د.علي المؤمن
بمراجعة متأنية لمبادئ الإسلام وتعاليمة وأصوله وفروعه وأحكامه؛ يمكن بسهولة وعي حقيقة استحالة الفصل بين منظومة الشريعة الإسلامية والشأن العام والدولة والسياسة والاقتصاد والثقافة المجتمعية؛ فالشريعة تتضمن ــ بداهةً ــ كل ما يحتاجه الفرد والمجتمع المسلمين لتنظيم حياتهما، سواء في البعد العبادي والروحي أو الأبعاد الاقتصادية والسياسية والثقافية والقانونية، أي أن السياسة والعمل السياسي وأهداف العمل السياسي والممارسة السياسة؛ كلها جزء من شريعة الإسلام وثوابته، وليست السياسة فعلاً أو فكراً أو هدفاً مستقلاً عن الدين وشريعته، بل هي جزء لايتجزء عن الإسلام، ولايوجد فصل مطلقاً بين أجزاء الشريعة الاسلامية؛ فهي تكمل بعضها. وعليه؛ فإن ثنائية السياسة والدين لاوجود لها في الإسلام، لأن هذه الثنائية هي نتاج مناخ ديني فكري سياسي مختلف تماماً عن مناخ الشريعة الإسلامية ومخرجاتها، هو المناخ الأوربي الذي ظل يعيش طيلة قرون طويلة معادلة الصراع بين النظم الثيوقراطية والملكية المطلقة والكنيسة من جهة والمقاومة العلمانية الأوروبية من جهة أخرى، والتي انتهت الى ما عرف بعصر التنوير والتهضة الأوربية الفكرية والعلمية والقانونية والسياسية، وظهور الأنظمة العلمانية (الليبرالية الديمقراطية)، بدءاً من أواخر القرن الثامن عشر الهجري. وهي وقائع تراكمية تاريخية لاتمت الى مناخ الشريعة الإسلامية بأية صلة.
لذلك؛ فإن قياس الاسلام وشريعته الشاملة الكاملة على الديانة المسيحية والنظم الثيوقراطية الأوروبية؛ هو قياس باطل منهجياً، وكذلك قياس الصراع بين الكنيسة وجماعات التنوير في عصر النهضة الأوربية على علاقة المنظومة الدينية الاسلامية بالواقع الاجتماعي لبلاد المسلمين؛ هو قياس باطل أيضاً، لأن هناك اختلاف حاسم وأساس بين الشريعة الاسلامية والعقيدة المسيحية، وبين سلطة الكنيسة ودورها من جهة، وسلطة الشريعة الإسلامية ودور المرجعية الدينية الإسلامية من جهة أخرى. فديانة النبي عيسى المسيح هي عبارة عن تعاليم روحية وأخلاقية، ولايوجد فيها شريعة ولانظم اقتصادية وقانونية وسياسية وجهادية، كما أن النظام الكنسي برمته هو مخلوق بشري بالكامل. وبالتالي؛ فإن العلمانية هي نتاج محلي أوروبي مسيحي، مفصل على مقاساة المناخ الأوربي وديانته ومخاضاته وظروفه وصراعاته الاجتماعية، وليست منظومة فكرية سياسية إنسانية عامة، يمكن استيرادها وفرضها على بيئات أخرى مختلفة، كالبيئة الإسلامية.
أما ديانة النبي الخاتم محمد؛ فإنها ترتكز على عقيدة وشريعة متعاضدتين شاملتين لكل النظم الحياتية، وعلى سلطة تنفيذية تعمل على تطبيق هذه النظم بالوسائل التي حددتها الشريعة نفسها، أي أن الإسلام لايتضمن عقيدة وشريعة وحسب، بل يحتوي على أدوات مقننة حاسمة لحماية العقيدة وتطبيق الشريعة، وهو ماتفتقد اليه كل الديانات الأخرى. مايعني أن العمل السياسي في الإسلام يقننه الفقه السياسي الاسلامي ويهدف الى تطبيق الشريعة الاسلامية من خلال المرجعية الاسلامية والدولة.
لذلك؛ أرى من الضروري جداً أن يطلع العلمانيون في البلدان الإسلامية على أحكام الشريعة الاسلامية في مصدريها الأصليين (القران والصحيح من السنة الشريفة) والمصادر الاجتهادية، بدلاً من إطلاق الأحكام جزافاً وتقمص شخصية المفتي بدون علم، وليتعرفوا على مستوى موضوعية فتاواهم القاضية بفصل الإسلام عن السياسة والدولة وعموم الشأن العام، وهل إن ذلك ممكناً من منظار الإسلام !؟
ربما يمكن للمسيحي أن يقول بأن المسيحية هي ديانة تربط الفرد بخالقه فقط، ولاعلاقة لها بالسياسة والدولة، ولعله يستدل على ذلك بأن سيدنا عيسى (ع) لم يؤسس دولة ولم يأمر أتباعه بتطبيق أحكام الشريعة المسيحية؛ لعدم وجود فقه اقتصادي وفقه مالي وفقه سياسي وفقه جهادي وفقه معاملات وعقود، ولكن؛ ماهي حجة المسلم العلماني حين يزعم أن الدين لاعلاقة له بالسياسة وبالدولة، وليس فيه نظام اقتصادي ولانظام سياسي ولا نظام قانوني؟!