عدنان حسين أحمد –
ضمن سلسلة “حوارات في الثقافة العراقية” نظّمت مؤسسة الحوار المتمدن بلندن أمسية ثقافية للباحث نديم العبدالله والناقد عدنان حسين أحمد، فيما اضطلع بمهمة التقديم وإدارة الندوة الأستاذ غانم جواد الذي قال في معرض تقديمه: “لا يزال الجدل دائراً حول تعريف مصطلح الثقافة الذي استقر عند بعض المثقفين ولم يستقر عند البعض الآخر منهم”. وأضاف بأنه سيطلب من ضيفيه أن يقدما مفهومهما للثقافة بصورة عامة، قبل أن ينتقلا في الحديث عن
الثقافة العراقية. ثم تساءل جواد عن طبيعة الثقافة في العراق، وعن فترات ازدهارها وتدهورها؟ كما أضاف إلى قائمة أسئلته سؤالاً آخر شديد الأهمية مفاده: من هو المثقف؟ هل يمكن أن نسمّي كل من يقرأ ويكتب مثقفاً، أم أن كل من يحمل شهادة عليا هو مثقف بالضرورة؟ ومضى جواد في تساؤلاته قائلاً: “هل أن الثقافة درجات، وهل أن المثقفين هم على درجات أيضاً؟ ما دور وزارة الثقافة في العراق، وهل هي المسؤولة عن إنتاج الثقافة وتطويرها؟ ولماذا كثُرت عليها الانتقادات من كل حدب وصوب خصوصاً بعد اختيار بغداد عاصمة للثقافة العربية؟ ولتسليط بعض الضوء على هذا الحدث الثقافي الذي آزره البعض وأنتقده البعض الآخر فقد تم سابقاً استضافة الصحفي والكاتب خالد القشطيني والروائية خولة الرومي اللذين حضرا هذا المهرجان الثقافي الكبير وقدّما رؤيتيهما التي أثارت تساؤلات مضاعفة. وبغية إكمال جانب آخر من جوانب الصورة سنلتقي اليوم بشخصيتين ثقافيتين عراقيتين وهما الباحث نديم العبدالله والناقد عدنان حسين أحمد وكلاهما معروف لدى حضراتكم ومع ذلك سأقدم نبذة موجزة عن المُحاضرَين. فالأستاذ عدنان حسين أحمد معروف لديكم من خلال تقديمه لأماسي الحوار الإنساني وتطويعه اللغة العربية بلسانه المعسول، وهو ناقد أدبي وفني أصدر عدداً من الكتب نذكر منها “أقواس المتاهة”، “جولة في مملكة السيدة هاء”، “أطياف التعبيرية”، “أدب السجون خلال سنوات الحكم الدكتاتوري في العراق”. يكتب في عدد من الصحف اليومية العراقية والعربية من بينها “المدى” و “العرب اللندنية”، و “الشرق الأوسط” وصحف أخرى والأستاذ عدنان معروف على المستوى العربي وقد استضافته مهرجانات ثقافية عديدة من الخليج إلى المحيط.
أما الأستاذ نديم فهو حاصل على الماجستير في علم التربية ومتخصص في مجال نقل المعرفة إلى الآخرين. له اهتمامات في الدراسات الموسوعية. ويُعنى بالجوانب المعرفية المتعددة والتوثيق لكل ما كُتب عن العراق في المطبوعات والكتب الإنكليزية، وسيصدر له قريباً كتاب فهرسة لهذه المطبوعات على وفق تسلسل زمني محكم منذ 1800 إلى 2000 وسيعرض نماذج من هذه الكتب التي ذكرت العراق.
1- نديم العبدالله
التعداد السكاني
استهل الأستاذ نديم حديثه بالإشارة إلى أن الإحصائيات السكّانية للعراق قد وردت في المصادر الأجنبية، كما ذكرتها مجلة “العاملون في النفط” في عدد أكتوبر 1968، وأشار بأن هذه الاحصائيات في سنة 1920، و1927، و1934 و 1965 غير موجودة في الإعلام، أما الإحصايات اللاحقة لسنتي 1977 و 1987 فهي معروفة في الإعلام حيث كان عدد سكان العراق في أول إحصاء رسمي لسنة 1920 هو “2.149.000” نسمة أما آخر إحصاء شبه رسمي في 2012 – 2013 هو “35” مليون نسمة.
