محمد خلفان الصوافي –
على من يريد معرفة مدى قوة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الرأي العام في أي مكان من العالم، أن يتابع شغف الناس والسياسيين بشكل خاص بهذا الإعلام الجديد. ولعل ما شهدته ندوة «الإعلام الاجتماعي والإعلام العسكري» من
حضور يؤكد صحة ما أقول. وإذا ما أراد أحد تفاصيل أكثر عليه أن يتابع اهتمام الجيل الحالي بهذه الوسائل ومدى تأثره بها وباللغة التي يتحدث بها، لأنه
إعجاب الناس بوسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتويتر وغيرها، أو ما يعرف بالإعلام الاجتماعي، بات مفروغاً منه، خاصة من الجيل الجديد. لكن الاهتمام به كوسيلة يمكن أن تكون ذات أهمية في خدمة القضايا الوطنية أمر لم
يحصل بعد، على الأقل في مجتمعاتنا العربية، بما يستحقه هذا الإعلام من اهتمام.
أعجبت باهتمام شعبة الإعلام العسكري في الإمارات بهذا الموضوع وإعطائه أهمية خاصة؛ وإن كانت الندوة -الأولى له- التي عقدت الأسبوع الماضي تركز أكثر على الجانب الذي يخصها. لكن تبقى إثارة الموضوع أمراً مهماً للمشتغلين في
الإعلام عموماً. فمجرد إثارة الموضوع تعني أن هناك تفهماً للدور الذي يمكن أن يكون عليه، حتى لو كانت معالم هذا الإعلام لم تتشكل بعد كما جاء في إحدى أوراق الندوة.
وبكلام أوضح، لم نستفد من وسائل التواصل الاجتماعي كما يجب بعد في خدمة قضايا المجتمع والوطن، وإن كان ذو الأجندات والأفكار السلبية قد استدركوا ذلك ووظفوها لصالحهم. كل الذي حدث أننا اعتبرناها وسائل للتواصل الشخصي
وإعلانات نضع فيها مقالاتنا وصورنا، لكن غيرنا أثّر في الأفكار ونشرها وصار له حضور في الساحة الإعلامية.
وإذا سلّمنا بأن هذا الإعلام بات واقعاً حقيقياً، فالثابت أنه لابد من إعطائه العناية على نحو لا يقلل من التفكير والتركيز على الإعلام التقليدي، باعتبار أن الاثنين معاً مهمان في الوقت الحالي، لكن ما أعنيه زيادة الفعالية في الإعلام
الاجتماعي.
لقد أثبت هذا الإعلام جدارته في الكثير من المواقف، خاصة أثناء احتجاجات «الربيع العربي»، حيث نجد أنه تفوق على الإعلام التقليدي، كما أثبت جدارته في التأثير على المتلقين له خاصة الجيل الجديد الذي يعتبر أكثر استخداماً له
وبالتالي فإن توظيف هذه الوسيلة بات أمراً في غاية الأهمية. فهو إعلام موجه وله القدرة على اخترق كل الحواجز.
إحدى المشكلات النمطية التي تعاني منها المجتمعات العربية تتمثل في التأخر في تقدير أهمية التطورات الحديثة والانتظار طويلا لحين حدوث آثار كبيرة تتطلب جهداً مضاعفاً لحلحلة الوضع. وأعتقد أن هذا من سوء التقدير، مع أن العالم
حسم موقفه وبات يتعامل مع الظاهرة الجديدة باعتبارها واقعاً ينبغي التعامل معه. فبعد مرور كل هذه الفترة من وجود هذا الإعلام الذي غزا العالم، نجد أنفسنا لا زلنا نتكلم عن دوره وأهميته.
قد يكون هناك بعض الإعلاميين انتبهوا إلى خطورة هذا الإعلام فقررت مؤسساتهم التعامل الجزئي معه، لكن المشكلة أن جهات معينة تستخدم هذا الإعلام في تضليل الأفكار وبث رسائل خاطئة، ما يعني أهمية الدخول فيه بقوة والاعتراف
بأنه إعلام قادم وبالتالي يتعين الاستعداد له.
