيد محسن الأمين العاملي، المعروف بثورته الإصلاحية، في التأثير بالوردي الذي يحمل روح التمرّد في داخله منذ الطفولة، ونبهه إلى ضرورة إخراج الدين من القشور والعادات والتقاليد البالية ليستطيع مواكبة روح العصر، وهو ما دأب عليه الوردي واعتبره مصدراً من مصادر دراسته فيما بعد. تأثر الوردي بالشخصية الكارزمية للملك فيصل الأول وطريقة إدارته للبلاد فقد عركته التجارب السياسية وأمدّته معرفته باللغات التركية والإنكليزية والفرنسية بزخم ثقافي متعدد المصادر أثار اهتمام الوردي وزاد من تعلّقه بهذه الشخصية السياسية المتفردة. أما الشخص الأخير الذي أثّر بالوردي قبل تخصصه فهو الكاتب المصري سلامة موسى، وربما يتمحور هذا التأثر “بأسلوب الكتابة السهل الممتنع البعيد عن التنميق”. كما يتفق الوردي مع موسى بأن طرق التدريس في المدارس والجامعات تجمِّد الذهن، وترسّخ القواعد الببغاوية في استظهار الحصص المدرسية والجامعية، وتمنع الطالب من التوسّع أو الاستطراد في موضوعات أخر تقع خارج إطار الامتحانات المقررة.
الوردي وابن خلدون
تأثر الوردي ببعض الدراسات الاجتماعية سواء للمفكرين العرب أم الأجانب وقد قسّم حركة الوردي إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة وهي: “المفكرون الذين تأثر بهم فكريا، والمفكرون الذين تأثر بمناهجهم البحثية، و المفكرون الذين نقد فكرهم، أو غيّر وبدّل في اعتقاده بفكرهم”. وأول المفكرين الذين تأثر بهم الوردي هو ابن خلدون الذي جعله نطاق دراسته للدكتوراه في الولايات المتحدة الأميركية، إلاّ أن الوردي كان يعيب على ابن خلدون حبه للمناصب الدنيوية وكان يتساءل مستفهما: “لا أدري لو تفرّغ ابن خلدون للكتابة دون اهتمامه بالسياسة والقضاء كان سيكون إنتاجه العلمي أكبر، أم أن هذه المناصب هي من جعلته كاتباً ومفكرا مجيداً؟” اختلف الوردي مع ابن خلدون الذي يقول في نظريته الشهيرة حول صراع الحضارة والبداوة أنه صراع بين “البوادي والمدن” فيما يعتقد الوردي بأن الصراع بين “قيم البداوة وقيم المدينة” (الحضارة). كما امتدح الوردي ابن خلدون في عدم انجرافه أو تسليمه لرجال الدين والساسة بعد كتابته للمقدمة وتحوله من المنطق الأرسطي إلى منهج مختلف.
تأثر الوردي بالمفكرين الأميركيين
أورد المحاضر أربعة أساتذة ومفكرين تأثر بهم علي الوردي وهم وليم غراهام سمنر، آرنولد توينبي، دايل كارينجي ووليم أوغبرن. ولعل من المفيد هنا الإشارة إلى عالم الاجتماع الأميركي سمنر الذي ترأس جمعية علم الاجتماع الأميركية، وصاحب الكتب المهمة من بينها “العادات الشعبية” و “علم دراسة المجتمع”. لقد تاثر الوردي بسمنر لأن أصداء نظرياته كانت تملأ الآفاق الثقافية والاجتماعية المتخصصة في الجامعات الأميركية آنذاك. كما أن البروفيسور هاري مور، الأستاذ في قسم الاجتماع بجامعة تكساس، والمشرف على رسالة الوردي في الدكتوراه كان مولعاً بسمنر وفكره. رأى الوردي أن نظرية سمنر “تُخضع المجتمعات لقوانين معينة نابعة من سلوك الإنسان، والذي يتكون بدوره من خلال الأفكار والثقافات السائدة والمعتقدات الدينية، ويرى سمنر أن مهمة عالِم الاجتماع هي دراسة هذه القوانين، وعلى الإنسان أن يستجيب للقوانين الطبيعية ويطيعها، وإذا ما سعى شخص ما إلى تغييرها أو التبروء منها، فإن السلوك الجمعي سوف يرفضه رفضاً قاطعا”.