يشبِّه الأستاذ نديم الوضع السكاني للعراق في سنة 1914 بسنة 1798 في مصر، وهي سنة اقتراب الحداثة، وهذا يعني أول احتكاك قد حدث مع قوى غربية كان في سنة 1914، ونحن نتبع دائماً المصطلح العروبي أو المصري لأن الحداثة بدأت سنة 1798، أي مع مجيء نابليون إلى مصر، لكن بالنسبة لنا كعراقيين فإن هذه الأعداد الكبيرة من السفن ومن الجيش الغربي والسيارات والطائرات قد شوهدت كلها بعد عام 1914. أشار المحاضر بأنه يتكلم هنا على الجانب السياسي كي يُسقطه على الجانب الثقافي. فهناك فترة انتقالية بين 1914 إلى 1920، أي بين الدولة البريطانية والتواجد العثماني وظهور العراق على الرغم من أن الكثير من المثقفين يستعمل سنة 1921 كتاريخ لهذه الدولة، بينما أنا شخصياً أميل إلى استخدام سنة 1920 والسبب يكمن في أن تأسيس أول رئاسة وزراء عراقية كان سنة 1920 حيث تشكّلت خارطة العراق على هذا النحو في عام 1920، بل أن الجيش العراقي قد تأسس في مؤتمر القاهرة سنة 1920 ، ثم ظهور الكيان العراقي بهذا الاسم وبهذه الخريطة التي نعرفها منذ عام 1920 ومجيء الملك فيصل الذي مثّل اكتمال الدولة العراقية وكتابة دستورها في سنة 1925.
ولادة العراق وتشكِّله
قسّم الأستاذ نديم العبدالله ولادة الدولة العراقية ونشوئها إلى أربعة أقسام رئيسة وهي كالآتي:
1920- 1950 وهي ولادة الدولة العراقية وتشكّلها تشكّلاً منطقياً وعقلانياً. والفترة الثانية هي 1950 – 1980 هي فترة اكتمال البلد الذي يؤدي وظيفته كدولة عاملة، خصوصاً بعد حقبة الخمسينات التي ازدادت فيها واردات النفط وأصبح هناك مستشفى في كل مدينة وملعب ومتحف ومطار ودستور وما إلى ذلك فقد اكتملت ملامح هذه الدولة. أما الفترة الثالثة فهي تبدأ من 1980 – 2010 حيث بدأت الحروب والحصار الذي أفضى إلى انحلال الدولة العراقية وسقوطها بحيث أصبحت مثقلة بالديون وانتهت بالاحتلال الأنكلو- الأميركي للعراق. أما الفترة الرابعة والأخيرة فهي تبدأ من 2010 فلاحقاً وقد تساءل فيها الباحث إن كان هناك أمل في نهوض الدولة العراقية من رمادها أم لا؟ وهذا التساؤل نابع من أن هناك نظاماً سياسياً قد لاح في الأفق بعد 2003 وأن ملامحة ربما اكتملت في 2010 على الرغم من الظروف الأمنية المضطربة، لكن هناك دورتين انتخابيتين قد مرتا وها نحن بانتظار الدورة الانتخابية الثالثة.
ثقافة عقلانية
يرى المحاضر أن بدايات تأسيس الدولة العراقية كانت بدايات صحيحة ومقبولة إلى حد ما حيث كان النظام ليبرالياً مدنياً أنشأ العديد من المدارس والمعاهد والكليات وقد شرع المثقفون العراقيون بالذهاب إلى الجامعات الغربية. لقد أسمى المحاضر هذه البداية ببداية الثقافة العقلانية “culture of mind or of reason”، ويعني بها ثقافة عقل أو منطق بعيداً عن المزايدات أو اللغة المؤدلجة.
يعتقد المحاضر أن الثقافة الآيديولوجية قد ظهرت بعد عام 1958 وهي انعكاس لوضع إقليمي ودولي يتمثل بظهور الحرب الباردة وانعكاسها على العراق، كما أن الوضع الإقليمي قد انعكس على العراق من خلال مصر وخاصة العدوان الثلاثي عليها وتأثير ذلك على مشاعر العراقيين، وقد سمّى الباحث هذه الثقافة بثقافة الآيديولوجيا ” culture of Ideology ” بحيث أصبح المثقف يدافع عن الآيديولوجيا المؤمن بها حتى وإن تقاطعت مع ثقافة العقل والمنطق، وهذا الأمر هو الذي أفضى إلى أن لا يكون المثقف صادقاً مع نفسه على الرغم من أدواته الفكرية الكاملة. لقد شهدت هذه الحقبة ثلاثة أنظمة جمهورية مختلفة وهي جمهورية قاسم، إذا صحّ التعبير، وجمهورية عارف، وجمهورية أحمد حسن البكر وكانت هذه الجمهوريات الثلاث تمتاز بالصراع الآيديولوجي الذي تمثّل بالفكر القومي أو البعثي، أو الليبرالي أو المدني، أو اليساري الشيوعي، هذا إضافة إلى الفكر الديني وطروحاته المختلفة.
وصف المحاضر حقبة 1980 – 2003 بالحقبة الدكتاتورية أو “ثقافة الحاكم المستبد” التي يتسيد فيها الرأي الواحد الذي أفضى إلى مرحلة نضوب الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية وذهبت باتجاه واحد تمثل بالحروب التي أدت إلى انهيار الدولة العراقية وأصبحت فاشلة وغير عاملة ومثقلة بالديون حتى انعكس هذا الأمر على الثقافة العراقية التي لم تعد صادقة مع نفسها على الرغم من وجود أسماء إبداعية كبيرة.
