
د . ناجي الفتلاوي
بغداد 21 آذار/2021
دورة حياة عالم النص اليوم او علم الكلام الجديد تشي بكون الهرمنيوطيقيا مرجعية له ,لكنها قبل القرنين السادس عشر والسابع عشر (عصر النهضة) لم تكن في موارد الذكر كمصطلح وعلم يستخدم او مفهوم يتداول ,فقد كانت محض ممارسة مبعثرة لا بوصلة لها حيث كان يقوم بها رجال الكنيسة ممن يختصون بالكتاب المقدس وشرحه , واول من جعل لها سكة ومعالم طريق هو (دان هوفر المتوفى عام 1654 م وليس من المبالغة ان يعد جهده بخط الشروع باعتبار تحول المصطلح الى علم ولو في فهم طفولي قابل للتطور مع السيطرة على عملية التفسير والتاويل ومن بوابة كنسية صرفة , حيث بدأت دورة الحياة بوصفها (اي الهرمنيوطيقيا) علما يعنى بتفسير الكتاب المقدس وهذا التعريف يخرج تفسير القصائد والاداب والعلوم واللوحات الفنية من هذا العلم ,مرورا بما وصفه جان مارتن كلاودنيوس بوصفه (فن فهم الكلام المقول والمكتوب) وهذا يخرجنا من دائرة التعريف الاولى باتساعها وجعلها ليست حكرا على تفسير الكتاب المقدس , ثم تعرض علم الهرمنيوطيقا الى نقلة اخرى في التعريف مع فريدريك اوكست وولف معرفا اياها بـ (العلم الذي يعنى بالقواعد التي تساعدنا على معرفة معنى العلائم) وهذا يدل صراحة على اتساع المعنى بارتكازه على هدفين :الاول , فهم اللغة , والثاني , فهم المحيط التاريخي للمتكلم (اي التاريخانية) , ثم تحولت بوصلة تعريف العلم الى مجموعة قواعد منظمة وممنهجة تهدف الى رفع مشكلة سوء فهم النص وهذا ما حدده الالماني شلاير ماخر الفيلسوف الديني المعروف , اما وليام ذيلتاي فهو يخلق تحولا واضحا في علم الهرمنيوطيقيا بوصفه علما يتكفل بتقديم منهج معرفي للعلوم الانسانية ,وهنا اختلف الموضوع حيث لم يعد هناك عمود واسطي للعلم اسمه النص ,ثم يأتي الدور للالماني بابنر ليغير زاوية النظر فيقول الهرمنيوطيقيا هي تعلم الفهم وهذا تحول اساسي يقوم على مبنى مهم هو تحليل الفهم البشري وهو يجري بنفس الاتجاه الذي جرى فيه بول ريكور حيث يقول هو علم عمل الفهم في علاقته بتفسير النص اي دراسة كيف يتحرك العقل في فهم النص ,اما ريتشارد بالمر صاحب كتاب (علم الهرمنيوطيقيا) فيقول عنها بانها حركة التأمل الفلسفي في كشف حقيقة الفهم ,عطفا على اعلاه فان دورة حياة التشكل الاستبدادي للهرمنيوطيقيا والقسر في الانطلاق في فهم النص منها بدأت من شلاير ماخر ودلتاي الى زمن ريكور وكدايمر ,والتعسف الهرمنيوطيقي ان جاز لي التسمية بدا اكثر وضوحا عند الهرميوطيقيا الفلسفية التي جعلت من جل العملية اكثر تعقيدا فقد باتت علوم كثيرة تدخل في عملية الفهم وهذا ما يجعل الهرمنيوطيقيا علما متشعبا ليس منضبطا وواضحا , والسؤال ,كيف يتاح الارتكاز على ما هو ليس منضبطا في ايجاد ضبط لعملية الفهم ,لذا فان الاستعانة بوصف التشكل الاستبدادي للهرمنيوطيقيا لا ياتي من باب التعسف بل هو وصف للقصف الممنهج الذي تمارسه الهرمنيوطيقيا صوب النص وهويته ومعياريته وشخصيته الموضوعية المستقلة من خلال التسليم التام بالتوصيف الحيادي للنص وهذا بدوره تقصير بفهم ذات الحقيقة المبثوثة في بنى النص وايضا النسف الانكاري لوجود منهج واضح في النص يدلنا على الحقيقة اثناء خط الشروع بفهمها عبر وجودها بين ثنايا النص , والحال فان القصف الهرمنيوطيقي الموجه للنص يكمن اولا في سلب قدرته على امتلاك الحقيقة على نحو الاطلاق (اي كل النصوص حتى المقدس منها) واعتباره نصا ناقص القدرة ما بلغت قوته وما بلغت قداسة قائله ,وثانيا اخضاعها (اي الحقيقة) لسلطة الزمن مدعية (اي الهرمنيوطيقيا) ان الحقائق المبثوثة في قلب وجدران النص متغيرة بتغير الزمن ,وثالثها نفي عالمية النص وهذا ما يجعله عرضة للوقوف امام عجلة النقص والتي حتما ستطأه .