رشيد شقير
يصر منتج الأفكار الطائفية على نسخ الموروث وتعميمه على الجماعة في سياق عملية استقطاب أبنائها، حيث تتم مراقبتهم ومطاردتهم كي لا يفلتوا من مثال الأجداد الذين رسموا دائرة العصبية الأبدية، بحسب المنتج نفسه. وفي الواقع، فإن هذا المنتج يتمتع بمنهجية تكرارية وانتقائية تستمد من التاريخ ماضي الجماعة، وتعيد إنتاجها في حاضر يحمل إمكانات التحول نحو الإنسان، والفرد الحر، وأولوية الجماعة الكبرى الأمّوية(نسبة إلى الأمة) والعالمية على الجماعات العصبية والأفراد، علماً أن هذا الحاضر يقدّم لـ “المثقف” الطائفي وسائل الاتصال والمؤسسات الحديثة التي تسعفه في ملاحقة وعي المتلقي وحشوه بالمنتوجات الرمزية الموروثة.
وسواء ظهر هذا المثقف في هيئة دينية أو مدنية، فإنه يتشبث باحتجاز الطائفة ضمن عالم عقلي واجتماعي سامٍ، ممتاز، ومتمايز لتمثيله الدين الحق، في مقابل باطل الجماعات المنحرفة والمشوَّهة والمضلَّلة، فضلاً عن “تكفير” المغايرين. ويُراد من هذا التشبث التحصّن بسياج غير قابل للاختراق في عصر يتسم بقوة اقتحام “الخارج” للداخل، والتشابك معه، ناهيك عن الحد من الخروج من السياج، وعليه، حتى في حالة “الاعتدال” أو “الانفتاح”.
وهل ثمة غرابة في أن النظام السياسي الذي ترعرع فيه منتجو الأفكار الطائفية العصبوية بالاستبداد؟!. فهذا النظام قبضت عليه زمر عائلية وطائفية، و احتكرت ثروة البلاد، وعملت على قمع الحركة السياسية “الدينية” وغير الدينية، لكنها فاخرت أيضاً في الانتماء الديني للدولة، وغلبت على سياستها الدينية تعزيز المؤسسات الطائفية، بما فيها التربوية والاجتماعية (ومن ضمنها المالية) والقضائية (الأحوال الشخصية)، وإشاعة التراثوية فيها، والحيلولة دون إمكانات “الغزو” التي يحتضنها واقع التواصل مع العالم الخارجي.
لعل المثقف العصبوي لا يدرك، أو يتجاهل، في عصر الثورة العربية من أجل الحرية أن الفعل الخطابي الطائفي، الحاقد والموتور، والذي يتوسل مساعدة خارجية مناسبة يثير رد فعل حاقداً وموتوراً مضاداً، وينشد مساعدة خارجية مقابلة.
وفي معارضة هذا المنطق، أليست الحرية التي نثور في سبيلها، ونضحي من أجلها نفياً لنظام الاستبداد الرسمي، ولاستبداد السلطات الطائفية على المجتمع وأبنائه الذين يطمح الأحرار إلى جعلهم مواطنين متدينين من دون إكراهات وإغراءات مادية، أو غير متدينين على هوى هذا أو ذاك من مراجع الفكر والدين البشريين، ومتساوين في أمة المواطنين ودولة الحقوق التي لا مكان فيها لمجرد “منّة” التسامح؟!