المُنتَج الثقافي
بعد أن توقف المحاضر عند الملامح السياسية عرّج على المُنتج الثقافي بالأدلة والأرقام الرسمية المستقاة من مصادر موثوقة. فبين عام 1900 و 1956 كان المُنتج الثقافي فقيراً ولم يجتز “230” كتاباً، أما المنتج العلمي فلم يجتز الستة كتب. والسؤال الذي طرحه نديم العبدالله على شخصية دينية كبيرة هو: ما الذي يدعونا لأن ننجز “200” كتاب ديني في النجف الأشرف ولا يوجد لدينا مبحثاً علمياً واحداً عن بحر النجف؟ لا يعترض نديم العبدالله على الكتب الدينية، لكنه يتساءل عن السبب الذي يقف وراء النضوب الفكري والعلمي. وقد ألقى باللائمة على الدولة العثمانية إن كانت هي وراء تأخر الطباعة في العراق وهو يعتقد أيضاً بأنها قد تسببت في الانحدار الفكري والثقافي لأنها منعت وصول الكتاب. ظهرت الطباعة في بدايات القرن الخامس عشر، وتحديداً في عام 1425م، وفي عام 1450م كان العالم يطبع الكتاب الورقي بشكله الحالي فلماذا تأخرت الطباعة عندنا حتى 1856م؟ بعد عام 1900 زادت الطباعة من أعدادها حتى أُنجز في عام 1957 – 1958م “450” كتاباً أدبياً ودينياً، وخلال المئوية 1856-1857 كان الكتاب الديني يشكِّل نسبه 60% من عدد الكتب المطبوعة. وقد وصل عدد الكتب المطبوعة بين سنة 1957 حتى عام 1972 “6000” كتاب، وهذا العدد ضئيل جداً قياساً بما أنجزه العقل البشري. وهذا يعني أن ما أنجزناه في العراق خلال “118” سنة هو “11000” ألف كتاب. لابد من الإشارة إلى أن العراق قد أنجب بين عامي 1920 و 1960 عدداً غير قليل من الاسماء الإبداعية المهمة في مجالات الإبداع والفلسفة والتاريخ، كما أن هناك مجلات على قدر كبير من الأهلية العلمية مثل مجلة “سومر” التي كانت توازي ما أنتج في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، ولكنها كانت لا تتوازى مع أهمية العراق التاريخية كونه صاحب الحضارات العريقة المتعددة كالسومرية والأكدية والبابلية والآشورية، هذا إضافة إلى الكتابة المسمارية وآلاف الرُقم الطينية التي توزعت في مختلف أرجاء العالم الذي لا يمتلك بعضه الموارد لترجمتها أو فك طلاسمها، ونحن بهذا المعنى لسنا منعزلين في جزيرة نائية عن العالم، بل أننا في مكان حيوي ومنتج للحضارة البشرية.
أهمية التوثيق
لقد تأثر المثقف العراقي، كما يرى نديم العبدالله، بالوضع الآيديولوجي بين عامي 1958- 1980 وكان منحازاً لآيديولوجيته ضد منهجيته العلمية. كما أصبح المثقفون مجرد أناس تعبويين في ماكنة النظام بعد عام 1980 الأمر الذي دفع الكثيرين منهم إما إلى المغادرة وترك البلد أو السكوت والإنسحاب من المشهد الثقافي. يرى العبدالله أن المنتَج الفكري لم يوثق حرب الثماني سنوات بالمفهوم العلمي للتوثيق، فلا يوجد رقم رسمي عن عدد الشهداء الذين سقطوا في الحرب، كما لم يجد كتباً عراقية تدرس الحرب العراقية- الإيرانية، بل وجد هذه الكتب في الغرب، واعتبر هذا القصور ثغرة كبيرة، وأكد على ضرورة حثّ الصحفيين على إجراء اللقاءات مع القادة الميدانيين للإفادة من معلوماتهم وخبراتهم الكثيرة عن هذه الحرب بغض النظر عن طبيعة علاقتهم بالنظام. وتساءل العبدالله: هل قدّم المثقف العراقي سواء أكان شاعراً أم مطرباً أم موسيقياً منتَجاً إنسانياً يوثق تلك المرحلة؟ وهل يمكن لشخص يقيم في تشيلي أو اليابان أو السويد أن يقرأ عن تلك الحرب دراسة علمية موضوعية؟ ويجيب العبدالله بأنه شخصياً لم يطلّع على مثل هذه الكتابات على الرغم من أن هناك أناساً قد كتبوا كتابات جميلة. إن حكم الاستبداد الفردي هو الذي أفضى إلى حالة النضوب الفكري، وشجّع على الهجرة بحيث ترك المثقف العراقي مكانه، وغادر دياره، وما لم يبق هناك غير ثقافة متعبة تعاني من يباسها وجفافها في تلك الحقبة. شهدت حقبة ما بعد 2003 تقاطعات فكرية، وصراعات على تسمية الاشياء بمسمياتها، وربما يلّح السؤال عمّا أنتجناه في العشرية الأخيرة منذ سقوط النظام السابق وحتى الآن. هل أنتجنا ثقافة ترتقي إلى حجم المحنة التي نعاني منها؟ هل هناك منجز شعري أو موسيقي أو غنائي يصل إلى مستوى التغيير الذي اجتاحنا؟ يعتقد العبدالله أن منجز المثقفين العراقيين لا يزال منجزاً محلياً ولم يصل إلى شغاف الكثيرين بعد وما أن تعرف اسماً ما حتى يتم، للأسف الشديد الحديث عن قوميته أو دينه أو مذهبه، وهذه إشكالية يجب أن تُحل وتُركن جانباً.