نوّه المحاضر بأن الوردي قد حاول أن يخترق نظرية سمنر في السلوك الجمعي للمجتمعات، كما فعل مع نظرية البوادي والمدن لابن خلدون، لكنه لم يفلح حيث قال: “إن الإنسان يُولد وقد ورث ميولاً أو اندفاعات بهيمية غير مهذبة، فتوضع هذه الاندفاعات العارمة تحت تأثير القيم الحضارية والقيود الاجتماعية حيث يبدأ الطفل ساعياً في سبيل التوفيق بين ما يشتهي من حاجات آنية وما يفرضه عليه المجتمع من إصلاحات واعتبارات وقيم، إنها صراع متواصل بين قوتين متعاكستين: قوة بهيمية لا تفهم قيداً ولا تدرك معنى وقوة أخرى اجتماعية تحاول أن تسيطر على تلك القوة الغاشمة وتسبكها في قوالب حضارية مقبولة”.
ذكرَ المحاضر بأن الوردي قد تأثر بآراء المؤرخ والفيلسوف وعالم الاجتماع البريطاني آرنولد توينبي صاحب كتاب “دراسات في التاريخ” وأفاد من ثنائية قيم الحضارة التي حصرها توينبي بـ “التحدّي والاستجابة” التي أخذها عن العالم النفساني كارل يونغ فيما يتعلق بالسلوك البشري وطبّقها على سلوك المجتمعات التي قد تتعرض إلى صدمة سلبية أو إيجابية، فإذا كانت سلبية تدعو حركة التاريخ للعودة إلى الماضي، أي حياة البداوة، وإذا كانت إيجابية فتقبل بالصدمة وتبقى في أرضها وتحاول التغلب عليها بغية استعادة توازنها من جديد. لم يخفِ الوردي تأثره بالعديد من أفكار توينبي من بينها فكرة انهيار المجتمعات والحضارات بسبب الحروب، كما هو الحال في سقوط آشور، وقد قال الوردي الشيئ ذاته عن سقوط النظام العراقي السابق بسبب حروبه الداخلية والخارجية.
تأثر الوردي بالمؤلِف الأميركي دايل كارينجي وكان ينصح بقراءة كتابه الموسوم “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس” ولم يخشَ الوردي على نفسه شأنه شأن كارينجي الذي كان يقول: “ما من أحد يرفس كلباً ميتا”. يؤكد المحاضر بأن الوردي لم يكن يهاب الموت أو القتل أو الاغتيال بسبب آرائه وحينما حذرّه الخاقاني ذات مرة أجاب الوردي قائلاً: “ليس أحسن من أن يدخل اسمي ضمن العلماء الشهداء الذين دافعوا عن آرائهم أمام المجتمع أو السلطان الجائر”. كما لم يجد الوردي غضاضة حينما يتعرض إلى النقد أو تتعرض أفكاره إلى التفنيد فهو مؤمن بكونفوشيوس الذي كان يردد: “لا تتذمر من الثلج المتساقط على سقف جارك حين تكون عتبتك مليئة بالثلج”.
تأثر الوردي أيضاً بأفكار وثنائيات رائد المدرسة الأميركية في علم الاجتماع وليم أوغبرن الذي طوّر مفهوم “الهوّة الثقافية” في دراستة الشهيرة عن عمليات التغيير الاجتماعي التي أعتبرها الوردي سنداً “للازدواج في الشخصية والتناشز الاجتماعي”.
يرى المحاضر أن الوردي كان براغماتياً في السياسة وكان يردد بأن “السياسة هي فن الممكن” وقد دافع عن مكيافيللي وكتابه “الأمير”، وكان يقول: “هناك مساحة مصالح أمام كل سياسي وعليه أن يستغلها حسب الظرف والمكان، لينجح، فلا يوجد في السياسة صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، إنما مصالح دائمة وهو ما يتطابق تماماً مع البراغماتية أو النفعية أو الذرائعية كما تُرجمت إلى العربية”.
لا ينكر المحاضر إعجاب الوردي بمكيافيللي الذي اشتهر بشعار “الغاية تبرر الوسيلة” إلا أنه في بعض المواضع المفصلية كان مع أفكار مكيافيللي ومنها إيمانه بـ “الليبرالية السياسية”. كما كان يؤمن بأن “السياسة ليست موقعاً صحيحاً لأصحاب المباديء، فهي بلا مباديء، بل مركزها المصالح”.
تأثر الوردي ببعض أفكار مكيافيللي ومنها فكرة “الغاية تبرر الوسيلة” في العلاقة بين الحاكم والشعب.
