بقلم : الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ – المركز الديمقراطي العربي
طرح الفيلسوف الأمريكي جون راولز فكرة ” الإجماع المتقاطع ” أو “الإجماع المتداخل” بمعنى “توافق الآراء” فأبدى الكثير من الباحثين والسياسيين اهتمامًا كبيرًا بها. إن قراءة متأنية من أجل تقديم فهم مختلف لهذه الفكرة، تمكننا القول أن هناك ثلاثة مستويات من “الإجماع المتقاطع”. الأول، أن يتعامل الأشخاص ذو المواقف المختلفة مع بعضهم البعض بالموقف المعقول والمقبول نفسه. الثاني، أن يدعم الأشخاص الذين يحملون قيمًا مختلفة المعايير نفسها على اساس قيمهم الخاصة أو عن طريق أخذ بالأعتبار وجهات نظر بعضهم البعض في الخطاب الأخلاقي. الثالث، أن الأشخاص الذين لديهم “مصادر أخلاقية” مختلفة للمعايير المشتركة مع الآخرين، ومع ذلك أنهم على استعداد للمشاركة في عملية الحصول على معرفة مشتركة تهدف إلى “دمج الآفاق” في المستقبل. لا ينبغي مناقشة الإجماع المتقاطع على هذه المستويات فقط، أيً في الفلسفة السياسية، أو اكتشافها في الثقافة السياسية، ولكن في الممارسة السياسية أيضًا.
تم الاعتراف على نطاق واسع بتنوع القيم أو تعدديتها كميزة رئيسية في عصرنا على الصعيدين الدولي والمحلي، حيث تعتبر هذه الظاهرة سببًا رئيسيًا لجهود عديد من البلدان لتعزيز “عالم متناغم” في الخارج و”مجتمع منسجم” في الداخل. وأن تبرير “عالم متناغم” و “مجتمع منسجم” بهدف أنجاز ما يمكن أن نسميه “وئام بدون توحيد” كما تصف هذا الوضع حكمة الشرق القديمة. إنه ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح “البحث عن أرضية مشتركة مع الاحتفاظ بالاختلافات” الذي تبناه مؤتمر باندونغ في عام 1955، أو شعار “الوحدة في التنوع” أو “الوحدة” في الأختلاف” الذي رفعه الاتحاد الأوروبي.
1- ظهرمفهوم “الإجماع المتقاطع” أو الإجماع المتداخل” لأول مرة في كتاب “نظرية العدالة” الذي نشره راولز عام 1971 عندما قال: يمكن أن تؤدي العديد من الخلافات بين المواطنين في فهمهم للعدالة إلى أحكام سياسية مماثلة. هذه الأحكام السياسية المماثلة، كما يقول، هي “متداخلة أكثر من كونها إجماعاً صارمًا.” والآثار المنطقية لوجود هذا النوع من الإجماع بسيطة للغاية: فـ” يمكن أن تسفر المقدمات المختلفة عن النتيجة نفسها.”[1]
تحولت فكرة الإجماع المتقاطع منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين، من فكرة تمر سريعا في كتاب راولز السابق عن العدالة إلى أداة مفاهيمية رئيسية في عمله الأخير “الليبرالية السياسية ” للتعامل مع “المفهوم السياسي للعدالة” الذي ينظم المؤسسات التي أقرتها المذاهب الدينية والفلسفية والأخلاقية الرئيسة التي يحتمل أن تستمر في مجتمع من جيل إلى آخر.[2] إن فكرة راولز هذه هي أحد الأفكار الرئيسة الثلاثة في كتابه”الليبرالية السياسية”، والفكرتان الأخرى هما ” أولوية الحق على الخير” و” العقل العمومي”.[3]
إن ما يطلق عليه راولز “الليبرالية السياسية” يختلف عن صيغة توماس هوبز عن الليبرالية وكذلك عن صيغة عمائويل كانط وجون ستيوارت ميل عنها. تعتبر الليبرالية عند هوبز حل وسط مؤقت بين مصالح الأفراد والجماعات التي تنسقها وتوازنها بعض المؤسسات المصممة جيدًا. تستند الليبرالية عند كانط وميل إلى بعض العقائد الميتافيزيقية أو المذاهب الأخلاقية “الشاملة”. لا يمكن لأيً من الصيغتين، وفقًا لراولز، أن يحل مشكلة الاستقرار الاجتماعي في ظل ظروف التعددية: فحالما يتغير ميزان القوى، فإن الاستقرار القائم عليه يتوقف. تتعامل الكانطية والنفعية الليبرالية بوصفها عقائد شاملة، في حالة أخرى، مع “الاستقلالية” و”الفردية” باعتبارها مفاهيم رئيسية في التعبير عن رؤية أطراف معينة، لا يمكنها دعم المؤسسات الأساسية لمجتمع توجد فيه العديد من المذاهب الشاملة الأخرى سواء كانت علمانية أو غير علمانية.
تتضمن هذه التسميات أو المصطلحات الثلاثة، في رأيي، فكرة هي أننا يجب أن نحترم التنوع بالإضافة إلى الوحدة، ولكن لا يوضح أي منها كيف يرتبط هذان الجانبان بسلاسة مع بعضهما البعض. يذكرنا هذا بفكرة “الإجماع المتقاطع”، التي يستعملها داعيتها الرئيس، جون راولز، وأخرون، للتعامل مع قضية الاستقرار السياسي في المجتمعات المحلية التعددية وقضية الثقافات المتعددة وحقوق الإنسان على المستوى العالمي. من أجل معرفة أكثر وضوحًا ما إذا كان هذا المفهوم مفيدًا في الإجابة عن المشكلة التي تتعلق بالتنوع والوحدة في الوقت نفسه، فإننا سنناقش الأفكار التي يقترحها المفكرون في مختلف البلدان و المدارس الفكرية لتفسير هذا المفهوم. أريد أن أزعم أن هذه الفهومات المختلفة لفكرة “توافق الآراء” أو ” الإجماع المتقاطع” يمكن قراءتها كتوصيفات لمستويات مختلفة من الإجماع المتداخل التوافقي الذي يمكن الوصول إليه في تعاملنا مع التعددية بهدف “الاستقرار الاجتماعي” طبقاً لراولز. هذا يعني أيضًا أنه يمكن التغلب على بعض أوجه القصور الموجودة في كل من هذه الأفهومات، وخاصة في الصيغة الأكثر شهرة وهي صوغ راولز للفكرة، من خلال التكامل المتبادل بينهما.
1- ظهرمفهوم “الإجماع المتقاطع” أو الإجماع المتداخل” لأول مرة في كتاب “نظرية العدالة” الذي نشره راولز عام 1971 عندما قال: يمكن أن تؤدي العديد من الخلافات بين المواطنين في فهمهم للعدالة إلى أحكام سياسية مماثلة. هذه الأحكام السياسية المماثلة، كما يقول، هي “متداخلة أكثر من كونها إجماعاً صارمًا.” والآثار المنطقية لوجود هذا النوع من الإجماع بسيطة للغاية: فـ” يمكن أن تسفر المقدمات المختلفة عن النتيجة نفسها.”[1]
تحولت فكرة الإجماع المتقاطع منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين، من فكرة تمر سريعا في كتاب راولز السابق عن العدالة إلى أداة مفاهيمية رئيسية في عمله الأخير “الليبرالية السياسية ” للتعامل مع “المفهوم السياسي للعدالة” الذي ينظم المؤسسات التي أقرتها المذاهب الدينية والفلسفية والأخلاقية الرئيسة التي يحتمل أن تستمر في مجتمع من جيل إلى آخر.[2] إن فكرة راولز هذه هي أحد الأفكار الرئيسة الثلاثة في كتابه”الليبرالية السياسية”، والفكرتان الأخرى هما ” أولوية الحق على الخير” و” العقل العمومي”.[3]
إن ما يطلق عليه راولز “الليبرالية السياسية” يختلف عن صيغة توماس هوبز عن الليبرالية وكذلك عن صيغة عمائويل كانط وجون ستيوارت ميل عنها. تعتبر الليبرالية عند هوبز حل وسط مؤقت بين مصالح الأفراد والجماعات التي تنسقها وتوازنها بعض المؤسسات المصممة جيدًا. تستند الليبرالية عند كانط وميل إلى بعض العقائد الميتافيزيقية أو المذاهب الأخلاقية “الشاملة”. لا يمكن لأيً من الصيغتين، وفقًا لراولز، أن يحل مشكلة الاستقرار الاجتماعي في ظل ظروف التعددية: فحالما يتغير ميزان القوى، فإن الاستقرار القائم عليه يتوقف. تتعامل الكانطية والنفعية الليبرالية بوصفها عقائد شاملة، في حالة أخرى، مع “الاستقلالية” و”الفردية” باعتبارها مفاهيم رئيسية في التعبير عن رؤية أطراف معينة، لا يمكنها دعم المؤسسات الأساسية لمجتمع توجد فيه العديد من المذاهب الشاملة الأخرى سواء كانت علمانية أو غير علمانية.