أعرف أن هناك مؤسسات إعلامية خصصت موظفين لهذا النوع من الإعلام، لكن ما أقصده بذل الجهد ليكون بأهمية الإعلام التقليدي من حيث القوة وإمكانية الانتقال إليه.
تزايد الاهتمام بهذا الإعلام في الدول الغربية، مما جعل مؤسسات لا تتعدى في حجمها مكتباً صغيراً، تصبح حقيقة حاضرة وقادرة على فرض نفسها. والأمر ينطبق على الأشخاص من خلال نشاطهم واهتمامهم بالرسالة الإعلامية التي
أصبحت اليوم قوة تحتل الكثير من الشبكات الإعلامية.
الانسحاب من وسائل التواصل الاجتماعي يعني الانسحاب من الساحة الإعلامية، وبالتالي تضيع الكثير من الأمور الداخلية للدول أو صناعة الرأي العام فيها.
وإذا أردت أن تعرف سبباً لتراجع اهتمام الرأي العام العالمي حول قضية وطنية لدولة معينة، فاعرف أن هناك تراجعاً في الاهتمام بها في وسائل التواصل الاجتماعي. وإذا سألت متابعاً للشأن العام عن قضية معينة، ولم تكن لديه تفاصيل
حولها، فاعرف أنه غير متابع لهذا الإعلام الجديد. الخلاصة أن الإعلام التقليدي، ورغم قوته، فإنه أصبح في حالة جمود مقارنةً بالإعلام الاجتماعي.
وسائل الإعلام الحديثة أضعفت الإعلام التقليدي وبالتالي أضعفت القضايا الوطنية لبعض الدول، لذلك فما لم تطور هذه الدول اهتمامها بالإعلام الاجتماعي، الأداة التي يستخدمها عادة من يعملون ضد الأوطان، فإن الغموض في الصورة
سيستمر لفترة من الزمن.
والذي يجيد استخدام الإعلام الاجتماعي، سيصبح هو الأكثر تأثيراً. وإذا تعمقنا أكثر، سنكتشف أن الأمر أبعد من نقل رسالة أو إعادة إرسالها، بل هو أداة من أدوات التأثير على الأفكار وبالتالي قد نستفيد منها في تصحيح الرسالة الإعلامية
الموجهة إلى الرأي العام.
ما نلاحظه اليوم أنه لا يكفي أن تكون صاحب قضية عادلة، وإنما تحتاج بجانب ذلك إلى وسائل إعلام مناسبة لإثارتها وأسلوب لإقناع الرأي العام. أقول ذلك من خلال ما نراه من سطوة الإعلام الحديث وما يمثله من قوة تأثير على الرأي
العام. وبالتالي تكون القاعدة الجديدة التي يفترض أن نرددها، إذا كان الاهتمام بتطوير الإعلام أمراً مهماً بالنسبة لأحدنا، هو أن التركيز على الإعلام الحديث، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح أكثر أهمية، لأنه بات المكان الذي
يشكل انطباعات الرأي العام وتوجهاته.
لم يعد باستطاعة أي جهة أو فرد مهما بلغت قوته إيقاف الرسائل التي يتلقاها الرأي العام ولا تحديد نوعية الرسائل التي يمكن للناس أن يتلقوها من خلال هذا الإعلام، لكن يبقى أن نعمل من أجل التأثير في تلك الرسائل من خلال صحة
المعلومة والشفافية في نشرها واستخدامها، والعمل على توظيف الوسائل نفسها.
ما يهم في الموضوع أن جيل الشباب هم الأكثر تعاملا مع الإعلام الاجتماعي، وبالتالي فإن استخدامها لتوصيل رسائل إيجابية إليهم، من خلال وسائل هذا الإعلام، أمر ليس فيه خيار ولا يجب الانتظار لحين الحسم في الموضوع بطريقة
الإجماع العربي.
لهذا أعتقد أن شعبة التوجيه المعنوي في القوات المسلحة، من خلال ندوتها المهمة المذكورة، وضعتنا أمام لحظة الحقيقة في مستقبل التعامل مع هذه الوسائل