أما المفكر الأخير الذي تأثر به الوردي فهو جون ستيوارت ميل الذي يرى أن “الليبرالية السياسية والنفعية البراغماتية ضمن إطار الديمقراطية هي الحل الأمثل الذي توافق عليه البشر، إن السياسة لا تقبل مثاليات وأخلاق”. يعتقد ميل في كتابه عن الحرية “أن كل ما يقيّد المنافسة الحرة هو الشر المطلق، وكل ما يطلقها هو الخير العميم” كما يؤكد ميل “أن البشر جميعاً لو اجتمعوا على رأي، وخالفهم في هذا الرأي فرد واحد، لما كان لهم أن يسكتوه، بنفس القدر الذي لا يجوز لهذا الفرد إسكاتهــم حتى لـو كانت لــه القوة والسلطة”.
مناهج البحث
عرّف الخاقاني مناهج بالبحث بأنها: “المجموعة المنظَّمة من المبادئ العامَّة، والطرق الفِعليَّة التي يستعين بها الباحثُ في حل مشكلات بحثه، والسَّيْر به حسبَ الخطة المنظَّمة لمادته، يعرض أجزاءه، ويستوفي جوانبه، محلِّلاً ومناقشًا، ومستدلاًّ ومبرهنًا، مرجحًا ومصوِّبًا بالمنطق وطرق الاستدلال والاستنتاج…اذن فالمناهج هي طرق البحث والأساليب والمصطلحات التي استخدمها العلماء في بحوثهم، وهي قابلة للنقد والتقويم ولذلك فهي تتطوَّر وتتعدَّل، وتختلف من علم لآخر”.
يرى المحاضر بأن علي الوردي قد استعمل مناهج البحث العلمي على أتمّ وجه من خلال تبنّيه للمنهج النوعي في الدراسة والذي يصف الظاهرة الاجتماعية كما تحدث طبيعيا ويهتم بالآراء ووجهات النظر والتجارب والخبرات الإنسانية. كما كان يقوم بالتحليل والتفسير، ويشرح طريقة بحثه بين الناس، وهو الأسلوب الذي نطلق عليه في الدراسات الإنسانية العمل الميداني، وكان أميناً مع نفسه ومع المجتمع، حيث وصف ما توصل إليه بالفرضية، قائلاً إنها قابلة للتغير والتبديل. وعلى الرغم من إعجاب الوردي بأصحاب الطروحات ثنائية البعد مثل ابن خلدون وجون سمنر إلاّ أنه لم يعتمد جميع الثنائيات الفلسفية والاجتماعية التي طرحها المفكرون الغربيون منهجاً ليسير عليها أو آلية بحث قابلة للتطبيق، بل اختار ما يناسبه فهو مثلا لم يستعن بتصنيف فردناند تونيز الذي عرف المجتمع بقطبين حيث تسود في القطب الأول العلاقات الأولية والقرابية، بينما تسود في القطب الثاني العلاقات الثانوية والتعاقدية. كما لم يتأثر بثنائية ماكس فيبر بين النماذج التقليدية والنماذج العقلية، ولا ثنائية هوارد بيكر بين النموذج المقدس والنموذج العلماني، ولا ثنائية روبرت ردفيلد بين المجتمع الشعبي والمجتمع الحضاري. لقد اعتمد الوردي في منهجيته وآليات بحثه، بحسب الخاقاني، على ثلاثة منهجيات لا رابع لها وهي منهجية ” تالكوت بارسونز”، “أميل دوركايم” و “كارل مانهايم”
يعتقد الخاقاني بأن مدرسة هيغل الفلسفية هي المدرسة الأقرب الى فكر الدكتور علي الوردي، وهو من أكثر الفلاسفة تأثيراً في تاريخ الفلسفة الحديثة. وقد يسأل سائل عن سبب قرب مدرسة هيغل الفلسفية إلى الوردي؟ والجواب كما يرى المحاضر أنك لا يمكن أن تفهم الفلسفات الوجودية والماركسية والبراجماتية والفلسفة التحليلية والنزعة النقدية، من دون أن تفهم هيغل وتأثيره فيها جميعاً بالسلب والإيجاب. وأكثر من ذلك فإن الوردي حاول أن يحاكي كتاب هيغل “المنطق” الذي عرض فيه للمعاني الأساسية الميتافيزيقية والمنطقية، من خلال كتابه “خوارق اللاشعور”، واستطاع أن يبسِّط التعقيدات والابهامات التي تكتنف كتاب هيغل. وبطبيعة الحال أن من يقتنع بفلسفة هيغل المثالية لا ينسجم مع المدرسة المادية التي أسسها كارل ماركس. كما أن الماركسة تدخلت في أمور هو في غنى عنها، حيث أنكرت وجود الله، واستهانت بالأديان وحاولت تفسير التاريخ والمجتمع وطبيعة الإنسان حسب خطة ثابتة لا يجوز الخروج عليها، وبذلك خلقت الماركسية أعداء كان من الممكن أن يكونوا أصدقاء لها.