إن مفتاح هذا الموقف هو حقيقة “التعددية المعقولة”[4] كما في طرح راولز. يشير مصطلح “التعددية” إلى وجود “مذاهب شاملة” متنوعة، ويشير المصطلح “معقولة” أولاً وقبل كل شيء إلى موقف وعقلية أولئك المستعدين، في سياق العلاقات بين الأفراد، للانخراط في تعاون عادل، وأتباع القواعد العامة طالما يتبعها الأخرون وعلى قدم المساواة. يختلف هذا عن “العقلاني” حيث يشير الأخير إلى الاختيار الدقيق للوسائل الفعالة لأهداف معينة، أو الترتيب الحكيم لأهداف مختلفة ضمن خطة حياة كاملة. فمن أجل أن يكون لأيً مجتمع حقيقة اجتماعية تسمى التعددية المعقولة، “ينبغي أن يكون المواطنون معقولين بهذا المعنى. يعتقد راولز أنه يمكن وصف المجتمعات الليبرالية في الغرب المعاصر بهذه الطريقة؛ وبالتالي، يمكن اعتبار حقيقة” التعددية المعقولة “، في رأي رولز، الأساس الفعلي والداعم السياسي الثقافي لفكرته عن” العدالة كأنصاف”، من بين المفاهيم السياسية الأخرى للعدالة.
هناك زحزحة مثيرة للاهتمام، في موقف راولز المُبيًن أعلاه، بين دور الفيلسوف ودور المواطن: بينما يرى رولز أن لا يبرر الفيلسوف المفهوم السياسي من وجهة نظرنظام فلسفي معين؛ على المواطن أن يتصرف مثل الفيلسوف، بمعنى أن عليه أن يفهم ويدعم مفهوم للعدالة من وجهة نظره هو أو رؤيته للعالم ونظامه القيمي بالإضافة إلى تبريره عن طريق العقل العام. عندها فقط ،كما يقول رولز، يمكن أن يكون هناك “استقرار نتيجة للأسباب الصحيحة”[5] في ظل التعددية. وعندها فقط يمكن أن تحضى فكرته عن “العدالة كأنصاف” بقبول الناس على أساس الأسباب وليس نتيجة لضغط خارجي، أو جهل الفرد. تختلف هذه “الأسباب” من شخص لآخر، والإجماع على فكرة معينة توصل إليها أشخاص مختلفون لهذه الأسباب هو ما يسمى “الإجماع المتقاطع”.
جذبت فكرة الإجماع المتقاطع، اهتمامًا واسعًا بين المنظرين السياسيين والاجتماعيين منذ أن تمت الدعوة إليها، خاصة منذ أوائل التسعينيات،. سأناقش في ما يلي، بعض التفسيرات والتفصيلات للفكرة بوصفها مفيدة من وجهة نظري في جهودنا لاستكشاف إمكاناتها في التعامل مع مسألة الاستقرار السياسي في المجتمعات المحلية التعددية ومسألة القواعد الثقافية المتعددة لحقوق الإنسان العالمية على المستوى العالمي.
2 – يمكن فهم فكرة الأجماع المتقاطع كتوافق في الآراء في المرحلة الأولى على أنها الحالة التي يكون فيه الأشخاص، على الرغم من اختلاف مواقعهم بشأن مسألة معينة، متشابهين في مواقفهم تجاه بعضهم البعض: فهم يعاملون بعضهم البعض بطريقة معقولة.
السمة الرئيسة لهذا الفهم لفكرة “الإجماع المتقاطع” كتوافق للآراء هي فك الارتباط بين “المعقول” و “التوافق” والتأكيد على العلاقة بين “المعقول” و”الخلاف”. لقد أولى جميع الذين يدافعون عن ما يسمى بـ “نظرية إجماع الحقيقة” من بيرس إلى هابرماس، اهتمامًا خاصًا بالعلاقة بين “المعقولية” و”الإجماع”، فيما يتعلق بـ “الإجماع المعقول” أو “الإجماع العقلاني” على أنه يضمن الحقيقة، فحقيقة الأفتراض أو القضية تعني الوعد بتحقيق إجماع معقول على ما قيل. أو بتعبير هابرماس: ” تعني الوعد بالتوصل إلى إجماع عقلاني حول ما يقال.”[6] لا يطبق هابرماس نظرية الإجماع على مشكلة الحقيقة فحسب، بل على مشكلة الصحة المعيارية أيضًا، وما الذي يجعل الإيفاء بالوعد للتوصل إلى إجماع عقلاني أمرًا عمليًا بدلاً من مجرد خطاب نظري. في الخطابات العملية، “معايير العمل هذه هي فقط التي يمكن لجميع الأشخاص المتضررين أن يتفقوا عليها كمشاركين في الخطابات العقلانية.”[7]
على الرغم من أن هابرماس أواضح أن المواقف الحقيقة بعيدة عن أن تكون كاملة، وأن هدف التوصل إلى توافق في الآراء أبعد ما يكون عن اليقين، إلا أنه يعطينا انطباع أنه، من بين مختلف الأفكار حول مشكلة معينة، وطالما أنها تختلف عن بعضها البعض، فواحدة على الأقل ليست عقلانية أو معقولة. بمعنى آخر، يبدو أن هابرماس يعترف بإمكانية وجود “إجماع معقول” ويرفض إمكانية ظهور “خلاف معقول”، لكن الأخيرة فكرة رئيسية في الليبرالية السياسية لراولز. ووفقًا لراولز، أن العديد من الخلافات ربما لا تكون ناتجة عن تحيزاتنا وجهلنا وأنانيتنا وتفكيرنا الذي نتمناه؛ ولكن لأن هناك في الحياة السياسية وفي عملية ممارسة قدرتنا على التفكير والحكم، والتعقيدات التي تنطوي عليها العلاقات بين الأهداف والوسائل، وفي تقييم أدعاءات كل شخص، وفي تطبيق قدرتنا النظرية ووزن الأدلة لدينا وهلم جرا، الكثير من الصعوبات التي لايمكن تجنبها الا بالكاد وشق الأنفس. يصف راولز هذه الصعوبات بأنها “أعباء الحكم”؛ ونتيجة لهذه الأعباء، حتى الأشخاص المعقولون للغاية قد يصدرون أحكام مختلفة بشأن المشكلة نفسها: ” نصدر العديد من أحكامنا الأكثر أهمية في ظل ظروف لا يتوقع فيها أن يصل الأشخاص الذين يعملون وفقا لما يمليه الضمير ويتمتعون بسلطات تفكير كاملة، حتى بعد الحصول على احرية مناقشة، الى النتيجة نفسها”.[8]
