لندن / عدنان حسين أحمد
نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن أمسية ثقافية للكاتب والصحفي التونسي أحمد زعبار تحدث فيها عن ” الثابت والمتغير في واقع ما بعد الثورة في تونس” وقد ساهم في تقديمه د. صباح جمال الدين. استهل زعبار حديثه بالقول إن الربيع العربي قد انطلق من تونس غير أنه من الصعب إصدار حُكم نهائي على هذه الثورة لأنها ما تزال في حالة صيرورة ولم تكتمل بعد،
وحالة الثورة التونسية لا تختلف كثيراً عن حالة الثورة الروسية التي ظلت لعدة سنوات بعد تفجيرها في حالة صيرورة، وكذلك الثورة الفرنسية التي لم تكتمل إلاّ بعد عدة سنوات من إندلاعها للسبب ذاته. أشار زعبار إلى أن تونس لا تزال تفتش عن نفسها سياسياً من ناحية الاستقرار فهي تبحث عن توازن مقبول بين القوى والمكونات السياسية في ظل الواقع الهش. أقرّ زعبار بأن تونس عاشت مستقرة في ظل رئاسة الحبيب بورقيبة منذ عام 1956 وحتى عام 1987 على الرغم من معارضته هو شخصياً، ومعارضة الكثير من التونسيين لنظام بورقيبة، لكنه، أي بورقيبة، وضع أسساً لدولة مدنية فيها مؤسسات ناجحة، لكن البلد تغيّر حينما وصل زين العابدين إلى سُدة الحُكم في نوفمبر سنة 1987 وتغيرت الأوضاع بنسبة 360 درجة، حيث تمت السيطرة على وسائل الإعلام، واقتصاد البلد من قبل أفراد العائلة الحاكمة، وزوجته، على وجه الخصوص، ليلى الطرابلسي. ذكر زعبار بأن 60% من اقتصاد البلد بيد العائلة الحاكمة إضافة إلى هيمنتهم على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، هذا إضافة إلى إمساكهم بمفاصل الإثراء السريع مثل الاتجار بالمخدرات من قبل شقيق الرئيس بن علي أولاً ثم شقيق زوجته لاحقاً وقال بأن هذا أمر معروف بالنسبة للتونسيين جميعاً. نوّه زعبار إلى أن الثورة قد اندلعت لأسباب كثيرة إلاّ أنها في النهاية هزمت بن علي بعد “23” سنة من الحُكم القمعي الدكتاتوري، وحصلت الانتخابات وفازت فيها حركة النهضة التي أُسست عام 1972 ولم يُعترف بها رسمياً إلاّ من قبل حكومة محمد الغنوشي عام 2011 وتعتبر من أبرز الأحزاب السياسية في تونس. من الظواهر الأخرى التي أكدّ عليها المُحاضر هي ظاهرة فوز الإسلاميين المتمثل بحركة النهضة، وما يسمى في تونس بيسار الوسط ومنهم رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي، ورئيس المجلس الوطني التأسيس مصطفى بن جعفر، وفوز ما يسمى بـ “العريضة الشعبية” التابعة للهاشمي الحامدي، صاحب قناة المستقلة. وعلى الرغم من الفوز الكاسح لهذه الأحزاب إلاّ أن جميع القوى السياسية ترفض أن يُحكم البلد من قبل قوة سياسية واحدة، فلابد من مشاركة جميع القوى السياسية في إدارة دفة الحكم. إذاً، المشاركة الجماعية في الحكم هي ظاهرة جديدة وإن كانت موجودة نسبياً في عهد الرئيس بورقيبة. أما الظاهرة الأخرى اللافتة للنظر من وجهة نظر المُحاضر فهي الانتقال بين الكتل السياسية. توقف زعبار عند الظاهرة التي فاجأت الجميع وهي ظاهرة السلفيين التي لم يكن أحد يتوقعها لا من السياسيين ولا غير السياسيين. واتخذ المُحاضر من نفسه مثالاً حينما قال بأنه كتونسي