التعليم الممنهج
ذكرَ العبدالله أن الثقافة لها متطلبات حتى بشكلها البسيط فهي تتألف من مبدع الثقافة سواء أكان مطرباً أم موسيقياً أم مسرحياً، كما تحتاج إلى الواسطة، فإذا كنت أن تريد أن تقدم مسرحية فإنك تحتاج من دون شك إلى مسرح كامل تتوفر فيه مجمل تقنيات الصوت والإضاءة وما إلى ذلك. كما يتطلب العرض المسرحي جمهوراً على مستوى ثقافي جيد كي يتفاعل مع ما تقدمه، إذ لا يمكنك أن تقدّم عملاً من طرف واحد لا يتفاعل معه الجمهور. فأنت بحاجة إلى جمهور متعلّم وفئة مثقفة، ولكن هذه الثقافة لا تتحقق إلاّ عبر عشرات السنين، فلو استمر التعليم المنهجي الصحيح في العراق منذ 1920 لكانت لدينا اليوم طبقة مثقفة مقبولة تملأ المسارح وصالات السينما وغيرها من المنابر الثقافية. إن النشاط العراقي، كما يراه العبدالله، قد بلغ ذروته عام 1980، لكن القيم الثقافية انهارت في العراق غب ذلك التاريخ بحيث لا تستطيع أن تجد مسرحا أو دار سينما واحدة تعمل في العراق. إذاً، أن متطلبات الثقافة من مبدع ومكان وواسطة وجمهور لا تتم إلاّ عبر التعليم الممنهج بعيداً عن الآيديولوجيات الجامدة التي لا ترى إلاّ نفسها.
استرجع العبدالله زيارة الشاعر والكاتب المسرحي عبدالرزاق الربيعي الذي زار لندن وحضر عرضاً مسرحياً إنكليزياً. وقد استغرب العبدالله حينما سمع زميله الربيعي يقول بأنه يشاهد عرضاً أجنبياً أول مرة. فمن غير المعقول أنه كاتب مسرحي وقد اقترب سنه من الخمسين عاماً ولم يشاهد عرضاً مسرحياً أجنبيا! لقد استمتتع الجمهور وكان يتمايل مع أغاني المسرحية وحينما خرجا من الصالة سألوهما إن كانا قد استمتعا بالمسرحية أم لا؟ فهؤلاء لقد جاء هؤلاء الناس بعيداً عن الأدلجة كي يستمتعوا بعمل فني راقٍ كانت فيه التكنولوجيا حاضرة كوسائط على الرغم من أن عمر المسرح يتجاوز المئة سنة!
خطوة إلى الوراء
توقف العبدالله عند مشاركته في مهرجان بغداد عاصمة للثقافة العراقية ولكنه انتقد الشعار الذي رفعه القائمون على المهرجان ومفاد “أن بغداد عربية الوجة إسلامية القلب، إنسانية الروح” ورأى فيه إسقاطاً آيديولوجياً وقومياً ودينياً ولو ترجمناه إلى الإنكليزية فإنه سيصبح شعاراً بائساً وغير معقول فأوروبا منذ الحرب العالمية الأولى لم تعد تتغنى بقومياتها، إنما المحتوى الإنساني هو المتعارف عليه، وان المدن الجميلة تصف نفسها بالكوزموبوليتانية والمتعددة ثقافياً. ويرى العبدالله أن بغداد مذ خلقت كانت تجمع الكل، وأن الدولة العباسية قد جمعت الأديان كلها فلا يمكن أن نقتصرها على قومية واحدة أو دين واحد أو لون واحد. ويرى العبدالله أن هذا الإسقاط هو انكفاءة وخطوة إلى الوراء.
ذكر العبدالله أن العراق قد شارك في معرض لندن للكتاب عامي 2011 و 2012، لكنه غاب في عام 2013، وقد تحجج البعض بأن الأموال قد صُرفت لمهرجان بغداد عاصمة للثقافة العربية. وحينما تقام فعّالية ثقافية يجب ألا تكون على حساب فعاليات أخرى، بل يجب أن تُكمِل ما بدأته، وأن تطوِّر أدواتك، وأن تكون مشاركاتك المستقبلية أفضل من المشاركات الماضية.