تحظى فكرة راولز حول “الخلاف المعقول” بتقدير كبير من قبل الفيلسوف النرويجي غرامين ، الذي يعتقد أن راولز أظهر بشكل مقنع “موقف المحاججة المثالي بالمعنى الذي يطرحه هابرماس يخضع لأعباء الحكم”،[9] ولا يجب أن نتوقع أبدًا سوف تختفي الخلافات تماما على المدى الطويل. وأستنتج من ذلك أن “الفاعلين السياسيين المعقولين يجب أن يتعلموا التعايش مع خلافات معقولة”[10] لأن هذه “الخلافات” ناتجة عن “أعباء الحكم”، وغالبًا ما نكون راضين عن “إجماع متقاطع” بدلاً من “توافق مؤهل كامل” أيً توافق يمتلك الأهلية الكافية “[11] أو ما يسميه هابرماس begruendete Konsensus”توافق مبرر”،[12] وهذا يعني إجماعًا على أساس أسباب مقبولة من قبل جميع المعنيين. لايركز غرامين على ضرورة ” الإجماع المتقاطع” وتوافق الآراء نتيجةً لعدم احتمالية “الإجماع المؤهل”، ولكن على عدم ملاءمة إثارة المشكلات التي لا يمكننا أن نتوقع التوصل إلى إجماع مؤهل بشأنها في المناقشة العامة ولا الى نتيجة معقولية بمعنى “الخلاف المعقول”. ولكي نكون أكثر دقة، فإن النقطة التي يشدد عليها غرامين هي ما يسميه راولز “طريقة التجنب”معبراً عنها قائلاً: “باتباع طريقة التجنب، نحاول، قدر الإمكان، عدم تأكيد أو إنكار أي آراء دينية أو فلسفية أو أخلاقية أو تفسيراتهم الفلسفية المرتبطة بالحقيقة ووضع القيم “.[13]
تضمين فكرة “الخلاف المعقول” في فكرة الإجماع المتقاطع “أمر مهم حقًا للوحدة السياسية والاستقرار الاجتماعي في ظل ظروف التعددية، لأننا في كثير من الحالات نحتاج إلى تجنب البحث عن أي إجماع مؤهل، ايً يدعي أنه يمتلك الأهلية الكافية، أو أي إجماع يعتمد على أسباب مشتركة تبدو بعيدة عن متناولنا. ومع ذلك يعاني هذا الفهم للتوافق من ضعف كونه سلبي للغاية لأنه يركز أكثر على “التقاطع” أو التداخل بدلا من “الإجماع”، أويركز أكثر على “الخلاف” بدلا من “الاتفاق”. يلعب، في فكرة الخلاف المعقول، كل من” الخلاف “و” الاتفاق “دورًا مهماً : فيكون” الخلاف المعقول” معقولاً “لأن يشترك الأشخاص في ميزة المعقولية نفسها في مواقفهم تجاه بعضهم البعض، وفي المذاهب التي يحملونها في بعض الأحيان ايضاً، كما يجادل راولز. والقول إن الأشخاص معقولون، وفقًا لرولز، يعني أنهم مستعدون “لأقتراح مبادئ ومعايير كشروط تعاونية عادلة والالتزام بها طواعية، مع التأكيد على أن الآخرين سوف يفعلون ذلك أيضًا.”[14] والقول إن هذه العقيدة معقولة، يعني أن هذا المبدأ يلبي المطالب النظرية في الاتساق والتماسك بمستوى معين، ويلبي المطالب العملية بطريقة معينة لترتيب وموازنة القيم المختلفة، والمستقرة بمرور الوقت ولا تخضع للتغييرات المفاجئة وغير المبررة.[15]
3 – يمكن فهم الإجماع المتقاطع ” في المرحلة الثانية على أنه الموقف الذي يختلف فيه الأشخاص حول قيمهم ولكنهم يتفقون على المعايير: الأشخاص الذين يحملون قيم مختلفة يقبلون ويتبعون مجموعة مشتركة من المعايير. يمكن اعتبار الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور كحالة نموذجية للجهود المبذولة للتمييز المفاهيمي بين “المعيار” و “القيمة” ثم تطبيق هذا التمييز على فهم فكرة ” الإجماع المتقاطع”. يقول تايلور عند مناقشة مشكلة ما هو إجماع غير إجباري: “أفترض أنه سيكون مثل ما يصفه راولز في كتاب ” الليبراليه السياسية” بأنه” إجماع متقاطع “.[16] ويقول ايضاً، إنه يمكن أن نجد في جميع الثقافات إدانة للإبادة الجماعية والقتل والتعذيب والعبودية، وما تعبر عنه هذه الإدانات هي معايير العمل التي عليها إجماع عالمي. يوجد أسفل معايير العمل المشترك هذه “قيم اساسية عميقة “، “عادة ما تنتمي إلى تبريرات غير متوافقة مع بعضها البعض.[17]
يعتمد تايلور هنا على التمييز المفاهيمي بين المعيار والقيمة لكن لم يوضحهُ بالتفصيل؛ في حين يلعب هذا التمييز دورًا مهمًا في نظرية هابرماس عن الفعل التواصلي . إن تطور هذا التمييز، حسب هابرماس، هو إنجاز مهم في عملية تنمية الوعي الأخلاقي الفردي وفي عملية ترشيد حياة المجتمع. عندما أنتقد هابرماس راولز بخصوص معاملته الحقوق كخيرات في التجربة المثالية لـ “الموضع الأصلي”، كان بقصد توضيح أنه يمكن تلخيص الاختلافات بين “المعيار” (الذي تنتمي إليه الحقوق) و “القيم” (التي تنتمي إليها الخيرات)، أيً تختلف القواعد عن القيم في أربعة نقاط هي: أولاً، في علاقتها بالقواعد الحاكمة كضد للفعل الغائي؛ ثانياً ، بشكل ثنائي بدلاً من الترميز والتصنيف التدريجي لمطالب الصلاحية؛ ثالثا، في مطلقيتها بدلا من الارتباط النسبي؛ وأخيراً، المقاييس التي يجب أن تفي بها انظمة المعايير تكون بديلاً أو ضد أنظمة القيم.[18]
تظهر هذه الفروق المجردة بين المعايير والقيم في طرق تطبيقها في الحياة اليومية: يختلف الرد على المشكلة “ما يجب أن أفعله”، على أساس المعايير بشكل قاطع عن الرد على أساس القيم. يأمرني المعيار أن أفعل شيئا، بينما تنصحني القيمة أن أفعل شيئا آخر. يخبرنا السابق ما هو جيد للجميع، أو ما هو في صالح الجميع، في حين يخبرنا الأخير ما هو جيد بالنسبة لي أو لنا.