قدّم الخاقاني ملخصاً لما قاله الوردي في النظرية الماركسية نظرية وتطبيقاً، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وعلى الذين قالوا إن الوردي تأثر بالنظرية المادية لم يقرأوا الوردي جيدا، فالرجل أوضح الفرق بين مثالية هيغل ومادية ماركس، ووضّح أن ماركس كان هيغيلا قبل أن يؤسس نظريته.
أشار الخاقاني إلى أن بعض علماء إيران تأثروا بأفكار الدكتور الوردي وخاصة الشيخ مرتضى مطهري أحد منظّري الثورة الذي اغتيل في بدايتها والدكتور علي شريعتي الثائر الذي كان يسمى بــ “فيلسوف الثورة الإيرانية”. تأثر الشيخ مرتضى مطهري بأفكار الوردي التي تحرّض على الحركة ضد الجمود الفكري والتحجر. ومن بين الآراء المهمة التي اختارها الخاقاني أن الشيخ المطهري يستند على رأي الوردي في كتابه “مهزلة العقل البشري” بقوله إن شعار علي بن أبي طالب عليه السلام كان السيف والمسبحة، فهو كان خصما لكل ظالم ويؤكد أن الدكتور الوردي قال في مهزلة العقل البشري أن سلوك وشخصية الإمام علي قد نقضت فلسفة كارل ماركس المادية.
أما الدكتور علي شريعتي، المفكر الإيراني المعروف الذي يعتبر ملهم الثورة في إيران فقد تأثر بكتب وأفكار وآراء الوردي وخاصة أنه لم يكن رجل دين وإنما كان أستاذاً حاز على الدكتوراه من جامعة فرنسية وعاش في الغرب، وجاء بأفكار إصلاحية اجتماعية رفضتها النخبة الدينية في إيران في باديء الأمر. وقد اتفق الدكتور علي شريعتي في كتابه “أسس الإسلام”، الذي تطابق فيه مع كتاب “وعاظ السلاطين” لعلي الوردي حينما حدد بالقول أنه لا يمكن إصلاح المجتمعات الإسلامية بالوعظ حسب، خاصة إذا كان نفس الوعاظ لا يتبعون النصائح التي يسدونها إلى الناس، وهو نص ما قاله الوردي قبل خطب شريعتي بعشرة أعوام في وعاظ السلاطين بقوله: “إن الوعاظ يعتمدون المنطق الإفلاطوني في الوعظ والإرشاد، والطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ وحده، وإن الوعاظ أنفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها وهم يعيشون على موائد المترفين”.
الوردي وحكّام العراق
أشار المحاضر إلى أن الوردي لم ينتقد الدين، وإنما انتقد وعاظ الدين. أما شريعتي فقد انتقد استعمال الدين مطية للسيطرة على المجتمع ولم يحدد الوعاظ عن غيرهم من رجال الدين فكان إن فتح على نفسه أبواب النقد اللاذع من الجميع.
ختم الخاقاني محاضرته بالحديث عن آراء علي الوردي ببعض الحكام العراقيين حيث أبدى إعجابه بسياسة الملك فيصل وشخصيته الكارزمية حتى أنه أسمى أحد أولاده باسم الملك تيمناً به واعتزازاً بشخصيته المحببة إلى نفسه. أما الملك غازي فقد قال عنه الوردي أنه لا يجيد السياسة. وفيما يتعلق بالملك فيصل الثاني فقد قال عنه أنه لم يمارس الحكم فعلياً في العراق، وأن من مارس الحكم هو الوصي عبد الإله خال الملك. أما عبد الكريم قاسم فقد قال عنه أنه زعيم شعبي لا ينفع رئيساً العراق. فيما وصف عبد السلام عارف بأنه أول من مزّق العراق طائفياً. ربما يكون عبد الرحمن عارف هو الأهون حينما وصف فترة حكمه بوجد متسع من الحرية في وقت ضيّق. واختصر فترة أحمد حسن البكر بحكم القبيلة. أما فترة صدام حسين فقد انحسر فيها حكم القبيلة إلى حكم القرية! وفي ختام المحاضرة دار نقاش بين الخاقاني ورواد مؤسسة الحوار الإنساني وعلى رأسهم الأستاذ غانم جواد وسمير طبلة وسعد الخزرجي ونديم العبدالله.