ثقافة الداخل والخارج
أشار العبدالله إلى بعض المثقفين الذين يتحدثون عن ثقافة الداخل وثقافة الخارج. ثم تساءل عن المُنتج الفكري الموجود في بريطانيا وأوروبا قائلاً: هل أن إنتاج المثقفين العراقيين في البلدان الأوروبية هو إنتاج محلي أم ثقافة عالمية؟ يعتقد العبدالله أن العديد من الاسماء الثقافية ما يزال منجزها ملتصقاً بالمنتج المحلي مثل القاصة ورود الموسوي التي أنجزت مجموعة “ما قالته الرصاصة للرأس” وهو عنوان لا يختلف كثيراً عن عناوين عدنان الصائغ أو عبدالرزاق الربيعي مثل “سماء في خوذة” أو “إلحاقاً بالموت السابق” أو “جنائز معلّقة”، ويرى أن هذه العناوين تنتمي لمرحلة الحرب وقوافل الشهداء، كما أن عنوان الموسوي ينتمي إلى فترة العنف والقتل والتفجيرات، ولا ينتمي إلى الحياة الرغيدة التي يعيشها المواطن في لندن أو أية مدينة أوروبية. وهذا هو ردّ العبدالله على كل منادي بثقافة الداخل وثقافة الخارج فإن المُنتج النهائي هو منتج عراقي شاء أم أبى.
يتساءل العبدالله إن كان إبداعنا قد عكس ما مررنا به من محن وويلات أم لا؟ فيجيب على وجه السرعة بأنه لم يعكس قسوة الحروب التي مررنا بها، وهو ينتظر منهم الكثير الذي يوازي حجم المأساة التي عشناها جميعاً.
مشروع وصف العراق
تحدث العبدالله عن مشروع الـ Kindle وهو جهاز إليكتروني يمكن أن تحمِّله بـ “2000” كتاب، وهناك أجهزة مماثلة تتحمل “4000” كتاب. وبما أن منجزنا من الكتب لحد الآن هو “30000” كتاب فيمكننا بالنتيجة أن نضعها في نسخة إليكترونية من جهاز “الكِندل” كي تقدّمه وزارة الثقافة هدية لضيوفها من المثقفين العراقيين والعرب أو الأجانب الناطقين باللغة العربية. اقترح العبدالله أن نؤسس لمشروع “وصف العراق” كما فعل نابليون في مصر حينما أسس لمشروع “وصف مصر” حيث تضمن المشروع وصفاً للحياة السياسية والاجتماعية والبيئية من جبال وصحارى وأنهار وبحيرات وأسماك وحيوانات برية وبحرية. وطالما تربطنا معاهدة مع الولايات المتحدة الأميركية فسيكون بإمكاننا أن نجد شخصية عالمية كبيرة وأن يكون الدعم من الطرفين بحيث يصل إلى “100” مليون دولار أميركي لتفعيل مشروع وصف العراق وحثّ الباحثين العراقيين على كتابة أبحاثهم عن مختلف مناحي الحياة العراقية ثم تحميلها على رابط مشروع وصف العراق. استغرب الباحث العبدالله أن يكتشف أن ما كُتب عن العراق باللغة الإنكليزية هو أكثر بكثير مما كُتب عن العراق بالعربية، فلقد وجد كُتباً عن الطيور والفراشات العراقية باللغة الإنكليزية، بينما لم يجد كتاباً واحداً بالعربية بهذا التفصيل والكثافة والعمق المعرفي. وأكد على حاجتنا الماسة إلى الكتابة بالإنكليزية عن بيئة العراق لأن هذه اللغة تستطيع الوصول إلى مختلف أنحاء العالم. وبتنفيذ هذه الفكرة نكون قد حدّدنا الخارطة الفكرية ونستطيع أن نرى بوضوح ما أنتجناه منذ 1856م، كما سيتضح أمامنا الطريق الذي نريد أن نسلكه، ونعرف ما هي نواقصنا كي نعالجها بدقة. إن التوثيق يجب أن يشمل كل مفاصل الحياة الثقافية من كتب ومقطوعات موسيقة، ولوحات، ومنحوتات وأفلام وما إلى ذلك. ويجب ألا نميل في التوثيق إلى التعظيم أو التقزيم وإنما نقدم صورة موضوعية مطابقة للواقع..