على الرغم من أن كلاهما يقبل التمييز المفاهيمي بين القواعد والقيم، والاتفاق على أن الأشخاص ذوي القيم المختلفة يمكنهم قبول واتباع المعايير نفسها، إلا أن هابرماس وتايلور ينظران الى العلاقة بين المعايير والقيم بشكل مختلف. بينما يعتقد تايلور، مثل رولز، أن القيم المختلفة يمكن أن تكون أساس بديل للمعايير نفسها، فإن هابرماس يولي المزيد من الاهتمام لتبرير المعايير في الخطاب الأخلاقي Ethics (المتعلق بالسؤال “ما هو جيد لجميع الأطراف المعنية”) بدلاً من الخطاب الأخلاقيMoral ( المتعلق بالسؤال “ما هو خير أو جيد بالنسبة لي أو” بالنسبة لنا). يعترف هابرماس بأن يتم التوصل في المجتمعات التعددية إلى إجماع سياسي في الأساس بين الأشخاص الذين لديهم “قيم” مختلفة (وذات اهتمامات مختلفة) بشأن “معايير” مشتركة (بما في ذلك “المبادئ” باعتبارها “معايير رفيعة المستوى”)،[19] ولكنه يجادل بأنه علينا التمييز بين “الإجماع” كحدث اجتماعي و “الإجماع” باعتباره إنجازًا معرفيًا، أو التمييز بين القبول، والمقبولية.[20] يمكن أن يخضع الأفراد لأتفاقات على معيار معين على أساس يمكن أن تلقى أنظمة قيمهم القبول؛ لكن الأشخاص الذين يدعون مقبولية المعيار يجب أن يعطوا أسبابًا في سياق أو سيرعملية النقاش مع الآخرين وأن يتمكنوا من إقناعهم بقبول هذه الأسباب باعتبارها صحيحة. فليس المشاركين في هذا النقاش مجرد مراقبين للأشياء، ولا أعضاء في المجموعة الثقافية التي تناقش قيمهم المشتركة، بل مشاركون في “خطاب أخلاقي يطالب كل منهم بأن يكون لديه وجهة نظر أخلاقية”، ولكن لايعتبرها الطريقة الأخلاقية الوحيدة في الحياة. بمعنى أن المشاركين في الخطاب الأخلاقي يحتاجون عادةً إلى التوصل إلى توافق في الآراء مع أشخاص من ثقافات مختلفة وأنظمة قيم أخرى؛ وللقيام بذلك، ينبغي أن يكون لديهم الكفاءة لفهم منظور بعضهم البعض، أو حتى اتخاذ وجهة نظر مثالية، من أجل تقرير ما إذا كان معيار معين فيه مصلحة متساوية لجميع المعنيين.
لا يوافق راولز على انتقادات هابرماس له، لكن في رده على هابرماس، يحاول أن يزيل سوء فهم” هابرماس” له ويقترب من موقف هابرماس. فيرى إن ” الإجماع المتقاطع” على المفاهيم السياسية للعدالة، ليست اتفاق مصالح يسعى السياسيون إلى تحقيقها في السياسة اليومية، بل هو “الإجماع المتقاطع المعقول”؛ وأنه معقول لأن لايتم تبرير المفهوم السياسي على اساس العقل العمومي في المرحلة الأولى، ثم يُعطى التبرير الكامل من قبل أعضاء المجتمع المدني كمواطنين أفراد في المرحلة الثانية، ولكن يقدم تبريراً عامًا من قبل المجتمع السياسي في شكل إجماع متقاطع بين جميع الأعضاء المعقولين في المجتمع السياسي نتيجة لتضمينهم المفهوم السياسي في وجهات نظرهم الشاملة المعقولة ايضاً.[21] يجادل راولز بأن الاستقرار الذي يسعى إليه هو “الاستقرار للأسباب الصحيحة”، و” الإجماع المتقاطع” الذي يقوم عليه هذا النوع من الاستقرار يتطلب في الواقع شيئًا قد يسميه هابرماس “منظور أخلاقي”. يوضح راولز في تفسير ما يسميه “التوازن الواسع والعام” نواة هذا التبرير العام، ويصفه بأنه “توازن موضوعي بالكامل: أي أن كل مواطن قد أخذ في الاعتبار منطق وحجج كل مواطن آخر.”[22]
هنا نقطة واحدة تستحق اهتمامًا خاصًا، هي أن هابرماس يجادل في التمييز بين “الإجماع” كحدث اجتماعي و”الإجماع” باعتباره إنجازًا إبستيمولوجيا (معرفيًا)، أو تمييزًا بين قبول معيار ما ومقبولية معيار ما، وليس فقط من أجل فصل “الاستقرار للأسباب الصحيحة” من الاستقرار دون هذه الأسباب، ولكن أيضًا لتجنب فهم خصوصي أو سياقي لمبادئ العدالة. يشدد رولز على دور الثقافة السياسية في نظريته،بأوصفها أساس واقعي لليبرالية السياسية في المجتمع الديمقراطي كما يرى.
يقول راولز:” تتميز الثقافة السياسية لمجتمع ديمقراطي دائمًا بتنوع العقائد الدينية والفلسفية والأخلاقية المتعارضة وغير القابلة للتوفيق بينها. إن يعضها معقولة تمامًا، ويعتبر هذا التنوع بين العقائد أو المذاهب الليبرالية السياسية المعقولة نتيجة حتمية لقوى العقل البشري في العمل في ظل المؤسسات الحرة الدائمة على المدى الطويل.[23]
تقوم مفاهيم راولز مثل “التعددية المعقولة”،”الاستعمال العمومي للعقل”، و”الإجماع المتقاطع” حول مفهوم العدالة، وما إلى ذلك، على أساس هذه الثقافة السياسية وتوفير أدوات مفاهيمية لفهم الذات. إن الثقافة السياسية باعتبارها واقع، هي شيء خاص أو معين؛ وإذا كانت تستند مبادئ العدالة على المستوى العام إلى الثقافة السياسية لمنطقة معينة أو تقليد معين فقط ، فهناك خطر مستتر يتمثل في التخلي عن طلب التبرير العالمي لهذه المبادئ. يمكن أن يؤدي هذا الموقف الخصوصي إلى نتيجتين. من ناحية، سيكون من الصعب، إيجاد عناصر في الثقافة السياسية القائمة تكون أساساً للنقد ولتجاوز هذه الثقافة والمؤسسات القائمة عليها. من ناحية أخرى، سيجعل من الصعب التحدث عن عالمية أو شرعية عالمية لمؤسسة معينة خارج مجتمع معين وتقاليده الثقافية. لا يتفق هابرماس مع ريتشارد رورتي، الذي يعتبر راولز زميلًا له “بموقف تاريخي مناهض للعولمة”.[24] لكن هابرماس يصر على أنه من أجل الحفاظ على مسافة واضحة عن هذا الاتجاه، ينبغي وضع تصور للعدالة يتحقق من خلال توضيح تأويلي لتقليد ممكن أختباره في خطاب أخلاقي لمعرفة ما إذا كان ليس مقبولاً فحسب، ولكن له مقبولية أيضاً.[25]
عندما نتفق مع هابرماس في التأكيد على أهمية “التبرير الأخلاقي” للمعايير المشتركة مقابل تبرير القيمة المنفصل أو التبرير الأخلاقي، لابد أن نضيف أن هابرماس ربما أهمل حقيقة هي: أنه، من المهم للغاية أن يتم قبول عالمية المفهوم السياسي ومبادئ العدالة من قبل الناس من قلوبهم أو على أساس قيمهم العميقة الجذور، وأن الاستقرار الاجتماعي الذي يدعمه القبول بالمعنى الذي يقول به راولز، يختلف أختلافاً كبيرأً عن الاستقرار الاجتماعي الذي يتم المحافظة عليه بطرق أخرى، مثل التسوية المؤقتة للمصالح وتوازن القوى، أو حتى الإكراه والخداع. بالنظر إلى التمييز بين المعايير والقيم، ووجود الاتفاق على المعايير والخلاف حول القيم، فقد يكون لدينا كلا النوعين من المبررات للمعايير المشتركة في الوقت نفسه: التبرير لمبادئ الصحيح والخاطئ الأخلاقي moral justification والمبرر الأخلاقي ethical justification وليس فقط الدافع الأخلاقي، كما يقول هابرماس.
4 – يمكن فهم “الإجماع المتقاطع”، في المرحلة الثالثة، على أنه الموقف الذي يعترف فيه مختلف الأشخاص بأنه على الرغم من عدم أتفاقهم في الحاضر، فأنهم على استعداد للتوصل إلى اتفاق في المستقبل: بمعنى أن الأشخاص ذوو الآراء والمواقف المختلفة اليوم منخرطون في تعايش سلمي والتواصل على قدم المساواة من أجل تعميق فهمهم المتبادل وحتى السعي إلى “دمج الآفاق” غدا أو بعد غد.
