كتب الاستاذ محمد توفيق علاوي :
في صيف سنة ١٩٧٦ سافرت إلى إنكلترا، فركبت قطار الأنفاق مع ابن عمي الذي كان يسكن هناك ، حيث يجب دفع سعر البطاقة قبل ركوب القطار، الا ان مكتب بيع البطاقات كان مغلقاً، فركبنا القطار الذي توقف في عدة محطات قبل الوصول الى محطتنا الأخيرة، وقبل الخروج كان هناك مكتب صغير يسمى (Access Office) حيث أخبرناه اننا لا نملك بطاقة، فسألنا عن المحطة التي إنطلقنا منها، فأجبناه عنها، فطلب منا مبلغاً من المال إستناداً على المسافة التي قطعناها بالقطار؛ فسألت إبن عمي لو أننا خدعناه وذكرنا له محطة أخرى أقرب منها.. فهل سيأخذ منا مبلغاً أقل، فكان رد إبن عمي بالإيجاب، واستانف كلامه.. إن هناك ثقة متبادلة.. والناس عادة لا يكذبون بل يقولون الحقيقة ويدفعوا ما يجب عليهم دفعه (طبعاً هذا الأمر كان سنة ١٩٧٦ حيث تغيرت بعدها الكثير من عادات الناس هناك)……
لقد تاثرت بهذه الحادثة، وقررت أن أسأل السيد الشهيد محمد باقر الصدر رايه في اسباب هذه الظاهرة حيث كنت اتردد عليه في النجف الاشرف ، فقابلته وذكرت له هذه الحادثة؛ ثم سألته (هل حسن تصرف الكثير من الناس في الغرب وتمسكهم بالصدق والعدل ناتج عن عقيدتهم المسيحية لفترة مقاربة لألفي سنة ؟و هل ان سوء تصرف الكثير من المسلمين في بلادنا من التحايل والكذب ناتج عن عقائدنا؟) ..
فأجابني السيد الشهيد رضوان الله عليه إجابة واضحة وكأنه قد عاش معهم في الغرب……قائلا (هذه التصرفات لا علاقة لها بالدين، بل هي مرتبطة إرتباطاً مباشراً بالحاكم، ففي الغرب يشعر المواطن بأن الحاكم في بلده يعمل بإخلاص من أجل بلده ومن أجل مصلحة المواطنين، فتتعمق ثقة المواطن بحكومته، وعلى أثرها يخلص المواطن لبلده ولحكومته ويتعامل مع مؤسسات الدولة كافة بثقة وبصدق وإخلاص، وتنعكس آثار هذه العلاقة في تعامل المواطن مع المواطنين الآخرين، فتعم وتتعمق أجواء الثقة والصدق بين أبناء الوطن الواحد، وبمرور الوقت يكتشف أبناء الوطن الواحد أن هذه الصفات تصب لمصلحتهم جميعاً، فتترسخ هذه الصفات، ويتحول هذا السلوك بمرور الوقت إلى حالة من (المراس الحضاري) [وهذه أول مرة أسمع بهذا التعبير الذي إستخدمه السيد الشهيد في ذلك الوقت]..
أما في بلداننا (والكلام للسيد الشهيد) فالحاكم هو عدو الشعب وهذه العلاقة العدائية تنعكس بشكل سلبي على العلاقة بين المواطن وبين الحاكم وبين المواطن وبين الدولة ومؤسساتها، وتنعكس آثارها السلبية عى العلاقة بين المواطنين أنفسهم، فالدين بشكل عام لا علاقة له بالقيم الأخلاقية العالية التي يتمتع بها الكثير من المواطنين بالغرب بل يرجع الفضل في ذلك لحكامهم، كما أنه لا علاقة بالمرة بين الدين وبين سوء الخلق والإفتقار للكثير من القيم الأخلاقية للكثير من المواطنين في بلداننا، بل المسؤول الأول عن هذا الإفتقار للقيم الخلقية العالية في بلداننا هو الحاكم)
تعقيب :
وقديمآ …قالوا : الناس على دين ملوكهم
