عواد ناصر
(مقال عن افتتاح مؤسسة الحوار الأنساني)
تاريخ النشر في مجلة الأسبوعية العراقية 10/10/2010
الروح العراقية، منذ الرقيم الأول الذي علم الناس الكتابة والقراءة، حتى أيامنا هذه، أيام الدولة في أزمتها الأبدية (حتى لو تشكلت الحكومة) تتهجس طريقها نحو التحقق من جديد.. أعني الروح العراقية، لا الدولة ولا الحكومة استمعت وشاهدت، مثلاً، فنانة عراقية شابة تغني. ما يهمني في الأمر ليس جودة غنائها، إنما مغامرتها في أن تكون مطربة، علامة على التحدي، خصوصاً من جانب عراقية شابة .قناة عراقية فضائية بدأت بثها قبل بضع سنوات متواضعة، محافظة، بكادر يكاد يتدرب بلا اختصاص ولا خبرة مسبقة، حتى تحسب أن مهندس الإضاءة هو من يذيع الأخبار وبالعكس، لكنها اليوم، ورغم «شبهة» التدين التي بانت يوماً على صاحبها ومديرها، إلا أن القناة المذكورة «انتفضت» كثيراً، قياساً إلى منطلقها الأول، وصارت تعرض لقطات «أزياء» تُظهر ما يجب إخفاؤه وتخفي «حجابات» بدأت بها، فالروح العراقية هي روح «محلية» أصلاً، أي متنوعة، بتنوع دياناتنا وقومياتنا وأقلياتنا وأفكارنا .
قلت على صاحب الفضائية، تلك، «شبهة» التدين، كي لا أقول بـ«تهمة» قد تثبت أو لا تثبت.
من حق أي دين أو طائفة أو قومية، كبيرة أو صغيرة أن تطلق فضائية أو تصدر جريدة أو تؤسس حزباً، الأمر يخصها وحدها، لكن لا يخص العراقيين الذين يتمسكون بعراقيتهم، من دون أي إكراه ديني أو طائفي أو قومي.
خديجة بن قنو، المذيعة القديرة – قبل الحجاب وبعد الحجاب – تتميز بمهنية مرموقة، فالقماشة التي وضعتها حول وجهها لا تغير من كفاءتها، رغم أنها أكثر «إثارة» بحجابها ما بعد الحداثوي!
قناة أخرى تعتقد أن السفور والماكياج المبالغ فيه «رسالة حضارية» تُكسب القناة «هوية سياسية» بينما الصحيح هو أن الرسالة الحضارية لا يحملها الماكياج الـ«Very Over» بل الحقيقة الصحفية والموضوعية والانتماء إلى العصر، بغض النظر عن الزي والموضة والماكياج الفاقع.
مذيعات ومراسلات القنوات العالمية المعروفة يتميزن بالبساطة والتلقائية وأزياؤهن «الكاجوال» يجلن بها في الأسواق والشوارع العامة وحتى المناطق الملتهبة لأن المهم هو: الكفاءة والمهنية.
أكتب هذا العمود اليوم بعد عودتي من أمسية افتتاح نشاطات «مؤسسة الحوار الانساني» في لندن، وكنت أحد المتحدثين في برنامج افتتاحها، وهي بتمويل ورعاية رجل الدين التنويري المعروف آية الله الفقيه السيد حسين اسماعيل الصدر، وقد اقترحت، قبيل المشاركة أن تكون عراقاً ثقافياً، متنوعاً، صغيراً، في مواجهة عراق التطرف والمحاصصة والإقصاء والمفخخات وملوك الطوائف، ففوجئت، بالمشاركين والحضور!
غالبية المتحدثين كانوا من أهل اليسار والعلمانية والحداثة الوسطية، بينما لم تكن حتى بين الجمهور عمامة واحدة!
صحيح أردناها داراً للحداثة والتنوع والحوار الثقافي، لكنني فوجئت بأريحية صديقنا السيد غانم جواد وهو يرد على استغرابي:
هذا ما حدث. إنها البداية، وهو افتتاح، وفي البرنامج الموسمي للمؤسسة تنوع أكثر حسب من يستجيب لدعوتنا.
قلت: لكن الأكراد غائبون.
قال: اتصلنا بهم ووعدونا بأن يبعثوا أو يرشحوا أحداً للتعريف بالثقافة الكردية، لكن لم يصل أحد.
نحاول أن نواصل حمل راية «ديوان الكوفة» في لندن، وكان الأستاذ محمد مكية حاضراً الافتتاح، بل هو الذي افتتح نشاطنا الأول، مركّزاً على الجديد والتنويري والشاب ونبذ الندب والبكاء على الماضي في كلمته.
أو ليس في هذا، كله، إشارات، الى الروح العراقية الحية وهي تستعيد، تدريجاً، عافيتها وإن ببطء؟
في السياسة لا شيء يحدث مثل هذا. في الثقافة والفكر والفن ممكن. السياسة تصنع سلطة/ حكومة. لكن الثقافة والفكر والفن تصنع مجتمعاً ودولة وثقافة عابرة للطوائف والأحزاب و «تقنيات» الإعلان.
ينبغي أن يكون في أمسيتنا المقبلة «عمامة» مثل عمامة جلال الحنفي البغدادي ومبدع كردي مثل شيركو بي كه س.