يعتقد كل من راولز وتايلور، كما ذكرنا أعلاه، أنه من الأهمية بمكان لأصحاب القيم المختلفة فهم ودعم المعايير التي يتفقون عليها والواردة من أنظمة القيم الخاصة بكل منهم. هنا يجب أن نولي المزيد من الاهتمام لحقيقة أنه على الرغم من الأتفاق على أهمية دعم القيم للمعايير، ألاً أنهم يفهمون هذه الأهمية من وجهات نظر مختلفة. يوضح راولز دعم القيم للمعايير أو المبادئ التي توفرها المذاهب الشاملة بشكل أو بآخر من خلال دائرة تأويلية: فمن ناحية، ستدعم المذاهب الشاملة المفهوم السياسي للعدالة طالما كانت معقولة؛ ومن ناحية أخرى، يتميز المجتمع الليبرالي بـ “أولوية الحق على الخير”، وهذا يعني ” يجب أن تحترم الأفكار المقبولة عن الخير حدود المفهوم السياسي للعدالة وتخدم دورًها فيه”.[26] يكتفي راولز باثبات أن أنظمة القيم المعقولة المختلفة يمكن أن تدعم مجموعة المعايير أو المبادئ نفسها، وهذا النوع من الدعم يكفي لتحقيق “الاستقرار للأسباب الصحيحة” بالنسبة له. لذلك، لا يحاول، كما يفعل هابرماس، الخروج من هذه الدائرة عن طريق نظرية الخطاب أو البراغماتية الشاملة؛ ولا يشدد، مثل تايلور، على الأهمية الكامنة للدعم القائم على القيمة للمعايير المشتركة فيما يتعلق بكرامة الفرد وشؤون المجتمع. يعتقد تايلور أنه على الرغم من وجود اختلافات كبيرة بين مختلف العقائد اللاهوتية والميتافيزيقية، وغالباً ما لا يتصرف الناس بطرق يقولون أو يفكروا في اتباعها، فهناك درجة عالية من الإجماع على مطالب العدالة والمحبة، وأهميتها. ولكن ما هو الأساس لهذا الإجماع؟ ما هي “المصادر الأخلاقية” للقواعد والمعايير التي نتفق عليها؟ تعتبر المصادر الأخلاقية للمعايير الشاملة والعالمية، من وجهة نظر تايلور، مهمة للغاية، لأنها تتعلق بمشكلة كيفية ” فرض هذه المعايير”.[27] وقد تنشأ هذه المعايير لأننا نشعر بأننا ملزمون للقيام بذلك الفعل أو لأننا سنشعر بالذنب أو غير راضين عن أنفسنا إذا لم نتبع هذه المعايير. ويعتقد تايلور ” هناك اختلاف تام بين أن نتحرك بإحساس قوي بأن البشر يستحقون المساعدة أو المعاملة بعدالة، والإحساس بكرامتهم أو قيمتهم،”[28] أو نتيجة للشعور بالذنب أو الضيق والرضا عن النفس.”[29]
إنه من السهل إدراك أن المعايير العالمية لها مصادر أخلاقية، ولكن ليس من السهل التعامل مع حقيقة أن هذه المصادر الأخلاقية لا تختلف فيما بينها فحسب بل في صراعات حادة في كثير من الأحيان. إن كلا من الليبرالية السياسية لراولز ونظرية الخطاب الديمقراطي لهابرماس، هما في التحليل الأخير، معالجة لهذه المشكلة الحديثة والصعبةً. يعارض تايلور الجهود التي يمثلها راولز وهابرماس لتجنب الصراع بين مختلف المصادر الأخلاقية للمعايير العالمية من خلال مقاربة أونهج إجرائي تجاه الأخلاق. يعترف تايلور أنه من الصعب الحفاظ على المصادر الأخلاقية أو الروحية بأنواعها المختلفة وتجنب نفيها المتبادل وتدميرها لابعضها. يأخذ تايلور هذه المهمة كتحدي خطير يجب مواجهته، في نهاية كتابه “مصادر الذات” المنشورة عام 1989، ويأخذ احتمال أن يواجه هذا التحدي ويأمل أن يكون مقتنعًا به،[30] لكنه غير قادر على إعطاء أسباب كافية لذلك . لم يخفي تايلور اللون الديني لهذا الأمل في ذلك الوقت، لكنه حاول في وقت لاحق إعطاء هذا الأمل تبريراً فلسفية بدلاً من التبرير الديني، الذي يمثل النواة الراي القائل: أنه يمكن لمختلف أنظمة القيم ووجهات النظر العالمية، من خلال الحوارات القائمة على الاحترام المتبادل، والسعي من أجل التفاهم المتبادل، بدمج الآفاق. هنا تأتي النقطة الرئيسية لما أسميه المرحلة الثالثة من الإجماع المتقاطع.
يوضح تايلور، في الورقة المذكورة أعلاه المنشورة في عام 1996 حول الإجماع المتقاطع فيما يتعلق بحقوق الإنسان، الحالة التي يمكن أن تبرر حقوق الإنسان من خلال نزعة الإنسنة أو فكرة القدرة البشرية على أتخاذ القرارات وفرضها على العالم الغربية والمطالب البوذية لأهيمسا (مبدأ اللاعنف تجاه جميع الكائنات الحية)، حيث يأخذها كدليل على أنه يمكن أن تحصل المعايير العالمية على توافق في الآراء بين الثقافات. لكنه أشار على الفور إلى أن هذا النوع من الإجماع ليس نهاية مرضية: “يجب أن تتبعها محاولات فهم أعمق وألاً ستبقى مكاسب الاتفاق هشة”.[31] لا يمكن أن يكون الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ظل هذا الشرط كاملاً. علاوة على ذلك، فإن فمثل هذا الإجماع الذي تم التوصل اليه في ظل مثل هذا الوضع لا يصاحبه عادة الاحترام الكافي المتبادل ، فالاحترام لا غنى عنه لضرورة تجديد الإجماع من خلال التعامل مع الخلافات في عصرنا باستمرار: إذا كان هناك إحساس قوي من كل طرف بأن الأساس الروحي للطرف الآخر مثير للسخرية وأدنى منزلة، وبلا قيمة، فإن هذه المواقف لا يمكن إلا أن تستنزف إرادة الموافقة مع أولئك الذين يحملون هذه الآراء مع إثارة الغضب والاستياء عند أولئك الذين انخفض تقديرهم.[32]
لذلك يؤكد تايلور على أهمية التفاهم المتبادل:”العلاج الوحيد للأزدراء هنا هو الفهم”.[33] يكون التفاهم المتبادل بين القيم المختلفة الكامنة وراء المعايير المشتركة ،في بعض الحالات، هو مستوى أعلى من التوافق الذي تم تحقيقه بعد الإجماع المتقاطع حول المعايير، كما في حالة الإنسانوية أو الأنسنة الغربية والفكرة البوذية لأهيمسا حيث يتعين عليهم الأنتقال الى إلى تبادل الاحترام من خلال التفاهم المتبادل بعد التوصل إلى توافق في الآراء بشأن حقوق الإنسان. ومع ذلك يكون التفاهم المتبادل بين القيم الأساسية المختلفة، في بعض الحالات، هو الخطوة الأولى نحو توافق متقاطع محتمل بينهما، لأنه، كما تظهر حالة الفجوة بين الغربيين الحديثين وبعض المجتمعات غير الغربية بشأن مسألة المساواة بين الجنسين، إذا لم يكن هناك حد أدنى من الاحترام المتبادل بين الموقفين، فمن الصعب البدء في تقليل الفجوة بينهما منذ البداية.