أشار العبدالله إلى أن مكتبة الكونغرس الأميركي تحتوي على “22” مليون كتاب، وأن المكتبة البريطانية تضم “14” مليون كتاب من أصل “150” آيتِم وهذه المعلومات موضحة على مواقعهم الإليكترونية. تمنى العبدالله أن نوثق إنتاجنا السينمائي إليكترونياً أيضاً خصوصاً وأن القرص المدمج الواحد يستطيع أن يحتوي مئة ساعة تلفزيونية وربما تصبح مئتي ساعة خلال سنتين أو ثلاث سنوات القادمة. ختم العبد الله محاضرته بالقول إننا اتفقنا على أن الحل الأمثل لمشكلتنا يعتمد على التعليم الممنهج أولاً وأخيرا.
2- عدنان حسين أحمد
أتوجه بالشكر الجزيل لكل من حضر هذه الأمسية بهدف إغنائها وإثرائها كما أتوجه بالشكر الجزيل لصديقي الباحث نديم عبدالله على هذه المعلومات القيمة وعلى هذه المقدمة التي ستفتح لنا باباً للولوج إلى الثقافة العراقية أو للثقافة بشكل عام وتعريفها وتحليلها لأن عنوان المحاضرة هو “حوارات في الثقافة العراقية” وحضراتكم تعرفون أن كلمة الثقافة بالنسبة إلى العراقيين جميعاً تكاد تقتصر على الفنون القولية وغير القولية، أي بمعنى أننا كنا في فترة من الفترات لا نعتبر الناس الذين لا يكتبون قصة قصيرة أو قصيدة أو رواية أو دراسة أدبية مثقفين بحجة أن الثقافة لها علاقة مباشرة بالإبداع على وجه التحديد. وحقيقة هذا التعبير فيه غبن للمشتغلين في حقول الثقافة. أنا أعتقد أن المثقف هو كل من يشتغل في الفنون القولية وغير القولية، والفنون القولية تشمل الفنون الكتابية بمجملها، والفنون غير القولية تشمل الموسيقى، والفنون البصرية، واللوحة التشكيلية، والسينما، والفوتوغراف وما إلى ذلك، وكل الأكاديميين يجب أن يكونوا مشمولين بهذا التعريف أيضاً، بل يجب نبدأ من المعلم والمدرس والأستاذ الجامعي ونضعهم كلهم في خانة المثقفين كما أن المشتغلين في الحقول الثقافية الأخرى مثل العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما إلى ذلك يجب أن يكونوا ضمن هذا التبويب. إذاً، كلمة الثقافة هي حقيقة واسعة وكبيرة جداً وكنت أشعر أن هذه الكلمة ستسبب لنا إشكالاً لأن كلمة ثقافة فعلاً واسعة وعميقة ولهذا اقترحت أن يتحدث كل واحد منا في جانب محدد وفي جزئية بسيطة على أمل توضيحها أو الإحاطة بها. طبعاً يجب ألا ننسى أن الدراسات التاريخية والأبحاث والناس المشتغلين في النقد الأدبي كلهم ينضوون في خانة المثقفين. لماذا نحن نعتبر المبدع مثقفاً أولاً ونترك الناس الآخرين المشتغلين في الحقول الثقافية الأخرى بكل أنواعها وأجناسها.
ملحمة كلكامش
العراق هو أول من كتب ملحمة أدبية في التاريخ تعود إلى ستة آلاف سنة تقريباً. وكما تفضل الأستاذ نديم كانت مكتوبة على الألواح الطينية، وفي المتحف البريطاني هناك عشرة آلاف لوح أو رقيم طيني وهذه الرُقم الطينية لم تُفك أسرارها لحد الآن بحجة أن عدد الناس الذين يتقنون اللغة السومرية قليلين وعدد الناس العاملين في المتحف البريطاني لا يكفي لفك رموز خمسين أو ستين لوحاً طينياً في السنة الواحدة. إذاً، العراق هو أول من قدّم الكتابة للعالم، بل أول من قدّم نصاً ملحمياً مازال يشغل الناس يعني هناك عشرات المسرحيات التي تقدم عن كلكامش وهناك عشرات الأفلام التي أنتجت عن كلكامش. إذاً لنقول إن المشتغلين في الحقول القولية وغير القولية هم المثقفون على وجه التحديد وكل الناس الذين ينجزون معرفة وأنا حقيقة أقول إن الاختصاصات العلمية يجب أن تندرج في هذا الإطار نفسه مع التخصصات الأخرى الثقافية. نعود للثقافة العراقية في الوضع الراهن منذ عام 1921 ولحد الآن عدد ما قُدم من الأعمال الأدبية إذا ما قيست بالبلدان المحيطة بالعراق هي قليلة جداً، أي بمعنى أن المنجز الروائي تأخر كثيراً، ففي الستينات من القرن الماضي بدأت الرواية العراقية تتأسس بشكل فني صحيح، قبلها في فترة الخمسينات كانت البدايات بسيطة ولا تمتلك جوانب فنية تؤهلها لأن تكون أعمالاً إبداعية رصينة أو قوية ولكن البداية الحقيقية كانت في ستينات القرن الماضي حيث ظهرت أسماء في الساحة العراقية يكتبون القصة والرواية والمسرحية وبقية الأجناس الأدبية بشكل فني ممتاز لعلي أشير إلى بعض منهم وأعتذر سلفاً إذا ما نسيت البعض الآخر لأن الأسماء كثيرة، فاضل العزاوي، تمثيلاً لا حصراً، وهو شاعر وروائي وقاص في الوقت نفسه ومترجم بين أوان وآخر. هذا الرجل قدّم مجموعة من الروايات المهمة ربما أبرزها يعرفها حضراتكم أو أنا متأكد بأن الغالبية قد إطلعوا على رواية “آخر الملائكة” وهي واحدة من الروايات المهمة ليس عراقياً حسب وإنما عربياً. على الصعيد الشعري يحتل هذا الرجل منزلة مهمة وقد بلغ عدد الكتب التي أصدرها لحد العام الماضي أو أكثر قليلاً خمسة وثلاثين كتاباً في القصة والرواية والشعر وفي الدراسات الأدبية والنقدية. إذاً، بدأت الثقافة تتأسس بهذا الشكل في السرديات أما الشعر في العراق فقد تأسس منذ زمن بعيد، ولكن في الجانب السردي صحيح أن البدايات قد تعود إلى العشرينات والثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي ولكن كما قلت سلفاً بأن البداية الحقيقية كانت في الستينات والسبعينات والثمانينات.