قضّى نحو ثلاثين سنة من عمره في تونس قبل أن يغادر إلى بريطانيا لم يكن يتقبل الفكرة السلفية، بل أن التونسيين ينظرون إليهم نظرة دونية، ويوصمونهم بالتخلّف، لأن غالبية التونسيين متفتحين، وليبراليين، ويتقبلون الآخر. وقد أورد المُحاضر بعض الأمثلة السيئة التي قام بها السلفيون في تونس مثل إحراق محكمة، ومعرض للفن التشكيلي، والهجوم بالسيوف على نُزل للمسرّات العابرة، وهي ظواهر في مجملها غريبة على المجتمع التونسي المتفتح. وقد ذكر المُحاضر بان الحكومة تساهلت معهم ولم تحاكمهم على أفعالهم العدوانية التي تمثل خرقاً صريحاً للقوانين المتعارف عليها. لقد تعرّض الرئيس التونسي إلى انتقادات حادة لأن موقفه كان ضعيفاً أمام هذه الجماعة السلفية التي تؤمن بالعنف الأمر الذي دفع بعض مناصريه في حزبه إلى الانتقال إلى جمعيات وأحزاب سياسية أخرى، كما استقال بعض مستشاريه للسبب ذاته. كما نشرت صحيفة اللوموند الفرنسية بأن النهضة تريد أن تستحوذ على كل شيئ، وربما حدّت الانتخابات من هذا الاستحواذ بواسطة تحويل الصلاحيات الرئاسية إلى رئيس الوزراء، مع أن غالبية الناس تشهد بأن المنصف المرزوقي هو إنسان نزيه ويحترم الآراء الأخرى لكنه يبدو ضعيفاً أمام هيمنة حركة النهضة الإسلامية. توقف المُحاضر عند ظاهرة مهمة جداً وهي عودة الاتحاد العام التونسي للشغل وذكر زعبار بأن رئيس الاتحاد هو مناضل تاريخي معروف وقد اغتالته فرنسا لأنه كان معارضاً للاستعمار الفرنسي، وقد ظل الاتحاد العام قوة لم تتمكن منها فرنسا، ولم يقدر عليها الا الحبيب بورقيبة ولا زين العابدين بن علي على الرغم من قمع هذا الأخير للشعب التونسي وشرائه لبعض الذمم التي كانت تؤازره. أشاد المُحاضر كثيراً بدور الاتحاد العام للشغل وقال بأن الاحتجاجات لم تتحول إلى ثورة حقيقية إلاّ في اليوم الذي تدخل فيه الاتحاد العام للشغل وقرر أن يساند الاضرابات المحلية القليلة التي حدثت في سيدي بوزيد، ثم جرفت الثورة البلاد على حد قول المُحاضر. ذكر زعبار أن الشيئ الإيجابي هو أن الاتحاد العام للشغل لم يكن طامعاً في الحكومة، فحينما نجحت الثورة عرضوا عليه ثلاثة مناصب وزارية، لكنه رفضها قائلاً إن المناصب ليست همنا الأساسي، فهمنا الأساسي هو حقوق المواطنين وتأمين مسلتزمات حياتهم اليومية. ذكر المُحاضر بأن المجتمع التونسي متجانس فكله يتبع المذهب المالكي، وليست هناك مشكلات مذهبية، هذا إضافة إلى أن التونسيين غير متعصبين، ويقبلون بعضهم بعضاً، كما يقبلون الآخر ولا يتحاملون عليه. وعلى الرغم من هذا التجانس إلاّ أن المجتمع التونسي انقسم عمودياً إلى قسمين، إسلامي وغير إسلامي، فإما مع النهضة والإخوان المسلمين أو ضدها، واعتبر المُحاضر هذا الانقسام واحدة من المشاكل أو الأخطاء الجدية، فالقيادات السياسية تحترم بعضها، لكن القواعد هي التي تختلف وتتجاذب. وأشّر المُحاضر إلى بروز ظاهر ظاهرة العداء اللفظي التي شاعت على مواقع الإنترنيت وهي لم تكن رائجة من قبل، لكنه اعترف بأن العائلة الواحدة قد تكون منقسمة إلى قسمين أو أكثر، وخلص إلى القول بأن السلفي منبوذ حتى في عائلته.