أرى أن يكون للفهم المتبادل للقيم المختلفة أو رؤى العالم التي لها إجماع متقاطع حول القواعد والمبادئ المشتركة، أمر مهم ليس فقط لأنه يمكن من تعزيز الإجماع، ولكن لأن يمكن العلاقات المعنية تحسين وإثراء نفسها أيضًا. يبدو الإجماع المتقاطع بالمعنى الذي يقول به راولز ثابت أساسا؛ فلا توجد تغييرات كبيرة داخل وجهات النظر العالمية أو رؤى العالم المختلفة، أو أنظمة القيم، أو المذاهب الشاملة بعد الدخول في مرحلة توافق الآراء. ذكر رولز أن الثقافة السياسية للديمقراطية الليبرالية يمكن أن تؤثر على رؤى العالم المختلفة، وأنه في ظل هذه الثقافة السياسية، ستصبح بعض هذه الرؤى أكثر عقلانية. لكن راولز لم يلتفت الى احتمال ظهوررؤى للعالم مختلفة في الحوارات ويحدث تغييرها وتحسينها من خلال هذه الحوارات أو على الأقل لم يشدد على هذا الأحتمال. “يطالب تايلور بأن” يسعى الإجماع المجرد “العاري” إلى المضي قدماً نحو اندماج الآفاق”؛[34] لكن لايوافق رولز على هذا الطلب، ونحن لانتفق معه ربما ايضاً، لأن الاندماج الكامل للآفاق ليس بالضرورة مرغوبًا فيه، حتى إذا كان ذلك ممكنا. لكن بعض المطالب الضمنية في فكرة “دمج الآفاق” تستحق اهتمامنا الجاد: فعلى سبيل المثال، علينا أن نبذل قصارى جهدنا لفهم فكرة لا نوافق عليها في البداية؛ وأن نبذل قصارى جهدنا لنكون غير عدائيين أزاءها وأكثر تسامحًا واحترامًا لها.
لم يعد الإجماع المتقاطع بهذا المعنى مجرد “حدث اجتماعي” كما أشار إلى ذلك هابرماس عندما أنتقد راولز، ولا حتى مجرد إنجاز إدراكي بالمعنى الذي يقول به هابرماس، ولكنه هو أيضًا نمواً روحياً أو تقدماً حضارياً شاملاً وخلاقاً على حد سواء. هناك العديد من الطرق المختلفة في العالم ولكنها تأخذ الوجهة نفسها. فهناك مائة المداولات ولكن تؤدي الى نتيجة واحدة: إن العلاقة بين ” طرق مختلفة كثيرة” و”الوجهة نفسها”، وبين مئات المداولات” و”النتيجة الواحدة”، ليست علاقة بين وسائل وغايات، أو بين عمليات وأهداف. ولا تعني عمليات التعلم الجماعي والتقدم الحضاري بهذا المعنى، استبدال الواحدة بالآخرى، ولا نقل كل شيء إلى المستوى نفسه؛ وليس مضامينها أو مواضيعها محددة سلفا أو ثابتة إلى الأبد.
5 – أريد أن أثير ، في الجزء الأخير من الدراسة، مسألة العلاقة بين النظرية والتطبيق، وهي محور اهتمام دائم لاسيما في التقليد الماركسي. في رأيي، يعتبر الوصول إلى توافق في الآراء بين الناس وبين الشعوب، ممارسة تاريخية المطلوب أن نشارك فيها جميعًا بطريقة معقولة.
تستحق بعض أفكار لي زيهو اهتمامنا في هذا الصدد بوصفه أحد أهم الفلاسفة الصينيين المعاصرين، أيً كفكر من اقصى الشرق يثني على أفكار فيلسوف من اقصى الغرب، أقصد على فكرة راولز حول “الإجماع المتقاطع”، وأحد المفاهيم الأساسية التي تتعلق بالتمييز بين “الحق” و”الخير”. يرى لي زيهو هناك نوعان من الأخلاق، تسمى أحدهما “الأخلاق المجتمعية”، والآخر “الأخلاق الدينية”. تهتم الأخلاق المجتمعية بمشكلة الحق، بينما تهتم الأخلاق الدينية بمشكلة الخير. يقول لي زيهو: تتفق نظرية راولز حول الإجماع المتقاطع مع هذا التمييز تمامًا، وهذا يعني فصل معايير العمل ومبادى الحياة في مختلف المجتمعات والمناطق والبلدان والثقافات في العالم الحديث عن العقائد والمعتقدات والعواطف والأخلاق التي تروج لها مختلف تقاليد الأديان و”العقائد”، وقطع العلاقات السببية لهذه المعايير والقواعد في المعنى التاريخي والنظري. لا نحتاج، على سبيل المثال، لتتبع مطالب الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية في المجتمعات الحديثة العودة إلى المسيحية أو الثقافة اليونانية؛ يجب أن نعترف بوضوح بأن هذه المبادئ السياسية والقانونية يتم اتباعها عادة في العلاقات الحديثة بين الأشخاص.[35]
تعبر الجملة الأخيرة من المقطع المذكور أعلاه عما يعتقد لي زيهو أنه فهمه الخاص أو إسهامه الخاص في فهم فكرة “الإجماع المتقاطع”. لا يبدو أن رولز، وفقًا لما قاله لي زيهو، قد قدم تفسيراً واضحًا للسؤال عن كيف يمكن تحقيق الإجماع المتقاطع على مستوى الأخلاق السياسية المنفصلة عن التقاليد الدينية أو الثقافة أو المعتقد ومن أين يأتي ذلك الأجماع. يعتمد رد لي زيهوعلى هذه المشكلة على الأطروحة الماركسية الكلاسيكية القائلة بأن القانون والأخلاق باعتبارها بنية فوقية يتحددان على أساس الحياة الاقتصادية والمادية: فالموضوعية الشاملة والعالمية لما يسمى “الأخلاق المجتمعية الحديثة”، كما يقول لي زيهو، تأتي من تقارب العالم أو الأندماجه في حياتنا الاقتصادية.[36] وإن التغييرات في حياتنا الأخلاقية والروحية، نتيجة للتقارب في حياتنا المادية اليومية، بما في ذلك الضروريات الأساسية للحياة، والرعاية الطبية، والعمل، والنقل، والترفيه، والمعلومات، وما إلى ذلك، أنه لا مفر منها في اتجاه تنامي الوعي الذاتي للفرد وتحريره واستقلاله. فيقول: وهذا هو”ما تطلبه الليبرالية والأخلاق المجتمعية الحديثة”.