لابد أن نطرح السؤال التالي وهو: من الذي ينتج الثقافة؟ هل أن الدولة في العراق هي التي تتبنى إنتاج أو صناعة الثقافة؟ هل أن المؤسسة الدينية هل التي تنتج ثقافة ما حتى وإن كانت دينية على سبيل المثال؟ هل أن المؤسسات الأخرى مثل اتحاد الأدباء في بغداد وبقية فروعه في المحافظات العراقية هي التي تنتج الثقافة؟ أم أن الثقافة هي منتج فردي، يعني أن الشاعر يشتغل على قصيدته، والقاص على قصته والروائي على روايته، والناقد على دراسته النقدية وهكذا في كل الحقول الثقافية الأخرى. أنا أعتقد أن الدولة قد فشلت فشلاً ذريعاً في أن تقدم ثقافة لها علاقة بالبلد. صحيح أن هذا التعميم قد يكون فيه نوعاً من التجني والظلم ولكن أنا أتحدث عن كل الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى الآن فشلت في أن تقدم إنجازاً ثقافياً على الأقل يتلاءم مع قامة العراق الحضارية والثقافية. طيب ما الذي قدمته المؤسسة الدينية في العراق سوى أنها نجحت في أن تُرجع الجزء الأكبر من العراقيين إلى الماضي، أي بمعنى أننا نعيش قبل 1400 سنة. إذاً يظل المنجز الثقافي لصيقاً بالذات العراقية. كل فرد عراقي أنا أعتقد هو المسؤول الأول والأخير عن صناعة الثقافة العراقية أو عن إنتاجها. لقد تعمّد بعض الأحزاب السياسية أن تُظهر عدداً من المثقفين العراقيين وأن تلصقهم بهذا الحزب أو تجيّرهم لهذا الحزب أو ذاك بحيث نقول إن البعثيين قد خلقوا هذا العدد من المثقفين العراقيين يقابلهم عدد من المثقفين الشيوعيين العراقيين، وهكذا بالنسبة للقوميين والأكراد . لقد استطاعت بعض الأحزاب التي يفترض أنها مسؤولة عن عنصر التنوير والتثوير استطاعت أن تخلق ثقافة حزبية أو أنها كانت تساهم بطريقة أو بأخرى بتقسيم البلد أو بتجزئته. إذاً تظل الثقافة هي لصيق الكائن العراقي الذي كان أميناً ومخلصاً في صناعة المنجز الثقافي العراقي.