أوضح المُحاضر بأن صلاحيات المجلس التأسيسي ستنتهي في 23 من أكتوبر الجاري. وفي الانتخابات سيطرح سؤال مهم مفاده: ما صلاحيات هذا المجلس، وما دوره، وكم هي مدته؟ المعروف أن دوره هو كتابة الدستور، وسن التشريعات الجديدة، والتهيئة لانتخابات قادمة. أما مدته فلم يُتفق عليها، ولكنهم أجمعوا بأنها لن تكون أكثر من سنة، وهذا ما أكده رئيس الجمهورية كي لا يُقال إنهم يريدون الاستئثار بالسلطة. كما أشار المحُاضر إلى أن القوانين ستكون مستمدة من روح الشريعة الإسلامية. أما مسألة تجريم التطبيع مع إسرائيل فإن حركة النهضة والإخوان المسلمين على مدى تاريخهم الطويل كانوا يطالبوا بتجريم التطبيع، وحينما وصلوا إلى السلطة لم يوافقوا على هذا البند، ويعزو المُحاضر سبب هذا التبدل الجذري إلى تعرضهم إلى ضغوطات دولية، وطالبوا بأن يحشروا هذا البند في الملحقات. إن القضية الكبرى، كما يذهب المُحاضر، هي القضية الفلسطينية وعلى الساسة أن يفهموا ذلك ويقدّروه. أشار زعبار إلى أن الاتحاد العام للشغل قدّم مبادرة مفادها أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سوف تتم يوم 23 / 6 / 2013، وجولة الإعادة يوم 7 / 7 / 2013 لأن النهضة والإخوان المسلمين يريدان النظام أن يكون برلمانيا، بينما تريده الغالبية رئاسياً مع تحديد سلطات الرئيس، فلا سلطات مطلقة له، ولا لرئيس وزرائه على أن يكون هناك توافق بين السلطات الثلاث، وأن تكون الحكومة المشكّلة من المختصين. لقد وُضع الدستور، لكن لم يتم المصادقة عليه على أن توزع السلطات بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وأن لا تراجع عن مكتسبات المرأة وعن مدونة الأحوال الشخصية. توقف المُحاضر عند الاقتصاد التونسي وقدّم بعض المؤشرات على إفادته من بعض القروض الميسّرة من البنوك الشرق أوسطية والخليجية. ثم تطرّق إلى الوضع الثقافي والتعليمي في تونس، ثم أسهب في الحدث عن الجانب الإعلامي الذي شهد توسعاً غير مسبوق في عدد الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات الإعلامية، إذ تلقت الهيئة الوطنية لاصلاح الإعلام والإتصال تراخيص لفتح “74” إذاعة، و “15” قناة تلفزيونية، بينما وصل عدد الصحف اليومية والأسبوعية ونصف الشهرية، والجهوية، والتابعة للدولة بحدود “200” صحيفة وهو رقم كبير في بلد لا يتجاوز تعداده السكاني 11 مليون نسمة. أثنى المحاضر على التونسيين الذين وصفهم بأنهم لا يؤمنون بسياسة الاقصاء والتهميش، بل أنه أشار إلى أن بعض القوى السياسية طالبت الحكومة بعدم اقصاء حتى من عمل مع النظام السابق إذا لم تتلطخ يديه بدماء التونسيين، وهذه أولى تباشير المصالحة بين الطرفين. أشار زعبار إلى أن الأنظمة القمعية غالباً ما تؤسس منظومات أمنية يفوق عددها عدد أفراد الجيش، فالجيش التونسي يتألف من “35” جندي، بينما تتألف المنظومة الأمنية من “118” ألف عنصر، وهذا الأمر ينطبق على كثير من الدول العربية. اختتم زعبار محاضرته بالحديث عن ظواهر شاذة جديدة للقمع والتجاوز على الحريات الخاصة مثل حادثة اغتصاب فتاة من قبل ثلاثة أعوان من الأمن، لكن الغريب في الأمر أن المحكمة وجهت للفتاة تهمة المجاهرة بما ينافي الأخلاق الحميدة الذي يضعها تحت طائلة الفصل “226” من مدونة الشؤون الجزائية التي قد تعرّضها للسجن مدة ستة أشهر إضافة إلى تغريمها ألف دينار تونسي. وخلص المُحاضر إلى القول على الرغم من كل الأخطاء التي تقع الآن في ظل حكم النهضة والإخوان المسلمين إلاّ أن الأوضاع أفضل من السابق بكثير، وما على التونسيين إلا التشبت بالمكتسبات التي حصلوا عليها طوال السنين الماضية من حكم دولتهم المدنية.