إن للأفراد فقط الالتزام بالحد الأدنى من الواجبات في الحياة الحديثة، واتباع الحد الأدنى من القواعد أو المعاييرالعامة، مثل الاحتفاظ بالعقود، ورعاية الممتلكات العامة، واحترام النظام، واتباع القواعد الأخلاقية المهنية، والوفاء بالخدمة العسكرية الإلزامية، وتجنب إلحاق الأذى بالآخرين، إلخ. إن انتهاك هذه المطالب “غير أخلاقي” بغض النظر عما إذا كانت انتهاكًا للقانون أيضًا، لأنها تضر بترتيب حياتنا المشتركة وحقوق الآخرين.[37]
يؤكد لي زيهو على أهمية مشكلة الأساس التاريخي أو الواقعي لفكرة ” الإجماع المتقاطع” وهو محق في ذلك. فهذه المشكلة مهمة لأن الكثير من الناس في هذه المجتمعات الثقافية المختلفة يقبلون ويتبعون المعايير أو المبادئ نفسها، لذا المطلوب شرحها وتفسيرها لهم من منظورين على الأقل. من ناحية ، تعتبر هذه المعايير المقبولة عالميًا متطلبات وظيفية للأنظمة التي تقود حياتنا ونعيش بها بالمعنى الحديث؛ وطالما تعمل هذه الأنظمة، فهذه المعايير لها قوة ملزمة يتعين علينا الخضوع لها. من ناحية أخرى، نتيجة لحياتنا في هذا العالم الحديث حيث يتم اتباع هذه المعايير كقاعدة، فإننا نميل إلى استيعابها وأستبطانها؛ أو، بعبارة أخرى، لقد أصبحنا اجتماعيًين بشكل أو بآخر بطريقة تنظمها هذه المعايير. ولا يفسرهذا سبب وجوب اتباع هذه القواعد المشتركة فقط ، ولكن أيضًا لماذا نحن على استعداد دائمًا لأتباعها. تقع على النظريات الأخلاقية إعطاء إجابة مبررة من الناحية النظرية على السؤال “الحديث” المشهور “لماذا نكون أخلاقيين على الإطلاق؟”. لكن طالما تعمل، ما أطلق عليها لي زيهو “الأخلاق المجتمعية”، بشكل جيد بالنسبة للأشخاص العاديين الذين خضعوا لعمليات تنشئة اجتماعية طبيعية، فليس هناك مشكلة بالمعنى الحقيقي. أن مشكلة “لماذا تكون أخلاقية؟” (أو “لماذا تكون أخلاقية بالطريقة التي تحددها” الأخلاق المجتمعية “بالمعنى الذي يقول به لي زيهو ؟) تم حلها من الناحية النظرية، وفي الممارسة أو في الحياة اليومية. وهذا الحل متضمن فكرة ماركس التي تقول: تجد “الألغاز التي ضللت النظرية حلها العقلاني في الممارسة الإنسانية وفي فهم هذه الممارسة”.[38] ومن هنا جاءت الفكرة الماركسية حول أولوية “تغيير العالم” على “تفسيره”.[39]
ولا ينبغي لنا، وبالروحية نفسها، أن نبحث عن الأساس الفعلي للرغبة أو للاستعداد لأتباع المعايير المشتركة فقط، ولكن البحث عن الأساس الفعلي لرغبة كل منا في احترام “المصادر الأخلاقية” للمعايير المشتركة أيضًا. علاوة على ذلك، لا ينبغي لنا أن نبحث عن الجهود الفعلية لبناء الأساس الفعلي للرغبة في اتباع المعايير المشتركة فقط ، ولكن نحترم مبررات ودوافع الآخرين التي تستند الى قيًم لأتباع هذه المعايير في الوقت نفسه. إن الإجماع المتقاطع “ليس مجرد فكرة تمت مناقشتها في الفلسفة السياسية، ولا مجرد حقيقة مكتشفة في الثقافة السياسية، ولكن هدف يجب أن نسعى لتحقيقه في الممارسة السياسية أيضًا.
ولكن لا يكفي، في رأيي، رؤية الضرورة الوظيفية للمعايير الاجتماعية المشتركة والآلية النفسية لاتباع هذه المعاييرفقط. فلا ينبغي لنا، على وجه الدقة، إهمال بُعد صحة المعايير أو أختصارمشكلة صلاحيتها بمشكلة واقعها. ترتبط هاتان المشكلتان ارتباطًا وثيقًا وعلينا أكتشافها من خلال دراسة التاريخ الفكري العربي/ الإسلامي في العقود الماضية. لكن لاتعني العلاقة بينهما تكامل الاثنين أو أندماجهما. ولا ينبغي لنا أن نفسر و نوضح كيف ولماذا يتم قبول معايير “الأخلاق المجتمعية” بشكل شامل ولكل شخص فقط، ولكن أن نفسر ونشرح أسباب لماذا تستحق هذه المعايير أن تكون مقبولة بشكل شامل ولكل شخص أيضًا. يجب ألا نقبل أي شيء “كـواجب” لأنه ببساطة أصبح ” موجود” أو بسبب التنبؤ بأنه سوف يصبح “موجود”. هناك دائمًا عناصر متعددة وممكنات في الواقع، ونحن بحاجة إلى اتخاذ قرار بشأن هذه العناصر والإمكانيات التي يجب حفظها أو تطويرها أو تحقيقها، والتي يجب تقليلها أو حتى إزالتها من ناحية. ومن ناحية أخرى، نحن الآن في وضع تكون فيه وسائلنا التقنية لإعادة بناء بيئتنا وحتى على مستوى الكرة الأرض ككل قوية جدًا لدرجة أن بعض إساءة استخدام هذه الوسائل يمكن أن يؤدي إلى عواقب قد لا تكون لدينا وأجيالنا القادمة على الأرجح فرصة للتعويض. ومن هذا المنظور، يمكن أن تكون لأطروحة ماركس الشهيرة: “يصنع البشر تاريخهم الخاص، لكنهم لا يصنعونه كما يحلو لهم؛ فهم لا يصنعونه في ظل ظروف يختارونها بأنفسهم، ولكن في ظل الظروف المعطاة أو التي يجدونها قائمة، وموروثة من الماضي”.[40] قراءة جديدة. صحيح أننا لا نصنع تاريخنا كما يحلو لنا، ونصنع دائمًا التاريخ في ظل ظروف قائمة مستقلة عنا ارادتنا وآتية من الماضي. لكن، إذا كان لدينا فقط، وأعتقد أن لدينا، مساحة صغيرة لأختيار القيام بهذا وليس ذاك، فينبغي أن نكون واضحين في حقيقة أن خيارنا الآن سيصبح على الفور جزءًا من “الظروف القائمة والتي عثرنا عليها مباشرة، وأنها ستكون منقولة أو موروثة من الماضي بالنسبة للأجيال اللاحقة. ونظرًا لحجم القوة التكنولوجية التي لدى البشرية في هذا العصر، فيمكن لخطا صغير نرتكبه الآن أن يحدث فرقاً كبيراً في المستقبل. وبهذا المعنى، لدينا مسؤولية تجاه أجيالنا المستقبلية لا تقل عن أي أجيال سابقة كانت تتحملها أجيالها اللاحقة. من غير المنطقي والخطير في ظل هذا الشرط التأكيد على أولوية التغييرات الاجتماعية أكثر من التغييرات الأخلاقية وتبرير الصلاحية الشاملة العالمية لمعايير العمل العامة من حيث التقاء الحياة الاجتماعية والمادية فقط.
إن السبب وراء ضرورة أخذ فكرة الإجماع المتقاطع على محمل الجد، في الواقع، هو حقيقة أن العولمة الاقتصادية المتسارعة التي تعززها تكنولوجيا المعلومات ونظام التجارة العالمي لديها ميل إلى تسوية الاختلافات الثقافية وتجانس مناطق ثقافية مختلفة في العالم. بدون تنظيم عملية هذه العولمة العملية، تصبح ستجد الحياة الاجتماعية والمادية “أرضية موضوعية” ليس فقط من أجل الصحة العالمية للمعايير الثقافية العابرة للعمل الاجتماعي، ولكن أيضًا لقمع واستبدال أو الحل محل التنوع الثقافي والقيمي. المطلوب أن نكون جادين في فكرة الإجماع المتقاطع من أجل مقاومة “الميل الموضوعي” للتجانس والحد من الثقافات والقيم المتعددة.
لذا تحتاج الأطروحة الماركسية حول العلاقة بين النظرية والتطبيق، إلى دراسة جادة وفهم متجدد عند تطبيقها في مناقشتنا فكرة الإجماع المتقاطع. استصواب الإجماع المتقاطع وإمكانية توافق الآراء في أيامنا هذه مسألة نظرية وعملية، وينبغي النظر إلى الاتصال الوثيق لهذين الجانبين.