عسكرة الثقافة
لقد ساهم حزب البعث في تقويض هذا الجانب حينما حوّل الثقافة من منجز ثقافي وإبداعي وتنويري إلى منجز تعبوي، أي بمعنى أنه ساهم مساهمة جدية في إفراغ الثقافة من مضمونها الأساسي فلهذا بدأ الانحدار منذ سنة 1980 مع بداية الحرب العراقية الإيرانية. المشكلة أن المدقق في هذه الحقبة على وجه التحديد سيكتشف أن الانهيار لم يكن فقط في القصة والرواية والشعر وما إلى ذلك وإنما في كل شيئ خذوا الموسيقى أو الأغنية أو اللوحة، خذوا اية ظاهرة من الظواهر الثقافية في العراق كانت تنهار لمجرد أن الدولة كانت تفكر في أن تحوّيل الثقافة إلى شكل من أشكال التعبئة أو عسكرة الثقافة وإفراغها من مضمونها. هذا الانهيار شمل كل شيئ فالأغنية أُفرغت من مضمونها. كنا ندقق في بعض المجموعات الشعرية المشتركة التي يصدرها في الغالب عشرة أو عشرون شاعراً تبحث في كل قصائد هذه المجموعة المشتركة فلا تجد كلمة وردة مثلاً، بل تدفقت الدماء من جديد في هذه القصائد وعممت مسألة الدم في كل شيئ تقريباً وعلى الرغم من هذه الانهيارات المتتالية كان هناك مثقفون يقدمون إنجازات متميزة. يعني بعد الاحتلال في عام 2003 أنا كنت أتخيل أن أي روائي عراقي لا يستطيع أن يكتب نصاً إبداعياً طويلاً ولكننا فوجئنا في عامي 2004 و 2005 بعدد كبير من الروائيين العراقيين مثل برهان شاوي الذي عاد إلى بغداد وعمل فيها مدة من الزمن وكنا نتصور أن الرجل قد انطفأ ولكنه فاجأنا بمشرحة بغداد وهي واحدة من الروايات المهمة صحيح أنها تتوفر على نفس كابوسي مرعب ولكن أتمنى على الجميع أن يقرأها ثم أردفها بعمل ثانٍ اسمه “متاهة آدم” والعمل الثالث اسمه “متاهة جوّاء”، خذو بعض الروائيين الذين كانوا يعملون بما يسمى بالوضع السابق قدموا أشياء مذهلة لا يمكن تخيلها مثل رواية “عجائب بغداد” لوارد بدر السالم وهي واحدة من النصوص المهمة والجميلة التي يجب أن تُقرأ. الجيل الأصغر من وارد بدر السالم مثل الروائي سنان أنطون، هذا الروائي صوّر الطائفة المسيحية بدقة يحسده الجميع عليها وقد وصلت هذه الرواية إلى القائمة القصيرة في مسابقة البوكر في الإمارات العربية المتحدة وكنا نتصور أن هذه الرواية ستفوز ولكن يبدو أن السنعوسي كان أوفر حظاً منه لأنه كتب عن موضوعة أكثر حساسية وتستجيب إلى الطلب الموجود في الخليج لأنها تتناول موضوع العمالة الأجنبية من جهة وتتناول موضوع البدون الموجوين في الكويت إضافة إلى أنها تتناول حضارتين وبلدين وأكثر من لغتين.
تألق الرواية العراقية
إذاً الرواية هي الجنس الأدبي الوحيد الذي استطاع أن يحيا بقوة ضمن هذا الخراب الثقافي. طبعاً نحن لا نقصد أن القصة القصيرة أو المسرحية أو أي جنس أدبي إبداعي آخر قد تدهور مئة بالمئة ولكن الرواية العراقية هي الوحيدة التي تألقت واستطاعت أن تقدّم منجزاً مهماً. الناس الموجودون في البلدان الأوروبية يعني مثلاً خذوا رواية “الحفيدة الأميركية” لإنعام كجه جي التي وصلت إلى القائمة القصيرة وحينما كنا ندقق بهذه الروايات التي تصل إلى القائمة القصيرة ويصادف المتابع أن يقرأ هذه الروايات الست يكتشف أن الرواية العراقية حقيقة هي أكثر تقدماً تقنياً ومضمونياً من الروايات الأخرى المشاركة ومع ذلك فإن الأمر متروك إلى لجنة التحكيم وهي التي تقرر من الذي سيفوز. يقال عن الشعر وأنا متأكد إلى أن التوصيف دقيق إلى حد كبير أن الشعر في العراق لا يموت مهما كانت الظروف وهناك أسماء شعرية سواء في الداخل أم في الخارج قدمت منجزاً شعرياً مازلنا حقيقة نفخر به أمام بقية البلدان العربية وكلكم تعرفون الأسماء من جيل الستينات والسبعينات أو حتى الأجيال اللاحقة التي عاشت في الألفية الثالثة والتي قدمت هي الأخرى منجزاً مهماً. إذاً، هذه هي صورة جانبية للمشهد الثقافي العراقي على صعيد الفنون القولية. أما على صعيد الفنون غير القولية سأكتفي بالقول إن السينما في العراق قد توقفت منذ سنة 1994 مع فلم “الملك غازي”، وطبعاً الكل يستغرب أن بلداً غنياً وثرياً كالعراق وفيه إمكانيات بشرية هائلة والآن ذكر لنا الأستاذ نديم أن التعداد السكاني للعراقي قد بلغ “35” مليون نسمة، وهذا البلد على مدى قرن كامل لم ينتج إلا مئة فلم وهذه المئة فلم كما تعرفون ليست كلها جيدة لا من الناحية التقنية ولا من الناحية المضمونية ولا من ناحية الأداء. إذاً هذه المسألة تحتاج إلى وقفة طويلة. وأختم حديثي بالسؤال الآتي: ما السبب في أهمال الثقافة إلى هذه الدرجة في بلد غني وفيه مقومات بشرية كبيرة، وإمكانات مادية هائلة؟