أولاً ، تعني “الممارسة” هنا الجهود المشتركة للناس على مستوى المجتمعات المحلية أو الدولية. والاعتراف بأنه في كلا النوعين من المجتمعات هناك مهمة لإقامة “إجماع متقاطع”، ولابد أن نكون واضحين في التمييز بين الحالتين: فبينما حدود المجتمع المحلي عادة هي نفسها الدولة ذات السيادة، لاتوجد حكومة عالمية للتفاعل مع المجتمع الدولي. لذلك، من المهم جدا بذل المزيد من الجهود لدراسة حدود وخصائص “التعددية” و”التوافق” في كل حالة بذاتها.
ثانياً ، تعني “النظرية” هنا التسويغ النظري لكل من الصلاحية الشاملة العالمية للمعايير والتوافق المتبادل بين المعايير العامة والقيم الخاصة. كلا النوعين من التسويغ صعب، والأخير هو الأكثر صعوبة. إن أعتبار “الإجماع المتقاطع” بلا معنى لايجد عندها التوافق المعايير والقيم مايستند اليا.
وأخيراً وليس آخراً، لا يعني “الجمع” بين النظرية والتطبيق هنا أن يهتم المتخصصين في التنظير أكثر بالأساس العملي لنظرياتهم وأولئك المتخصصين في التطبيق أو الممارسة يجب أن يهتموا أكثر بالتوجيه النظري فقط ، ولكن يعني أيضًا أن كلا النوعين من الاشخاص عليهم أن يحاولوا الجمع بين المواقف النظرية والعملية في كيفية أداء عملهم وكذلك في ما يفعلونه. فمن ناحية، أن يدرك أولئك الذين من المفترض أن يقوموا بعمل نظري أنهم “يغيرون” العالم من خلال “تفسير العالم” في عالم مليء بالكلمات الأساسية مثل ” الاقتصاد القائم على المعرفة ” “عصر المعلومات”و” استهلاك الرموز”. يذكرنا الوعي العملي، من منظور فكرة ” الإجماع المتقاطع”؛ بأولئك الذين ينأخذون بنظر الأعتبار أهمية تجنب ومقاومة الأنشطة التي من شأنها إلحاق الأذى بثقافات المجتمعات الأخرى باسم حرية التعبير التي شوهدت في بعض البلدان الأوروبية في السنوات الأخيرة. من ناحية أخرى، يجب أن يدرك من يقومون بالتطبيق أو هذه الممارسات الالتزام بالمشاركة في الخطابات المستنيرة من أجل بناء قراراتنا لأتخاذ إجراءات مشتركة على أحكام مستنيرة ومدروسة جيدًا. ويذكرنا الوعي النظري، من وجهة نظر فكرة “الإجماع المتقاطع”، بأهمية أن يبذل العاملين بالمجال العملي المزيد من الجهود لإدراج وجهات نظر ثقافية ومواقف قيمية مختلفة في عمليات التداول المتعلقة بصنع القرارات وتنفيذها طالما لم تنتهك المبادئ العالمية والمعايير المشتركة.
[1]John Rawls, A Theory of Justice (Cambridge, MA: The Belknap Press of Harvard University Press, 1971, p. 387.
[2] John Rawls, ‘The Domain of the Political and Overlapping Consensus,” in John Rawls, Collected Papers, ed. Samuel Freeman (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1999), p. 473.
[3] John Rawls, Political Liberalism (New York: Columbia University Press, 1996), pp. 173, 212.
[4] Rawls, Political Liberalism, p.36.
[5] John Rawls, “Reply to Habermas,” in Rawls, Political Liberalism, pp. 388-389.
[6] Jurgen Habermas,2002On the Pragmatics of Social Interaction: Preliminary Studies in the Theory of Communicative Action, MIT Press (MA). p. 137.
[7] Jurgen Habermas, Between Facts and Norms Contributions to a Discourse Theory of Law and Democracy, trans. William Rehg (Cambridge, MA: The MIT Press, 1996), p. 107.
[8] Rawls, Political Liberalism, p. 58.
[9] Harald Grimen, “Reasonable Disagreement and Epistemic Resignation; in Philosophy beyond Borders: An Anthology of Norwegian Philosophy, ed. Ragnar Fjetland and Nils Gilje (Bergen: SVT Press, University of Bergen, 1997), p. 276.
[10] Harald Grimen, “Reasonable Disagreement and Epistemic Resignation. p. 276.
[11] Harald Grimen, “Reasonable Disagreement and Epistemic Resignation. p. p. 289 n. 3.
[12] Jürgen Habermas, On the Pragmatics of Social Interaction: Preliminary Studies in the Theory of Communicative Action,MIT Press, 2002, p.135.
[13]Harald Grimen, ”Reasonable Disagreement; • pp. 279-280. See John Rawls, “The Idea of an Overlapping Consensus,” in Rawls, Collected Papers, p. 434.
[14] Rawls, Political Liberalism, p. 49.
[15] Rawls, Political Liberalism, p. 59.
[16] Charles Taylor, “Conditions of an Unforced Consensus on Human Rights,” East Asian Challenge for Human Rights, ed. Joanne R. Bauer and Daniel A. Bell (London: Cambridge University Press,1999), p. 124.
[17] Charles Taylor, “Conditions of an Unforced Consensus on Human Rights,” East Asian Challenge for Human Rights, p.125.
[18] Jurgen Habermas, ”Reconciliation through the Public Use of Reason,” The Journal of Philosophy 92, no. 3 (March 1995): 115.
[19] Jurgen Habermas, The Theory of Communicative Action, Volume 2, trans.Thomas McCarthy (Boston: Beacon Press, 1987, p. 174).
[20] Habermas, ”Reconciliation,” ”Reconciliation through the Public Use of Reason,” p. 122.
[21] Rawls, “Reply to Habermas,” pp. .386-387.
[22]Rawls, Political Liberalism. p. 385.
[23] Rawls, Political Liberalism, pp. 3–4.
[24]Habermas, Between Facts and Norms, p. 62. مقتبس من :
[25] Habermas, “Reconciliation,” p. 122.
[26] Rawls, Political Liberalism, p. 176.
[27] Charles Taylor, Sources of the Self: The Making of the Modernity Identity (Cambridge, Harvard MA: University Press,1989), p. 515.
[28] Charles Taylor, Sources of the Self: The Making of the Modernity Identity, p. 515.
[29] Charles Taylor, Sources of the Self: The Making of the Modernity Identity, p. 516.
[30]Charles Taylor, Sources of the Self: The Making of the Modernity Identity, p. 521.
[31] Taylor, “Conditions of an Unforced Consensus on Human Rights; ‘ p. 137.
[32] Taylor, “Conditions of an Unforced Consensus on Human Rights; ‘ p. 138.
[33] Taylor, “Conditions of an Unforced Consensus on Human Rights; ‘ p. 138.
[34] Taylor, “Conditions of an Unforced Consensus on Human Rights; ‘ p. 138.
[35] Li Zehou: Historical Ontology and Five Essays from 1999 (Beijing: SDX Press), p. 71.
[36] Li Zehou: Historical Ontology and Five Essays from 1999, p. 71.
[37] Li Zehou: Historical Ontology and Five Essays from 1999, 72.
[38] Karl Marx: ‘Theses on Feuerbach,” in The Marx-Engels Reader, second edition, ed. Robert C. Tucker (New York/London: W.W. Norton &Company, 1978), p.145.
[39] أشير هنا إلى أكثر الاراء شهرة لكارل ماركس في كتابه “أطروحات عن فويرباخ”: “لقد قام الفلاسفة بتفسير العالم فقط ، بطرق مختلفة ؛ لكن الهدف من ذلك هو تغييره”. أنظر: Tucker, The Marx-Engels Reader, p. 145.
[40] Karl Marx: ‘The Eighteenth Brumaire of Louis Bonaparte,” in Tucker, The Marx-Engels Reader, second edition, p. 595.